البحار تغمر المدن الساحلية والصحارى تزحف على العمران
المناخ يتغير
منذ سار أجدادنا على هذه الأرض. سيطرت على تصرفاتهم إيقاعات الطبيعة، مثل تعاقب الفصول ومواسمم الزرع والحصاد والبرد والحر. وتناغم نشوء الحضارات واختفاؤها مع التقلبات في مناخ الأرض. لكن التغيرات الأخيرة في المناخ تنذر بما يدعو الى القلق.
من مراسلي «البيئة والتنمية»
في جنيف وروما ونيروبي نيويورك
الاهتمام بالطقس عالمي. ويسعى ملايين الأشخاص كل يوم الى معرفة أحوال الطقس، الماضية أو الحالية أو المستقبلية، من خلال الاستماع الى نشرات الاذاعة أو التلفزيون أو قراءة الصحف. وقد تعني معرفة حال الطقس تعديل برامج عملهم اليومية، التي قد تكون بسيطة مثل غسيل السيارة والذهاب في نزهة الى البرية، أو خطيرة كإطلاق صاروخ الى الفضاء. واعتماد الانسان على معرفة أحوال الطقس يعود الى أقدم العصور. ونجد في كل حقبات التاريخ قصصاً عن حضارات وشعوب عانت من فيضانات وحالات جفاف أدّت الى مجاعات وأبادت أعداداً هائلة من البشر. وتتحدث الكتب عن أشخاص أذكياء خزنوا كميات هائلة من الطعام خلال سنوات الوفرة لضمان غذاء كافٍ في سنوات القحط.
ولطلما فتنت الرياح الناس. وتحدث الروائيون والمزارعون والشعراء وصيادو الأسماك عن اتجاهات الرياح المختلفة التي تجلب الغيم أو المطر البرد أو الحر، القحط أو الفيضان، أو حتى أسراب الجراد، وتؤثر في مزاج الناس. ونعلم اليوم أن الرياح، مع عوامل الطقس الأخرى، تؤثر في حياتنا اليومية، وهي جزء من محرّك حراري هائل، حيث المحيطات والمناطق الاستوائية بؤرة الغليان فيما المناطق القطبية بمثابة نظام مبرّد. فالحرارة الفائضة التي تتلقاها المناطق الاستوائية من أشعة الشمس يحملها الهواء، السريع التحرك، والمحيطات الأبطأ نسبياً، في اتجاه المناطق البعيدة عن خط الاستواء. وتتدفق التيارات العائدة من هذه المناطق البعيدة في الاتجاه العكسي.
يظن كل جيل أن الطقس لم يعد كسابق عهده. فهو أكثر حرار ة أو أكثر برودة، أكثر جفافاً أو أكثر رطوبة، عما كان أيام أجدادنا. لكن المناخ تغير فعلاً هذه المرة. فشتاء 1995-1996، أو الصيف بحسب موقع البلد بالنسبة الى خط الاستواء، دخل في سجلات الأرقام القياسية. انعزلت مدينة نيويورك نتيجة أسوأ عاصفة ثلجية شهدتها منذ نصف قرن. وضرب الثلج اليابان على نحو غير معهود. وسجلت أرقام قياسية للحرارة في الأرجنتين، وللبرودة في اسكوتلندا. وحملت أحوال الطقس الغريبة فيضانات الى ايطاليا واندونيسيا وجنوب افريقيا وجنوب فرنسا. وجعلت صيف أوستراليا بارداً وممطراً، فيما حولت شتاء جبال الألب النمساوية فصلاً دافئاً خالياً من الثلج، مما اضطر منظمي كأس العالم في التزلج الى إلغاء الدورة لعدم كفاية الثلج. والواقع أن كثيرين استمتعوا بهذا الطقس لأنهم أخذوا حمام شمس في عز الشتاء. وفي وسط المكسيك، سُرّ الناس بمشاهدة الثلج يتساقط للمرة الأولى منذ عقود. ففي ليلة رأس السنة من العام الماضي، اكتست الطرقات المؤدية الى العاصمة مكسيكو بالثلج. وقالت فتاة إنها بكت حين شاهدت الثلج للمرة الأولى «لأنه أجمل شيئ رأته عيناي، وأدركت أني قد لا أراه مجدداً».
لكن مناطق كثيرة تضررت من أحوال الطقس الشاذة التي أدت الى نتائج مأساوية، من أعاصير وفيضانات وسيول وعواصف وموجات جفاف خلّف خسائر مادية جسيمة، فضلاً عن سقوط مئات الضحايا.
ماذا يعني كل هذا تشير أدلة علمية الى أن أحوال الطقس الغريبة قد تكون ناتجة عن ارتفاع عالمي في درجات الحرارة. وهذا يعلل الأعاصير التي اجتاحت منطقة الكاريبي السنة الماضية، وأسوأ جفاف عرفته بريطانيا في هذا القرن، وموجة الحر التي قضت على أكثر من 800 شخص في الغرب الأوسط الأميركي، والجو الدافئ المسيطر حالياً على سيبيريا، وتقهقر كمية الثلج في ألاسكا، والجفاف الذي ضرب شمال شرق البرازيل والأمطار الغزيرة التي هطلت في جنوبها هذه السنة.
