Friday 19 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
جاد اسحق وعبير صفر ("أريج" – القدس وبيت لحم) سوسن أبوظهر (بيروت) اغتيال بيئة فلسطين  
نيسان (أبريل) 2003 / عدد 61
 اتخذت سلطات الاحتلال من "الحفاظ على أمن دولة اسرائيل، ذريعة لاباحة وسائلها غير المشروعة في إحكام سيطرتها على الأراضي الفلسطينية. وهي تتبع منهجية مخططة تستهدف اغتيال الأرض في موازاة اغتيال البشر، لعل هذه الأرض تصبح غير صالحة حتى لاقامة دويلة فلسطينية.
قبل أسابيع، أصدرت الأمم المتحدة أول وثيقة حول الانتهاكات الاسرائيلية لبيئة فلسطين. وهنا تحقيق ميداني عن هذه الانتهاكات أعده لـ"البيئة والتنمية" جاد اسحق وعبير سفر من معهد الأبحاث التطبيقية (أريج) في القدس وبيت لحم، وشاركت في كتابته سوسن أبوظهر في بيروت.
 العمل الدولي لانقاذ البيئة في الاراضي الفلسطينية المحتلة أعطي اشارة الانطلاق في ختام اجتماع المجلس التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) في شباط (فبراير) الماضي. فقد صادق وزراء بيئة دول العالم، بالاجماع، على توصيات تقرير عن الوضع البيئي في الاراضي الفلسطينية المحتلة، أعده فريق لتقصي الحقائق من "يونيب" زار المنطقة في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي.
أفاد التقرير أن "المشاكل البيئية المخيفة الناجمة عن النزاع تزيد الضغوط البيئية الحالية سوءاً". ودان الانتهاكات الاسرائيلية للبيئة الفلسطينية، خصوصاً من حيث دفن المواد السامة والمشعة في مناطق آهلة، واستخدام قذائف صاروخية ومدفعية تحتوي على اليورانيوم المنضَّب، وتدمير البنى التحتية ومحطات معالجة المياه العادمة. ودعا الحكومات والمنظمات الدولية الى "دعم اعادة تأهيل البيئة وإعمار البنية البيئية المتضررة، ومساعدة السلطات المعنية في تلبية الحاجات البيئية الملحة في الاراضي الفلسطينية المحتلة".
هذا التقرير هو أول وثيقة دولية تصدر عن الأمم المتحدة حول أوضاع البيئة في فلسطين وانتهاكات الاحتلال الاسرائيلي لها. وقال كلاوس توبفر المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة: "ان التقييم الواضح الذي انتهت اليه حكومات العالم يفيد بأن الوضع في الاراضي الفلسطينية المحتلة يدعو حقيقة الى القلق". وأبدى استعداد البرنامج للعمل مع الفرقاء المعنيين على تنفيذ التوصيات التي تم إقرارها دولياً.
واعتبر الدكتور يوسف أبو صفية، رئيس سلطة جودة البيئة الفلسطينية، أن التقرير يحمل إدانة كاملة للحكومة الاسرائيلية، الأمر الذي يفتح المجال أمام الفلسطينيين لرفع دعوى قضائية عليها ومطالبتها بتعويضات مالية ضخمة.
ممارسات اسرائيلية خلال الانتفاضة
"مع انتقالنا الى القرن الحادي والعشرين، تصبح الرابطة بين الأمن والبيئة أكثر وضوحاً". هذا الكلام لوزير الخارجية الأميركي الأسبق وارن كريستوفر إشارة الى أن الحروب لم تعد مجرد قصف بالمدفعية والطائرات وإحصاء للقتلى والجرحى، بل بات ممكناً شن حرب يومية من دون استعمال الأدوات العسكرية التقليدية. فهناك حرب الأمراض، وحرب النفايات، وحرب المياه، وحرب تدمير المحاصيل الزراعية، وحرب مصادرة الاراضي. بل ربما كانت حرب الجرافات بمثل قسوة حرب الدبابات والصواريخ.
