أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة 2017 سنة دولية للسياحة المستدامة من أجل التنمية. وتهدف السنة إلى تعزيز دور السياحة الدولية في التفاهم بين الشعوب والتعريف بالتراث الغني للحضارات والقيم المتأصلة في الثقافات المختلفة، والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030. وسوف تركز فعاليات هذه السنة على تعزيز دور السياحة في المجالات الخمسة الأساسية الآتية: النمو الاقتصادي الشامل والمستدام، الدمج الاجتماعي وتوليد فرص العمل والتخفيف من الفقر، كفاءة استخدام الموارد وحماية البيئة ومكافحة تغير المناخ، القيم والتنوع والإرث الثقافي، التفاهم المتبادل والسلام والأمن.
واعتبر طالب الرفاعي، أمين عام منظمة السياحة العالمية، أن هذه السنة الدولية فرصة فريدة لزيادة مساهمة السياحة في الركائز الثلاث للاستدامة، الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ودفع جميع الجهات المعنية للعمل معاً من أجل جعل السياحة محركاً للتغيير الإيجابي.
وقد أورد تقرير 2016 لمنظمة السياحة العالمية أحدث المعلومات والأرقام حول السياحة العالمية، بما فيها العربية.
تزايدت وجهات السفر سريعاً في أنحاء العالم، ما فتح الباب واسعاً أمام السياحة ومجالات الاستثمار فيها. فتحولت إلى محرك رئيسي للتقدم الاجتماعي والاقتصادي من خلال خلق فرص عمل ومشاريع تجارية وعائدات تصديرية وتطوير البنية التحتية. وتولد السياحة حالياً نحو 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتوفر وظيفة واحدة من كل 9 وظائف.
خلال العقود الستة الماضية، شهدت السياحة توسعاً وتنوعاً مطردين، لتصبح من أكبر القطاعات الاقتصادية وأسرعها نمواً في العالم. ونشأت وجهات سفر جديدة كثيرة بالإضافة إلى الوجهات التقليدية المفضلة في أوروبا وأميركا الشمالية. وازداد عدد السياح الدوليين من 25 مليوناً عام 1950 إلى نحو 1.2 بليون عام 2016، فضلاً عن أكثر من 5 بلايين "سائح محلي" يزورون مناطق سياحية في بلدانهم. كذلك ارتفعت عائدات السياحة الدولية من بليوني دولار عام 1950 إلى نحو 1300 بليون دولار عام 2016، أنفقها الزوار الدوليون على الإقامة والطعام والشراب والترفيه والتسوق والخدمات، يضاف إليها أكثر من 200 بليون دولار قيمة خدمات النقل الدولي للمسافرين. وهذا يرفع قيمة "الصادرات السياحية" إلى 1500 بليون دولار، أي 4 بلايين دولار يومياً في المتوسط.
هكذا، تمثل السياحة الدولية حالياً نحو 7 في المئة من صادرات السلع والخدمات في العالم، وتتبوأ المرتبة الثالثة بعد صادرات الوقود والمواد الكيميائية، لتسبق صادرات الغذاء والسيارات. وفي كثير من البلدان النامية تحتل السياحة مرتبة القطاع التصديري الأول. وقد أظهرت في السنوات الأخيرة قدرة كبيرة على تعويض الضعف في إيرادات كثير من البلدان المصدرة للسلع والنفط الناجم عن هبوط الأسعار.
السياحة الدولية: اتجاهات رئيسية وتوقعات
ازداد عدد السياح الدوليين عام 2015 بنسبة 4.6 في المئة عن العام السابق ليصل إلى ما مجموعه 1186 مليون سائح في أنحاء العالم. وذلك نتيجة ثلاثة عوامل رئيسية هي التقلبات القوية وغير المعتادة في أسعار الصرف، وانخفاض سعر النفط والسلع الأخرى، وازدياد الاهتمام العالمي بالسلامة والأمن. وفي حين سجلت أوروبا، التي يقصدها أكبر عدد من السياح، نمواً بنسبة 5 في المئة، شهد الشرق الأوسط زيادة 2 في المئة، وانخفض عدد السياح في أفريقيا بنسبة 3 في المئة، غالباً بسبب الأوضاع غير المستقرة في بعض بلدان شمال أفريقيا.
وارتفعت عائدات السياحة الدولية عام 2015 بنسبة 4.4 في المئة لتبلغ 1260 بليون دولار. وواصلت فرنسا والولايات المتحدة وإسبانيا والصين احتلال المراتب الأولى في عدد السياح الدوليين الوافدين، تليها إيطاليا وتركيا وألمانيا وبريطانيا والمكسيك والاتحاد الروسي. وتصدرت الصين والولايات المتحدة وبريطانيا في عدد مواطنيها الذين سافروا للسياحة خارج بلادهم.