على مرّ العصور
يعزي الارتفاع الحاصل في الحرارة العالمية الى ظاهرة الاحتباس الحراري أو ما يسمى مفعول الدفيئة. (greenhouseeffect) فعندما تدفئ أشعة الشمس الأرض، تتسبب غازات معينة في طبقة الجو السفلي في احتباس بعض الحرارة المرتجعة الى الفضاء، تماماً كما يفعل الزجاج أو البلاستيك في دفيئة مخصصة لزراعة النباتات. وهذه الغازات مؤلفة في معظمها من بخار الماء وثاني أوكسيد الكربون والميثان وأوكسيد النيتروجين ومركبات الكلوروفلوروكربون التي يصنعها الانسان، وهي تدفئ كوكبنا وتجعل الحياة عليه ممكنة. ولكن إن كثرت غازات الدفيئة فقد تؤدي الى احتباس مقدار كبيرة جداً من الحرارة. ففي جو كوكب الزهرة، مثلاً، 60 ألف ضعف ما في جو الأرض من ثاني أوكسيد الكربون، ومعدل الحرارة على هذا الكوكب يزيد على 425 درجة مئوية. ولكن إن قلت مقادير غازات الدفيئة، أو فقدت كلياً، هبطت معدلات الحرارة على الأرض الى ما دون درجة التجمد. غير أن تركيزات هذه الغازات ازدادت كثيراً في السنوات الأخيرة بفعل حرق الوقود الأحفوري، أي الفحم والنفط والغاز الطبيعي وتضاعفت نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الهواء بفعل التلوث وقطع الأشجار التي تمتص عادة ثاني أوكسيد الكربون لتطلق مكانه الأوكسيجين النقي. وقد جاء في التقرير الرسمي الذي أقره المؤتمر العالمي الأخير حول التغيرات المناخية، الذي عقد في جنيف في تموز (يوليو) 1996، أن الحرارة العالمية سترتفع ما بين درجة 3.5 درجات (درجتين في المتوسط) بحلول السنة 2100، وسيتبع ذلك ارتفاع في مستوى سطح مياه البحار يراوح بين 15 و 95 سنتيمتراً (50 سنتيمتراً في المتوسط). ويقل هذا كثيراً عن التقديرات السابقة التي توقعت ارتفاع مياه البحر ما بين متر ومترين.
وقد يكون الاحتباس الحراري مسؤولاً الى حد ما عن ارتفاع الحرارة العالمية. لكنه ليس السبب الوحيد في التقلبات المناخية الحادة. وقراءة التاريخ تجعلنا ندرك أن ثمة دورات مناخية يشهدها العالم بين حين وآخر. وقد عكفت مجموعة من العلماء الأميركيين على دراسة موجة الجفاف الحالية التي تضرب السهول الجنوبية الكبرى في الولايات المتحدة. فوجدت أن التاريخ الموغل في القدم حتى حدود 10 آلاف سنة، أي الممتد حتى العصر الجليدي الأخير، حافل بكل الكوارث والنكبات المعروفة كالجفاف والفيضانات وموجات الصقيع ندرة الطعام. ويقول هؤلاء العلماء إن الكوارث الطبيعية قد تأتي في أي وقت، يمعزل عن أي تغير في المناخ ينجم عن انبعاث الغازات الصناعية التي من شأنها حبس الحرارة في جو الارض. ولا يستبعد العلماء احتمال أن الصحراء الأفريقية ربما كانت مراعي خصبة في زمن من الأزمان. وهذا يعني أن لا ضمان بحماية أي منطقة زراعية في العالم من الجفاف وزحف الرمال.
خلال المليار سنة الأخيرة، أي في مدى يقل عن ربع عمر الأرض، شهد كوكبنا أربع حقبات من الجليد الذي غطى أجزاء هائلة من مساحته. ولا نزال نحن في الحقبة الرابعة. ويقدر علماء المناخ أن متوسط الحرارة على الأرض، في معظم هذه السنوات، ثبت على 22.2 درجة مئوية، وكان القطبان خلالها متحررين من الجليد، لكن متوسطات الحرارة في العالم قد لا تتجاوز اليوم 15 درجة مئوية، فيما تزيد سماكة الجليد على ثلاثة كيلومترات في القارة المتجمدة الجنوبية وفي غرينلاند على مدار السنة. فضلاً عن كونه يغطي معظم أرجاء المحيط المتجمد الشمالي.
وكانت ألواح الجليد تغطي معظم كوكبنا قبل 600 مليون سنة. ولا يعرف الا القليل عن تلك الفترة المظلمة. ولكن في الحقبات الدافئة التي أعقبتها. والتي تخللتها موجات من الجليد والبرد القارس مرة كل نحو 250 مليون سنة، أصبحت مساحات شاسعة من الأرض مغطاة بمستنقعات وبحار ضحلة دافئة. ومنذ قرابة 50 مليون سنة عاودت البرودة كوكبنا. وجاء الجليد وساد مناخ العالم، باستثناء فترات ذوبان قصيرة كانت تقع كل مئة ألف سنة تقريباً ولا تدوم أكثر من عشرة ألاف سنة. وتفصلنا ستة آلاف سنة فقط عن ذوبان آخر مساحات الجليد الكبرى داخل كندا.
لقد تغير المناخ، ولا يزال هذا التغير يتابع مجراه. وذلك أمر واضح حتى في سياق الفترة الوجيزة من تاريخ البشرية المدون والتي تمثل لحظة خاطفة في قاموس الجيولوجيا. فالحضارة البشرية نشأت بكاملها في العشرة آلاف سنة التي أعقبت ذوبان ألواح الجليد الهائلة. وعقب ذلك أدفأ طقس شهدته الفترة الفاصلة بين عصرين جليديين. بدأ قبل ثمانية آلاف سنة تقريباً، وبلغ متوسط الحرارة في نصف الكرة الشمالي مستوى يزيد على مستواه في عصرنا بدرجة أو درجتين. في ذلك الزمن الدافئ، وعبر مناطق الهلال الخصيب، من وادي النيل الى الخليج، تعلم الانسان فنون الزراعة والكتابة وركوب البحر وترويض الحيوان وتدجينه، كما بدأت تظهر معالم الحياة المجتمعية.
وبين العامين 3000 و 2100 قبل الميلاد حلت بالعالم القديم ظروف مناخية قاسية تسببت في جفاف شديد. وهكذا تحولت المناطق الخضراء في شمال أفريقيا وبلاد العرب صحارى. ثم عادت الأرض تشهد فترات من الطقس البارد والمطر الغزير بعد العام 2000 قبل الميلاد، تلتها فترات دفء ثم جفاف من جديد. وعرفت اليونان وروما عصراً ذهبياً بين العامين 500 و 400 قبل الميلاد. لكن الجفاف ما لبث أن حل في الأرض، فاختفت الغابات والخضرة في أنحاء كثيرة، خصوصاً من لبنان وفلسطين.
ورجعت مواسم البرد والمطر. فتجمد البحر البلطيق في شتاء 1422 - 1423. ومذ ذاك حل ما يسمى عصر الجليد الاصغر. ووصف عام 1816 بأنه «عام بلا صيف» وأستمر هذا المناخ حتى منتصف القرن التاسع عشر، وانتهى بتحول نحو الدفء. وأصبحت المنطقة المعتدلة الشمالية تتميز بدفء ملحوظ. بل إن هناك من يعتبر أن القرن الممتد 1875 الى 1975 كان من أدفأ القرون على مدى أربعة آلاف سنة. ففي هذه الفترة ازدهر العصر الصناعي، بدأ جو الأرض يتلقى مقادير متزايدة من ثاني أوكسيد الكربون الناتج من احتراق الفحم والنفط. ومن شأن الكميات الكبيرة من هذا الغاز، العديم اللون والرائحة، أن تؤدي الى تدفئة كوكبنا بواسطة الاحتباس الحراري.
