Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
عزة عبدالمجيد - عمَّان عين غزال  
آذار-نيسان/ مارس-أبريل / عدد 192-193
 أظهرت المكتشفات كيف تطورت وسائل المعيشة والأدوات والعمارة منذ أكثر من 8200 عام
 صمت المكان في عين غزال ليس كغيره، وما الهدوء فيه إلا شفافية طبيعة تحنو على إرث إنساني لا تزال مكنوناته تبهر العقل. وليس مجتمع ذلك المكان الضارب في أعماق التاريخ ككل نموذج بشري آخر، فاندماجه مع بيئته كان فريداً بمنجزات من الإبداع الفني والثقافي والإنتاج الاقتصادي.
كشفت آثار منطقة عين غزال، شمال شرق العاصمة الأردنية عمّان، عن تطورات حياة مجتمع نجح في تأسيس أول قرية زراعية في العالم، في ما اعتبر أكبر مواقع العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار. وذلك في الفترة ما بين منتصف الألف الثامن قبل الميلاد ومنتصف الألف الخامس قبل الميلاد. وتلك فترة زمنية طويلة شهدت اتساع القرية لتحتل مساحة قدرت بنحو 150 دونماً على نهر الزرقاء وتزايد عدد سكانها إلى نحو ألفي نسمة.
قادت المصادفة وحدها إلى العثور على مخلفات هذا الموقع، وذلك أثناء شق طريق رئيسية بين عمّان ومدينة الزرقاء في سبعينات القرن الماضي.
يقول أستاذ الآثار القديمة في جامعة اليرموك الدكتور زيدان كفافي: «لقد أمدتنا نتائج التنقيبات الأثرية في الموقع بمعطيات مهمة حول طبيعة المجتمع الزراعي المنظم خلال العصر الحجري الحديث، ليس في الأردن وحسب وإنما في المناطق المجاورة كذلك. وأظهرت المكتشفات الأثرية من اللقى والمنحوتات والمباني التطور الذي شهده تخطيط قرية عين غزال عبر المراحل الزمنية المختلفة».
بدأ الكشف عن آثار عين غزال عام 1982، في عملية إنقاذ لما عثر عليه في الموقع، الذي يبدو أنه استقى اسمه من توافر الغزلان في المنطقة، إذ عثر على عدد من قرون الغزال في إحدى الغرف المكتشفة. تبعت ذلك أعمال تنقيب استمرت عشرة مواسم حتى عام 1999، شاركت فيها دائرة الآثار العامة الأردنية ومعهد الآثار والأنثروبولوجيا في جامعة اليرموك وجامعتا سان دييغو ونيفادا في الولايات المتحدة. تبع ذلك موسم آخر من العمل عام 2011 لتوثيق ما كشفت عنه الجرافات في الجهة الغربية من الموقع.
أظهرت مكتشفات القرية تطور وسائل المعيشة والإنتاج فيها، إذ عاش الإنسان حياة استقرار تواصلت عبر نحو 2500 عام وتغيرت خلالها الأدوات وأنماط العمارة.
التجريف والدمار الذي أصاب موقع عين غزال خلال العصور الحديثة، مثل إنشاء الخط الحديدي الحجازي ثم بناء محطة التنقية وشق طريق عمَّان ـ الزرقاء، تسببا في فقدان كثير من المخلفات الأثرية التي تعود ربما إلى فترات أقدم من 8200 سنة قبل الميلاد. إلا أن المنقبين استطاعوا التعرف على بقايا أثرية وعمائرية تعود إلى المرحلتين المتوسطة والأخيرة من العصر الحجري وما قبل الفخاري.
كيف كانوا يعيشون
تشير دراسات عديدة إلى أن المجتمعات البشرية عاشت بشكل منظم في مرحلة العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار، في قرى كبيرة المساحة كموقعي عين غزال والبسطة، ومارس أفرادها الفنون والشعائر الدينية، ولم تكن منعزلة بعضها عن بعض. ويقول كفافي، الذي تولى إدارة الحفريات مع غاري رولفسون من جامعة سان دييغو، إن مصادر العيش تباينت لدى سكان عين غزال من مرحلة زمنية إلى أخرى، لكنها بقيت تتشابه في كيفية الحصول على الطعام وتأمين القوت. فقد زرع سكان القرية الحبوب مثل القمح والشعير، والبقوليات خصوصاً العدس والحمص والفاصولياء، كما جمعوا ثمار الأشجار البرية واتخذوها أُكلاً لهم. أما دراسة العظام الحيوانية المكتشفة في الموقع فأشارت إلى أن الماعز كان الحيوان المدجن الأساسي لدى سكان القرية بادئ الأمر، إلا أنهم دجنوا لاحقاً حيوانات أخرى مثل الأبقار ثم الأغنام. وفي حوالى الألف السابع قبل الميلاد، أمست الأغنام العنصر الحيواني السائد في غذاء السكان، بينما تراجع صيد الحيوانات البرية مع مرور الوقت.
