درس من لندن لأبراج العرب
مبنى جديد في المنطقة المالية وسط لندن يعكس زجاجه أشعة الشمس التي تذيب مرايا السيارات وتحرق أثاث المحال التجارية... وتقلي البيض!
أضيـف الى أفــق لـندن مـبنى جــديــد هــو بـــرج FenchurchStreet 20 الذي انضم إلى مجموعة الأبراج الزجاجية المكتظة مثل «شارد» و»غركين» و«تشيز غريتر». لكن مبنى المكاتب هذا، المكون من 37 طبقة والمقرر إنجازه خلال سنة 2014، اكتسب كنية مشؤومة: «برج أشعة الموت» أو «الشوّاية».
واجهة المبنى الزجاجية المقعرة المواجهة للجنوب تركز أشعة الشمس وتعكسها في حزمة كثيفة من الضوء الساطع الذي يصدم المباني على الجانب المقابل من الشارع. وعلى امتداد 37 متراً من الرصيف تستعر الحرارة كما في حريق.
في أيلــول (سبتمـبر) 2013، أُرسل الصحافي هاري والوب من جريدة «ديلي تلغراف» ليرى ما إذا كان يستطيع قلي بيضة في تلك الحرارة. وهو كتب آنذاك: «افترضتُ أنها مهمة مستحيلة في يوم غائم. ولكن اتضح أنها مهمة ممكنة، بل كان علي أن أهرب من أشعة الموت التي كانت تقلي البيضة ببطء، لأن الشعر القليل على رأسي بدأ يحترق. نعم، شممت الرائحة المميزة للشعر المحروق، وشعرت كأنما هناك عدسة مكبرة مسلطة على قمة رأسي، فلجأت إلى مكان آمن على الرصيف».
وتابع والوب: «كان طعامي شهياً. لكن رجلاً أشجع مني صمد وقتاً أطول ليتباهى بأن البيضة التي قلاها كانت ناضجة أكثر من اللزوم». في ذلك اليوم، وصلت درجة حرارة الهواء في حزمة الأشعة المركزة الى 70 درجة مئوية.
الدكتور سيمون فوستر، الباحث في فيزياء الطاقة الشمسية، ترك معدات القياس في كيس أسود على الرصيف لمدة 10 دقائق. فسجل ميزان الحرارة 92.6 درجة مئوية داخل الكيس. وقال فوستر: «يمكنك سلق بيضة نعامة في هذه الحرارة!»
بات المبنى الجديد تسلية للمارة الفضوليين الذين يأتون ليحدقوا إليه فاغرين أفواههم. لكنه يسبب مشاكل جدية للمحال التجارية المعرضة للوهج الصادر عنه. ويؤكد علي أكاي، الذي يملك صالون حلاقة قبالة المبنى، أن سجادته احترقت وأن عدداً من قوارير الشامبو والجل البلاستيكية بدأت تذوب.
وروت ديانا فام، مديرة مقهى «فييت» المجاور، أن أربع بلاطات اردوازية تكسو الجانب الخارجي للمقهى تفتتت وسقطت، مضيفة: «بدأت تنبعث رائحة كريهة من الكراسي، كأنها تحترق». وذابت جلود المرآة الجانبية وشعار «الجاغوار» في سيارة رجل أعمال بعد أن أوقفها خارج المقهى لمدة ساعتين فقط.
يقول المطورون المسؤولون عن البرج الجديد إن الواجهات الزجاجية للمبنى لم تُحدث أي مشاكل إلا في أوائل شهر أيلول (سبتمبر) بسبب مستوى ارتفاع الشمس في السماء. ووعدوا بأنهم يعملون على حل، قد يكون في المدى القريب ظلة موقتة لحماية المحال التجارية.
لم يفاجأ الخبراء المعماريون، وأشار بعضهم إلى أن كثيراً من ناطحات السحاب العصرية تسبب مشاكل مماثلة. فقبل ثلاث سنوات اشتكى نزلاء في فندق «فدارا» في لاس فيغاس، الذي صممته أيضاً شركة رفاييل فينولي للهندسة المعمارية التي صممت البرج الجديد، من أنهم «يحترقون» بالأشعة التي تضرب بركة السباحة. وادعى بعضهم أن الأشعة أذابت أكواب الشرب البلاستيكية التي يستعملونها.
وفي دالاس، في الولايات المتحدة أيضاً، عكس برج المتحف، وهو مبنى سكني من 42 طبقة، مقداراً كبيراً من الأشعة الى «مركز ناشر للبحث» المجاور، فتضررت التحف في قاعة العرض، وذوت النباتات، وأشعلت نزاعاً بين الطرفين دام سنتين.
يقول فيليب أولدفيلد، أستاذ الهندسة المعمارية في جامعة نوتنغهام: «الزجاج مادة رخيصة نسبياً وسهلة التركيب. لكن كثيراً من المطورين ما زالوا بعقلية خمسينات القرن العشرين التي اعتبرت الزجاج مادة بناء المستقبل».
في غابة ناطحات السحاب التي تُبنى في لندن، تشيد جميعها بالزجاج والفولاذ. ويقول أولدفيلد إنه «ذُهل» من أن مبنى باهظ الكلفة مثل البرج الجديد الذي قدرت كلفة انشائه بمئتي مليون جنيه (315 مليون دولار) لم يكتشف مصمموه مشكلة الوهج أثناء مرحلة التخطيط والاختبار.
لكن بالنسبة الى معظم سكان لندن، المبهورين بوهج «الشواية»، فان المسألة لا تتعلق بالحرارة المتولدة، بل بمدينة عريقة تتحول سريعاً إلى مدينة زجاج. ويقول آشلي وول، وهو شاب في الخامسة والعشرين من العمر: «بدأنا نشبه هونغ كونغ. ولست سعيداً بذلك».
كم من برج كهذا يشيد في المدن العربية التي تتخلى عن عمارتها التقليدية يوماً بعد يوم؟