يتفق العلماء على أن ثمة عاملاً جديداً دخل حلبة التغير المناخي، هو العامل الانساني. ويقول ميسوري ميتشل الذي كان قبل 15 عاماً يبشر بعصر من البرودة: «اذا كانت الطبيعة تعمل جاهدة على جذبنا نحو عصر جديد من الجليد، فقد تكون نحن عاملين على تدفئة العالم بمقدار متواز بواسطة ثاني أوكسيد الكربون الذي يخرج من بين أيد الانسان». أما البروفسور ريد برايسون من جامعة وسكنسن، وهو بحاثة بازر في علم المناخ، فيصف الأثر الناجم عن نشاطات الانسان، من ذخان وغبار وأبخرة، بأنه بركان بشري. ويقول: «أننا نمثل بالفعل عاملاً في معادلة المناخ، بل قد نكون نحن العامل الحاسم.
أسباب تغير المناخ
يعزو بعض العلماء جزءاً من ارتفاع الحرارة العالمية الى الثورات البركانية. إلا أن علماء أخرين يعارضون هذه النظرية، باعتبار أن الانفجارات البركانية تبرد المناخ بنفث السحب الكبريتية الى طبقات الجو العليا، فيتحد الكبريت مع بخار الماء ليشكل ضباباً من الحمض الكبريتي يحجب ضوء الشمس. ولذلك فأن المراحل التي يقلّ فيها النشاط البركاني، كالعقدين الأولين من القرن الحالي، تشهد مناخاً أكثر دفئاً من العادة. ومن الأمثلة على الأثر التبريدي للبراكين ثوران بركان بيناتوبو في الفيليبين عام 1991 الذي قمع ظاهرة الدفء التي سبقته الى أن ترسبت آلاف الأطنان من الغبار البركاني العاكس لنور الشمس.
يعتبر الاحتباس الحراري ظاهرة طبيعية في الجو. وتتألف غازات الدفيئة من ثاني أوكسيد الكربون والميثان وأوكسيد النيتروجين ومركّبات الكلوروفلوروكربون، التي تحتبس حرارة الشمس في طبقة الجو السفلي وتبعث الدفء الى الأرض. ينبعث غاز ثاني أوكسيد الكربون، طبيعياً، من البراكين والمحيطات والنباتات المتعفنة ومن جهازنا التنفسي، لكنه ناجم بمعظمه عن النشاطات البشرية، وخصوصاً حرق الوقود الأحفوري في المصانع والسيارات. ويقدر تركيزه في الغلاف الجوي بنحو 353 جزءاً في المليون حجماً، أي بزيادة 25 في المئة عن مستواه قبل عصر الصناعة حين كان 280 جزءاً في المليون. وتتزايد التركيزات اليوم بمعدل 0,5 في المئة سنوياً نتيجة حرق الوقود الأحفوري وتعرية الغابات. وإذا ظلت معدلات الانبعاثات على مستواها الحالي، فقد يصل تركيز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي الى 560 جزءاً في مليون بحلول السنة 2100. وتعزى هذه الزيادة الى بقاء ثاني أوكسيد الكربون لمدة طويلة في الغلاف الجوي، وبالتالي الى طول الفترة اللازمة لإزالته عن طريق المصافي الطبيعية. أما الميثان فيتولد من البكتيريا اللاهوائية التي تعيش في النظم الايكولوجية الرطبة. غير أن الجزء الأكبر من الميثان يتولد عن بعض النشاطات التي يمارسها الانسان، مثل زراعة الرز وتربية المواشي وحرق الكتل الحيوية واستخراج الفحم من المناجم. وتقدر كمية الميثان المتدفقة الى الغلاف الجوي بنحو 600 مليون طن في السنة. وهي تزداد بمعدل واحد في المئة سنوياً. ويتولد أوكسيد النيتروجين في الطبيعة من تفاعلات جرثومية تحدث في التربة والمياه. وتساهم النشاطات البشرية بمعدل أربعة ملايين طن من النيتروجين في الغلاف الجوي بمعدل 1,2 في المئة سنوياً. أما مركبات الكلوروفلوروكربون، بأستثناء كلوريد الميثيل، فتنجم عن العمليات الصناعية. وقد سجلت تركيزاتها في الغلاف الجوي زيادة سريعة خلال السنوات الأخيرة. ولكن يتوقع أن تنخفض انبعاثاتها بمقدار كبير عملاً بأحكام بروتوكول مونتريال الذي ألزم الدول الصناعية بالحد من هذه الانبعاثات وتجميدها سنة 2000 على ما كانت عليه عام 1990.
يجمع العلماء على حصول ارتفاع عالمي في الحرارة، لكنهم لا يتفقون حلول ما سيحدث لاحقاً. ويبشر المتفائلون بأن فصول الشتاء ستصبح أكثر اعتدالاً، وتكثر المحاصيل الزراعية حول العالم، حتى في الأقاليم الفقيرة زراعياً. كما يتوقعون حدوث عواصف أقل وأخف وطأة في المستقبل، نتيجة تقلص الفوارق الحرارية بين القطبين وخط الاستواء. أما المتشائمون فينذرون بأن المناطق الزراعية ستزحف شمالاً، فتشهد أنماطاً مناخية جديدة ونوعاً آخر من التربة ونسبة مختلفة في هطول الأمطار، وتتضاءل بالتالي المحاصيل الزراعية. وتتحول ثلثا غابات العالم سهولاً عشبية، ويعاني الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من الجفاف. فحين تسخن الأرض تتبخر الرطوبة بصورة أسرع. وفي المناطق الجافة، حيث لا رطوبة كافية للتبخر، يتحول الجفاف كارثة بيئية حقيقي. وهكذا، يزداد هطول الأمطار في المناطق الرطبة، كالشواطئ، ويصبح أكثر ندرة في المناطق الداخلية وخصوصاً ضمن القارات. وبارتفاع درجات الحرارة يذوب الجليد القطبي، فيرتفع مستوى البحار والمحيطات مما يهدد الجزر والأراضي الساحلية المنخفضة بالغرف.
