Wednesday 24 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
"البيئة والتنمية" النفـايـات: لا حل عجائبياً بل مجموعة حلول  
تموز-آب/ يوليو-اوغسطس 1997 / عدد 7
 يجمع الأسلوب الجديد لإدارة النفايات الصلبة بين الطرق التقليدية والتكنولوجيات الحديثة. لكن الإدارة السليمة للنفايات تحتاج الى مشاركة فعالة من كل فرد منا. فعند تقليل كمية النفايات المنتجة واعتماد طرق الإنتاج الأنظف. وإعادة التصنيع. تخف الحاجة الى عمليات كثيفة لمعالجة النفايات والتخلص منها.
النفايات البلدية الصلبة مشكلة رئيسية في كل دول العالم، ولا سيما في العالم العربي. وهذه النفايات هي تلك المولدة في المناطق السكنية والتجارية، والتي تتولى البلديات أو الشركات الخاصة جمعها والتخلص منها. أما النفايات الصناعية ونفايات المستشفيات فهي خطرة ولا تعتبر نفايات بلدية، لكنها ترمى غالباً في مكبات النفايات المنزلية.
تتألف النفايات المنزلية الصلبة من مواد عضوية وورق وكرتون وبلاستيك وخرق بالية ومعادن، ومواد أخرى مثل البطاريات وزيوت المحركات والخشب والمطاط والخزف. وتراوح الكمية المولدة في العالم العربي بين 300 غرام للشخص في اليوم الواحد كما في سوريا واليمن والمغرب، و800 غرام كما في القاهرة وبيروت. أما كمية النفايات الصلبة الاجمالية المولدة يومياً في بعض المدن أو الدول العربية فهي على الشكل الآتي: المغرب 8500 طن، القاهرة 8000 طن، اليمن 5000 طن، تونس 3500 طن، دمشق 1300 طن، بيروت 1200 طن، عمّان 900 طن.
في العالم العربي، تزداد المشاكل المرتبطة بإدارة النفايات الصلبة على نحو مخيف. وتقضي الطريقة المعتمدة عموماً لمعالجتها برميها في المكبات على نحو غير صحي وغير لائق. وفي السنوات الأخيرة، ظهر ميل الى بعض التحسن، فاعتمدت بعض الدول، مثل الأردن، الطمر منذ أكثر من عشر سنوات. لكن سوء ادارة مكبات النفايات شاع في عدة دول. وأنشئت في بعضها محارق ومعامل تسميد، لكنها لا تعمل غالباً وفق المعايير السليمة.
والواقع أن الزيادة المستمرة لكمية النفايات تزيد الوضع سوءاً. وكثيراً ما يتلوث الهواء والماء والتربة بالطرق الرديئة المستخدمة في عمليات جمعها والتخلص منها. وتتفاقم مشاكل النفايات عاماً بعد عام بالتقاء عدة عوامل، أبرزها النمو السكاني، والتمدن، والغنى المتزايد، والتقدم التكنولوجي السريع وتوافر التقنيات الحديثة، في مقابل ركود ملحوظ في تطوير إدارة النفايات، والقوانين العتيقة وعدم تطبيقها، والأنماط الاجتماعية التي تشجع استخدام السلع الاستهلاكية التي ترمى بعد كل استعمال بدل المنتجات التي يمكن استخدامها تكراراً.
وتبقى الحاجة ملحة الى ادارة النفايات الصلبة في كل الدول النامية. فمن شأن ذلك أن يحفظ الجمال الطبيعي للبلاد، ويخفي المناظر المنافية للنظر والشم، ويحول دون تكاثر الحيوانات الناقلة للجراثيم مثل الفئران والجرذان والذباب والبعوض، وانتشار الأمراض. وهو يحدّ من تلوث مجاري المياه بالنفايات الراشحة، بما في ذلك الأنهار والجداول والخزانات الجوفية ومصادر المياه العذبة الأخرى، ويضبط تلوث التربة والمياه الجوفية والهواء من حرق النفايات. وتحول الادارة السليمة للنفايات دون تلوث الشواطئ والموارد البحرية، وتمنع حرائق الغابات الناتجة عن رمي النفايات في أراضيها. والى ذلك، يمكن استخراج مواد مفيدة من النفايات مما يجعلها مورداً اقتصادياً استثمارياً رابحاً.
