Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
"البيئة والتنمية" النفايات السامة القصة الكاملة  
أيلول/ تشرين الأول 1996 / عدد 2
 النفايات السامة مواد متخلفة عن النشاط البشري. وإذا كانت الصورة الراسخة في أذهان الناس محصورة في براميل السموم المتنقلة عبر الحدود. فالانتاج الخطير لهذه النفايات غالباً ما يحصل محلياً من الصناعات وأنتاج الطاقة ووسائل النقل وبعض النشاطات الاستهلاكية اليومية. معظم النفايات الخطرة يرمى في المكبات أو يصرّف في البحار ومجاري الأنهر، فيلوث التربة ويسمّم المياه الجوفية ويبيد الأحياء المائية. وتنبعث الأبخرة والغازات السامة من مداخن المصانع وعوادم السيارات، فتلوث الهواء. وتحملها الرياح والغيوم لتتساقط مطراً حمضياً يتأكل الأبنية ويلوث التربة والمياه. فكيف نستطيع العيش مع هذه المواد السامة التي نتجرعها ونتنشقها كل يوم؟
 
كانت القرية الصغيرة الوادعة على شاطئ خلية ميناماتا في جنوب غرب اليابان تعيش آمنة مطمئنة، يأتيها رزقها من صيد السمك والقريدس (الجمبري) والقواقع البحرية. وكان معظم أهلها من الصيادين البسطاء الذين يعتمدون على مياه الخليج كمصدر رئيسي للغذاء وكسب الرزق.
لم يتوقع أهالي القرية أن يصل سم المدينة إليهم ويزلزل سكينتهم ويحطم طمأنينتهم. ولكن في بداية العام 1950 ظهرت على حيوانات القرية، وخصوصاً القطط والكلاب، أعراض غريبة وتصرفات لافتة وحركات شاذة لم تعهد من قبل فالقطط بدأت تتصرف بعدوانية شديدة، وأصبحت تتصارع في ما بينها وتتعثر في مشيتها كأنها فو ج سكارى، ثم تسقط فجأة وتموت. وبعد سنوات قليلة باتت الطيور تشاهد غير قادرة على الطيران، فتسقط على الأرض نافقة. ولم تلبث أن ظهرت أعراض مماثلة على الناس، فعم الذعر والقلق وأعلنت حالة الطوارئ في اليابان. كان المصاب يدخل المستشفى متأوهاً من تعب وصداع وارتعاش وفقدان أحساس في الأطراف وعدم وضوح في الرؤية.
وفي 1956، بعد فحص دقيق وتشخيص مكثف لهذه الحالات المرضية، صدر تقرير اكتفى بوصف المرض كداء «مجهول» يصيب الجهاز العصبي المركزي، وسببه أكل الأسماك من الخليج. فشكلت الحكومة اليابانية فريقاً لدراسة خفايا ذاك المرض، وبقد نحو ثلاث سنوات من الأبحاث أعلن أن السبب هو استهلاك كائنات بحرية ملوثة بمركب سام جداً هو ميثيل الزئبق، الذي وجدت نسب عالية منه في شعور المرضى وأنسجتهم.
من أين جاءت هذه الملوثات؟ وكيف دخلت أجسام الأسماك والناس وبهذا التركيز المرتفع؟
بعد نحو 18 سنة على ظهور المرض أعلنت وزارة  الصحة العامة في اليابان رسمياً عن الحادثة وكشفت للناس أسرار المرض الخفي. كان مصنع شيسو الواقع على خليج ميناماتا يقذف نفاياته المحتوية على كميات بسيطة من الزئبق في مياه الخليج منذ 1949. وكان المصنع ينتج الأسمدة والبلاستيك وعدداً من المركبات الكيميائية مثل الاستالدهيد وكلوريد الفينيل وحمض الاستيك والنيتريك، مستخدماً عوامل مساعدة تتكون من عنصر الزئبق السام وتقذف مباشرة في خليج ميناماتا. دخلت هذه النفايات جسم الانسان منتقلة عبر السلسة الغذائية من العوالق النباتية البحرية الى الأسماك التي يصطادها الناس أو تأكلها الطيور والحيوانات. ومع مرور الزمن ازداد تركيز هذه السموم حتى وصل الى النسبة الحرجة التي تفتك بالسمك والانسان. وبعد اكتشاف المرض ومسبباته والأعلان عنه، ألزمت المحاكم اليابانية المصنع دفع غرامة قدرها 3.53 مليون دولار تعويضات لأسر الضحايا.
كانت هذه الحادثة فاجعة كبيرة للمجتمع العالمي عامة والمجتمع الياباني خاصة، إذ ادرك الانسان أن النفايات الخطرة التي يقذفها في البحر سترجع اليه بعد حين وقد تقتله. ولكنه مع ذلك لم يتّعظ، ولا تزال الحوادث تتكرر.
ما هي النفايات الخطرة؟
النفايات عموماً مواد متخلفة عن النشاط البشري يجري التخلص منها بناء على أحكام القانون. وبعض هذه النفايات موصوفة بأنها خطرة، كتلك التي تشتمل مكوناتها على مركّبات معدنية أو مذيبات عضوية مهلجنة أو أحماض أسبستوس (أميانت) أو مركبات فوسفورية عضوية أو غير ذلك. وتتولد غالبية النفايات الخطرة من الصناعة. لكنها تنتج أيضاً، وإن بكميات صغيرة، من الأجهزة المنزلية والطبية ومرائب السيارات ومحطات الوقود والورش الصغيرة.
أفادت تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة في العام 1990 أن حجم الانتاج العالمي من النفايات الخطرة قارب 338 مليون طن في السنة، منها 275 مليون طن تنتجها الولايات المتحدة وحدها. وتنتج بلدان المجموعة الأوروبية سنوياً ما بين 25 و35 مليون طن من النفايات الخطرة، لكن التقديرات غير الرسمية وضعت الرقم الحقيقي في حدود 160 مليون طن. وتنتج الدول الصناعية عموماً أكثر من 95 في المئة من النفايات الخطرة في العالم. وهي تتخلص من هذه «النفايات المزعجة» عبر تصديرها الى الدول الفقيرة. لا بل إن بعضها يعتبر «مساعدة انسانية»، كما كانت الحال في تصدير 480 مليون طن من المنتجات السامة الى ألبانيا آتية من ألمانيا الديمقراطية السابقة، وقد كشف النقاب عنها في أوئل التسعينات.
تتكون معظم النفايات الخطرة من المواد الكيميائية السامة التي تطلق في البيئة إما مباشرة نتيجة الاستخدامات البشرية (كالمبيدات والأسمدة والمذيبات المختلفة) وإما بطريقة غير مباشرة كتدفقات نفايات التعدين والعمليات الصناعية والترميد واحتراق الوقود. وهي تطلق في شكل جامد أو سائل أو غازي، الى التربة أو المايه أو الهواء. ولا يقتصر وجود النفايات الكيميائية على المنطقة القريبة من مصدر اطلاقها، فهي تنتقل محلياً واقليمياً وعالمياً لتسبب تلوثاً واسع النطاق. إن ثنائيات الفينيل المتعددة الكلورة مثلاً انتقلت في الجو من مصادر في البلدان الصناعية الى مناطق بعيدة قرب القطب الشمالي. ونتيجة أكل الأسماك والثدييات المائية الملوثة، يعاني سكان تلك المناطق مستويات تقرب من السمية.
وتشمل النفايات الخطرة الرئيسية المذيبات ونفايات الطلاء والمعادن الثقيلة والأحماض والنفايات النفطية. وقد أدرجت منظمة التنمية والتعاون الاقتصاد لائحة بالنفايات الخطرة تراوح بين أدوية مرمية ومعادن ثقيلة مثل الكادميوم والزئبق ومواد أخرى تستخدم في المعالجة الصناعية. ولا تقتصر النفايات الخطرة على النفايات الصناعية، وإنما نجدها في حياتنا اليومية، مثل الفضلات المنزلية والدهانات والسوائل المرققة ومنظفات المطابخ والمراحيض وبطاريات السيارات وزيوتها ومضادات التجمد (أنتيفريز) والمبيدات. إن ثلاجة عادية مرمية قد تحوي كيلوغرامين من الكلوروفلوروكربون، المتلف الرئيسي لطبقة الأوزون. وتستهلك الأدوات المنزلية والمكتبية ثلث الطاقة في العالم، وهي مسؤولة عن 16 في المئة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التي هي من صنع الانسان.
تؤثر النفايات الخطرة في صحة الانسان والحيوان بعدة طرق. والوسيلة الأكثر شيوعاً للتأثر هي الاتصال المباشر بالمادة الخطرة خلال حملها أو لمس براميل أفرغت منها أو تركت في المكبات أو وقعت خلال عملية النقل أو أعيد استخدامها من دون تنظيف جيد.