تشهد المناطق الفلسطينية انتفاضة منذ أكثر من عامين، تقابلها حرب اسرائيلية على الانسان والبيئة. والهجوم الاسرائيلي الشرس على البيئة الفلسطينية يستهدف الفلسطينيين في مقومات عيشهم. فاذا تلوث الهواء الذي يتنشقونه والمياه التي يشربونها والزراعات التي يأكلونها، ازدادت عليهم وطأة الحصار والاعتقال والتدمير. وهكذا لم يعد الضحايا هم فقط القتلى والجرحى والأسرى، بل كل الفلسطينيين في تلك الأرض.
سياسة تشديد الحصار والاغلاق المفروضة على الاراضي الفلسطينية، وتعطيل عمليات البناء والتنمية، أسفرا عن مشاكل بيئية خطيرة، خصوصاً في ما يتعلق بادارة النفايات الصلبة والكيميائية وتصريف المياه المبتذلة ونقص مصادر المياه وتلوث الهواء. وللحديث عن هذه المشاكل، لا بد أولاً من التذكير بالواقع الجغرافي والسياسي للمناطق الفلسطينية. ذلك أن العدوان البيئي هو ترجمة عملية لسياسات المصادرة واقامة المستوطنات والقواعد العسكرية والمناطق الصناعية، وصولاً الى خطة الفصل والعزل التي وضعها رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون.
تقطيع الأوصال
تُحكم اسرائيل قبضتها على المناطق المصنفة "ج". فتسيطر بشكل كامل على الأمن والأراضي والمصادر الطبيعية في 3461 كيلومتراً مربعاً من الضفة الغربية، أي 61,1 في المئة من مساحتها البالغة 5661 كيلومتراً مربعاً، وفي 88,7 كيلومتراً مربعاً من قطاع غزة، أي نحو 24,5 في المئة من مساحته البالغة 362 كيلومتراً مربعاً.
وتخضع المناطق المصنفة "ب" للسلطة الفلسطينية إدارياً، بينما تنفرد اسرائيل بإدارتها أمنياً، مسيطرة فعلياً على 1200 كيلومتر مربع هي 21,1 في المئة من مساحة الضفة الغربية. وتقتصر السيادة الفلسطينية الكاملة على المناطق المصنفة "أ" والتي تغطي 17,7 في المئة من الضفة الغربية و75,5 في المئة من قطاع غزة. غير أن هذه المناطق تعرضت مراراً لاجتياحات وحصارات قاسية.
هذا التقسيم يعزل الفلسطينيين في جزر أمنية مطوقة بإحكام. فالقرى والمدن الفلسطينية باتت تقتصر على 6,5 في المئة من مساحة الضفة الغربية، وعلى 13,9 في المئة من مساحة قطاع غزة.
سياسة تطويق المجتمعات السكنية الفلسطينية وحصر نموها، لا بل خنقها ضمن رقع جغرافية ضيقة، تعود الى العام 1968 حين أوقفت السلطات الاسرائيلية عمليات تسجيل الاراضي فأفقدت سكانها الفلسطينيين حقهم في تثبيت ملكيتها تمهيداً لمصادرتها واحتلالها. وحرمتهم تالياً من حرية استخدامها باعتبارها ضمن ملكية الدولة، أو أراضي خضراء تحوّل كثير منها مستوطنات ومناطق صناعية وقواعد عسكرية، أو استخدم لشق طرق التفافية لربط المستوطنات. في الضفة الغربية، يبلغ طول هذه الطرق حوالى 350 كيلومتراً، وتلك المقترح إنشاؤها 535 كيلومتراً. وفوق ذلك، يقتطع 50 الى 70 متراً على كل جانب من الطريق كمنطقة يُحظر فيها البناء او أي نشاط اقتصادي. وهكذا، أدى شق الطرق الالتفافية الى تدمير ومصادرة 52 كيلومتراً مربعاً، وستدمر الطرق المقترحة 80 كيلومتراً مربعاً أخرى.