مواد أولية من النفايات
الطبيعة لا تنتج نفايات. فهي تحافظ على المواد أو تعيد تدويرها لانتاج مواد جديدة. إنها نظام مقفل نوعاً ما، تستخدم فيه المواد المختلفة بكثافة وعلى نحو متكرر. أما النشاطات البشرية فتشكل نظاماً في غاية التبديد، تدخل فيه الطاقة والموارد الطبيعية التي يتم استخدامها ومن ثم رميها أو تبديدها في شكل نفايات أو تلوث.
والتحدي الكبير الذي يواجه المجتمع اليوم هو جعل النظام المنتج للنفايات يشبه الطبيعة، أي جعله نظاماً مغلقاً. فمن شأن هذا تخفيف النفايات والتلوث، وتوفير الطاقة، وتخفيض التكاليف الاجمالية، وبالتالي تعزيز التنمية المستديمة. ولكي يتم ذلك، لا بد من تضافر عنصرين أساسيين. فينبغي أولاً اعتماد نمط حياة يفضي الى كفاية بيئية ويخفف من الآثار البيئية السيئة ويحول دون انتاج كميات كبيرة من النفايات في المصدر بدل الاضطرار الى ايجاد سبل للتخلص منها لاحقاً. ولا بد ثانياً من معالجة النفايات باعتبارها مادة أولية لا شيئاً ينبغي التخلص منه، مثلما هي المواد في الطبيعة.
ثمة طريقة فعالة لادارة النفايات الصلبة تبدأ بفرز النفايات في المنزل. وفي المجتمعات المتقدمة، تعتمد كل المنازل مبدأ التقليل واعادة الاستخدام واعادة التدوير. ويرتكز هذا النظام على فرز النفايات في المنزل قبل جمعها. فيتم فصل المواد العضوية والورق والكرتون والبلاستيك والزجاج والأقمشة والنفايات الخطرة غير الصناعية الآتية من المنازل والشركات التجارية، مما يضمن نقاء المواد المعاد تدويرها ويحسن فرص رواجها في الأسواق.
في الدول العربية، تشكل المواد العضوية أكثر من 50 في المئة من مجمل النفايات الصلبة المرمية. والنفايات العضوية هي تلك التي كانت في وقت ما مادة حية. فبقايا الطعام، وقشور الفواكه والخضار، وأوراق الشجر والعشب، والورق، والعظام، والقرون والحوافر، وقشر البيض، هي مواد عضوية. وتعتبر المواد العضوية المكونات الأكثر خطورة في النفايات البلدية، إذ يصيبها العفن وقد تحتوي على عدة كائنات ممرضة. وهي تجذب الحيوانات الناقلة للأمراض. وفي المناطق الحارة، كما في الدول العربية، لا يمكن تخزين المواد العضوية في البيت لأكثر من أيام قليلة.
أما المكونات الاخرى للنفايات الصلبة، ومنها القناني الزجاجية والعلب المعدنية والبلاستيك، فتشكل أقل من 50 في المئة من النفايات المرمية. ويشار الى هذه النفايات أحياناً بعبارة "النفايات الرمادية"، إذ يمكن تخزينها لفترات طويلة من دون أن تسبب مشاكل صحية أو تخلف آثاراً سلبية.
وتشمل التكنولوجيات الشائعة لمعالجة النفايات الصلبة والتخلص منها ثلاثة أساليب رئيسية هي الطمر الصحي والتسميد والحرق. ينطوي الطمر الصحي والتسميد على نشاط بيولوجي، ويشمل الحرق تفاعلاً كيميائياً. أما رمي النفايات في الهواء الطلق فلا يعتبر طريقة مستديمة في ادارة النفايات.
