إذا دمر نشاطنا الاقتصادي قدرة النظم الإيكولوجية على دعم مقومات حياتنا، وهذا ما سيفعله إذا استمرت قراراتنا في تجاهل قيمتها، فإن الأجيال المقبلة ستدفع ثمناً باهظاً جداً .
لبعض خدمات النظم الايكولوجية قيمة غير محدودة. فتلك التي تؤمّن الأوكسيجين في الهواء الذي نتنفسه، والأوزون الذي يحمينا من أشعة الشمس فوق البنفسجية، ونوعية المياه التي نشربها، وخصوبة التربة التي تنتج غذاءنا، هي أساسية لدعم الحياة بحيث لا يمكن تقييمها كمياً. ومن قبيل هذه الخدمات أيضاً ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، الذي يحافظ على درجة حرارة الأرض عند مستويات تمكن العمليات البيولوجية من تأدية وظيفتها.
بعض خدمات النظم الإيكولوجية واضحة تماماً، وحتى مرئية. ومن نتاجها الذي يسهل إدراكه: الأسماك وطرائد الصيد والثمار من البرية والبحار. وكثير من المحاصيل يلقحها النحل والفراش والخفافيش وعمليات طبيعية أخرى، تنتشر بها البذور أيضاً، ومن دونها يصبح إنتاج غذائنا باهظ الكلفة. ومن الخدمات المعروفة أيضاً الحفاظ على المناخ المحلي، ومكافحة تفشي الآفات وأمراض المحاصيل، وإمساك التربة لمنع انجرافها.
وهناك عمليات غير مرئية لا يعرفها كثيرون لكنها قد تكون أكبر قيمة، مثل تلك التي تنظم تدفق المغذيات عبر النظام الإيكولوجي، أي النيتروجين والكربون والفوسفور والكبريت وبقية الدورات البيوجيوكيميائية. ولولاها لما وُجدت المحاصيل والغابات والمراعي وتجمعات المنغروف والشعاب المرجانية، ولما أمكنت الحياة.
خدمات النظم الايكولوجية مسؤولة عن تنظيم الأجسام المائية وتجددها وتنقيتها، على سطح الأرض وفي جوفها، لنشرب ونزرع وننتج الخشب والوقود والعلف والألياف لصناعاتنا، ولتخفيف حدة الفيضانات وموجات الجفاف والكوارث الطبيعية.
وتؤدي النظم الايكولوجية خدمات معروفة يقدرها البشر. فهي موائل للتنوع البيولوجي والموارد الوراثية والأنواع المهاجرة، وهي عماد السياحة البيئية وكثير من النشاطات الرياضية والترفيهية. وهي مصادر للقيم الثقافية من جمال طبيعي وحافز فكري وأسس لعلوم مختلفة.
التكنولوجيات التي تلهمها الطبيعة(Nature-tec) هي من أهم السبل لتحقيق اقتصاد أخضر منخفض الكربون وقليل الاستهلاك للموارد في القرن الحادي والعشرين. فالعالم الطبيعي، بروعته وتنوعه، سبق أن أوجد حلولاً لكثير من تحديات الاستدامة التي تواجه البشرية، بوسائل مبدعة وغير متوقعة وحتى غير مٌدرَكة. ولو تمكن البشر من كشف ألغاز الكيمياء والعمليات والتركيبات والتصاميم الفاتنة التي تميزت بها الكائنات، من البكتيريا والرخويات إلى الزواحف والثدييات، على مدى ملايين السنين، فربما نتوصل الى حلول جذرية للتحديات الكثيرة التي يواجهها كوكب مأهول بأكثر من سبعة بلايين نسمة.
لكن نظمنا الاقتصادية لا تعترف تماماً بقيمة خدمات النظم الإيكولوجية هذه. ويتم تجاهلها كلياً تقريباً، كأصول وكاستثمارات، في حسابات النشاط الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي ومؤشرات أسواق الأسهم ومقاييس أخرى. وبما أنها لا تظهر في أي نموذج اقتصادي، يتم تجاهلها، أي أنها تعتبر صفراً، من قبل علماء الاقتصاد، وبالتالي من قبل صانعي السياسات.
الأزمات الراهنة، من تغير المناخ وارتفاع أسعار النفط وندرة المياه وتقلبات أسعار المواد الغذائية والأزمات المالية وغيرها، توضح بشكل جلي الأخطار المتأصلة في هذا التجاهل والإهمال. إن تصميم استراتيجيات للتنمية المستدامة يقتضي فهماً أفضل كثيراً لخدمات الطبيعة من كل مواطن مهتم.
أشوك خوسلا مؤسس ورئيس مجموعة "بدائل التنمية" (Alternatives Development) في الهند. وكان رئيس الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة ورئيس نادي روما. وقد نال تقديرات عالمية، بينها جائزة ساساكاوا البيئية وجائزة زايد الدولية للبيئة. وهو يكتب سلسلة مقالات خاصة بمجلة "البيئة والتنمية".