ماذا يمكننا أن نفعل؟
أن تغير المناخ مشكلة عالمية خطيرة. وحلها يقتضي مشاركة الجميع، كل بحسب قدرته. ولا بد من اتخاذ الاجراءات في أسرع وقت ممكن قبل فوات الأوان.
فعلى الدول اعتماد سياسات تشجع على الاقتصاد في استهلاك الطاقة، واستخدام التكنولوجيات النظيفة، وتخفيف الانبعاثات من القطاعين الزراعي والصناعي، ودعم الأبحاث وتطوير برامج لحماية المواطنين والبيئة الاقتصادية من الآثار المحتملة لتغير المناخ، وتعزيز الوعي الشعبي حول هذه المسألة. والحكومات مدعوة الى التخفيف قدر الامكان من استخدام الوقود الأحفوري واللجوء الى مصادر الطاقة المتجددة (كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمياه) وفرض ضريبة عالية على المصانع المولدة لغاز ثاني أوكسيد الكربون. وعليها أن توقف الاقتطاع الجائر للغابات وتبدأ بإعادة التشجير، وتحضر برامج إعلامية وبرامج تدريب على التكنولوجيات السليمة بيئياً.
أما المدن والقرى، فيمكنها المساهمة على الصعيد المحلي من خلال الاقتصاد في استهلاك الطاقة في وسائل النقل والأبنية العامة. هذا بالاضافة الى إعادة تأهيل الغابات وتخفيف كميات الغازات المنبعثة من المكبات ومعامل الاسمنت، وفي وسع المزارعين اعتماد طرق بديلة للحد من الغازات المنبعثة من الأسمدة وروث الماشية وحقول الرز. أما المدارس والجامعات فيمكنها تشجيع الأبحاث المتعلقة بتغير المناخ.
وعلى الصعيد الفردي، يمكن لكل منا أن يغير طريقته استهلاكية سواء في المنزل أو العمل. نستطيع مثلاً شراء المنتجات الخالية من الكلوروفلوروكربون، والتوفير في استهلاك الطاقة، وعزل بيوتنا جيداً، وإعادة تدوير نفاياتنا المنزلية، واستخدام السماد العضوي، والتخفيف من صرف الوقود، واستخدام المصابيح الموفرة للطاقة، وإطفاء الأنوار التي لا نحتاج إليها، وغسل الثياب بمياه باردة، وزرع الأشجار لأنها تمتص ثاني أوكسيد الكربون من الهواء وركوب الدراجة بدلاً من السيارة عند الامكان.
وإذا التزم كل منا بتلك الشروط وسعى الى تحقيقها، فمن المؤكد أن التسبب البشري في رفع حرارة العالم سيقتصر على حد أدنى، وستكون آثار تغير المناخ أقل حدة، وسيتسنى لجميع الشعوب بالحفاظ على النمو الاقتصاد المستديم الذي تنشده.
كادر
وقائع وحقائق
- يزداد تركيز ثاني أوكسيد الكربون في الجو على نحو مطرد، وكذلك تفعل درجات الحرارة. وثاني أوكسيد الكربون هو المكوّن الرئيسي لغازات الدفيئة، ومسؤول عن 60 في المئة من الارتفاع الاجمالي لدرجات الحرارة.
- تتحمل ستة بلدان، ومنها اثنين من العالم الثالث (البرازيل والهند)، مسؤولية 56 في المئة من الانبعاثات الغازية الحالية. والولايات المتحدة هي المصدر الأول لانبعاث غازات الدفيئة.
- تصفّي طبقة الأوزون أشعة الشمس الخطرة، كالاشعة ما فوق البنفسجية، فلا تصل الى الأرض إلا الأشعة غير المؤذية التي تسمح باستمرار الحياة. لكن طبقة الأوزون تتضاءل اليوم بفعل المواد الكيميائية التي يطلقها الانسان، وخصوصاً مركبات الكلوروفلوروكربون.
- لا يعرف تلوث الهواء حدوداً، لأنه ينتشر بعيداً عن مصادر انبعاثه ملوثاً الهواء والتربة والماء.
- يعيش أكثر من 600 مليون شخص في مناطق مدينية تتعدى فيها مستويات ثاني أوكسيد الكبريت المعدلات المقبولة بحسب مقاييس منظمة الصحة العالمية. ويعيش أكثر من 125 مليون شخص في مدن تعاني تلوثاً شديداً.
- تعتبر مدينة مكسيكو أكثر مدن العالم تلوثاً.
- لا تلبث الملوثات المنبعثة من المصانع أن تعود الى الأرض في شكل مطر حمضي. وقد خسرت أوروبا نحو 22 في المئة من غاباتها بسبب المطر الحمضي، وخسرت بريطانيا 57 في المئة من غاباتها للسبب نفسه.
هل يذوب الجليد القطبي ويغمر الطوفان الأرض؟
فيضانات، أعاصير موجات حر، مواسم جفاف، أحوال غريبة شهدناها في السنوات الأخيرة. أهي تقلبات طبيعية في الطقس، أم أنها اضطرابات مناخية غير طبيعية ناتجة عن أرتفاع الحرارة في العالم؟ وإذا كان صحيحاً أن حرارة العالم في أرتفاع، فماذا عن فصول الشتاء القارسة التي شهدتها بعض المناطق أخيراً؟
في العام 1995، انكسرت كتلة جليدية ضخمة في منطقة القطب الجنوبي، ونبتت الأزهار على أطرافها. وأصبحت مياه جنوب المحيط الهادئ أكثر دفئاً، وماتت العوالق التي كانت تشكل غذاء الأسماك. وغرقت أوروبا الشمالية تحت فيضانات الربيع. وباتت ظاهرة الاحتباس الحراري حديث العالم. وأعلنت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن درجة الحرارة ارتفعت خلال القرن الماضي بين 0,3 و 0,6 درجة، وهي الزيادة الكبرى خلال القرون الستة الماضية، ويتوقع ارتفاعها ما بين درجة ، و3,5 درجات مع نهاية القرن المقبل. أما مستوى البحار فقد ارتفع ما بين 10 و25 سنتيمتراً خلال القرن الماضي، ويتوقع أن يرتفع ما بين 15 و95 سنتيمتراً بحلول السنة 2100.