وشهدت الانتفاضة توسعاً ملحوظاً في النشاط الاستيطاني الذي افترس في العامين الماضيين حوالى 133 ألف دونم (الدونم 1000 متر مربع). ووفق بيانات معهد الأبحاث التطبيقية (أريج) في القدس، وُسعت مستوطنات الضفة الغربية في هذه الفترة حوالى 112 ألف دونم، وأنشئت 24 مستوطنة جديدة، وثمة 113 بؤرة استيطانية ستتحول مستقبلاً مستوطنات دائمة. وقطّعت هذه الأجسام الدخيلة وحدة الضفة الغربية الى 64 منطقة منعزلة، وقطاع غزة الى ثلاث مناطق.
ترك ذلك ندوباً عميقة في الجسم الفلسطيني النازف، في انتهاك اسرائيلي واضح للمواثيق والأعراف الدولية وللاتفاقات المبرمة مع السلطة الفلسطينية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، جاء في بنود اتفاقية واشنطن التي وقعها الجانبان في 28 أيلول (سبتمبر) 1995 أن "كل طرف سيعمل لحماية البيئة من دون التسبب بأي أخطار بيئية تشمل الأرض والمياه والهواء"، وأن "كل طرف سيأخذ الاجراءات الضرورية للحؤول دون تسرب المياه العادمة أو أي نفايات سائلة الى الموارد المائية وشبكات المياه والأنهار ومستجمعات المياه"، وأن "الجانبين سيتعاونان في تطبيق طرق لمنع الضجيج وانتشار الغبار والأضرار الأخرى التي قد تنجم من اقتلاع الصخور".
هذا ما ادعت اسرائيل التزامها به، ولكن ما الذي يحدث فعلاً؟
جرف الاراضي واقتلاع الاشجار
الاراضي الفلسطينية التـي تنجو مـن المصادرة تذهب ضحية التجريف. واستناداً الـى تقديرات وزارة الزراعة الفلسطينية، دمـرت الجرافات الاسرائيلية خلال السنة الأولى مـن الانتفاضة 30 ألف دونم مـن الاراضي المعـدة للزراعة و1283 دونماً مـن الاراضي المزروعة. واقتلعت 684091 شجرة بيـن 28/9/2000 يوم بدء الانتفاضة و31/8/2002.
واشتدت هذه الظاهرة في الضفة الغربية مع بدء تنفيذ المرحلة الأولى من خطة "الجدار الفاصل" بين الفلسطينيين والاسرائيليين في الضفة الغربية من ضمن "خطة الفصل الأمنية". وهو سيبتلع 20,2 في المئة من محافظة قلقيلية الواقعة على حوض المياه الجوفي الغربي. وقد أعلن شارون في آذار (مارس) الماضي تعديلاً في خريطة الجدار بحيث يمر داخل الأراضي الفلسطينية مقتطعاً مساحات إضافية. وذهبت أراض زراعية شاسعة في قطاع غزة ضحية مخطط ربط مستعمرة نتساريم باسرائيل، وأخرى في بيت حانون لقربها من الحزام الأمني الاسرائيلي.
ركز العدوان الاسرائيلي على أشجار الزيتون الخيّرة التي تُغني المائدة العربية وتقدم لاصحابها دخلاً من خلال صناعتي الزيت والصابون. والمفارقة أن هذه الشجرة، وهي رمز للسلام والصحة والرخاء في الديانات السماوية الثلاث، بما فيها اليهودية، تدفع ثمن ما تمثل.
والاستخدام الاسرائيلي المفرط للسلاح يروع الحيوانات أيضاً. ويروي مراقبون لمسارات الطيور المهاجرة أن العديد من أنواعها لم يعد يمر في السماء الفلسطينية. وأفادت بلدية الخليل أن الجنود الاسرائيليين يقتلون القطط والكلاب عمداً، وتترك جيفها تتحلل في الطرقات والأزقة بعد منع عمال النظافة من رفعها.
مياه الشرب والري والصرف
حملت وكالات الأنباء قصصاً عن شوق عائلات فلسطينية الى شربة ماء نقية بينما يلهو أولاد المستوطنين اليهود في برك السباحة المعبأة بمياه الفلسطينيين. وهذه الروايات ليست مبالغاً فيها، اذ تحتكر اسرائيل 80 في المئة من مصادر المياه الجوفية الفلسطينية. وهي لا تزود الفلسطينيين الا 15 مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب، منتهكة بذلك اتفاق أوسلو الذي "يضمن" حصولهم على 28,6 مليون متر مكعب.
