تتوافد النساء، وبعض الرجال أحياناً، الى أسواق خاصة تقام خلال عطلة نهاية الأسبوع في العاصمة الأردنية عمّان، لشراء حاجات المنزل من الخضار والفواكه وغيرها، يملأهم شعور بالثقة بأنها طازجة وآمنة رغم ارتفاع أسعارها مقارنة بالمنتجات التقليدية التي تستخدم فيها مواد كيميائية. بات المشهد طبيعياً في الأعوام الأخيرة، فما يميز تلك الأسواق أنها توفر أطعمة من إنتاج زراعي عضوي.
برزت عوامل كثيرة في العقود الماضية أدت إلى التوجه نحو الزراعة العضوية، ومن أهمها ظهور العديد من المشاكل الصحية عند الإنسان والحيوان والنبات، بالإضافة الى مشاكل بيئية أثرت على التنوع الحيوي والأمن الغذائي. وهي دفعت العلماء والفنيين، بل ورجال أعمال سعوا الى تأسيس مشاريع استثمارية، للعودة إلى استخدام أنظمة زراعية قديمة جرى استحداثها لتلبية الاحتياجات الغذائية بطرق آمنة للصحة والبيئة، مع إعطائها صفة قانونية لإبراز نظام الزراعة العضوية.
تقول جان قسي، وهي مختصة في نظام الماكروبيوتيك الذي يعتمد على أكل الحبوب والخضر والفواكه وبعض الأسماك وتجنب الأطعمة المعالجة، إن الطعام العضوي يفوق بفائدته وسلامته تلك الأطعمة التي تُستخدم الهورمونات والأسمدة الكيميائية في نموها. وتضيف أن وسائل الزراعة القديمة كانت عضوية بطبيعتها، ولذا يشار إلى الطعام «النظيف» كما تصفه على أنه عودة إلى الطبيعة. وهي تحرص على شراء المنتجات العضوية التي تؤكد بحماسة أنها تستطيع تمييزها من رائحتها.
الزراعة العضوية نظام آمن يركز على الاستفادة من الموارد الداخلية وتجنب استخدام الأسمدة والمبيدات الكيميائية ومنظمات النمو والإضافات العلفية المركزة، من خلال اعتماده على استخدام الدورات الزراعية وبقايا المحاصيل والأسمدة الخضراء والمخلفات العضوية لزيادة خصوبة التربة وتحسين خصائصها، فضلاً عن مبيدات طبيعية وطرق بديلة لمكافحة الآفات.
وتوضح المهندسة تمام الخوالدة، رئيسة شعبة الزراعة العضوية في وزارة الزراعة الأردنية، أن الوزارة تعمل على وضع التعليمات المنظمة للزراعة العضوية من خلال لجنة وطنية ولجنة فنية تم تشكيلهما لهذا الغرض، وستفعِّل دورها الرقابي بعد الانتهاء من ذلك. ووفقاً لهذه التعليمات، فإن المنتج لا يوصف بالعضوي إلا إذا خضع لمجموعة من المعايير والأنظمة الدولية التي تحكم الإنتاج في جميع مراحله وتحمي المستهلك من التلاعب. وهناك ثلاثة أنظمة دولية معتمدة: تعليمات الاتحاد الأوروبي للزراعة العضوية وهي الأكثر اتباعاً في الأردن، والمقاييس العضوية اليابانية، والبرنامج العضوي في الولايات المتحدة.
يتعين على العاملين في هذا المجال، المرخص لهم بالإنتاج الزراعي العضوي أو تجهيزه أو استيراده أو تسويقه، وضع علامة تدل على كون منتجاتهم عضوية، ويستخدم حالياً الشعار الأوروبي لهذه المنتجات بانتظار اعتماد شعار أردني للمنتجات غير المعدة للتصدير. وعليهم إعلام جهة إصدار شهادة الإنتاج العضوي التي يتعاملون معها سنوياً ببرنامج مفصل عن إنتاجهم، والاحتفاظ بسجلات تسمح لتلك الجهة بمتابعة مصدر مدخلات الإنتاج وكمياتها. وتتأكد جهة الإصدار من تطبيق الممارسات العضوية قبل تجديد شهادة الإنتاج التي تُمنح سنوياً. وتوضح الخوالدة، التي غالباً ما تزور الأماكن المنتجة والمسوقة للمنتجات العضوية، أن هناك أسواقاً تدّعي بيع هذه المنتجات، لكنها لا تعتبر كذلك ما لم تحصل على الشهادة والشعار الخاص بالمنتجات العضوية.
وتتحدث نسيبة المومني عن الرقابة التي تخضع لها، وهي تدير سوقاً لمنتجات الزراعة العضوية من 300 دونم في منطقة عجلون، تشتمل على خضار وفواكه وبقول وزيت زيتون وعسل ومربى. تقول إن رقابة جهة الإصدار تجري عبر نظام للتفاصيل الزراعية اليومية التي تحتفظ بها في سجل خاص، وتشمل كمية الإنتاج وطريقة الزراعة والأسمدة والمبيدات العضوية المستخدمة، وذلك من خلال زيارات ميدانية إلى المزارع والسوق.
أسواق ووجبات طعام
ترتاد مها حمزة، وهي ربة منزل، أسواق المنتجات العضوية. وتقول إن للخضار منها «طعماً مختلفاً»، وهي تحرص على شرائها لأنها تكون طازجة وتبقى يانعة حتى لو احتفظت بها لمدة في الثلاجة. أما ابنتها عائشة فتقول إنها لا تهتم بالسعر الأعلى للخضار والفواكه العضوية «فالأهم نظافتها».
تذكر الخوالدة أن ارتفاع أسعار المنتجات العضوية يعود جزئياً إلى ارتفاع رسوم جهات الإصدار الأجنبية واحتمال تعرض المحصول الموسمي لآفة يتعذر القضاء عليها. كما أن الممارسات الصارمة المطبقة في الزراعة العضوية تزيد تكاليف الإنتاج والتصنيع والنقل، الى جانب كون إمدادات المنتجات العضوية للأسواق محدودة مقارنة بالطلب عليها.
ومع تزايد الوعي والاهتمام بالأغذية العضوية، باتت تنتشر في العاصمة عمّان أسواق لبيع الخضار والفواكه ومنتجات عضوية أخرى، الى جانب متاجر مثل «غرين شوب» الذي يبيع منتجات تصل إليه من مزارع عضوية معتمدة في عجلون بالإضافة إلى استيراد مواد غذائية عضوية كالمعكرونة والرز والطحين والصلصات. وتقوم شركة «جذور» بحملات توعية للأغذية العضوية، ويعمل لديها اختصاصيو تغذية، وهي تستورد منتجات عضوية مثل الطحين والحليب والرز والسكر والملح.
ولمن يرغب في تناول وجبة عضوية من دون الحاجة إلى إعدادها، بات ذلك متوافراً في أكثر من مطعم في المدينة، وأبرزها مطعم ومقهى «برية الأردن» حيث تتضمن قائمة الطعام أطباقاً من المعكرونة والخضار والأعشاب وعصائر الفواكه الطازجة، وهي منتجات زراعية تأتي من المحميات الطبيعية في البلاد. ■