والدليل عى ارتفاع الحرارة يظهر جلياً في ذوبان الجليد وانحسار مساحاته في المناطق القطبية على رؤوس الجبال. وقد تضاءل حجم الجليد في جبال الألب الأوروبية بنسبة 50 بالمئة. ويبدو أن أرتفاع الحرارة في تلك المنطقة هو أعلى مما كان خلال العشرة آلاف سنة الماضية. والواقع أن كمية هطول الأمطار هي أشد تأثيراً من ارتفاع الحرارة في تلك المناطق، لأن اتجاه جبال الألب شرقي ـ غربي مما يحجب التيار الجنوبي لرياح الشمال الاردة. وقد سُجل ذوبان الجليد أيضاً في منطقة القطب الشمالي، مع زيادة هطول الأمطار فوق المرتفعات.
سيؤثر تغير المناخ بشكل جذري في الزراعة. ولا يعرف العلماء شكل هذا التغير حتى الأن، لكهنم يجمعون على زحف المناطق المناخية شمالاً، وزحف المناطق الزراعية معها. وأرتفاع الحرارة بين درجة 3,5 درجات، المتوقع حدوثه خلال القرن المقبل، سينقل المناطق المناخية المعتدلة مسافة 160 ـ 640 كيلومتراً صوب القطب الشمالي. ولن يكون التغير في الأنظمة الزراعية هو نفسه في كل المناطق. فالطقس الأدفأ يزيد إنتاجية المحاصيل، الا في المناطق الحارة جداً. لكن الزراعة لا تعتمد على الحرارة فقط، وإنما أيضاً على كمية الأمطار وتوزيعها. ونسبة الرطوبة المتبقية في التربة. وعلى رغم صعوبة التنبؤ بالمناطق التي ستتأثر إيجاباً أو سلباً، يقول البعض إن كندا والولايات المتحدة وجنوب أوروبا ستشهد تراجعاً في الانتاج الرزاعي، فيما ستعرف روسيا وشمال أوروبا واليابان والدول الاسكندينافية وتشيلي والأرجنتين فورة في المحاصيل. وهناك مناطق خصبة حالياً، كما في سيبيريا، ستصبح قاحلة في المستقبل، في حين أن الأراضي المكسوة بالجليد وغير الصالحة للزراعة حالياً ستصبح مثالية لزراعة مختلف أنواع المحاصيل. وأرتفاع نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو يحفز التركيب الضوئي (التحليل الكلوروفيلي) في بعض أنواع النباتات ويسرّع نموها. لكن هذه القاعدة لا تنطبق على كل النباتات، لأن بعضها يتلف نتيجة التقلبات العنيفة في الطقس. ولا تتكيف النباتات بسرعة مع التقلبات المناخية. فالأشجار تذوي بمجرد حصول تغير بسيط في الحرارة قد لا يتعدى الدرجة الواحدة. لذا، يحتمل أن يؤدي تغير المناخ الى انقراض أنواع كثيرة من الأشجار والكائنات الحية قبل التمكن من نقلها الى بيئات جديدة ملائمة لنموها وتكاثرها.
تهديد الموارد الطبيعية
نصف براري العالم مغطاة بالأعشاب والشجيرات الصغيرة، ومنها تحصل الماشية على معظم طعامها. وهي ملاذ للحيوانات، وميراث ثقافي للمجتمعات الفطرية. لكنها معرضة دوماً لتقلبات مناخية، فتتحول من مناطق خضراء الى مساحات جرداء قاحلة. وقد يتحول ثلثا الغابات الى سهول عشبية. ويتوقع ازدياد حالات الجفاف، خصوصاً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبالتالي موت النباتات وتسارع وتيرة التصحر. وسوف يستحيل معالجة الوضع حين يصبح المناخ أكثر جفافاً والتربة أكثر انحطاطاً بفعل التأكل والانجراف.
ومن شأن تقلص حجم الأنهار الجليدية والغطاء الثلجي تغيير الدفق الموسمي للأنهار، وتعديل النشاطات البشرية بدءاً من الزراعة وصولاً الى توليد الطاقة الكهربائية المائية. وإذا اختفى الجليد كلياً من شمال أوروبا، كما هو متوقع، فستضطر الدببة القطبية وأيائل الرنة أن تغادر مواطنها الأصلية، مما يهدد مستقبلها ومستقبل الشعوب الفطرية التي تعتمد عليها. أما الحيتان المهاجرة والطيور البحرية فسيتغير نمط حياتها لعجزها عن إيجاد الطعام في المكان والوقت الملائمين. ويتوقع بعض العلماء بقاء القليل من الجليد في المنطقة القطبية الشمالية بحلول 2050، فتتفتح المنطقة على مجالات الاستثمار الاقتصادي، وتصبح الأنهار الخالية من الجليد في معظم أشهر السنة سالكة لمرور السفن، وتنشط السياحة في الأراض القطبية التي لا تغيب عنها الشمس. لكن ذلك سيزيد الملوثات ويهدد محميات القطب الشمالي. ولما كان الجليد يخزّن كميات هائلة من ثاني أوكسيد الكربون الموجود في الهواء. فأن تضاؤله في السنوات الأخيرة أطلق بعضاً من المخزون، مما يزيد من برودة أوروبا الغربية لأن التيارات الدافئة في الأطلسي، الآتية من المناطق الاستوائية، ستجلب كميات أقل من الحرارة الى الشمال.
وتغطي المستنقعات والأراضي الرطبة نحو 5 في المئة من مساحة الكرة الأرضية. لكن النشاطات البشرية دمرت نصفها خلال القرن الماضي. تمتاز المستنقعات بتنوع بيولوجي فريد، وهي ملاذ لتوالد عدد كبير من الكائنات الحية، وخصوصاً الطيور. ويفسد تغير المناخ طبيعة الأراضي الرطبة. فقد كشفت دراسة للمناطق شبه الجافة في جنوب أوروبا، مثل اسبانيا واليونان، أن أرتفاع حرارة الأرض بنسبة 3 أو 4 درجات كافية للقضاء على 85 في المئة من المستنقعات الباقية. وقد يؤدي ذلك الى انقراض بعض أنواع الطيور والسلاحف، وتدمير الأنظمة الزراعية المرتكزة على البذور. أما المستنقعات الكبيرة والعميقة، وخصوصاً تلك الموجودة في المرتفعات، فقد تستفيد من الارتفاع الاجمالي للحرارة، فيزداد تنوعها البيولوجي وتتسع رقعة مواطنها. غير أن البحيرات الضحلة ومعظم الجداول قد تصاب بتلف بالغ غير قابل للاصلاح، لأن الزيادة المفرطة في التنوع البيولوجي ستستنفد مواردها من الأوكسيجين. وستتجمع المعادن الثقيلة والمبيدات في المياه الأكثر دفئاً، ويتضاعف بالتالي معدل الزئبق في الأسماك، ويحتمل انتقاله إلى الثدييات، (بمن فيها البشر) التي تأكل الأسماك.