والطريقة الحديثة المستديمة هي التوجه الى الادارة المتكاملة، بحيث يتم التوفيق بين طرق المعالجة التقليدية والمبتكرة وتكنولوجيات استرداد المواد التي يمكن الافادة منها لتخفيف كمية النفايات الواجب التخلص منها. ومما لا شك فيه أن مفهوم التنمية المستديمة يتعزز بالادارة المتكاملة للنفايات.
الخيارات التكنولوجية
تضم الأساليب التقليدية والحديثة لادارة النفايات الصلبة التكنولوجيات الآتية:
الطمر الصحي وهو الطريقة الأقدم والأرخص. فالنفايات المجموعة يمكن طمرها مباشرة أو بعد استرداد منتجات ثانوية منها، مثل الزجاج والورق والمعادن. ويقتضي الطمر الصحي ثلاثة شروط أساسية هي: تخفيض حجمها بشكل يومي، وتغطيتها، والحؤول دون تلويث المياه الجوفية. وتدعو بعض التيارات الحديثة الى استخراج الغاز العضوي من المكبات واستخدامه كمصدر للطاقة. وقد تشمل تقنيات ما قبل طمر النفايات إزالة المياه منها، وفرز ما يمكن اعادة تدويره، وسحن الباقي. والهدف من ذلك تخفيض حجم النفايات واسترداد المصادر الثانوية.
والطمر هو الطريقة الأرخص للتخلص من النفايات الصلبة. لكنه يتطلب مساحات كبيرة من الأراضي، وهناك احتمال تلوث المياه الجوفية إذا لم يكن المكب مصمماً بعناية. لكن الطمر يتعارض مع جانب كبير من التيار المعاصر الذي يشجع استرداد المصادر بدل طمرها.
التسميد هو التفكك الهوائي الحراري للمادة العضوية، التي تشكل ما بين 50 و60 في المئة من مجموع النفايات بواسطة الكائنات المجهرية. وهو يعيد تدويرها طبيعياً لتحويلها الى سماد عضوي مخصب للتربة. وينتج عن عملية التسميد مادة ثابتة لا تعيش فيها الجراثيم ولا تضر بالبيئة، وهي تخفض حجم النفايات الى العشر. ويتم الحصول على أفضل نوعية سماد حين تفصل النفايات العضوية في مصدر التوليد، أي في المنزل، فيحول ذلك دون الاحتكاك الطويل الأمد مع المكونات المعدنية الملوثة.
وبما أن تربة البلاد العربية تفتقر الى المواد العضوية، فإن السماد الناتج من تسميد النفايات العضوية يستطيع تحسين خصوبتها. والتسميد ملائم في المواقع المحاذية للأراضي الزراعية. لكن في حال إجرائه في مناطق بعيدة، فإن  تكاليف نقل السماد الى المناطق الزراعية قد تثبط همة المزارعين.
الحرق يخفض حجم النفايات الصلبة الى ما بين 10 و30 في المئة من حجمها الأولي، فتتحول غازات غير مؤذية وبقايا معدنية في الحالات المثلى. وتنتج من الحرق طاقة، إما في شكل بخار وإما في شكل كهرباء، إضافة الى بقايا يمكن استخدامها مادة للحشو أثناء تعبيد الطرقات مثلاً. وفي الحالات المثلى يكون المصنع قرب منطقة صناعية كي يستفاد من الطاقة المنتجة. ويتم عادة استرداد المواد الصالحة للتدوير قبل الحرق. لكن إذا كانت المحرقة ومرفق معالجة الغاز المنبعث من نوعية سيئة، فسوف تنبعث غازات ضارة في الهواء. وفي البلدان النامية، تعمل المحارق وفق معايير هواء رديئة نظراً لغياب الامكانات التقنية المحلية.