ونتيجة لسياسة الحصار، يصعب نقل المياه بالصهاريج الى 240 قرية غير مربوطة بشبكة المياه. وهناك 350 ألف فلسطيني في الضفة الغربية حرمهم الحصار من شراء مياه الصهاريج، إذ باتت كميات أقل تصل اليهم وبثمن مرتفع. وعانى سكان بيت لحم، على سبيل المثال، ما يمكن تسميته جوعاً مائياً، إذ قلصت شركة "ميكروت" الاسرائيلية تزويدهم المياه من 2000 متر مكعب في الساعة الى 200 فقط. وكما قضى الجدار الفاصل على أراض زراعية في قلقيلية، فإنه سيعزل 15 بئراً فلسطينية هناك عن مستخدميها، وهذا سيؤدي تالياً الى شح مياه الري وتقليص حجم الاراضي الممكن زراعتها.
وفي الحديث المائي، نكب قطاع تصريف المياه العادمة بأضرار فادحة في بنيته التحتية، وقصفت محطات المعالجة القائمة. وتجد المياه العادمة الاسرائيلية طريقها الى المناطق الفلسطينية. ففي آذار (مارس) 2001، تلقى وادي غزة 30 ألف متر مكعب من المياه المبتذلة الاسرائيلية التي هددت بتلويث خزان المياه الجوفية وتدهور التنوع الاحيائي في المنطقة. وبعد شهر، في نيسان (ابريل) 2001، تكرر السيناريو ذاته في خنادق حُفرت على الطريق القديمة بين نابلس وعورتا.
وارتكبت مستعمرة ناحال عوز عام 2001 جريمة بيئية استهدفت المنطقة الممتدة من شرق مدينة غزة الى بيت حانون، إذ صبت فيها 3,5 ملايين متر مكعب من المخلفات السائلة الملوثة، مما أدى الى انجراف مساحات واسعة من الاراضي الزراعية وتلوث التربة ونفوق أعداد كبيرة من الحيوانات. وتتعرض الأراضي الزراعية في محافظة سلفيت باستمرار لعدوان المياه العادمة التي تخلفها مستعمرة أرئيل المقامة على أراضيها، علماً أنها تقع في مناطق تغذية الحوض الجوفي الغربي.
مكبات فلسطينية لنفايات إسرائيلية
نتيجة سياسة الحصار والعزل، تواجه السلطات المحلية في المدن والقرى الفلسطينية صعوبة كبيرة في جمع النفايات ونقلها الى المكبات التي تقع غالباً خارج حدود التجمعات السكانية. وكثيراً ما يتعرض عمال البلديات والمتطوعون للنيران الاسرائيلية لدى محاولتهم رفع النفايات المتراكمة في الشوارع والأسواق لتفادي مشاكل صحية وبيئية قد تنجم عن انتشار القوارض وتوالد الحشرات. ويتلوث الهواء بين البيوت وفي الشوارع حين يعمد مواطنون الى حرق النفايات.
والأمثلة على هذه المعاناة كثيرة. فقد أدى إغلاق الطريق بين محافظتي بيت لحم والخليل الى تراكم النفايات داخل قرية أرطاس حتى ضاقت بها الشوارع، بعدما تعذر على شاحنات النفايات عبور 30 كيلومتراً تفصل بين القرية في محافظة بيت لحم ومكب يطا في محافظة الخليل. وتعذر الوصول حتى الى مكب قرية بتيد التي لا تبعد عن أرطاس سوى خمسة كيلومترات، لوقوعه ضمن المنطقة الأمنية الشمالية الغربية.
وقُطعت الطرق بين مدينة غزة ومكبات النفايات خارجها. واضطرت البلدية الى إنشاء مستوعبات موقتة وسط التجمعات السكانية المزدحمة. لكن ما بدا حلاً سرعان ما تحول مشكلة، إذ ضاقت المستوعبات بأطنان النفايات الجديدة. ولم تكتف سلطات الاحتلال بمنع الوصول الى المكبات، بل أغلقت بعضها، كما هي الحال في بلدية البيرة التي لجأت الى مكب رام الله غير المجهز أصلاً لاستيعاب نفايات مدينتين. كذلك جمدت إنشاء مكب لمنطقتي الخليل وبيت لحم، وآخر في طولكرم، ومحرقة في عنتبا. ويبدو أن الهدف هنا تحويل المناطق الفلسطينية نفسها مكبات وإغراقها بنفاياتها وتعريض سكانها لأخطار صحية جمة تُضاف الى الصعوبات اليومية المتنوعة.