الطوفان الآتي
المناطق الساحلية والجزر الصغيرة هي أبرز المواقع المهددة بأخطار تغير المناخ، علماً أنها الأكثر أهمية من الناحية الحيوية، والأكثر اكتظاظاً بالسكان. ويواجه 50 مليون شخص حالياً خطر الفيضانات الناجمة عن الأعاصير، ويتوقع أن يتضاعف هذا العدد إذا ارتفع مستوى المحيطات 50 سنتيمتراً. وتشير آخر الدراسات أن 17 في المئة من أراضي بنغلادش سيختفي إذا ارتفع مستوى المحيطات متراً واحداً، فيما يختفي 80 في المئة من جزر ماجورو المرجانية في جزر المارشال في المحيط الهادئ. ويقدر عدد المتضررين المحتملين بنحو 70 مليون شخص في الصين وبنغلادش. وتنحسر الشواطئ بارتفاع مستوى المياه، الأمر الذي حصل فعلاً في 70 في المئة من الشواطئ الرملية، وهدد الكثبان الرملية والأهوار الشاطئية والحياة الفطرية فيها. وأبرز المناطق المهددة بالخطر هي سواحل البحر الأبيض المتوسط والساحل الافريقي الأطلسي وشرق آسيا وأوستراليا وبابوا غينيا الجديدة. وكلفة حماية هذه المناطق من الفيضانات هائلة حقاً. فحماية هولندا مثلاً من ارتفاع مستوى البحار 50 سنتيمتراً تكلف 3500 مليار دولار. ويمكن أن تزداد ملوحة المياه الجوفية في بعض المناطق الساحلية، وتتلوث أنظمة الري وتواجه الأراضي الرطبة والغابات انجرافاً وتملحاً في التربة.
وستدفع جزر المحيط الهادئ والمحيط الهندي والبحر الكاريبي ثمناً باهظاً لأرتفاع مستوى مياه البحر بضعة سنتيمترات. وكانت هذه الجزر أول من رفع الصوت عالياً للتحذير من العواقب. فالخطر بالنسبة اليها ليس بعيداً، وعليها أن تقنع «الكبار» بايجاد العلاجات الواقية من هذا لخطر الذي سببوه. ذلك أن ثلاثة أرباع كمية غاز ثاني أوكسيد الكربون المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري تنبعث من بضعة بلدان صناعية. وفي المقابل، فان سكان المناطق الأكثر بدرودة على الأرض سيعانون من السخونة التي ستكون أقوى في هذه المناطق مما هي في المناطق الأكثر اعتدالاً. ففي حين أن أرتفاع الحرارة قد يبلغ درجتين على المستوى العالمي، فانه قد يصل الى ما بين 3 و5 درجات في المناطق الواقعة شمال خط العرض 50. ويحتمل أن تكون لهذا الأرتفاع آثار جدية على التوازن البيئي في المناطق الشمالية من الكرة الأرضية.
وستنتقل بعض الأمراض الاستوائية الى البلدان ذات المناخ المعتدل. كما أن التداخل بين الحرارة والتلوث يمكن أن يحدث تفاقماً في عدد وفيات الربو وأمراض القلب والشرايين. ولن ينجو الشمال من تأثيرات سخونة المناخ المتوقعة. في أوروبا (خصوصاً أسبانيا وايطاليا والبرتغال واليونان) والولايات المتحدة واليابان، يحتمل أن يزداد انتشار الملاريا وحمى الضنك.
وأكد مسح للمحيطات أن مستوى مياه البحر والمحيطات ارتفع حوالى مليمتر سنوياً على مدى السنوات العشر الماضية. ويهدد هذا الارتفاع، إذا استمر، باختفاء 36 دولة عن خريطة الأرض، وفي مقدمها هولندا وجزر مالديف والمسيسيبي والمارشال، أضافة الى دلبتا النيف في مصر.
ما من منطقة في العالم ستسلم من تهديدات تغير المناخ، والواقع أنه يمكن لحظ تغيرات ملموسة في بعض المناطق منذ الآن. فقد ضرب اليباس أراضي الغابات الواسعة في سيبيريا وكندا، مما يجعلها أكثر هشاشة في وجه الحرائق والأوبئة. وبدأت الأنهار الجليدية تذوب في أرجاء العالم، وتتقلص كتل الجليد، من جبال الأنديز في أميركا الجنوبية الى جبال الألب في أوروبا. وتخطى دفء مياه البحار المعدل المقبول للشعاب المرجانية التي بدأت تتلف في المناطق الاستوائية. والحرارة في ارتفاع مطرد، والدليل على ذلك فصول الصيف الحارة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية التي لم يشهد مثلها منذ 600 سنة. ففي الولايات المتحدة، حصدت موجة الحر التي ضربت البلاد عام 1995 مئات الأرواح وأبادت محاصيل الذرة. وترافق ذلك مع أسوأ إعصار شهده شمال الأطلسي منذ 50 سنة.
وأظهرت صور التقطتها الأقمار الاصطناعية أبيضاض لون الشعاب المرجانية قبالة جزر فيجي وكوك وتونغا، مما ينذر بارتفاع الحرارة. ومعلوم أن موت الشعاب المرجانية وابيضاضها يحصلان خلال شهرين من ارتفاع حرارة الماء درجتين، أو الى أكثر من 28 درجة مئوية.