والأطفال أيضاً معرضون لهذا الخطر لأنهم يلعبون قرب أوعية النفايات ويضعون أصابعهم أو أشياء ملوثة في أفواههم. كما أن الاستنشاق من وعاء النفايات أو من المكبات يشكل أيضاً خطراً كبيراً.
وتتلوث المياه الجوفية من المحارق ومكبات النفايات، إذ تذيب مياه الأمطار المواد الملوثة وتسربها الى باطن الأرض. كما أن الملوثات السائلة تنزّ الى طبقة المياه. وتنقل بعض الحيوانات، كالجرذان والحشرات، مواد كيميائية سامة من مكبات النفايات الى الأحياء السكنية والمنازل. ويؤدي تلوث المياه الى نتائج مفجعة. وقد يكون المثل الأبرز على ذلك تلوث بحر آرال في آسيا الوسطى بعد انكماشه وانخفاض مستوى مياهه وتحول بعض قاعة صحراء ملحية مكشوفة تمتد على مساحة 25 ألف كيلومتر مربع. لقد أصبح بحر أرال مائتاً على أثر تحويل رافديه لري حقول القطن. وما الماء القليل الذي ما زال يصب فيه سوى محلول من الأسمدة والمبيدات. إلا أن الناس يضطرون الى شرب هذا الماء واستعماله في تحضير الطعام، إذ لا سبيل الى مياه أخرى بعد جفاف معظم الآبار والينابيع بفعل نضوب المياه الجوفية. وكان بحر آرال يعمل كمكيف طبيعي يلطف طقس المنطقة الصحراوي. أما اليوم فازدادت حرارة الصيف وبرودة الشتاء بعد انكماشه.
الأمر المقلق هو تعذر كشف وجود المبيدات الجديدة في الماء الجديدة إلا بعد أن تبلغ مستوى عالياً وتحدث تلوثاً. حصل ذلك مثلاً عام 1987 عندما سجلت محطات المياه في  أمستردام وجوداً مفاجئاً للمبيد بنتازون بنسبة 0,3 ميكروغرام في الليتر، أي ثلاثة أضعاف الحد القياسي. ولم يدر أحد كم مضى على وجوده. وقد عمل المهندسون الى معالجة الوضع وردّه الى المستوى الطبيعي،  لكن مغاعيله الصحية البعيدة المدى تبقى مجهولة. ولا بدّ من أن الناس شربوا مياها ملوثة لسنوات من دون أن يدروا.
وتتلوث التربة والمزروعات بفعل مياه الري الملوثة والانبعاثات الغازية من المصانع والنفايات المحروقة أو المرمية بطريقة عشوائية. تأكل الماشية هذه المزروعات، فتلتقط المواد الملوثة وتنقلها بدورها الى الانسان الذي يأكل لحمها. ففي سلسيا العليا في بولونيا، تسببت المعادي السامة الخارجة من مداخن المصانع في تلويث التربة، حتى أصبحت بساتين الخضار تحتوي على كميات كبيرة من الكادميوم والزئبق والزنك تفوق مقاييس منظمة الصحة العالمية بنسب تراوح بين 30 و70 في المئة. وتشكل أطنان المبيدات التي تنثر في التربة أخطاراً كبيرة. ومع الوقت يتحول بعضها الى مركبات أشد خطراً تتلبث في التربة لسنوات. وتحذر «الجمعية الأوروبية للشركات المائية»  في بروكسيل من أن موارد مياه الشفة في جميع بلدان المجموعة الأوروبية ستتعرض لأخطار المبيدات ما لم تعتمد إجراءات فورية ناجعة.
من  جهة أخرى، تعتبر المواد السامة الموجودة في الهواء خطرة جداً لأنها تنتقل بطريقة سريعة وواسعة النطاق، ويتعرض لها الانسان رغماً عنه. وقد يكون الوضع خطيراً في بعض الأحيان، كما هي الحال في أوروبا، حيث تجتاح الهواء رياح ملوثة وتمطر السماء مقادير كبيرة من المواد الكيميائية التي تتأكل الأبنية الحجرية وتسمم التربة وتبيد الحياة في البحيرات والأنهار، أحياناً على بعد مئات الكيلومترات من مصادرها. وهي تتجمع في أنسجة الرئتين لدى البشر وتساهم في ارتفاع إصابات انتفاخ الرئتين والربو والسرطان. وفي المنطقة الممتدة بين كراكوف في بولونيا وجبال تاترا في سلوفاكيا، تخيّم سحابة واسعة من ثاني أوكسيد الكبريت وأوكسيد النيتروجين ومواد كيميائية أخرى تبقى معلقة في الهواء على مدار السنة وتسبب توترا بين البلدين.
ويرى علماء في جامعة هامبورغ في ألمانيا أن التلوث المحمول جواً هو أحد أسباب تحول بحر الشمال الى أحد المجمعات المائية الأشد تلوثاً في العالم. وثمة 40 في المئة من شواطئ هذا البحر غير آمنة للسباحة. وفي هنغاريا، تعود 10 في المئة من الوفيات الى التلوث، ويعاني معظم الناس من مشاكل في الجهاز التنفسي لدرجة أنهم يلجأون الى عيادات متخصصة بالرئة، حيث يتنشقون أبخرة الملح لمدة خمس عشرة دقيقة في «حجر التنشق». ويلجأ بعضهم الى الكهوف الجوفية المنتشرة في البلاد ليتنشقوا الهواء النقي. وتجدر الاشارة الى العلاقة المباشرة بين الهواء الفاسد وتقرّح الحناجر ووخز العيون وصعوبات التنفس وغير ذلك من المشاكل الصحية التي تصيب الناس، ولا سيما الأطفال والشيوخ. وفي دراسة أجريت على عينة من الأطفال الحديثي الولادة في المستشفى العمومي في مدينة مكسيكو، تبين أن دماء 70 في المئة منهم تحوي كميات من الرصاص كافية للتسبب في نمو غير طبيعي.
كيف نستطيع العيش مع هذه المواد الخطرة؟ يقول مدير السجل الدولي للمواد الكيميائية المجتملة السمية (IRPTC) إن المشكلة تنشأ غالباً عن نقص في المعلومات حول كيفية انتاج المواد الكيميائية ونقلها والتأكد من استخدامها بشكل صحيح. فالعقبة العظمى في وجه اعتماد السبل السليمة لاستخدام المواد الكيميائية والتخلص منها هي الجهل. من هنا، لا بدّ من توفير المعلومات الوافية، خصوصاً للسلطات الوطنية والاقليمية المسؤولة عن السلامة العامة والصحة البيئية.
 
كادر
كارثتان بيئيتان: أميركية وألمانية
نيويورك ـ «البيئة والتنمية»
تحولت مجاري «قناة الحب» في شلالات نياغازا في الولايات المتحدة الى مكب للنفايات الكيميائية السامة بين 1930 و1952 إذ دفنت فيها شركة «هوكر» للكيميائيات حولى 22 ألف طن من النفايات الخطرة في براميل من الحديد. وفي العام 1953 باعت الشركة القناة الى مجلس التربية والتعليم بسعر زهيد. وشُيدت عدة مدارس ومبان على ضفافها.
وفي بداية الستينات انبعث روائح كريهة من الموقع وظهرت لدى الأطفال مشاكل في البصر والجهاز التنفسي وإزدادت الأمراض بين السكان. ثم بدأت النفايات تلفظ من باطن الأرض الى سطحها وباتت الطبيعة كلها ملوثة.
انتقلت مادة الديوكسين ومواد سامة أخرى من القناة الى المجاري وصبّت في الجداول. وقضى العديد من السكان نتيجة شرب المياه الملوثة. وأظهرت التحقيقات أن تلك المياه تحتوي على 82 مادة كيميائية، يسبب بعضها السرطان ويدخل بعضها في إطار الملوثات. مذاك اعتبرت المنطقة محظورة وتم إجلاء 950 عائلة.
 
هامبورغ ـ «البيئة والتنمية»
يعتبر موقع جورجسفرده في هامبورغ بألمانيا من أكبر مطامر النفايات في العالم. وتقدّر كمية النفايات المطمورة فيه بنحو 14 مليون متر مكعب من الفضلات المنزلية والصناعية السائلة وشبه السائلة والصلبة. بدأ طمر النفايات المنزلية في العام 1948، ثم جاءت أفواج النفايات الصناعية بجيمع أشكالها في العام 1976. رميت النفايات الصناعية الزيتية في حفر، ودفنت النفايات شبه الصلبة في الأرض، وخزنت براميل المخلفات الكيميائية فوق المكان أو غطيت بالتراب.