والمحارق ملائمة عادة للمناطق المكتظة بالسكان، مثل مدن اليابان، أو حيث مستوى المياه الجوفية قريب جداً من سطح التربة، كما هي الحال في هولندا، وبالتالي لا يجوز الطمر. والمحارق هي الخيار الأغلى والأكثر تعقيداً من الناحية التكنولوجية. إنها تكلف ثلاث أو أربع مرات أكثر من الطمر، ومرتين أو ثلاث مرات أكثر من التسميد. ولا يمكن الوثوق كثيراً بسلامة الانبعاثات الغازية، وخصوصاً في البلدان النامية.
الادارة المتكاملة للنفايات الصلبة
بعد سنوات طويلة من اعتماد التكنولوجيات التقليدية لمعالجة النفايات، مثل الطمر والتسميد والحرق، تبين أنها لا تفضي الى نتيجة وافية في حال النفايات الصلبة إذا اعتمدت كل تكنولوجيا على حدة. وسادت في العقد الأخير نزعة الى الادارة المتكاملة التي تبين أنها الحل الأكثر استدامة لمشكلة النفايات الصلبة، إذ إنها تعتبر النفايات مورداً يمكن استخدامه وليس مادة ينبغي حرقها أو طمرها.
والادارة المتكاملة للنفايات الصلبة تجمع بين الخيارات التقليدية والخيارات الحديثة، شرط أن تدعمها مشاركة فعالة من الناس، وخصوصاً في مبدأ تقليل النفايات واعادة استخدامها واعادة تدويرها. ويرتكز هذا المبدأ على الفرز عند المصدر، أي على الصعيد المنزلي والمؤسساتي. ولبلوغ ذلك لا بد من زيادة التوعية على نحو مكثف ومستمر. والواقع أن العديد من الدول الصناعية تطبق بنجاح مبدأ الفرز عند المصدر. وقد نجحت بعض الدول، مثل هولندا وكندا وألمانيا، في تخفيض نفاياتها الصلبة بنسبة 50 في المئة. وبذلك أعتقت البلديات من كميات هائلة من النفايات. وانعكست الفائدة على المنازل التي باتت تدفع ضريبة أقل بعد انخفاض التكاليف الاجمالية لخدمات ادارة النفايات.
أما في العالم العربي، فيسود الارتباك عموماً بين صانعي القرار والمستشارين والجمعيات الأهلية حول اختيار التكنولوجيا الملائمة لمعالجة النفايات الصلبة. ويظن كثيرون أن حلاً مفرداً، كالطمر أو التسميد أو الحرق، يكفي لمعالجة النفايات الصلبة. لكن الحقيقة أن أياً من هذه الحلول لا يفضي الى النتيجة المرجوة إذا اعتمد لوحده. ولذلك حين تختار الوزارات أو البلديات طريقة معينة للمعالجة، تنتقد مجموعات كثيرة ذلك الاختيار وتعدد الآثار السلبية للتكنولوجيا المعتمدة.
تتم معالجة النفايات الصلبة في مجمعات متكاملة تتألف من الوحدات الآتية: وحدة لفرز النفايات، معمل تسميد، محرقة، مكب عمومي، مكب للنفايات الخطرة، وحدة لانتاج الوقود المشتق من النفايات، وعمليات اخرى.
وأسواق المواد المستردة عوامل مهمة في تحديد طريقة التخلص من النفايات الصلبة، وانتقاء العمليات الضرورية لاسترداد المواد، وانتاج الطاقة، بحيث تفوق الأرباح التكاليف. بمعنى آخر، لا بد من دمج إعادة تدوير المواد الأولية الثانوية في اقتصاديات النظام الصناعي.