ولا تضيق المناطق الفلسطينية بنفاياتها فحسب، بل تستخدمها اسرائيل مكباً لملوثاتها الصناعية وحتى الكيميائية الخطرة. فبعد تعاظم شكوى الاسرائيليين من مضار الصناعات الملوثة على معيشتهم وبيئتهم، نقلتها حكومتهم الى المناطق الحدودية مع الضفة الغربية وقطاع غزة، وأنشأت مناطق صناعية جديدة داخل الضفة. وتنقل المخلفات الصناعية من دون معالجة للتخلص منها في المناطق الفلسطينية. ومثال على ذلك تصريف المياه العادمة لمنطقة برقان الصناعية المقامة على أراضي قرية حارس الفلسطينية في الوادي المجاور للقرية.
وكثيراً ما يتم التخلص من المخلفات السامة في براميل تُلقى في المناطق الفلسطينية. وفي بعض الحالات، يبيعها الجيش الاسرائيلي لفلسطينيين فقراء يبيعونها مجدداً في القرى والمدن. هذه المخلفات الخطرة تُخلط أحياناً بدهانات ومواد كيميائية أخرى يمكن استخدامها في أي منزل ووقوعها في أيدي أولاد. ولا تظهر على هذه البراميل إشارة صريحة الى محتواها. وإزاء تورط بعض الفلسطينيين في الاتجار بالبراميل السامة، فرض القانون البيئي الجديد الذي أقرته السلطة الفلسطينية عقوبات قاسية على هذا الاجرام البيئي.
وفي حادث أثار ضجة عام 1999، عثر على 230 برميلاً من النفايات الكيميائية مدفونة في أم التوت في محافظة جنين. وكانت مغطاة بشبك أسود يُستخدم لتظليل المواد السهلة الاشتعال والقابلة للانفجار، والكتابات عليها غير مطابقة لمحتواها. وقد استمر تهريب البراميل السامة في ظل الانتفاضة الحالية. ورصدت وزارة البيئة الفلسطينية أكثر من 50 موقعاً في الضفة الغربية وقطاع غزة دُفنت فيها نفايات سامة، وفي أحدها وُجد أكثر من 50 طناً من الملوثات مطمورة على عمق 30 متراً.
هذا التخلص من براميل النفايات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية ينتهك معاهدة بازل التي تحظر على أي دولة نقل مواد خطرة الى دولة أخرى من دون موافقة مسبقة. غير أن اسرائيل تبرر مخالفاتها بأن السلطة الفلسطينية لا تحكم دولة!
أي مستقبل؟
إذا سلمنا جدلاً بأن لا دولة فعلاً في الاراضي الفلسطينية، أفلا يعتبر العالم اسرائيل دولة؟ وأي دولة تقيم مفاعلاً ينتج قنابل نووية وتخزن فيه رؤوس نووية وترفض التحقيق في شروط السلامة فيه؟ وماذا يقول الفلسطينيون عن مفاعل ديمونا النووي اذا كان الاسرائيليون سباقين الى الشكوى منه؟ والى أي حد تمضي اسرائيل في حربها على البيئة الفلسطينية؟ وهل تظن حقاً أن المستوطنين اليهود في مأمن؟ هل يعرف الهواء والماء الملوثان حدوداً بين المناطق "أ" و"ب" و"ج"، وكلها كيان جغرافي واحد هو فلسطين التاريخية؟
إن الحرب المنهجية الاسرائيلية على البيئة الفلسطينية هي عدوان اقتصادي واجتماعي وتنموي على الانسان، لخنقه والقضاء على فرص تطوره ودفعه الى الهجرة. وهكذا يكون التدهور البيئي سلاحاً فتاكاً وفعالاً في الصراع السياسي، الى جانب الطائرات والدبابات والرصاص والغاز المسيل للدموع والهراوات والحصار والاغلاق والاعتقال والتدمير والاستيطان.