وتوقع التقرير الرئيس لمؤتمر المناخ في جنيف أن تتعرض مصر أكثر من أي بلد عربي آخر لآثار الاحتباس الحراري. وسبب ذلك انخفاض منطقة دلتا النيل. ففي حال صحت التقديرات المتفائلة الجديد التي تتوقع ارتفاع مستوى البحر الأبيض المتوسط نصف متر بحلول السنة 2100، فانه لن يغمر منطقة الدلتا كلها بل أجزاء منها، وبور سعيد ودمياط، فيما تزحف بحيرة المنزلة الى بلدتي المنزلة وشبين. كما سيغمر البحر مناطق في الدلتا السفلى يقل ارتفاعها عن متر. وبعض هذه المناطق، بما فيها البحيرات الساحلية، منخفضة عن مستوى سطح البحر وتحمي الكثبان الرملية المرتفعة بعض أجزائها. أما اذا صحت التقديرات المتشائمة السابقة لارتفاع مستوى مياه البحر ما بين متر ومترين، فان البحر المتوسط سيغمر أجزاء مهمة من الأراضي الزراعية المنتجة في دلتا النيل، والغنية أيضاً بمناطق صيد الأسماك التي توفر 60 في المئة من الانتاج السنوي للبلاد. ويعيش في منطقة الدلتا 48 في المئة من سكان مصر. وستترتب على ارتفاع مستوى سطح البحر أعباء مالية ضخمة لبناء إنشاءات الحماية ومشاريع صيانة المياه واستصلاح الأراضي وتكييف الموانئ.
أما في المغرب، فليست هناك أراض منخفضة مطلة على المتوسط. والمناطق التي يمكن أن تتأثر بارتفاع مستوى البحر هي: البحيرات الساحلية جنوب شرق مليلة، والدلتا الصغير لنهر مولوية، والشاطئ السياحي الرملي القريب من الحسيمة. لكن الجفاف وارتفاع الحرارة العالمية قد يزيدان مشكلة الزحف الصحراروي، الذي يواجهه المغرب حالياً بعد الجذوع وأغصان الأشجار لتثبيت الكثبان الرملية.
وفي تونس أراض منخفضة ذات أهمية بيئية واقتصادية، منها البحيرات والبرك الساحلية ودلتا نهر مجردة عند خليج تونس. ويهدد ارتفاع البحر المتوسط بحيرة أشكول الساحلية التي تغذيها الأنهار، وهي متنزه وطني وموئل عالمي للطيور المائية.
ولا شك في أن ارتفاع مستوى سطح البحار يهدد المدن والموانئ والصناعات الساحلية في جيمع الدول العربية المحاذية للمستجمعات المائية، كالبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي. وسوف تتطلب هذه المناطق إنشاءات خاصة لحمايتها من الغمر الآتي:
قضية ساخنة
يقول لستر براون رئيس معهد، «وورلد ووتش» في واشنطن إن ارتفاع الحرارة العالمية وتقلبات الطقس، اضافة الى ارتفاع معدلات النمو السكاني، كلها عوامل ساهمت في نقص الغذاء على مستوى العالم. ويضيف: «من قبيل المفارقات في عصر التكنولوجيا المتطورة واستكشاف الفضاء وشبكة الاتصالات العالمية وزرع الأعضاء البشرية، أن تجد البشرية نفسها تتصدى في العام 1996 لواحد من أقدم التحديات، ألا وهو كيف تجد ما تأكله حتى يحين موسم الحصاد التالي». وقد جاء في تقرير «وورلد ووتش» أن متوسط درجات الحرارة في العالم سجل مستوى قياسياً جديداً في العام 1995 بلغ 15,39 درجة مئوية، بعد المستوى القياسي السابق البالغ 15,38 درجة مئوية الذي سجل عام 1990. ومما ساهم في هذا المتوسط القياسي موجة الحرارة التي اجتاحت ولايات الغرب الأوسط الأميركية وتسببت في اتلاف محصول الذرة وتراجع مخزونات الحبوب العالمية في 1996 الى أدنى مستوياتها على الاطلاق. وأشار دراون الى ارتفاع درجات الحرارة أخلّ بتوازن المناخ. وأن الأحوال الجوية المتقلبة سببت خسائر عالمية بمعدل أكثر من 20 مليار دولار سنوياً في التسعينات.
وأظهرت أرقام قطاع التأمين أ ن الخسائر الاجمالية بلغت نحو 40 مليار دولار عام 1995، منها 8,5 مليارات دولار مؤمّن عليها. ويمكن مقارنة ذلك مع خسائر العامين السابقين التي بلغت نحوو 23 مليار دولار في كل منهما. وتتخوف شركات التأمين من أن ارتفاع حرارة العالم قد يفلس هذا القطاع. فقد بلغت خسائر أعصار أندرو، الذي سيشهد العالم كثيرا من أمثاله إذا أصبح أكثر دفئاً، نحو 16,5 مليار دولار. وترى شركة «ري» السويسرية للتأمين أن ارتفاع الحرارة العالمية قد يجبر الناس على هجر المدن الكبرى، وأن لا بد من تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة واصلاح الخطأ قبل فوات الأوان.
ولا تقتصر آثار تغير المناخ على الطبيعة ومواردها، وإنما تتعداها الى البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فلا تتعجب إذا سمعت بفريق خاسر وفريق رابح إثر تغير المناخ. والربح هنا نسبي، لأنه يعني الخسارة ولكن بنسبة أقل من الآخرين. فالدول البعيدة عن خط الاستواء ستنعم بمناخ أكثر دفئاً إثر زحف المناطق المناخية شمالاً، وتكون هي الفريق «الرابح». أما الدول ذات البيئات الهشة أو الساحلية فستكون الخاسر الأكبر لدى ارتفاع مستوى مياه المحيطات. ولا ينتمى الرابحون أو الخاسرون إلى قارة أو بلد أو فئة اجتماعية معينة. فمن المتوقع أن يتفاقم الفقر والجوع إثر التغيرات الحاصلة في المناخ، فتتسارع هجرة الناس من الأرياف الى المدن، ومن البلدان النامية الى البلدان الصناعية. وتتفاقم الصراعات بين دول الشمال الصناعية الغنية ودول الجنوب النامية الفقيرة. فيتمحور الصراع هذه الموارد الطبيعية المحدودة، ويستنفد هذه الموارد والطاقات التي يحتاج العالم إليها لمواجهة تأثير تغير المناخ. ويقتلع الناس من جذورهم الحضارية ويغرقون في الخوف والقلق والضغط النفسي.