وعندما تشبعت الأرض بهذه المخلفات ولم تعد تتحمل المزيد، فكرت سلطات المدينة في ردم المنطقة وتحويلها الى متنزه عام. ووضع مخطط للمشروع، كان على وشك التنفيذ لولا حدوث ما لم يكن في الحسبان. فقد بدأ الناس يشتكون من روائح كريهة انبعثت من مكان الطمر، وضغطوا على المسؤولين للبحث في هوية هذه الروائح وتأثيرها على صحتهم. وفي العام 1983، اكتشف أن الهواء مشبع بمادة الديوكسين السامة، وكذلك المياه الجوفية والتربة. دق حينئذ ناقوس الخطر  وحظر الدخول الى المنطقة، واتخذت أجراءات صارمة لحل مشكلة النفايات التي ذفنت في الأرض أو رميت فوقها. ومن هذه الاجراءات: سحب الملوثات السائلة من جوف الأرض باستخدام المضخات ومعالجتها في موقع آخر، تغطيه المنطقة بمادة البولييثيلين البلاستيكية غير النافذة، جمع الغازات المنبعثة ومعالجتها، المراقبة الدائمة للمنطقة وتحويلها مركز أبحاث لدراسة مسلك النفايات بعد دفنها.
 
كادر
المطر الحمضي وعصر التكنولوجيا
يحتوي المطر الحمضي على كميات كبيرة من أيونات الكبريت والنيترات وملوثات عضوية مجهرية. وهو يؤثر في صحة الانسان، ويخل بالأنظمة البيئية البحرية ويسبب أنخفاض عدد الأسماك في الأنهر والبحيرات، ويحمّض التربة مما يؤدي الى أزدياد قابليتها للتحرك وفقدان الأيونات المعدنية الأساسية، ويغير في تركيبة الكائنات المجهرية الموجودة في التربة ويزيد في تآكل المواد.
يميز المطر الحمضي العصر التكنولوجي. وتنبعث كل يوم ألوف الأطنان من أوكسيدات الكبريت والنيتروجين، أي المكونات الأساسية للمطر الحمضي، من مصادر متنوعة كالأفران المولدة للطاقة والعاملة علىالفحم، ومداخن مصاهر المعادن الخام،  ومصانع الفولاذ، والمصانع الكيميائية، وعودم الحافلات والسيارات والشاحنات.
ترتفع الأحماض الناتجة عن الصناعة ومحروقات الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز) عالياً في الجو، حيث تنتقل مع الهواء والغيوم ألوف الكيلومترات. الاّ أنها تعود في النهاية الى الأرض، سواء مع المطر أو في شكل حبيبات جافة متساقطة. يذيب المطر الحمضي سطوح الأبنية ويصدىء المعادن، بما في ذلك السيارات. في اليونان مثلاً أمحت وجوه تماثيل رخامية دعمت معبداً في الأكروبوليس لأكثر م 25 قرناً. وفي كنذا يتفتت مبنى مجلس النواب في  أوتاوا بفعل المطر الحمضي. وتعاني الغابات التي تغطي مساحة أربعة ملايين هكتار في أوروبا من تلف كبير بفعل المطر الحمضي.
ستؤدي التعديلات على «شرعة الهواء النظيف» التي وقّعت سنة 1990 الى انخفاض معدل انبعاث ثاني أوكسيد الكبريت من المعامل بنسبة 50 في المئة في غضون عشر سنين. ولكن هل هذه النسبة كافية لانقاذ بحيراتنا وغاباتنا وأبنيتنا وصحتنا؟ يقول بعض الخبراء إننا نحتاج الى تخفيض انبعاثات أوكسيد الكبريت وأوكسيد النيتروجين بنسبة 80 في المئة على الأقل اذا أردنا عكس التلف الرهيب الذي يسببه المطر الحمضي.
إن تدوير النفايات والتوفير في الكهرباء وفي استخدام السيارات طريقتان فعالتان لتقليل المطر الحمضي. وفي كندا، قُدّر أن المنزل الواحد يستطيع تخفيض مساهمته في انتاج المطر الحمضي بمعدل خمسة أطنان في السنة الواحدة من خلال اعادة تدوير الورق والعلب والقناني التي يستهلكها سكانه. كما أن صنع منتجات جديدة من أخرى قديمة يولد عُشر المطر الحمضي الذي يولده الانتاج نفسنه من مواد خام.
 
تهريب النفايات الخطرة:
 
هدايا موت الى أرض الفقراء
 
تعددت حوادث «تصدير» النفايات من الدول الصناعية الغنية الى الدول النامية الفقيرة حيث لا رقابة ولا قدرة على المعالجة بطرق سليمة بيئياً. وفي آذار (مارس) 1989 عقد برنامج الأمم المتحدة للبيئة مؤتمراً في بازل في سويسرا أقرّت بموجبه اتفاقية التحكم بنقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود التي بدأ سريانها في أيار (مايو) 1992. فماذا غيرت اتفاقية بازل في الوضع؟ وما مصير ملايين الأطنان من النفايات الخطرة المدفونة في بقاع العالم الثالث؟
 
عبرت شاحنة الحدود من ايطاليا الى فرنسا. كان في صندوقها 41 برميلاً من الفولاذ تحوي «مشتقات هالوجينية ناتجة من معالجة هيدروكربونات عطرية»، حسبما جاء في المعاملات. فظنّ موظف الجمارك الفرنسي أنها شحنة لا تؤذي. كانت تلك الكلمات المدوّنة صحيحة من الناحية الفنية، لكن أصحابها أغفلوا وضع اشارة جمجمة وعظمتين متقاطعتين على البراميل التي كانت تحوي أكثر من طنّين من النفايات السامة الخارجة من مصنع كيميائي في سيفيسو قرب ميلانو تملكه شركة «هوفمان لاروش» السويسرية للصيدلة. وكانت الشركة سعت لسنوات الى التخلص من تلك الفضلات، لكن الدول الأوربية القادرة على التخلص السليم من النفايات السامة رفضت السماح بدخول البراميل الى أراضيها.
أخيراً لجأت «هوفمان لاروش» الى شركة ايطالية ـ ألمانية عاملة في تصريف النفايات، حولتها بدورها الى مستشار فرنسي يدعى برنار بارنغو، فدبّر بارنغو نقل النفايات في شاحنة متوجهة الى الشمال. ولف الغموض القضية طوال ستة أشهر، حتى تسرّبت أخبارها الى الصحافة الفرنسية. وفجأة هبّت أوروبا تتساءل أين أختفت براميل الموت. وقد ألقي القبض على بارنغو الذي اعترف يوجد 41 برميلاً من الديوكسين المميت موضبة على أساس أنها براميل خل ومخبأة في مسلخ مهجور في قرية شمال فرنسا.
وإذا كان هذا الحدث حصل بين دولتين صناعيتين، فإن معظم حوادث تهريب النفايات الصناعية الخطرة تتم من الدول الصناعية الى الدول النامية، حيث الرقابة أقل والقيود خفيفية أو غير موجودة، وحيث يجد الوسطاء دائماً من يخرق القانون لقاء عمولات.
برهنت براميل السموم المتجولة أن لا حدود لعواقب التخلص من النفايات الخطرة التي لا يكترث لها الناس العاديون. فمبيدات الحشرات والزيوت والشحوم وسوائل التنظيف والمعادن الثقيلة كالزئبق والكادميوم والديوكسين كلها نفايات سامة تضر بالصحة والبيئة.
وكثيراً ما يعاد استعمال بعض هذه النفايات، أو يتم حرقها أو أتلافها أو رميها في مقالع أو حقول مرخص بها، أو تفريغها بطريقة غير شرعية في الأنهار ومكبات القمامة والأنفاق القديمة. وحوادث تهريب النفايات والتخلص منها بطرق غير مشروعة شائعة في البلدان الصناعية القادرة في معظم الأحيان على التخلص منها بطرق سليمة بيئياً وإن تكن مكلفة. لكن الأمر الخطير والمجحف أن ملايين الأطنان تحمّل ببساطة في شاحنات أو بواخر وتنقل لتفرغ بعيداً، وأحياناً غبر الحدود الدولية الى البلدان النامية حيث لا قوانين ولا عقوبات ولا قدرة على التخلص منها بطرق سليمة بيئياً.
