عزة عبدالمجيد (عمان)
ربما يعرف أبناء منطقة الشيخ حسين أرجاء الأرض التي يسكنونها ويرعون أغنامهم فيها منذ زمن طويل. لكن تلك البقعة الخضراء الممتدة حول قريتهم في شمال وادي الأردن باتت تفاجئهم بالكثير وتغني حياتهم كموطن بيئي ثري يزخر بتنوع كبير، يتناغم معه جهد إنساني يسعى لنماء مستديم.
كان هدف منظمة أصدقاء الأرض - الشرق الأوسط من إنشاء متنزه شرحبيل بن حسنة عام 2004، في هذه المنطقة التي تتمتع بتراث تاريخي وإنساني عريق ونظام بيئي خصب، وضع حد للتلوث والرعي الجائر والاستغلال غير المتوازن للموارد الطبيعية، فضلاً عن عوامل التعرية وإهمال بحيرة وادي زقلاب. وكان الوادي يمتد على مسافة تسعة كيلومترات ويصب في نهر الأردن قبل بناء سد عليه بات يحمل أيضاً اسم المتنزه.
منحت سلطة وادي الأردن المنظمة 110 دونمات (الدونم 1000 متر مربع) في مطلع القرن الحالي، بعد أن قامت بمسحها وتحديد الأخطار البيئية التي تهددها. وقد اتسعت هذه المساحة بصورة كبيرة لتصل إلى نحو 2700 دونم بعد جهود إعادة التأهيل فيها وازدهارها.
يقول مدير المتنزه المهندس عبدالرحمن سلطان إنه مشروع رائد يهدف إلى حماية نهر الأردن وبيئته من التدهور، ثم تحقيق الاستدامة البيئية، بالإضافة إلى دعم المجتمع المحلي وتأمين الاستخدام الآمن لمياه سد زقلاب.
يؤسس المشروع أيضاً لنموذج في حفظ الأنواع الحية الهامة بيئياً. فهناك مئات الأنواع من الثدييات والطيور والزواحف والحشرات التي تتخذ من المتنزه موطناً لها، بالإضافة إلى نحو 300 نوع من النباتات والأشجار.
ومع إنشاء هذا المتنزه تبرز عناصر دعم السياحة البيئية وتنشيطها. ويشكل التعليم البيئي إلى جانب حماية الطبيعة وتنوعها ركيزة أساسية نحو تحقيق هذا الهدف كإحدى وسائل التنمية المستدامة في المنطقة. ويتم ذلك من خلال ورشات تدريبية، خصوصاً للطلاب، ومشاهدات وجولات استطلاعية على أدوات المحافظة على البيئة وعناصرها في هذا الموقع.
حفظ الموارد والتعليم البيئي
تحتل المياه والمحافظة عليها حيزاً بارزاً في ظل نهج عملي يسعى إلى استدامة الموارد في المنطقة. ويحظى المتنزه بما يشبه نظام «توليد» داخلي للمياه، مع توفر البنية التحتية من خلال محطة معالجة خاصة تحول المياه السطحية إلى مياه شرب نقية، وتستخدم المياه الفائضة لري الأشجار التي زرعت حديثاً ولخدمة مرافق المتنزه الأخرى. ويقول سلطان إن زيادة القيمة المضافة للمياه بإعادة استخدامها هي من العناصر الهامة في التعليم البيئي.
وتستخدم تقنيات توفير الطاقة في تشغيل محطة معالجة المياه وفي الإضاءة والتبريد. وقد بنيت معظم الأكواخ الصديقة للبيئة في الظل للتقليل من انتقال الحرارة، إلى جانب استخدام سخانات المياه الشمسية.
وتشكل عملية إعادة تدوير النفايات جانباً هاماً في أنشطة المتنزه وبرنامج التعليم البيئي فيه. وتستخدم مواد مستعملة كالإطارات والقوارير الزجاجية لبناء الجدران والمباني الطينية. وتنتج الأسمدة من النفايات العضوية وتستخدم للمزروعات في أرجاء المتنزه، وهذا أحد مواضيع ورش العمل التي تتضمن برامجها تدريباً حول الحدائق البيئية والمحافظة على الأراضي الرطبة واستخدام المياه الرمادية.
