ابتليت الأشجار المثمرة والحرجية في الأراضي المروية في سهل البقاع اللبناني بآفة تدعى يرقة التربة (Polyphylla fullo) تلتهم جذور الأشجار وتقتلها في النهاية. ونادراً ما تبقى الشتول الجديدة حية بعد عامها الأول. أما الأشجار الأقدم فتقاوم عدة سنوات وفي النهاية تتغلب عليها اليرقات فتموت. وكل سنة يخسر مئات المزارعين رأسمالهم، ويضيع نحو 30 في المئة من إيراداتهم المحتملة، نتيجة الأضرار التي تسببها هذه الآفة. وإضافة الى الخسائر الاقتصادية، تضر اليرقات بالتنوع البيولوجي وتساهم في زوال الغابات وتصحر المناطق المتأثرة.
ويشتبه بأن لتكاثر يرقات التربة علاقة بعوامل بيئية. فالاستعمال المكثف للمبيدات منذ ستينات القرن العشرين أجهز على أعدائها الطبيعيين. وخلال العقود الثلاثة الماضية لم يعد المزارعون يعرفون كيف يكافحونها. ولو غرس مزارع ألف شتلة، فمن المحتمل أن يخسرها جميعاً مع نهاية السنة الأولى. وهذا يعني عبئاً مالياً يفوق 6000 دولار، بما في ذلك كلفة الشتول وغرسها والعناية بها طوال سنة.
لم يجد المزارعون حتى الآن وسائل فعالة لمكافحة هذه اليرقات، مع أنهم استعملوا في بساتينهم أنواعاً مختلفة من السموم. كما أدت المواد الكيميائية التي استعملوها الى قتل الكثير من الكائنات الترابية النافعة، مثل ديدان الأرض، بدلاً من اليرقات.
من الصعب جداً قتل يرقات التربة، لأنها تعيش على أعماق تتراوح بين 10 سنتيمترات و50 سنتيمتراً. وقد استطاع بعض المزارعين القيام بمكافحة جزئية من خلال استنباط طعوم سامة. لكن المبيدات عموماً لم تعد فعالة. بل أظهرت تجارب أن وضع اليرقات داخل قوارير المبيدات لا يؤدي الى قتلها حتى بعد أكثر من عشر ساعات. وأجرى مزارعون أبحاثاُ مكثفة للوصول الى حلول، واتصلوا بوزارة الزراعة اللبنانية وكليات الزراعة في جامعات لبنان، وتم إرسال عينات من يرقة التربة وخنفسائها الناضجة الى مركز الأبحاث الزراعية في فرنسا (INRA) ومراكز أخرى. لكن لم يُحدد حتى الآن أي علاج فعال للمشكلة.
آكلة من تحت
تمتد المنطقة الجغرافية الرئيسية ليرقات التربة من سد القرعون في البقاع الجنوبي الى الهرمل في البقاع الشمالي. والمناطق التي تعاني من المشكلة بشكل حاد هي الأراضي المروية ذات التربة السوداء القريبة من نهر الليطاني وروافده، على ارتفاعات تتراوح بين 800 و1000 متر فوق سطح البحر. والأتربة السوداء تبتليها يرقات التربة أكثر من الأتربة الحمراء، لأنها تحفظ الرطوبة أكثر منها. وقد رصدت هذه اليرقات في مناطق أخرى من لبنان، منها مشتل أشجار في منطقة بشري على ارتفاع يفوق 1500 متر فوق سطح البحر.
يتراوح تركيز اليرقات المكتملة النمو في بساتين البقاع بين 5 و10 يرقات في كل متر مربع. وذلك يتوقف على عمق الحراثة وتكرارها، فهي وسيلة تقتل اليرقات التي تعيش في الطبقة العليا من التربة. وتتركز اليرقات عند قواعد جذوع الأشجار، حيث تقوم بأكل لحاء الشجرة وخشبها تحت سطح الأرض.
يتراوح طول يرقة التربة المنتشرة في لبنان بين 5 و7 سنتيمترات، ويبلغ قطرها نحو سنتيمتر. شكلها شبيه بالحرف C، لونها أبيض، ورأسها بني داكن مع فكَّين قويين. في نهاية دورة حياتها تتحول الى خنفساء سوداء أو بنية داكنة مع نقاط وخطوط بيضاء. وخلال فترة التزاوج، من منتصف حزيران (يونيو) الى الأسبوع الأول من تموز (يوليو)، تخرج الخنافس من التراب وتطير لتتزاوج بعد الغروب. ومن ثم تضع الإناث بيوضها الملقَّحة في التراب وتموت خلال يومين.
ويرقات التربة شائعة في أوروبا. وثمة نوع يدعى اليرقة اليابانية يدمر المروج العشبية في الولايات المتحدة، وأُعلن مؤخراً عن مبيد حيوي جديد غير سام قادر على مكافحتها بفاعلية عالية تدوم 20 سنة، من دون أن يؤثر في الكائنات الترابية الأخرى. لكن لم يتأكد حتى الآن ما اذا كان هذا العقار فعالاً في مكافحة يرقات التربة في سهل البقاع، التي هي من نوع مختلف.
ماذا يفعل المزارعون؟
لا شك في أن مكافحة يرقات التربة ستنعكس إيجاباً على الأوضاع الاقتصادية والبيئية للمزارعين وعائلاتهم. ومن ناحية أخرى، سوف تحقق أهدافاً بيئية هامة، مثل الحد من استعمال المبيدات الكيميائية الضارة، واعادة تخضير الأراضي بزراعة الأشجار المثمرة والغابية، وما يرافق ذلك من مكافحة للتصحر وتغير المناخ.
ان استئصال مشكلة يرقات التربة في لبنان يحتاج الى عمل شامل ومنظم. وهذا يجب القيام به على مستوى وزارة الزراعة، أو من خلال مشروع أبحاث يتولاه القطاع الخاص بمشاركة فعالة من جميع الجهات المعنية من وزارات ومراكز أبحاث وجامعات وخبراء ومزارعين.
هناك حاجة ملحة الى استراتيجيات فعالة ومأمونة لمكافحة يرقات التربة، خصوصاً إجراءات المكافحة الحيوية الصديقة للبيئة وغير السامة، على أن تكملها حملات تدريب وتوعية مكثفة للمزارعين، الذين يمكن أن يتبادلوا خبراتهم والنتائج الايجابية التي توصلوا اليها في مزارعهم.
كادر
مشاكل بيئية تسببها يرقة التربة
- كل سنة تموت آلاف الأشجار في لبنان بسبب يرقات التربة. وهذه الخسارة تزيد احتمالات التصحر.
- إفراط المزارعين في استعمال المبيدات ضد هذه اليرقات خلال السنوات الثلاثين الأخيرة سمم الأتربة الخصبة وقتل الكثير من الكائنات النافعة مثل ديدان الأرض، كما أكسب اليرقات مقاومة للمبيدات.