تلحق النفايات الخطرة أضرارً جسيمة بالصحة والبيئة. ولجعلها آمنة يقتضى تدويرها أو حرقها أو تحويلها أو معالجتها كيميائياً أو فيزيائياً أو بيولوجياً أو دفنها مؤبداً في حفر أرضية مراقبة. لكن هذه الاجراءات مكلفة جداً. ونظراً الى الاهتمام البيئي المتنامي والقوانين المتشددة التي تصعّب على الصناعيين الغربيين رمي النفايات غير المعالجة في بلدانهم، أخذ هؤلاء يصدّرونها الى البلدان النامية. والدافع المباشر لذلك أن ثمن تفكيك الطن الواحد من النفايات العضوية يراوح بين 240 دولاراً و 1200 دولار، بينماا تتراوح كلفة تصدير الطن الواحد بطريقة غير شرعية بين 5 دولارات و 50 دولاراً. إن التخلص مثلاً من ثنائي الفينيل المتعدد الكلورة في محرقة مرتفعة الحرارة يكلف 2500 دولار للطن الواحد. أما رميه في أحد بلدان العالم الثالث فيكلف 75 دولاراً فقط للطن. هذا الفرق الكبير في الكلفة دفع بالعديد من الشركات الى اعتماد طرق غير شرعية لتصريف النفايات في البلدان النامية.
مواد لحياة أفضل!
في بداية الثمانينات بلغت كمية النفايات الخطرة المولدة سنوياً في العالم أكثر من 300 مليون طن، وتحول نقلها عبَـر الحدول الدولية الى ظاهرة خطرية. وبما أن التخلص من هذه النفايات بطريقة سليمة بيئياً مكف جداً، تمّ اللجوء الى ممارسات جائرة كطمرها في البلدان التي لا تعي مخاطر هذا الطمر أو غير القادرة على التخلص منها بوسائل سليمة بيئياً. ففي أواخر الثمانينات، وقبل التغييرات التي حصلت في أوروبا الشرقية، عبَـر سنوياً أكثر من مليوني طن من النفايات الخطرة من أوروبا الغربية الى دول أوروبا الشرقية لدفنها في حفر أرضية هناك. وبعد انكشاف أخطار هذه العمليات أخذت الشحنات تتحول الى مناطق أخرى، خصوصاً في أفريقيا والشرق الأوسط. وتحول نقل النفايات الخطرة الى تجارة دولية منظمة.
يعود السبب في ذلك الى أن معظم البلدان النامية، خلافاً للبلدان المتقدمة، لا تملك قوانين للتحكم بالمواد الكيميائية السامة ولا قدرات تقنية لتطبيق هذه القوانين متى وجدت. ثم إن تلك الدول تضعف أمام اغراءات المال بسبب أعباء ديونها الخارجية. وكثيراً ما يتآمر بعض الأفراد لتمرير صفقات ممنوعة تحقق بعض المنافع الشخصية على حساب الشعب الذي بات مهدداً بعواقب التلوث في الماء والهواء والتربة. وقد تكشفت في السنوات الأخيرة عدة حوادث بيعت فيها أو طمرت في بلدان نامية منتجات تحظرها البلدان الصناعية أو تفرض عليها قيوداً شديدة.
ذكرت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي أن نفايات خطرة تعبر حدود البلدان الأوروبية الأعضاء كل خمس دقائق، أي نحو 100 ألف عملية نقل كل سنة. وترسل أوروبا حوالي 120 ألف طن من النفايات الخطرة الى العالم الثالث كل عام. والأسوأ من هذا أن بعضها يصدّر الى البلدان النامية على أنها «مواد لحياة أفضل». لا بل إن مصدّري النفايات يزعمون أحياناً أنها قروض تجارية أو مساعدات إنسانية. من هنا، ينبغي على البلدان النامية  اعتماد معايير للتحقق من التكنولوجيات والبضائع التي تستوردها.
وما يثير القلق حقاً تصدير أدوية محظورة أو مقيدة الاستعمال في البلدان المتقدمة الى البلدان النامية، حيث يمكن الحصول عليها من دون وصفة طبيعة من التجار المحليين وصغار الباعة في القرى. وتعتبر هذه البلدان هدفاً سهلاً لأنها لا تملك بنية صحية، وعدد الأطباء فيها ضئيل نسبياً. وقد يكون بعض هذه الأدوية مفيداً جداً. كالمضادات الحيوية، لكن الترويج لها يؤدي الى إساءة استعمالها. إن الكلورومفينكول مثلاً مضاد حيوي يستعمل في معالجة أصابات خطرة كحمى التيفوئيد، لكنه يسبب أحياناً أمراض دم مميتة. بما فيها فقر الدم. يعطى هذا العقار في أوروبا والولايات المتحدة ومعظم البلدان الصناعية بموجب وصفة طبيب، إلا أن شركات صيدلانية في أندونيسيا والفيليبين تنصح به لمعالجة الالتهاب الشعبي والأمراض التناسلية ذات الرئة والتهاب اللوزتين. وعقار الديبيرون المسكن للألم قد يسبب الاصابة بندرة الكريات الحبيبية، مما يؤدي الى تقليص عددد كريات الدم البيضاء الدفاعية في الجسم. وقد تم حظر هذا العقاقر في الثمانينات، أو قيّد بيعه، في البلدان المتقدمة، لكن البيرو والبرازيل والعديد من البلدان النامية استمرت في بيع الديبيرون في الأسواق.
اتفاقية بازل وتهريب النفايات
أمام كل هذه التعديات على البيئة والصحة العامة كان لا بد من التحرك. وقد أبرم عدد كبير من الاتفاقات والوثائق الدولية العالمية والاقليمية حول البيئة، ومنها: اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، الميثاق العالمي للطبيعة، اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزرون، قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة «المنظور البيئي حتى السنة 2000 وما بعدها». اتفاقية برشلونة لحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث، اتفاقية حماية الطبيعة في جنوب المحيط الهادئ. اتفاقية تحريم الاستخدام العسكري أو أي استخدام عدائي آخر للتقنيات التي من شأنها تغيير البيئة، اتفاقية الكويت حول حماية البيئة البحرية من التلوث اتفاقية أبيدجان المتعلقة بحماية البيئة البحرية لأفريقيا الغربية والوسطى، بروتوكول الخرطوم المتعلق بالحفاظ على المورد الطبيعية المشتركة، اتفاقية جدة في شأن الحفاظ على البيئة البحرية للبحر الأحمر وخليج عدن، اتفاقية ويلنغتون حول النظام القانوني للنشاطات المتعلقة بالثروات المنجمية، اتفاقية بازل لضبط نقل النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها.
في 31 أيار (مايو) 1982، أنشأ برنامج الأمم المتحدة  للبيئة لجنة من الخبراء في ادارة النفايات الخطرة، بهدف وضع مبادئ وخطوط توجيهية للنقل السليم بيئياً للنفايات الخطرة والسامة والتخلص منها. عقدت هذه اللجنة ثلاثة اجتماعات بين شباط (فبراير) 1984 وكانون الأول (ديسمبر) 1985، وأقرت في الاجتماع الثالث الذي عقد في القاهرة مبادئ وخطوطاً توجيهية للادارة السليمة بيئياً للنفايات الخطرة.
بعد ذلك، عقد برنامج الأمم المتحدة للبيئة سلسلة اجتماعات دعا إثرها مديره التنفيذي الى اجتماع في بازل في سويسرا بين 20 و22 آذار (مارس) 1989، أقرّ فيه اعتماد اتفاقية في شأن التحكم بنقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود. تلا ذلك سلسلة من الاجتماعات لتحديد المسؤولية القانونية وتعويض الضررر الناتج عن حركة النفايات الخطرة عبر الحدود. وفي 5 أيار (مايو) 1992 أصبحت الاتفاقية نافذة المفعول.
التزامات وتدابير لنقل النفايات
حددت اتفاقية بازل التزامات عامة بشأن تصدير النفايات الخطرة واستيرادها. وهي تدعو الأطراف التي تمارس حقها في حظر استيراد النفايات بغرض التخلص منها الى إبلاغ الاطراف الأخرى بقرارها. كما تحظر تصدير النفايات ما لم توافق دولة الاستيراد كتابة على عملية الاستيراد المحدودة. ويتعين على كل طرف في الاتفاقية اتخاذ التدابير المناسبة للتوصل الى الغايات الآتية:
- خفض توليد النفايات محلياً الى الحد الأدنى، مع مراعاة الجوانب الاجتماعية والتكنولوجية والاقتصادية.
- اتاحة مرافق كافية للتخلص السليم من النفايات.
- اتخاذ الخطوات الضرورية لمنع التلوث بالنفايات، وتقليص آثاره الصحية والبيئية إن حصل.
-خفض حركة انتقال النفايات عبر الحدود الى الحد الأدنى، والقيام بها بطريقة توفر الحماية للصحة والبيئة.