وتظهر البيانات أن 54 في المئة من السياح الدوليين عام 2015 سافروا إلى وجهاتهم جواً، في مقابل 39 في المئة بالسيارات والحافلات و2 في المئة بالقطارات و5 في المئة بحراً. واستأثر السفر لقضاء العطلات والاستجمام بنحو 53 في المئة من السياح الدوليين، أي نحو 632 مليون سائح. ويسافر 14 في المئة لأغراض تجارية أو مهنية، والبقية لأغراض مختلفة مثل زيارة الأقارب والأصدقاء وأداء فريضة الحج وزيارة الأماكن المقدسة والعلاج الصحي.
وقد ازدادت حصة البلدان الناشئة سياحياً من 30 في المئة عام 1980 إلى 45 في المئة عام 2015، ومن المتوقع أن تبلغ 57 في المئة بحلول سنة 2030.
أفضل الوجهات السياحية في العالم
تحتل الولايات المتحدة والصين وإسبانيا وفرنسا الصدارة في عائدات السياحة وأعداد السياح. وسجلت الولايات المتحدة عام 2015 أعلى العائدات من السياحة الدولية بقيمة 805 بلايين دولار وكانت الوجهة الثانية للسياح إذ استقبلت 78 مليوناً. تلتها الصين التي بلغت عائداتها 114 بليون دولار واحتلت المرتبة الرابعة بعدد الوافدين الذي بلغ 57 مليوناً. وأتت إسبانيا في المرتبة الثالثة بعائداتها التي بلغت 57 بليون دولار وعدد السياح الذي بلغ 68 مليوناً. وحلت فرنسا رابعة في عائدات السياحة التي بلغت 46 بليون دولار عام 2015، لكنها احتلت المركز الأول عالمياً في عدد السياح الذي بلغ 84 مليوناً.
وجاءت بريطانيا في المركز الخامس في عائدات السياحة الدولية، تلتها تايلاند وإيطاليا وألمانيا وهونغ كونغ (الصين) وماكاو (الصين). أما من حيث عدد السياح فجاءت إيطاليا في المركز الخامس، وبعدها تركيا وألمانيا وبريطانيا والمكسيك والاتحاد الروسي.
الغالبية العظمى من المسافرين الدوليين، أي نحو 4 من كل 5 مسافرين، يقصدون وجهات ضمن الإقليم الذي ينتمي إليه بلدهم. وكان معظمهم يأتون من البلدان المتقدمة في أوروبا وأميركا وآسيا والمحيط الهادئ. لكن مع ارتفاع مستويات الدخل أظهر كثير من البلدان الناشئة نمواً سريعاً خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً في آسيا وأوروبا الشرقية والوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا الجنوبية. وما زالت أوروبا، كإقليم، أكبر مصدر للسياح في العالم، إذ ينطلق منها نصف عدد الوافدين الدوليين، تليها آسيا والمحيط الهادئ (24%) والأميركتان (17%) والشرق الأوسط (3%) وأفريقيا (3%).
تواصل الصين تصدّرها السفر إلى الخارج على الصعيد العالمي، فبلغ عدد المسافرين الصينيين 128 مليون مسافر عام 2015 أنفقوا 292 بليون دولار. تلتها الولايات المتحدة بنحو 73 مليون مسافر أنفقوا 113 بليون دولار. وبقيت ألمانيا ثالث أكبر مصدر للسياح، تبعتها بريطانيا وفرنسا والاتحاد الروسي وكندا وكوريا الجنوبية وإيطاليا وأوستراليا.
توقعات السياحة الدولية
وفق تقرير "السياحة نحو 2030"، لمنظمة السياحة العالمية، يتوقع أن يزداد عدد السياح الدوليين في أنحاء العالم بمعدل 3.3 في المئة سنوياً خلال الفترة من 2010 إلى 2030، أي نحو 43 مليوناً في السنة، بالمقارنة مع زيادة بمعدل 28 مليوناً في السنة خلال الفترة 1995 إلى 2010. هكذا يتوقع أن تبلغ أعدادهم 1.4 بليون سائح سنوياً بحلول 2020 ونحو 1.8 بليون سائح بحلول 2030.
ومن المتوقع أن تزداد أعداد الوافدين إلى الشرق الأوسط بأكثر من الضعفين بحلول سنة 2030، من 61 مليوناً إلى 149 مليوناً.