هل ستكبر الفجوة إذاً بين الشمال والجنوب؟ يبدو الجواب نعم بحسب الاتجاه الحالي للأحداث. وستكون التنمية الاقتصادية السبب الرئيسي في الصراع على قضية تغير المناخ. وبما أن غازات الدفيئة المنبعثة من العمليات الصناعية تعتبر المسبب الرئيسي لتغير المناخ، سيزداد الضغط على جميع الدول للتخفيف من استهلاك الوقود الأحفوري. لكن الدول التي لا تزال في أولى مراحل التطور الاقتصادي ستواجه صعوبة كبيرة في التزام ذلك الأمر. وعندئذ ينبرى الشمال الصناعي، وهو المسؤول الأول عن انبعاث غازات الدفيئة، ويتهم الجنوب الفقير بتأزيم المشكلة وعرقلة جهود إنقاذ الأرض من الخطر المحدّق بها. ومعلوم أن الشمال يؤوي فقط 20 في المئة فقط من من سكان العالم لكنه يستهلك 80 في المئة من موارده، ويتحمل مسؤولية معظم الانبعاثات الصناعية. على هذا الأساس تقترح دول الجنوب أن يتكبّد الشمال وحده التضحيات الضرورية لمجابهة تغير المناخ.
وليس مستغرباً أن تستفحل الصراعات بين الدول التي تتقاسم موارد طبيعية مشتركة كالأنهار مثلاً، أو حتى أن تنشأ نزاعات ضمن الدولة الواحدة. لأن تقلّص الموارد الطبيعية سيدفع الناس الى التحارب، وخصوصاً في أفريقيا والشرق الأوسط حيث يزداد بسرعة مطّردة وتقلص مشاريع التنمية الزراعية لعدم كفاية المياه العذبة. ولا بد أن يتضاعف عدد اللاجئين البيئيين الذين يشكلون عبئاً على الحدود الدولية والدول المضيفة. ومن شأن الصراع بين الدول يثبط التعاون الدولي الهادف الى محاربة الخطر المحدق بالأرض.
كادر
أمراض تتفشى مع تغير المناخ
سواء جاء تغير المناخ طبيعياً أو من صنع الانسان، فأنه يعني انتشاراً سريعاً للأوبئة وآثار سلبية على صحة الانسان. والبرهان على ذلك انتشار الملاريا بشكل مخيف في السنوات الأخيرة نتيجة الارتفاع غير العادي للحرارة. وليس مستغرباً ظهور أوبئة سادت في الماضي، كالحمى الصفراء والكوليرا والتهاب السحايا. ويطابق ذلك قول داروين: "حين يسود طقس غير مألوف كحدوث جفاف في مناطق رطبة، أو هطول أمطار غزيرة في مناطق جافة أصلاً، تنتشر الأوبئة والجراثيم والحيوانات والحشرات الناقلة لها، ويصعّب الحياة على الحيوانات التي كانت تقضي عليها".
ومن المتوقع موت ألوف الأشخاص سنوياً في كبرى مدن العالم بفعل أمراض القلب والرئة الناتجة عن الحر الشديد. وسوف تمحو العواصف والفيضانات قرى ومدناً كاملة وتلوث مياه الشرب وتوقع الهلع في الناس. وفي وطأة الفيضانات والجفاف والتمزق الاجتماعي والاقتصادي. تضعف قدرة الدول على العيش الكريم لمواطنيها، وتتضاعف أعداد المصابين بالأمراض وبسوء التغذية.
فهل يعقل أن يتسبب تغير المناخ في تفشي الأمراض؟ هنا حالات حقيقية سجلت إثر تقلبات غير عادية في حال الطقس:
الكوليرا: في العام 1991، أفرغت سفينة قادمة من جنوب آسيا حمولتها على شاطئ البيرو. ومع المياه القذرة جاءت الكوليرا التي وجدت ملاذاً لها في تجمعات طحالب وساعد على نموها مياه المحيط الدافئة بشكل استثنائي والتلوث الهائل فيها. وقد أصابت الكوليرا أكثر من نصف مليون شخص، وقتلت 500 ألف على الأقل.
الطاعون: في العام 1994، هبت على الهند رياح موسمية آتية من الشمال بحرارة 38 درجة ودامت 90 يوماً، مما جلب الجرذان إلى المدينة، وسبب موجة من الطاعون. مات 63 شخصاً وتكبدت الهند مصاريف بلغت بليونين دولار.
حمى الضنك: لطالما احتوت سلسلة الجبال الغربية في كوستا ريكا على فيروسات حمى الضنك، المرض الذي يحمله البعوض ويتزامن مع ألم في العظام. لكن ارتفاع الحرارة على نحو غير طبيعي في العام 1995 جعل بعوض Aededsaegypti يجتاز الضفة الساحلية ويغزو البلاد بأجمعها. انتشرت حمى الضنك في أميركا اللاتينية ووصلت شمالاً الى تكساس في الولايات المتحدة، وأصابت نحو 140 ألف شخص تقريباً.
الملاريا: يؤدي ارتفاع درجات الحرارة الى زيادة رقعة موطن بعوض الملاريا، ويجعل البعوض أكثر فعالية في اللدغ. واللافت أن ارتفاع الحرارة درجتين فقط كفيل بمضاعفة أيض البعوض، مما يجبره على الأكل مرتين أكثر، وزيادة رقعة موطن الملاريا من 42 في المئة الى 60 في المئة. وإن كان البعوض يموت عند وصول الحرارة الى 40 درجة، فالبشر والمحاصيل تموت هي أيضاً.
والعوامل التي تقوّي الجراثيم توهن دفاعاتنا ضدها. فالحرارة وفرط الاشعاعات فوق البنفسجية الناتجة عن ثقب الاوزون، وملوثات مثل الهيدروكربونات المكلورة، تقمع جهاز المناعة عندنا ضد الأمراض. وكشفت آخر دراسة لمنظمة الصحة العالمية أن مجموعة من الفيروسات تشمل الحصبة قتلت في السنوات الأخيرة عجول بحر في البحر الشمالي وأحصنة في أوستراليا وأسوداً في سيرينغيتي، وهي حيوانات منتشرة بكثرة في الكرة الأرضية. والطقس غير المألوف كان العامل المشترك في عمليات الإبادة، إذ حدث سوء في التغذية وضعف جهاز المناعة عند الحيوانات مما عزز توالد الفيروسات.