وقد شاركت مجموعة من الطلاب في إنشاء قبة لمسرح مفتوح من أجل جذب الانتباه إلى تقنيات البناء البيئي، إذ تتألف القبة من قضبان معدنية متصلة بصورة طبيعية من دون الحاجة لأعمدة أو جدران استناد داخلية. ويعزز تصميمها المستدير انتقال الصوت من دون حاجة إلى مكبرات.
آفاق للمجتمع المحلي
حين يتحدث يحيى مبارك التعمري عن المتنزه، يقول بصورة عفوية إنه «متنفس» طبيعي لأبناء مجتمعه المحلي الذي يتكون بصورة أساسية من البدو. لكنه يواصل الحديث عن نوع من الانتعاش الاقتصادي بدأوا يلمسون آثاره على حياتهم.لم تعد الأغنام تدخل المتنزه أو تضل طريقها للرعي في أرضه. ويقول سلطان: «أصبح أفراد المجتمع المحلي شركاء لنا، مما عزز أهمية الأرض وتحمل مسؤولية حمايتها». فقد بادرت إدارة المتنزه إلى توفير الماء للرعاة لسقي أغنامهم، وتم تزويد بعض الأسر بمضخات في مقابل تعاونها في الحفاظ على مصادر المياه في سد زقلاب وعدم استخدامها بطرق عشوائية، كما يجري العمل لإيصال ماء الشرب إلى المنازل.
يقول يحيى، وهو ناشط مع آخرين في أعمال كثيرة منها الزراعة في المتنزه، إنه وأبناء مجتمعه باتوا يعرفون الكثير عن سبل الحفاظ على البيئة واستخدام المياه وأهمية حماية المياه الجوفية مع توفر فرص التدريب لهم. وبات المتنزه مقصداً للزوار. وكان لذلك تأثير كبير على نشاط المحلات التجارية في المنطقة، التي تزود المتنزه بحاجاته من مواد البناء والصيانة إلى جانب الخضار والفواكه.
وتترامى مساحات من الطبيعة الساحرة المتنوعة بيئياً عبر المتنزه، يمكن استكشافها في رحلات على الأقدام عبر ممرات يمتد السير فيها لساعات. وقد تأخذك الطريق إلى سبختين تتجمع فيهما الأمطار وتعتبران مواقع أساسية لتزاوج الطيور والحيوانات المختلفة، مما يجعل منهما منطقة تنوع حيوي فريد. أما السبخة الصناعية فقد تم إنشاؤها لأهداف تعليمية، حيث تتم معالجة المياه الرمادية المصرَّفة من المغاسل وأحواض الاستحمام لإعادة الاستفادة منها في ري المزروعات.
كادر
المفتاح الأخضر
شهادة بيئية لمخيمات صحراوية
انطلق مشروع «المفتاح الأخضر» في الأردن في أيلول (سبتمبر) 2012، لتطوير المعايير البيئية الخاصة بالمخيمات الصحراوية. وتم تنفيذه على مرحلتين لمدة 18 شهراً، بهدف وضع إطار لممارسات صديقة للبيئة لدى أصحاب المخيمات الصحراوية وزائريها، تساهم في حماية واستدامة النظام البيئي الهش في وادي رم.
تضمن تطوير مفاهيم السياحة البيئية في المشروع تطبيق معايير بيئية دولية ووطنية ومتطلبات حماية التراث العالمي، وتحفيز الالتزام بالتعليمات الخاصة بالمنطقة، وخلق الحس البيئي. وبناء على ذلك، في نهاية المرحلة التجريبية الأولى، مُنحت شهادة الجودة البيئية الدولية لخمسة مخيمات صحراوية في تشرين الأول (أكتوبر) 2013، بعد مساعدتها على تطوير خطط تحسين وضعها البيئي ومحيطها. وضمن المرحلة الثانية، حصلت خمسة مخيمات في رم ومخيم آخر في البتراء/وادي موسى على شهادة الجودة البيئية الدولية.
وتم نقل التجربة الأردنية إلى العالم من خلال المؤسسة العالمية للتعليم البيئي (FEE) التي انخرط الأردن في عضويتها بين أكثر من 72 دولة، وتقوم على تنفيذ ثلاثة من برامجها الهادفة الى تحفيز الادارة البيئية المستدامة، الحفاظ على المصادر البيئية الطبيعية، ونشر الفكر والوعي البيئي في المجمع المحلي.