المؤشرات البيئية هي جزء مكمل من مؤشرات التنمية المستدامة في كثير من الدول، كما أنها تعد ركيزة أساسية، بما فيها النمو السكاني والصحة، إلى جانب خصائص أخرى ترتبط بالتنمية، ولعل من أهمها أيضا المحافظة على الأصول الطبيعية لاستخدامها من قبل أجيال المستقبل، إنما للأسف الشديد البيئة في السعودية تتعرض للإهمال وعدم الاهتمام والانفلات في الرقابة وعدم المحاسبة بحزم، على سبيل المثال البحر الأحمر، الذي تتعرض الشعب المرجانية فيه لكثير من الاستباحة والتلوث بسبب مياه الصرف الصحي ورمي المخلفات فيها، وبذلك تهرب الكثير من الأسماك أو تتعرض للنفوق نتيجة انخفاض الأكسجين في الماء، وبالتالي إذا تقلصت الأسماك وغيرها من الحيوانات المائية، فهذا ينعكس سلباً على الموارد الطبيعية، وللأسف الشديد دائما كلمة الحفاظ على البيئة في الإعلام السعودي هي للاستهلاك ولا يوجد شيء على أرض الواقع سوى بعض الجهود، والسبب في هذا هو أن الحفاظ على البيئة وحمايتها ليست مسؤولية جهة واحدة، بل تتشارك معها جهات عدة وتتحمل مسؤولية مشتركة، وتتولى رسم خريطة البيئة من جوانبها كافة، فمتى كانت البيئة سليمة ومحفزة ومشجعة والتزمت بها كل الأطراف، سواء شركات أم مصانع أم أفرادا أم جهات رقابية، انعكست إيجابا على المجتمع. لجنة المياه والزراعة والبيئة في مجلس الشورى اطلعت على التقرير السنوي للهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة، والذي أشار إلى معلومة خطرة ان لم يُلتفت إليها فإنها ستسبب كارثة بيئية وقد يضعها في مراكز متأخرة عالميا في مجال الحفاظ على البيئة، وقد يرفع فاتورة كلفة حماية البيئة إلى نحو 85 بليون ريال سنويا، منها 51 بليون ريال تكلفة تلوث الهواء ومياه الشرب، يعني أن أهم عنصرين لاستدامة الحياة معرضة للخطر، وبالتالي فإن الإنسان الذي يتعامل مع الهواء والماء سيتعرض للعديد من الأمراض والأوبئة وغيرها من الأزمات، ونحن نتحدث في بلد كل مدخراته تأتي من النفط وتنفق في برامج للحفاظ على صحة الإنسان، يفترض عربياً أن تحتل السعودية المراكز الأولى وليس العشرة الأوائل، لكون اقتصادها أعلى اقتصاد ونمو في إيراداتها النفطية وخططها وبرامج جميعها تتعرض للمساءلة، ومع ذلك تكون نتائجها بهذه الصورة المؤسفة، فهذا أمر محير، كيف وصل بنا الحال إلى أن يكون هواؤنا ومياهنا ملوثة!
وتضمن التقرير مياه الصرف غير المعالجة، وللأسف الشديد فإن نسبة تغطية الصرف الصحي داخل المدن لا تتجاوز 30 إلى 40 في المئة، كما ساعدت المخططات على سرعة انتشار الأمراض بشكل موسع، سواء مخططات عشوائية أم أراضي حكومية مستولى عليها أم بعض المخططات الرسمية، إذ اهتم أصحابها بالمخططات وتقسيمها وأهملوا البنى التحتية، والآن المجتمع من عدم وجودها حصد بيئة غير صالحة للاستعمال، إلى جانب اغتناء أصحاب الناقلات الصفراء بعد أن احتكرتها فئة من الجنسيات وتلاعبوا بالسوق والأسعار. ليس الأمر فقط ملوثات الهواء والمياه ومياه الصرف غير المعالجة، بل ان النفايات المنتجة من الصناعات والأنشطة التنموية والطبيعية أيضا أسهمت في القضاء على بيئة صحية في السعودية، والحقيقة كل ما أعلن من برامج وخطط لتحقيق رؤية السعودية 2030 ان لم يرافقها ضوابط وحزم من قبل جهات رقابية عدة، فإن البيئة ستتسبب في تأخير ظهور الرؤية بشكلها الصحيح، وبحسب مركز القانون البيئي والسياسات البيئية التابع لجامعة ييل الأميركية وعدة جهات اخرى، تراجعت السعودية في ترتيبها من المركز الـ35 من 178 دولة عام 2014 إلى المركز الـ95 من بين 180 دولة في 2016، وهذا يعني أننا لا نزال نتراجع كل عامين وليس هناك تحسن في الحفاظ على البيئة ولا يبدو أن الجهات الحكومية لديها الرغبة.
وللأسف الشديد شاركت القطاعات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص في التدهور البيئي خلال مشروعاتها التنموية والتي تفتقد المعايير البيئية المنضبطة، وعدم توافر التشريعات والسياسات لهذه القطاعات في خططها التي توجب المحافظة على البيئة وتهتم بسلامة الأرواح، إضافة إلى كل هذا، ليست هناك معلومات دقيقة تقدمها الجهات الرسمية عن البيئة فهي معلومات مغلوطة، وطالما أن السعودية اتخذت قرارات جريئة في رؤية 2030 مثل قيام مشروع نيوم وبرامج الطاقة المتجددة، فهذا بالتأكيد سيسهم في تقليل الانبعاثات الغازية الضارة بالبيئة، وأيضا تقليص الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل إلى تحسين البيئة والحفاظ عليها، حتى تساعد في إيجاد مشروعات تنموية من شأنها الحفاظ على البيئة سليمة وأيضا على صحة الإنسان بحيث تمكنه من الانتاج والعمل في جو صحي، فكيف يستطيع العمل في بيئة لا تساعده على العمل وتسبب له الأمراض الخطرة، ونحن نعلم أن الإنسان في 2030 هو العنصر الأهم الذي تعتمد عليه الحكومة السعودية، خاصة أنه من المتوقع أن تخلق الجهات المختصة أكثر من 700 ألف فرصة عمل خلال السنوات المقبلة، فهذا يعني أننا بحاجة ماسة إلى بيئة صحية سليمة، وسعادة المواطنين والمقيمين -كما احتوت رؤية 2030- فإنها تأتي على رأس أولويات المسؤولين ولا تتم من دون اكتمال صحتهم البدنية والنفسية والاجتماعية، وبناء مجتمع ينعم أفراده بنمط حياة صحي ومحيط يتيح العيش في بيئة إيجابية وجاذبة.
ربما السعودية بحاجة إلى مؤتمر سنوي تشترك فيه جميع الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وإلى جهات تشريعية لمواجهة المصاعب التي تواجهها في الحفاظ على البيئة، إضافة إلى الاستفادة من تجارب دول أخرى سبقتها، ربما أهم من أي مؤتمر آخر نستعرض فيها مهارتنا في اللغة الانكليزية، على رغم أن الحاضرين فيها من المسؤولين المحليين ويتحدثون اللغة العربية.
جمال بنون كاتب وصحافي اقتصادي. المقال نُشر في صحيفة "الحياة"، 9 كانون الأول (ديسمبر) 2018
|