يصف الدكتور غسان النمري اقتصاد عين غزال، في كتابه «عمان في العصر الحجري الحديث، التحليل البنائي لمنحوتات عين غزال»، بأن «أوله كان طفيلياً على الطبيعة... إلا أن الفكر الاقتصادي وجد منافذه الحقيقية حالما زرع الإنسان الأرض واختار الحبوب ودجن أكثر الحيوانات ضعفاً». ويضيف أن «الاقتصاد كان يقرن بطريقة التفكير إجمالاً بوصف الإنسان متحدياً أكثر من كونه مستسلماً».
استخدم إنسان عين غزال أنواعاً متعددة من الأدوات لتتناسب مع متطلبات حياته اليومية في الزراعة والرعي والصيد. وصنع أدوات طحن الحبوب وجرشها من الخامات البازلتية والغرانيت والصوان، أو من العجينة البيضاء المصنوعة من الحجر الجيري أو الجبس المخلوط مع الرماد، وعظام الحيوانات التي ربما استخدمت أيضاً في الحياكة والنسج ومع الجلود.
العمارة والفنون
أظهرت التنقيبات الأثرية في عين غزال تبايناً في تخطيط المساكن وطبيعتها بين مرحلة وأخرى. وقد عمل السكان في بداية الأمر على تسوية المنحدر الغربي المطل على وادي الزرقاء في شكل مصاطب لملاءمة عملية البناء. وتكونت الوحدة المنزلية خلال مرحلة الاستقرار الأولى من غرفة واحدة مربعة الشكل، ومع مرور الوقت أجرى السكان تعديلات على مساحتها بما يتناسب مع طبيعة معيشتهم. وهذا ما ميز عمائر الموقع التي كانت تبنى بالحجارة خلال الألف السابع قبل الميلاد. وفي مكان يقابل مدخل المنزل، كان يقام في وسط المصطبة موقد محفور في الأرضية المقصورة المدهونة باللون الأحمر، ويرفع سقف المنزل على أعمدة خشبية تثبت في حفر في أرضية المصطبة.
أما العمارة في المرحلة الأخيرة من العصر الحجري الحديث قبل الفخار، فيقول كفافي إنها تميزت عن غيرها من الأنماط العمائرية السابقة، إذ كشف النقاب في الجهة الشمالية لموقع عين غزال عن مبنى ربما يرجع إلى الفترة 7500-7000 قبل الميلاد مكون من طبقتين وغرف صغيرة. وخلال المرحلة التالية المؤرخة للفترة 7000-6500 قبل الميلاد اختلف شكل الوحدة المنزلية، إذ كشف في الجهة الجنوبية للموقع عن مجمعات بنائية ذات طراز مؤلَّف من غرف منشأة حول ممر شكلت طابقاً سفلياً بني المنزل فوقه.
تميزت العمارة أيضاً بأبنية عقائدية. ويذكر كفافي أنه عثر في المنطقة الشمالية من عين غزال على بعض منها اعتقد المنقبون أنها كرِّست لممارسة طقوس، استناداً إلى طرازها العمائري وطريقة بنائها. وأظهرت المخلفات الأثرية، التي ارتبطت على ما يبدو بمعتقدات لما بعد الموت، طرق الدفن التي تميزت بها القرية. فقد قام السكان بدفن موتاهم تحت أرضيات البيوت أو مصاطبها، حيث يترك الميت بعد الدفن على حاله فترة ثم تُفتح حفرة الدفن مرة أخرى وتُفصل الجمجمة عن بقية الجسد وتطلى بطبقة من القصارة الجبسية.
أقدم تماثيل العالم؟
يقول النمري إن أهم النتاجات الحضارية لإنسان عين غزال تلك المجموعة النفيسة من التماثيل البشرية الجبسية الكاملة والنصفية التي اكتشفت في مدفنين في إحدى الغرف المهجورة. تعد هذه التماثيل الأولى من نوعها في العالم المؤرخة للألف السابع قبل الميلاد، وبلغ عددها ثلاثين. ولن يخطئ المرء في أن اكتشافها إلى جانب دمى وتماثيل إنسانية وحيوانية أخرى، واختلاف طرق تشكيلها في تلك المرحلة في الموقع وغيره مثل تل الرماد وتل أسود في سورية وأريحا في فلسطين والبيضا والبسطة في الأردن، يشير إلى قدرات فنية لإنسان ذلك العهد.
صنعت التماثيل، التي يرجح أنها ذات طبيعة عقائدية، من مادة الجبس التي أحاطت طبقة من القصب والأعشاب. بعضها كامل يبلغ طوله 90 سنتيمتراً، وبعضها يمثل الجذع فقط. ومن بينها تماثيل لإناث، ربما تشير إلى أدوار لعبتها المرأة في تلك المجتمعات الزراعية. وقد جرى ترميم التماثيل في لندن ونيويورك وأعيدت غالبيتها إلى الأردن حيث تعرض في المتحف الوطني.
ما حمله باطن الأرض من مكنوزات في منطقة عين غزال قد يجعلها يوماً نقطة جذب كالكثير من المواقع التاريخية في الأردن. ويتحدث كفافي عن رؤية لمستقبل المنطقة، بحيث يتم تطوير الموقع سياحياً بترميم بعض الأبنية وبناء متحف ومتنزه في الجهة الشرقية مكان محطة التنقية.
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.