كادر
أول وثيقة للأمم المتحدة حول الانتهاكات الاسرائيلية لبيئة فلسطين
في شباط (فبراير) 2002، خلال انعقاد المنتدى البيئي الوزاري العالمي في قرطاجنة (كولومبيا)، طلبت حكومات العالم من برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) إعداد تقرير عن أوضاع البيئة في الاراضي الفلسطينية المحتلة. فشكل البرنامج فريقاً لتقصي الحقائق ضم ثمانية خبراء متخصصين ذوي مؤهلات عالية، برئاسة بيكا هفيستو وزير البيئة الفنلندي السابق الذي يرئس قسم تقييم آثار النزاعات في "يونيب". زار الفريق المنطقة بين 1 و11 تشرين الأول (اكتوبر) 2002، وأعد تقريراً مفصلاً تضمن الانتهاكات الاسرائيلية لبيئة فلسطين و136 توصية لحمايتها واعادة تأهيلها. وتمت المصادقة عليه دولياً بالاجماع في المنتدى البيئي الوزاري في نيروبي الذي رافق اجتماع المجلس التنفيذي لـ"يونيب" في شباط (فبراير) 2003.
التوصية الرئيسية كانت بابقاء البيئة خارج النزاع. فقد وجد فريق الاستطلاع أن الاحتلال وسياسة الاغلاق ومنع التجول والغارات الاسرائيلية كانت لها آثار "مخيفة" و"تنذر بالخطر"، ليس على البيئة فقط وانما أيضاً على صحة الانسان. ومن المسائل المتعلقة بالنزاع تجريف الاراضي، ومنع نقل النفايات، وتدمير البنية التحتية. ومن الاضرار الأطول أجلاً تلوث المياه الجوفية، وانعدام الادارة الصحيحة للنفايات، ونواقص التشريع البيئي.
أثار التقرير "مخاوف جدية" من نوعية مياه الشرب وتلوث الأحواض الجوفية من مياه الصرف والردميات والنفايات الخطرة، مع أن بياناً فلسطينياً ـ اسرائيلياً مشتركاً تعهد في أيلول (سبتمبر) الماضي بابقاء البنى التحتية للمياه خارج دائرة العنف. وأوصى بتقوية قدرات مصلحة المياه الفلسطينية، لأن نوعية المياه تتدهور بسرعة مما يستدعي عملاً فورياً لاصلاح واعادة تأهيل الشبكات المسربة والمتضررة التي تسبب تلوثاً خطيراً لاختلاطها بالمياه المبتذلة والنفايات. واعتبر محطة معالجة مياه الصرف في بيت لهيا وبحيرة المياه الآسنة التابعة لها إحدى "النقاط الساخنة" الرئيسية التي تستدعي حلاً، مشدداً على أن إنشاء شبكات مجارير ومحطات لمعالجة مياه الصرف "يجب أن يحظى بالأولوية القصوى"، ودعا الى إغلاق 18 مجروراً تصب على شواطئ غزة، والاسراع في إجراء دراسات حول المواقع الصناعية التي تنتج نفايات سامة شديدة الخطورة. وسجّل حاجة ملحة الى مصادر جديدة للمياه العذبة، موصياً باقامة مشاريع تحلية لمياه البحر. ومن التوصيات الـ136 التي تضمنها أيضاً: اقامة سلطات خاصة بادارة النفايات الصلبة، والعمل على حماية البحر الميت بما في ذلك امكانية إعلانه موقعاً تراثياً عالمياً، والوقف الفوري لصيد الطيور المهاجرة على ساحل غزة، وتعزيز جهود المحافظة على المناطق المحمية مثل وادي غزة.
وخلص التقرير الى أن المشكلة سياسية، وأن "كثيراً من الحلول البيئية للمدى الطويل لا يمكن أن تصبح حقيقة من دون حل سلمي للمنطقة". لكنه أكد أن كل الاجراءات لتحسين الوضع حالياً تعتمد على تخفيف القيود المفروضة على التنقلات داخل المنطقة، مثل منع التجول وقطع الطرق وتقييد الحصول على قطع الغيار والمعدات الجديدة والمستعملة، "فمن دون هذه الاجراءات، سيكون أي تحسين للوضع صعباً للغاية".