وفي الدول العربية، حين تسمح الامكانات الاقتصادية، يمكن اعادة تدوير الزجاج والورق والمعادن (20-25 في المئة من مجموع النفايات الصلبة)، واعادة تدوير ثلث البلاستيك (3-7 في المئة من المجموع)، وتسميد المواد العضوية (50-60 في المئة من المجموع). أما بقية البلاستيك والمواد الأخرى القابلة للاشتعال التي تبقى في نهاية دورة النفايات (10-25 في المئة من المجموع) فيمكن معالجتها في المحارق، حيث تستخرج منها طاقة. وثمة خيار آخر متمثل في انتاج الوقود من النفايات "الرمادية" واستخدامه كمصدر للطاقة في كثير من العمليات الصناعية.
ويجب ألا ننسى أن اعادة تدوير النفايات الصلبة ليست غاية في ذاتها. فالهدف هو تحسين الكفاية الاقتصادية وتخفيف التلوث وتقليص حجم النفايات. وتختلف طريقة بلوغ هذا الهدف باختلاف القدرة التقنية لعملية التدوير السليمة بيئياً. وحده التحليل المتعمق الجيد، الذي يأخذ في الاعتبار تأثير النفايات، يستطيع إظهار الخيار الأمثل.
وفي موازاة إنشاء معامل لمعالجة النفايات الصلبة، تتولى البلديات جمع النفايات العضوية للتسميد ومواد أخرى مثل الورق والزجاج وعلب الألومنيوم لاعادة التدوير. ويرتكز ذلك على مبدأ الفرز عند المصدر. فإذا فرز المواطنون نفاياتهم في المنزل، وجب اعتماد الجمع المنفصل، وإلا وجبت معالجة النفايات الصلبة المختلطة في وحدة للفرز أو في مرفق لاعادة تدوير المواد. لكن السماد سيكون في هذه الحالة سيئ النوعية، مقارنة مع سماد النفايات المفروزة في المنازل، بفعل تلوثه بمواد اخرى موجودة في النفايات. أما المواد القيمة، مثل الورق والزجاج والمعادن والبلاستيك، فتستخرج وتباع لاعادة التدوير.
وبعد الفرز، يمكن احراق بقية المواد في محارق خاصة، وبيع الطاقة الناتجة الى المعامل المجاورة أو الى شبكة الكهرباء. كما يمكن بيع بقايا المعادن لصهرها واعادة تدويرها لاستخدامها في البناء. أما الرماد والوحول الناتجة من معالجة الغازات المنبعثة من مداخن المحارق فينبغي طمرها في المكبات.
الفرز واعادة التدوير والتسميد والحرق والطمر
يمكن تحقيق الادارة المتكاملة للنفايات الصلبة على خمسة مستويات متفاوتة. فحين لا تتوافر الامكانات المالية، يمكن بدء العمل من المستوى الأول بالفرز الجزئي في المنزل والجمع والتسميد والطمر. وبعد بضع سنوات حين يدرك الناس أهمية الفرز في المنزل ويطبقونه بوعي وقناعة نصل الى المستوى الخامس، حيث يتم استرداد المواد القابلة للتسميد وإعادة التصنيع على نحو شبه كامل ولا يبقى من النفايات إلا الشيء القليل فيتم طمره في مكب صحي. وهذا هو المستوى المثالي والسليم بيئياً في ادارة النفايات.
الهدف الأول الواجب بلوغه بفاعلية هو الجمع. فمن البديهي أن النفايات غير المجموعة بالطريقة الصحيحة لا يمكن ادارتها. والهدف الثاني هو الطمر. ففي كل المستويات، لا بد من طمر كمية معينة من النفايات، وبالتالي وجود مكب صحي. وينبغي من ثم اعادة تدوير الورق والزجاج والمعادن والبلاستيك. وفي حالة النفايات المنزلية الصلبة في العالم العربي، فإن نسبة النفايات العضوية مرتفعة جداً (50 الى 60 في المئة)، وبالتالي فإن معالجتها وانتاج السماد يخفضان كمية النفايات الواجب طمرها. وتحتوي النفايات الباقية على مواد قيمة، يؤدي فصلها الى مزيد من التخفيض في الكمية الواجب طمرها. وأخيراً، يمكن التفكير في حرق ما تبقى من النفايات. وانتاج الوقود المشتق من النفايات هو بديل آخر للحرق العادي.