السياحة العربية: انتعاش وتأثر بتغير المناخ
في الشرق الأوسط، بلغ عدد السياح الدوليين عام 2015 نحو 53 مليوناً وفق بيانات منظمة السياحة العالمية، بزيادة مليون سائح عن العام السابق أي ما نسبته 2 في المئة. وارتفعت العائدات من السياحة الدولية بنسبة 4 في المئة إلى 54 بليون دولار. هكذا تعزز الانتعاش الذي بدأ عام 2014 عندما ازدادت أعداد الوافدين بنسبة 7 في المئة بعد ثلاث سنوات من الهبوط. وتبلغ حصة الشرق الأوسط أكثر من 4 في المئة من أعداد الوافدين والعائدات من السياحة العالمية.
ويُعزى هذا النمو إلى ازدياد الطلب السياحي داخل المنطقة من دول مجلس التعاون الخليجي. وسجلت عُمان نمواً في عدد الوافدين الدوليين بنسبة 16 في المئة، ولبنان بنسبة 12 في المئة، مواصلين انتعاشهما من الهبوط الذي شهداه في بداية هذا العقد. وحققت قطر زيادة 4 في المئة، ما جعلها البلد الوحيد في المنطقة الذي حافظ على نمو مطرد طوال عقد من الزمن. أما السعودية، وهي الوجهة الأولى في المنطقة، خصوصاً بهدف الحج، فأبلغت عن انخفاض طفيف في الوافدين بلغ 1 في المئة، في حين أبلغت مصر عن انخفاض بنسبة 5 في المئة نتيجة أحداث متنوعة. كذلك استقبل الأردن أعداداً أقل من السياح عام 2015.
وفي شمال أفريقيا، سجل عدد الوافدين الدوليين في تونس والجزائر انخفاضاً كبيراً بلغ 12 في المئة عام 2015، نتيجة أعمال إرهابية متنوعة. وأبلغ المغرب، وهو أكبر وجهة سفر في المنطقة، عن انخفاض طفيف يرجع أساساً إلى انخفاض عدد الوافدين من فرنسا التي تعتبر المصدر الرئيسي للوافدين إلى المغرب.
ووفقاً لإحصاءات منظمة السياحة العالمية، احتلت السعودية عام 2015 المرتبة الأولى عربياً بعدد السياح الوافدين الذي بلغ 18 مليوناً، تأتي بعدها الإمارات (15 مليوناً)، والمغرب (10 ملايين)، ومصر (9 ملايين)، وتونس (5.4 مليون سائح).
ومن حيث عائدات السياحة الدولية، جاءت الإمارات في المرتبة الأولى عربياً إذ بلغت عائداتها 16 بليون دولار، تلتها السعودية (10 بلايين)، ومصر فالمغرب بفارق بسيط (6 بلايين)، ولبنان (6.9 بليون دولار). وتجدر الإشارة هنا إلى أن جزءاً كبيراً من الزيادة في العائدات وعدد الوافدين إلى لبنان يعود إلى زيارات المغتربين اللبنانيين والمسافرين إلى سورية ومنها عبر لبنان.
وتجدر الإشارة إلى عامل مؤثر في السياحة التي تعتبر قطاعاً اقتصادياً مهماً في عدد من البلدان العربية، فهي معرضة بشكل كبير لتأثيرات تغير المناخ. وقد نبه تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) عن تغير المناخ عام 2009 إلى أن ارتفاعاً في معدل الحرارة يتراوح بين درجة وأربع درجات مئوية سوف يسبب تراجعاً شديد الأثر في ''مؤشر راحة السياحة'' في أنحاء المنطقة. والمواقع المصنفة بين ''جيدة'' و''ممتازة'' سياحياً يحتمل أن تصبح بين ''هامشية'' و''غير مؤاتية'' بحلول سنة 2080، خصوصاً بسبب ارتفاع حرارة فصول الصيف والأحداث المناخية المتطرفة وشح المياه وتدهور النظم الإيكولوجية.
وسوف يؤثر ابيضاض الشعاب المرجانية بفعل ارتفاع حرارة مياه البحر على السياحة في بلدان حوض البحر الأحمر، وبالدرجة الأولى مصر والأردن. كما سيؤثر تآكل الشواطئ وارتفاع مستويات البحار على المراكز السياحية الساحلية، وبالدرجة الأولى في مصر وتونس والمغرب وسورية والأردن ولبنان، خصوصاً في الأماكن حيث الشواطئ الرملية ضيقة والمباني قريبة من الخط الساحلي.
ودعا تقرير "أفد" إلى استكشاف خيارات لسياحة بديلة تكون أقل تعرضاً للتغير المناخي، مثل السياحة الثقافية. وأشار على البلدان التي لديها مناطق ساحلية معرضة بشكل كبير لارتفاع مستويات البحار لتطوير مراكز سياحية داخلية بديلة.