- عدم السماح بتصدير نفايات خطرة أو نفيات أخرى الى دولة أو مجموعة دول تنتمي الى منظمة تكامل اقتصادي أو سياسي تكون أطرافاً في الاتفاقية، ولا سيما الى البلدان النامية.
- تقديم المعلومات المتعلقة بالحركة المقترحة للنفايات عبر الحدود الى الدول المعنية.
- منع استيراد النفايات اذا وجدت الدولة المستقبلة سبباً بحملها على الاعتقاد بأنها لن تعالج بطريقة سليمة بيئياً.
- التعاون مع الأنظمة المعنية، بما في ذلك نشر المعلومات عن حركة النفايات الخطرة والنفايات الأخرى عبر الحدود، بغية تحسين الادارة السليمة بيئياً لهذه النفايات ومنع الاتجار غير المشروع بها.
كذلك، على الأطراف اتخاذ التدابير المناسبة لتنفيذ أحكام الاتفاقية وضمان عدم السماح بانتقال النفايات عبر الحدود، إلاّ إذا كانت دولة التصدير لا تملك  القدرة التقنية أو المرافق أو الوسائل أو المواقع المناسبة للتخلص منها بطريقة سليمة وجديرة بيئيا، أو كانت النفايات مطلوبة كمادة خام لصناعات التدوير أو الاسترداد في دولة الاستيراد، أو كان الانتقال عبر الحدود يجري وفقاً لمعايير أخرى تقررها الأطراف شرط ألا تتعارض مع أهداف الاتفاقية.
نصت اتفاقية بازل أيضاً على وجوب قيام دولة التصدير بإخطار الدولة المعنية بأي حركة للنفايات عبر الحدود فتردّ دولة الاستيراد على الإخطار كتابة بالموافقة على الحركة أو برفضها أو بطلب معلومات اضافية. وعلى دولة التصدير ألا تسمح ببدء الحركة عبر الحدود حتى تتلقى الموافقة المكتوبة لدول العبور ودولة الاستيراد. وكل حركة للنفايات عبر الحدود يجب أن تكون مشمولة بتأمين أو كفالة أو أي ضمان آخر قد تطلبه دولة الاستيراد أو أي دولة عبور.
وعندما يتعذر اكمال نقل النفايات عبر الحدود، تضمن دولة التصدير أعادتها إليها إذا تعذر وضع ترتيبات بديلة للتخلص منها بطريقة سليمة بيئياً خلال 90 يوماً من تاريخ قيام دولة الاستيراد بإبلاغ دولة التصدير وأمانة سر الاتفاقية بالأمر، أو خلال فترة زمنية أخرى تتفق عليها الدول المعنية.
وتقصد اتفاقية بازل بالاتجار غير المشروع نقل النفايات الخطرة والنفايات الأخرى عبر الحدود من دون إخطار جميع الدول المعنية، أو من دون الحصول على موافقة دولة معنية، أو بالحصول على الموافقة عن طريق التزوير أو الكذب أو الغش، وكذلك انتقال نفايات لا تتفق مع الوثائق المرفقة أو ناتجة عن تخلص متعمد يتناقض مع الاتفاقية والمبادئ العامة للقانون الدولي.
ردود الفعل على اتفاقية بازل
وافقت 115 دولة على اتفاقية بازل في آذار (مارس) 1989، وباتت سارية المفعول في أيار (مايو) 1992. وصدّقتها 21 دولة في البداية، لكن الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية (بإستثناء فرنسا) واليابان، أي أبرز منتجي النفايات الخطرة، لم تصدق الاتفاقية حينئذ. واعتبرها كثير من الدول الافريقية والأميركية اللاتينية غير كافية لايقاف الاتجار بالنفايات السامة، بسبب تضمنها عدة بنود توفر مهارب من الموجبات، ولأنها «تنظم التجارة ولكنها لا تنهيها». وانتقدتها منظمة «غرين بيس» باعتبارها تسمح بنقل النفايات الى مكان تكون فيها المعايير البيئية واجراءات حماية الصحة العامة أدنى مما هي في بلد التصدير. فليست الموافقة الخطية خياراً فعالاً عندما نعيش في عالم يزخر بالأوضاع السياسية والاقتصادية غير المتوازنة. وعابت المنظمة مَهْـرب اعادة التدوير لأنه يفسح في المجال للادعاء أن كل أنواع النفايات يمكن اعادة تدويرها أو أنها مواد أولية لعمليات صناعية. هكذا يستطيع تجار النفايات أن يزعموا أن النفايات الخطرة هي سماد أو وقود أوملاط للطرقات أو مواد بناء. وذكرت المنظمة سلسلة من المحاولات الفاضحة لتصدير نفايات سامة على أنها لاعادة التدوير. ورأت أن الحل الأمثل هو في قرار تتخذه المجموعة الأوروبية، يحظر تصدير النفايات الخطرة على أنها لاعادة التدوير أو مجرد بضاعة.
ومع أن الاتجار الدولي بالمواد السامة استمر بعد اتفاقية بازل. وأن على نطاق أضيق، إلا أن الاتفاقية ساهمت في وضع ضوابط قانونية مكنت الهيئات المختصة من وقف عدة صفقات مشبوهة. ومن الصفقات التي تمّ اجهاضها واحدة كان عقدها شخص انتحل صفة مسؤول حكومي في الصومال مع شركتين في سويسرا وإيطاليا. قضت بتصدير أنواع مختلفة من النفايات السامة الى الصومال لمدة 20 سنة بين 1991 و2011. وقد استطاع برنامج الأمم المتحدة للبيئة أفشال الصفقة ومنعها استناداً الى اتفاقية بازل. هكذا تمّ وقف مأساة بيئية كانت ستواجه الصومال.
ولا تزال الدول الأطراف في الاتفاقية تجتمع دورياً لتقييم الانجازات والنظر في إدخال التعديلات والتدابير المناسبة. وفي الاجتماع الثالث الذي عقد في 18 ـ 22 أيلول (سبتمبر) 1995 في جنيف، سويسرا، قال بعض المندوبين إن دولهم لا تزال تواجه النقل غير المشروع للنفايات، وشددوا على ضرورة تقديم المساعدة التقنية الى الدول النامية للحدّ من تجارة النفايات غير المشروعة في أراضيها، ودعوا الى زيادة الموارد المالية بغية تطبيق الاتفاقية بشكل كامل. وركّز الأطراف على ضرورة زيادة تبادل المعلومات بينهم، ودعوا الى إقامة  نظام لإرسال المعلومات ونقل تكنولوجيا إدارة النفايات الخطرة بطريقة سليمة بيئياً من الدول المتقدمة الى الدول النامية. وشدّدوا على ضرورة منع نقل الصناعات الملوثة والنشاطات والتكنولوجيات الصناعية التي تولد نفايات خطرة. وأيّد معظمهم إقرار تعديل في الاتفاقية يحظّر كل تصديرات النفايات الخطرة من الدول الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي الى الدول غير الأعضاء فيها، ليس فقط لجهة التخلص النهائي وإنما أيضاً لجهة الاسترداد وإعادة التدوير، إلا أن بعض المندوبين رأوا أن الحظر يجب أن يشمل فقط تصدير النفايات الخطرة لجهة التخلص النهائي منها.
ثمة اتفاقية أخرى تحارب الاتجار الدولي بالنفايات السامة، هي اتفاقية لومية التي صقلت بعض موجبات اتفاقية بازل، وبموجبها وافقت الدول الأعضاء في المجموعة الأوروبية للمرة الأولى سنة 1990 على حظر تصدير النفايات الخطرة والمشعة الى 69 بلداً في أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ وفي المقابل، تعهدت هذه الدول منع كل استيراد مباشر أو غير مباشر لهذه النفايات من المجموعة الأوروبية أو أي دول أخرى الى داخل أراضيها.
أما في أوروبا، فقد ازدادت فضائح تصدير النفايات السامة، لا سيما وأن تجار النفايات باتوا يدّعون أن النفايات السامة هي «بضائع» ليتهربوا من التفتيش القانوني. لذا، في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 1992، وافق وزراء البيئة في المجموعة الأوروبية على قانون جديد بضبط نقل النفايات من بلدان المجموعة وإليها ويوضح الفرق بين النفايات و «البضائع». وأصبح هذا القانون نافذ المفعول في منتصف 1994.
(يدعو برنامج الأمم المتحدة للبيئة كل المواطنين الذي تبلغهم معلومات عن تجاوزات في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود الى الابلاغ عنها. ويتم ذلك بتعبئة قسيمة خاصة يمكن الحصول عليها من مكاتب البرنامج ومن مجلة البيئة والتنمية).