في لبنان، يكلف جمع النفايات غير المفروزة في بيروت وضواحيها أكثر من 50 دولاراً للطن الواحد، فيما تكلف العملية نفسها في المدن والبلدات التي تضم أقل من 400 ألف مواطن 20 دولاراً للطن. وحتى في البلدات الصغيرة، فإن الكلفة تكون مرتين ونصف أكثر من كلفة الطمر الصحي وإن توافر أعلى مستوى لادارة النفايات المتكاملة. هكذا، يرتبط كل شيء بما تستطيع المجتمعات دفعه في شكل ضرائب.
إذا كان المواطنون مستعدين لتخفيض نفاياتهم بنسبة 40 الى 50 في المئة، فمن الممكن اقتصادياً تطبيق أعلى مستوى من معالجة النفايات. أما إذا لم تتعاون البلديات مع المواطنين لتخفيض كمية النفايات المولدة، فسيكون من الصعب تطبيق الادارة المستديمة وسوف تضطر البيوت الى دفع ضرائب عالية لتتمكن البلديات من التخلص من النفايات. من جهة أخرى، تستطيع الحكومات والبلديات تأدية دور بالغ الأهمية في تعزيز الادارة المتكاملة للنفايات الصلبة. ففي ألمانيا وكندا ودول صناعية اخرى، نجح الجمع الالزامي للنفايات القابلة لاعادة التدوير في تخفيض كثافة توضيب السلع الاستهلاكية ورفع معدلات اعادة التدوير. ويجدر بالسلطات الحكومية وضع أهداف بيئية وخلق إطار لتسهيل بلوغ تلك الأهداف وتنفيذها بفاعلية. كما يفترض بالدولة تشجيع الصناعة على تقليل نفاياتها واعتماد الانتاج الأنظف والتوضيب الأقل واعادة تدوير بقايا المواد الأولية المستخدمة في الصناعة.
إن الادارة البيئية المتكاملة للنفايات تقوم على اعتماد مجموعة متكاملة من الحلول تتضافر فيها جهود جميع قطاعات المجتمع.
 
كادر
الحرق: هل هو الخيار الأمثل للتخلص من النفايات؟
في بداية هذا القرن وحتى الستينات منه، اعتمدت تقنية الحرق للتخلص من النفايات على أنواعها. وكان يستفاد من الطاقة الناتجة عن ذلك بأشكال مختلفة. ولكن مع تبدل المعايير الاقتصادية حدث تغير جذري في النظرة الى حرق النفايات كخيار تقني. ومنذ منتصف السبعينات لم يعد الحرق مجرد طريقة للتخلص من النفايات، بل أصبح تقنية لاسترداد الموارد، أي المواد والطاقة، في إطار خطة متكاملة لادارة النفايات.
فاسترداد الموارد يعني استخلاص المواد القابلة للاستعمال مجدداً واستخراج الطاقة من النفايات. وتتضمن هذه العملية تحويل النفايات الى طاقة أو الى مواد جديدة بواسطة عمليات كيميائية، أو اعادة استعمالها بعد انجاز بعض العمليات، أو اعادة تدويرها الى منتجات اخرى. وينطبق ذلك على كل أنواع النفايات، سواء الطبية أو الصناعية أو المنزلية. فيمكن اعتماد الحرق لتدمير المركبات الكيميائية المعقدة في النفايات وتفكيكها الى مكوناتها تحت تأثير الحرارة للحصول على مواد غير سامة أو أقل سمية بحيث تسهل معالجتها. أما الحرارة الناتجة عن العمليات فيجري تحويلها الى أشكال أخرى من الطاقة قابلة للاستعمال. ويمكن جمع مكونات أخرى لاعادة تدويرها.