كادر
9,3 ملايين فلسطيني في العالم
أعلن الجهاز المركزي للإحصاء في رام الله ان عدد الفلسطينيين المقدر في العالم في نهاية عام 2002 بلغ 9,3 ملايين فلسطيني، منهم 3,6 ملايين في الاراضي الفلسطينية. ويعيش 2,3 مليون في الضفة الغربية يمثلون 63,5 في المئة من سكان الداخل، و1,3 مليون في قطاع غزة أي 36,5 في المئة. أما فلسطينيو الخارج فيتوزعون كالاتي: مليون في اسرائيل، 2,7 مليون في الأردن، 423 ألفاً في سورية، 403 آلاف في لبنان، 60 ألفاً في مصر، 578 ألفاً في بقية الدول العربية، 232 ألفاً في الولايات المتحدة، 295 ألفاً في الدول الاجنبية الاخرى.
كادر
البنك الدولي: 60% من الفلسطينيين تحت خط الفقر
وخسائر الاقتصاد 5,4 بلايين دولار
بعد 28 شهراً على تفجر الانتفاضة، يعيش 60 في المئة من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة تحت خط الفقر المحدد بدولارين في اليوم. وتضاعفت أعداد الفقراء ثلاث مرات من 637 ألفاً في أيلول (سبتمبر) 2000 الى نحو مليونين حالياً. فقد أورد تقرير للبنك الدولي، نشر الشهر الماضي بعنوان "سنتان من الانتفاضة والاغلاقات والازمة الاقتصادية الفلسطينية"، مسحاً للأضرار الاقتصادية والاجتماعية واقتراحات لتثبيت الاقتصاد الفلسطيني المتعثر. فبين حزيران (يونيو) 2000 وحزيران (يونيو) 2002، انخفضت الصادرات الفلسطينية بمقدار النفص، والواردات بمقدار الثلث. وتضاءل الاستثمار من 1,5 بليون دولار عام 1999 الى 140 مليون دولار العام الماضي. وبلغت الخسائر الكلية التي تكبدها الاقتصاد الوطني خلال سنتين 5,4 بلايين دولار، ما يعادل الدخل الوطني في سنة كاملة قبل الانتفاضة. وقد تم اجتناب الانهيار الكامل من خلال دعم للموازنة قدمته دول مانحة وبلغ مجموعه 1,1 بليون دولار خلال السنتين الماضيتين، ساهمت دول عربية بنسبة 75 في المئة منه.
ومع ارتفاع معدلات البطالة وانهيار المداخيل، بات أكثر من نصف مليون فلسطيني يعتمدون على المساعدات الغذائية. وقد انخفض استهلاك الفرد من الطعام بنسبة 30 في المئة خلال العامين المنصرمين. وباتت معدلات سوء التغذية تعادل المستويات الموجودة في بعض أفقر البلدان جنوب الصحراء الافريقية.
حدد تقرير البنك الدولي ثلاثة أسباب رئيسية حالت دون انهيار الاقتصاد الفلسطيني المتهاوي. أهمها تماسك المجتمع الفلسطيني ومرونته. فالاقتراض والمشاركة واسعا الانتشار، وتبقى الروابط العائلية فاعلة رغم الضائقة المعيشية واضطرابات الحياة اليومية. والعامل الثاني هو استمرار السلطة الفلسطينية في تقديم الخدمات الأساسية. أما العامل الثالث فهو دعم الجهات المانحة، وخصوصاً رفد موازنة السلطة الفلسطينية التي تشغّل ثلث الذين ما زالوا يعملون وتدفع نصف الرواتب التي يتقاضاها المواطنون في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقال نايجل روبرتس مدير عمليات البنك الدولي في الضفة الغربية: "إن لم تخفف وطأة الحصار والأطواق التي تفرضها القوات الاسرائيلية، فليس من المتوقع حدوث انتعاش في الاقتصاد الفلسطيني، وسيستمر في الغرق".
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.