 
كادر
تهريبات حديثة للنفايات الخطرة
الصين: في أيلول (سبتمبر) 1993، دخل 1228 طناً من النفايات الخطرة من كوريا الى مرفأ نانجينغ في الصين من دون الحصول على موافقة مسبقة من الوكالة الوطنية لحماية البيئة، التي رفعت شكوى الى أمانة سرّ اتفاقية بازل، وفي ما بعد، أبلغت الوكالة أمانة السرّ أن جمهورية كوريا وافقت بعد مفاوضات مع الحكومة الصينية على استعادة النفايات الخطرة من مرفأ نانجينغ.
نيجيريا: أرسلت أمانة سر اتفاقية بازل الى السلطات المختصة في نيجيريا رسائل عروض كتبها أفراد شركات نيجيرية لتسهيل استيراد غير مشروع لنفايات خطرة الى داخل البلد. وطلبت منها التحقيق في المسألة واتخاذ الاجراءات اللازمة.
أندونيسيا: طلبت أمانة سر اتفاقية بازل من الحكومة الاندونيسية والحكومة الهولندية مزيداً من المعلومات عن تصدير غير مشروع لنفايات خطرة من بعض الدول الأوروبية الغربية والأميركية الشمالية والأسيوية الى أندونيسيا. وبعد التحقيق الذي أجرته وكالة ادارة التأثير البيئي في أندونيسيا، تبين تورّط ستة بلدان، هي: كوريا، اليابان، الولايات المتحدة، ألمانيا، سنغافورة، هونغ كونغ. وطلبت الحكومة الأندونيسية من الأمانة مساعدتها في جهودها لاعادة تصدير النفايات. وفي آب (أغسطس) 1994، طلبت الأمانة من كل دولة معنية معلومات عن الحل الملائم للمشكلة وتطبيع المادة التاسعة من اتفاقية بازل (المتعلقة بالاتجار غير المشروع النفايات الخطرة). لم تستجب اليابات، فيما  طلبت ألمانيا من الأمانة الاتصال بالسلطات الفرنسية لتقييم مصدر النفايات المستوردة. أما هونغ كونغ فقالت إنه اذا توافر مزيد من الأدلة عن تورطها في تصدير النفايات فستكون مستعدة لإعادة استيرادها. وأبدت سنغافورة أستعدادها للتعاون. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1994 أعلمت الحكومة الأندونيسية الأمانة أنه بعد التحقق من وثائق الاستيراد المتعلقة بنفايات بلاستيكية، تبين أن كوريا ليست متورطة. وفي كانون الثاني (يناير) 1995، أجابت الولايات المتحدة أنها لم تكن فريقاً في اتفاقية بازل، وبالتالي لا تملك سلطة لتحمل مسؤولية استعداة النفايات المصدرة.
تشيلي: في آب (أغسطس) 1994 أبلغت الأمانة أن السفينة «تريغلاف» المحملة 79 طناً من النفايات الخطرة حاولت دخول المرافئ التشيلية. طلبت الأمانة مزيداً من المعلومات من تشيلي.
الدنمارك: في شباط (فبراير) 1995 طلبت الأمانة من السلطات الدنماركية معلومات حول التصدير غير المشروع لنحو 500 طن من النفايات البلاستيكية من ألمانيا الى الدنمارك.
الفيليبين: أرسل «المنبر الأخضر» الفيليبيني الى الأمانة نشرة صحافية مؤرخة في 3 أيار (مايو) 1994 تشير الى قيام شركتين ألمانيتين هما «بيسايدرز» و «لوثار تويركوف» بتصدير نفايات بلاستيكية الى الفيليبين في آب (أغسطس) 1994، وقد رفضت هذه استقبالها.
سويسرا والبرتغال: من 1987 الى 1990 قامت الشركة السويسرية «ميتالفيرك ريفوندا» بتصدير حوالى 30 ألف طن من خَبَث الألمنيوم الى البرتغال. وقد تمّ تخزين هذا الخَبَث في سيتويال بطريقة غير مرضية. وفي 1992، طلبت البرتغال من سويسرا استعادة الخَبَث. فباشرت السلطات السويسرية دعوى قانونية ضد الشركة. وفي 1993 بدأت البرتغال مفاوضات ديبلوماسية لحل المشكلة وفق تدابير اتفاقية بازل. ونتيجة لذلك، وقعت الدولتان اتفاقاً في أيار (مايو) 1995 ينصّ على معالجة الخَبَث في ألمانيا بطريقة سليمة بيئياً، على أن تتقاسم الحكومتان التكاليف.
بريطانيا: في آذار (مارس) 1995 أبلغ مكتب محاماة أمانة سر اتفاقية بازل عن نقل محتمل غيرمشروع لنفايات ملوثة بمادة ثنائي الفينيل المتعدد الكلورة من الفيليبين الى بريطانيا. بعد التدقيق، أقفل الملف لعدم اعتبار القضية اتجاراً غير مشروع.
لبنان: في كانون الثاني (يناير) 1995 تلقت الأمانة، عن طريق مكتب برنامج الأمم المتحدة في بيروت، طلباً للتحقق من طمر نفايات خطرة بصورة غير شرعية، وتقديم النصح حول كيفيقة تطبيع اتفاقية بازل. أخذت الأمانة في الاعتبار أن المهمة «طارئة». وقامت بالترتيبات الضرورية لارسال بعثة مشتركة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة ووحدة الشوؤن البيئية الانسانية. إلا أن المهمة تأجلت لاعتبارات مرتبطة بطريقة تقديم الطلب، الذي جاء من لجنة نيابية وليس من الحكومة. وأبدت الأمانة في اتصال أجرته معها مجلة «البيئة والتنمية» استعدادها للتعاون الايجابي مع لبنان لمساعدته في إيجاد حلّ لبقايا هذه المشكلة، خصوصاً أن الحكومة الحاضرة لا تتحمل أي مسؤولية عن إدخال هذه النفايات، بل هي ورثتها من عهد قوات الأمر الواقع، على حدّ قول مسؤولي أمانة سرّ اتفاقية بازل.
 
كادر
أنواع النفايات الخطرة وشروط نقلها عبر الحدود
 
حددت اتفاقية بازل النفايات الخطرة بما يأتي:
- النفايات السريرية في المستشفيات والمراكز الطبية.
- النفايات المتخلفة عن انتاج المستحضرات الصيدلانية.
- النفايات المتخلفة عن انتاج وتجهيز واستخدام المبيدات البيولوجية والمستحضرات الصيدلانية النباتية والمواد الكيميائية الواقية للأخشاب والمذيبات العضوية.
- النفايات المتخلفة عن المعالجة الحرارية وعمليات التطبيع المحتوية على السيانيد.
- نفايات الزيوت المعدنية غير الصالحة للاستعمال المعدة له أصلاً.
- نفايات الزيوت ومزائج الهيدروكربون والمستحليات.
- نفايات المواد والمركبات المحتوية على ثنائيات أو ثلاثيات الفينيل ذات الروابط الكلورية أو البرومية المتعددة.
- نفايات الرواسب القطرانية الناجمة عن التكرير والتقطير والمعالجة بالتحلل الحراري.
- النفايات الناتجة عن انتاج وتجهيز واستخدام الأحبار والأصباغ والمواد الملونة والدهانات وطلاء اللك والورنيش والراتينجات والملونات والغراء والمواد اللاصقة.
- نفايات المواد الكيميائية الناجمة عن الأبحاث أو النشاطات التعليمية، اذ تكون جديدة وغير مصنفة ولا تعرف آثارها على الانسان أو البيئة.
- النفايات ذات الطبيعة الانفجارية التي لا تخضع لتشريع آخر.
- النفايات المتخلفة عن انتاج وتجهيز واستخدام المواد الكيميائية الفوتوغرافية.
- النفايات الناتجة عن المعالجة السطحية للمعادن واللدائن.
- الرواسب الناجمة عن عمليات التخلص من النفايات الصناعية.
- النفايات التي تدخل في تركيبها المواد الآتية: الكربونات المعدنية، البريليوم ومركباته، مركبات الكروم السداسية التكافؤ، مركبات النحاس والزنك، الزرنيخ ومركباته، التلوريوم ومركباته، الزئبق ومركباته، الثاليوم ومركباته، الرصاص ومركباته، السلنيوم ومركباته، الكادميوم ومركباته، الانتيمون ومركباته، مركبات الفلور غير العضوية في ما عدا فلوريد الكالسيوم، مركبات السيانيد غير العضوية، المحاليل العضوية أو الأحماض في الحالة الصلبة، المحاليل القاعدية أو القواعد في الحالة العلمية، الأسبستوس، مركبات الفورسفور والسيانيد العضوية، الفينول ومركباته بما في ذلك الكلوروفينول، مركبات الأثير، المذببات العضوية المهلجنة وغير المهلجنة، مركبات الهالوجين العضوية.