والواقع أن دراسة نوعية النفايات وتركيبها ومصدرها هي التي تحدد الخيار الواجب اعتماده لاسترداد الطاقة والمواد. والحرق، وفق هذا المفهوم، هو خيار للاسترداد يمكن تطبيقه على عدد كبير من أنواع النفايات الصناعية وبعض النفايات المنزلية بعد فرزها. يمكن مثلاً استرداد بعض المواد غير العضوية القيّمة بفصلها عن المكونات العضوية الكبيرة الحجم. فتحرق المكونات العضوية وتستعاد المعادن والمواد غير العضوية من بقايا الحرق. وفي هذا السياق، تكون الوظيفة الاولى للمحرقة الاختزال الفعال لحجم النفايات المنزلية الصلبة، والتخلص منها بطريقة صحية، واسترداد الموارد منها. فيتم فصل الزجاج والألومنيوم والمعادن الاخرى قبل نقلها الى الحرق.
يمكن اعتبار الحرق بديلاً هاماً للطمر بالنسبة الى النفايات الصناعية، وخصوصاً الخطرة والسامة. أما النفايات المنزلية، فيأتي الحرق حلقة في سياق خيار متكامل للتخلص منها يتضمن التقليل واعادة الاستعمال والتدوير وحرق ما يمكن لاستعادة المواد والطاقة، شرط مراعاة الاعتبارات البيئية والصحية.
هل يعتبر الحرق الطريقة المثلى للتخلص من النفايات في لبنان؟ إذا نظرنا الى تركيبة النفايات المنزلية اللبنانية، نجد أن نحو 60 في المئة منها مواد عضوية معظمها من أصل نباتي، و15 في المئة ورق وكرتون، و3 في المئة أنسجة، و12 في المئة مواد بلاستيكية، و3 في المئة زجاج، و3 في المئة معادن. نلاحظ إذاً أن المواد العضوية تشكل نسبة كبيرة من نفاياتنا، وقيمتها الحرارية متدنية جداً، ما يشير الى أنها غير قابلة للحرق. فمن الضروري فصل المواد العضوية عن المواد الاخرى لتسميدها قبل البحث في ما إذا كان الحرق واحداً من الخيارات الممكنة لمعالجة النفايات المتبقية.
ويرتكز الحرق المقبول على معرفة التركيب الكيميائي للمواد المعدة للحرق، ودراسة قدرتها الحرارية الدنيا لتحديد التجهيزات المناسبة للحرق، وتحديد درجة الحرارة وكمية الهواء الضرورية لتأمين احتراق كامل للمواد. أما موقع المحرقة فيجب أن يأخذ في الاعتبار الظروف المناخية والجغرافية والسكنية والطوبوغرافية للمنطقة.
ولكن كيف نتحكم بالتلوث الناتج عن عملية الحرق؟ لا بد أولاً من تنقية الغازات المنبعثة عبر احتجاز الجزيئات المتكونة من اوكسيدات المعادن والرماد المتطاير. ويجب أيضاً معالجة المياه الملوثة الناتجة عن أبراج غسل الغازات وعن غسل الرماد، واعادة استعمال العديد من مكوناتها قبل التخلص منها. كما ينبغي معالجة رماد الحرق واستخلاص ما يمكن اعادة تدويره منه، وتثبيت الرماد ورصّه في قطع صلبة وطمره صحياً في مكبات تحترم الشروط البيئية.
وإلحاق المحرقة بمعمل لتسميد المكونات العضوية بعد فصلها قد يحسن الوضع. وعندئذ تزداد قدرة المعمل على استقبال كميات اضافية من النفايات. لكن هذا يعني أيضاً المزيد من التجهيزات التقنية والمزيد من الانبعاثات الملوثة في الهواء.
د. ناجي قديح
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.