وتعتبر هذه نفايات خطرة حين تكون قابلة للانفجار أو الاشتعال أو الاحتراق التلقائي. أو تطلق غازات قابلة للاشتعال عند ملامسة الماء، أو تتضمن مؤكسدات أو بروكسيدات عضوية أو مواد سامة أو معدية أو أكالة أو قادرة على انتاج مادة أخرى بعد التخلص منها، أو تطلق غازات سامة عند ملامسة الهواء أو الماء. كل هذه اضافة الى النفايات التي يعتبرها التشريع المحلي، في بلد التصدير أو الاستيراد أو العبور، نفايات خطرة، وأن لم تكن مذكورة أعلاه. وتستثني اتفاقية بازل النفايات المشعة التي تخضع لنظم دولية أخرى، وتلك الناجمة عن العمليات العادية للسفن والتي تشملها شرعة دولية أخرى.
تركز الاتفاقية على مبدأ الحق الكامل لأي دولة في منع استيراد النفايات الخطرة. وتلزم كل دولة وقعتها ألا تسمح لأية شحنة من النفايات الخطرة بالتوجه الى دولة منعت أستيرادها أو لا تملك الوسائل الضرورية للتخلص منها بطريقة سليمة بيئياً. وهي تعتبر نقل النفايات الخطرة على نحو غير قانوني عملاً اجرامياً، وتوجب على الدول الموقعة سنّ قوانين تمنع التجارة غير المشروعة بالنفايات الخطرة وتعاقب مرتكبيها. من جهة أخرى، تفسح الاتفاقية المجال لعقد اتفاقية ثنائية أو جماعية أو اقليمية لتحريم نقل النفايات الخطرة. وتضمن تبادل المعلومات حول نقل النفايات عبر الحدود، وتفرض على مصدّر النفايات الخطرة الحصول على موافقة خطية رسمية من الدولة المستقبلة قبل البدء بعملية الشحن، على أن يكون قدم لائحة مفصلة ودقيقة بمحتويات الشحنة. كما تلزم الدولة المصدرة التأكد من أن التخلص من النفايات الخطرة سيتم بطريقة سليمة بيئياً.
ودعت اتفاقية بازل الدول المتقدمة الى تقديم السماعدة الفنية والتجهيزات اللزمة للددول النامية لمعالجة النفايات بطريقة سليمة بيئياً.
 
شحنة الرعب إلى لبنان
من أين جاءت وأين صارت؟
"البيئة والتنمية" – خاص:
يعمل لبنان حالياً على حل بقايا مشكلة شحنة النفايات السامة التي وصلت اليه عام 1987 في أيام سلطة الأمر الواقع. فقد كان لبنان هدف دولة صناعية (إيطاليا) أرادت التخلص من نفاياتها السامة، فما كان منها إلا أن أرسلتها الى احد البلدان النامية. وبعد وصولها الى لبنان، بدأ مسلسل الرعب اليومي، وعاش اللبنانيون مأساة حقيقية بسبب البراميل التي حلت بينهم على حين غرة. إنها صورة مرعبة لصفقة أطلقت عليها أسماء كثيرة: "البراميل السامة" و"مستوعبات الرعب" و"شحنة الموت" و"فضيحة النفايات القاتلة".
فما هي قصة هذه النفايات التي وصلت إلى لبنان لقاء عمولة؟ وماذا حلّ بها؟
في تاريخ 5/6/1987 نقلت الباخرة التشيكية رادهوست نفايات صناعية عائدة إلى شركة ايكولايف الإيطالية من مرفأ كريرا في ميلانو، على أن تقوم شركة جيليواكس باتلافها. وصلت الباخرة الى فنزويلا التي رفضت تفريغها في أراضيها، مما اضطرها للعودة الى البحر الأبيض المتوسط في انتظار إيجاد مرفأ بديل للتفريغ. هنا، دخلت شركة أولفور الإيطالية كوسيط لتصريف هذه المواد بالتعاون مع شركة ألفا للشحن في اليونان. اتفقت شركة ألفا مع شركة شحن لبنانية لنقل "البضاعة" إلى بيروت. وفي 21/9/1987 وصلت الباخرة رادهوست الى الحوض الخامس في مرفأ بيروت، وتم إنجاز المعاملات الجمركية على أنها تحمل مواد أولية للصناعة. وبغية ضمان دخول الباخرة إلى الحوض الخامس كان لا بد من أخذ موافقة الباخرة رادهوست أفرغت حمولتها في أحد المرافئ غير الشرعية على الشاطئ اللبناني.
إحراق وإغراق
في 5/6/1988 اكتشفت بعض البراميل الخطيرة في منطقة شننعير - عاحل علما في كسروان، وطالب الأهالي بنقلها من هناك. فكلف المدعي العام لجنة للكشف على المناطق التي رصدت فيها البراميل. وعند وصول اللجنة إلى كسروان شاهد أعضاؤها سحابة بيضاء كثيفة ناتجة من حرق البراميل، وجرافة تقوم بطمر عدد منها بعد سحقها. واشتموا روائح كريهة. كان بعض البراميل يحتوي على مواد كيميائية خطرة. فبدأ تجميع هذه المواد بغية إرجاعها إلى مصدرها. ولكن أحرق 2000 برميل في مكب برج حمود وصل 6000 برميل إلى الحوض الخامس، حيث قام المسؤولون عنها في المرفأ بإضافة نشارة الخشب والكلس والتربة الرطبة الى المواد، مما زاد عددها إلى 9500. وحملت الراميل على متن باخرة.
في 12/1/1989، بعد ثمانية عشر شهراً على بدء القضية، أبحرت السفينة جولي روسو المحملة 9500 برميل من النفايات والنشارة والكلس، مغادرة الحوض الخامس لمرفأ بيروت خلسة بإذن من الميليشيا المسيطرة، من دون الحصول على "إبراء الحمولة الكاملة للنفايات" الذي يعطى من وزارة الصحة والسلطات المختصة. وفي نيسان (أبريل) 1989، بعد ثلاثة أشهر على وصول الباخرة الى إيطاليا، تم تفريغ 2000 برميل عن متنها. وادعت السلطات الإيطالية أن الباخرة شحنت كل النفايات الملوثة من لبنان.
أعيد فتح القضية في لبنان في آذار (مارس) 1992. ورأى المدعي العام آنذاك أنه لا يمكن محاكمة المتورطين فيها لأن جرائمهم أعمال حرب يشملها قانون العفو.
في حزيران (يونيو) 1994 تم اكتشاف 30 برميلاً من النفايات الصلبة في جبال كسروان. وفي آب (أغسطس) 1994 منع أهالي كسروان شاحنة من العبور وتفريغ نفايات صناعية خطرة وطمرها في منطقتهم. وقد نبشت هذه النفايات في ما بعد ووضعت في مستوعبين في مرفأ بيروت. كما تم جمع غيرها من النفايات الصناعية الخطرة لشحنها ومعالجتها في أفران خاصة خارج لبنان.
ومع أن هذه النفايات هي عبارة عن مواد صناعية تالفة ولا علاقة لها بشحنة 1987، فقد أدى اللغط حول الأخطاء في معالجتها إلى فتح ملف نفايات 1987 من جديد. وبدأت تحقيقات واستقصاءات لكشف المسؤولين ومصير بقايا الشحنة.
بعض البراميل التي أخرجت من لبنان عام 1989 قد تكون أغرقت في البحر. فقد كشفت وزارة البحرية التجارية اليونانية احتمال إغراق السفن السبع التي نقلت النفايات من بيروت في عرض البحر. أما النفايات التي بقيت في لبنان فقد بيع بعضها للاستعمال كمواد أولية في الصناعة، وأحرق بعض آخر. وبين التحقيق أن كل هذه النفايات غير صالحة للاستعمال والتصنيع. فبعضها سام جداً وبعضها الآخر ملوث. وكان الإيطاليون قاموا بكشف ميداني في حزيران (يونيو) 1988 وكتبوا تقريراً ضم تصنيفهم للمواد. وصرح خبير إيطالي أن بعضها يستحيل معالجته في لبنان وستتكفل الحكومة الإيطالية باستعادته لحرقه في رافينا في أفران خاصة تبلغ حرارتها 1300 درجة مئوية.
ماذا حل بالنفايات؟
كلفت الحكومة اللبنانية في بداية 1995 الهيئة العليا للإغاثة متابعة قضية النفايات السامة. فتعاقدت الهيئة مع شركة بورجاب (Burgeape) الفرنسية لإجراء مسح شامل للمناطق التي توافرت للهيئة معلومات عن احتمال وجود تلوث كيميائي فيها. وقد جمع خبراء الشركة مئات العينات من التربة والمياه الجوفية في مناطق ذوق مصبح وشننعير ووادي حالات ومكب النفايات في برج حمود ومرفأ بيروت. وأجروا فحوصاً مخبرية لعينات من مياه ينابيع محيطة بمنطقة صنين وعيون السيمان، وهي نبع اللبن، وأفقا، وباكيش، والوادي، البردوني، وجوز النمل، وصنين، وعيناتا، وجعيتا. وتم فحص العينات في مختبرات باستور وسونيتور في فرنسا، للتحقق من وجود أي تلوث ناتج  عن تسرّب المواد السامة أو أنسيابها في مواقع التخزين والتفريغ التي تمّ استعمالها لتصريف شحنة 1987. كان الهدف الأساسي دراسة الآثار المحتملة على المياه الجوفية. وقدمت الشركة تقريرها النهائي عن التحاليل في آب (أغسطس) 1995، ثم أتبعته بتقارير أخرى بناءً على معاينات لمواقع مشكوك في أمرها تمّ إبلاغ الهيئة عنها. وقد أطلعت «البيئة والتنمية» على نسخة من التقرير العلمي الذي قدمته الشركة، وتبين فيه ما يأتي:
- موقع ذوق مصبح: وجدت فيه مواد كلورية صناعية ومواد عضوية، ولم يتم العثور على مواد خطرة ومركبات سامة. وقدّر الخبراء أن التلوث ناتج عن الفضلات العادية للمصانع العاملة في المنطقة المحيطة والتي يتم التخلص منها بلا معالجة.
- موقع شننعير: وجدت فيه بقايا براميل مهترئة، وبرميل واحد من شحنة 1987 يحتوي على مبيدات تالفة. وقد ضُمّ الى بقية النفايات الصناعية التي وجدت خلال الاستطلاع وشُحنت للمعالجة خارج لبنان. دفع اكتشاف هذا البرميل الى إجراء كشف دقيق لاحق لموقع شننعير. فتم التقاط فضلات من نفايات سامة خطرة في بقعة صغيرة مسقوفة كانت تستعمل مرأباً للسيارات. وتبين أن وجود هذه المواد انحصر في الطبقة السطحية للمكان، حيث تمّ تفريغ بعض براميل النفايات السامة وتعبئتها. غير أن تحاليل العينات الأربعين التي استخرجتها شركة بورجاب من طبقات التربة السلفلى في شننعير في تشرين الأول (أكتوبر) 1995، وفحصت في مختبرات باستور، كشفت أن النفايات هناك ناتجة عن بقايا زيوت زيوت تشحيم ومواد نفطية، إذ جرت العادة على استعمال هذا الموقع كمرمى للفضلات الصناعية المنتجة محلياً. ولفت التقرير الى أنه، حتى أثناء إجراء الفحوص، قام متعهدون بإلقاء كميات من فضلات الزيوت والشحوم الصناعية وأنقاض الأبنية في ذلك الموقع. إلا أن فحوصاً لاحقة للشركة أكدت أنه «لم يتم التوصل الى أي دليل على تلوث الماء في الموقع بمواد سامة». وأظهرت الفحوص وجود تلوث خفيف ممتد على بقعة كبيرة،  ولكنه محصور بالطبقة السطحية للتربة وناتج عن أنواع متعددة من فضلات الوقود وزيوت المحركات المذيبات. وأوصى التقرير بمعالجة الموقع لتطيهر التراب في مكانه بطريقة التسميد الهوائي السريع (ventilatedcompositingtechnique).
- موقع وادي حالات: أبلغ عن إحراق مواد سامة. لكن الفحوص لم تثبت وجود بقايا تلوث خطير يضر بالمياه الجوفية ويستدعي المعالجة.
- موقع مكب نفايات برج حمود: أشار التقرير الى وجود تلوث بنسبة عالية من المعادن والمبيدات والمذيبات الكلورية وبعض رواسب النفط. وحذر من أن إختلاط المواد الكيميائية بالنفايات يشكل خطراً كبيراً على الشاطئ.
- موقع مرفأ بيروت: تحدث التقرير عن دلائل تلوث سام في منطقة الحوض الرابع وتسرُّب على الرصيف رقم 14. وقد يكون هذا ناتجاً عن فضلات النفايات التي تمّ شحنها من ذلك الموقع.
- الينابيع أظهرت التحاليل نسبة ضئيلة من مذيبات الطلاء (الدهان) في منطقة نبع اللبن وأفقا، وآثاراً من الهيدروكربون المكلور (الموجود في مواد مثل مرقق الطلاء) في البردوني، وبقايا مبيدات زراعية في مياه نبع العسل. لكن هذه المواد بقيت ضمن النسب المقبولة ولا تشكل خطراً على الصحة. غير أن التقرير أوصى بوجوب مراقبتها دورياً. أما في عيناتا واليمونة وصنين وجوز النمل وباكيش وجعيتا، فلم يتمّ ضبط أثر للتلوث الصناعي.
وجه ايجابي
كانت إعادة فتح صفحة النفايات السامة دافعاً لاهتمام المسؤولين والهيئات الشعبية، مما أدى الى القيام بهذه الاستقصاءات والفحوص. وأظهرت تحريات «البيئة والتنمية» أنه، في ما عدا الكميات التي أعيد شحنها من لبنان عام 1989، تمّ حرق قسم من تلك النفايات في فرن أحد المصانع، وأحرقت كميات أخرى في الهواء الطلق بعدما نقلتها صهاريج الى موقع محددة تمّ الكشف عليها لاحقاً.
وخلال عمليات التفريغ والنقل في أواخر الثمانينات سقطت فضلات من هذه البراميل في مواقع العمل. أما وصول بعضها الى مكب برج حمود وطمرها تحت جبال النفايات الأخرى فيبقى موضع شك، خصوصاً أن تحاليل التسربات في المكب أظهرت وجود نسب عالية من المعادن والمذيبات الكلورية الشائعة في النفايات السامة. وما يجعل إثبات الأمر أكثر صعوبة واقع التخلص من النفايات الصناعية المتولدة يومياً في لبنان، في شبكات الصرف والمكبات، بلا رقابة فاعلة. ويقول العارفون إن الذين يبحثون عن بقايا شحنة نفايات 1987 لن يجدوها في براميل. ففي ما عدا برميلاً واحداً نصف فارغ وجد في شننعير، لم يكشف البحث الميداني والتحقيقات إلا عن كميات من المواد الصناعية السامة التالفة التي لفظتها المصانع أو أهملتها خلال سنوات الحرب. وهذه هي  التي تمّ شحنها الى فرنسا ومعالجتها في أفران خاصة.
ويختصر الخبراء الخطوات المطلوبة سريعاً بتأهيل التربة في شننعير ومراقبة التسربات من مكب برج حمود وتأهيله. وقد تعاقدت شركة لينور، التي كُلِّـفت بتطوير الضاحية الشمالية، مع شركة استشارية مختصة لدراسة تأهيل مكب برج حمود.
إن الضجة التي أثيرت حول هذا الموضوع كان لها وجه إيجابي، وهو زيادة الوعي البيئي عند الناس والمسؤولين، والتأكد من عدم إدخال شحنات سامة أخرى من خارج لبنان. والمطلوب الآن أن يتجاوز اللبنانيون رعب البراميل، حتى يتسنى لهم وضع خطة إيجابية صارمة لمنع تكرار هذه المسألة في المستقبل واستصلاح الأراضي التي رميت فيها النفايات، ومعالجة التربة وتنظيفها من التلوث. والأهم معاقبة الفاعلين ليكونوا عبرة لغيرهم. ولا بد أيضاً من إصدار تشريعات وقوانين وتنظميات صارمة تجير المصانع المحلية على تقليل إنتاج النفايات السامة ومعالجتها بأساليب سليمة حين يكون إنتاجها لا بد منه، ووضع شروط دقيقة لطرق تخزين المواد الصناعية الأولية، وفرض قيود على استعمال المبيدات الزراعية الضارة بالبيئة وطبقة المياه الجوفية تحديداً. فلا يجوز أن تخفي ضجة النفايات المستوردة حجم المشكلة الحادة المتمثلة في النفايات السامة التي تنتجها المصانع المحلية يومياً ويتم رميها في الطبيعة بلا رادع.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
رائد الرافعي (طوكيو)، ربيع أبي غانم (ديترويت) عماد فرحات (بيروت) سيــارات 2005 "الـخضراء"
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.