يعيش ثلثا سكان العالم قرب البحار والمحيطات، ومياهها ملاذ 80 في المئة من الأنواع الحية، وتعتمد عليها دول كثيرة صيداً أو تجارة أو سياحة، وهي عنصر رئيسي في التغير الحاصل في المناخ وعامل مخفف يمتص صدمات التغير الناتجة من عوامل طبيعية أو من تعديات الانسان.
وعلى رغم الدور الحاسم للبحار والمحيطات في استمرار الحياة على الأرض فان ما نعرفه عنها قد يكون أقل مما نعرف عن بعض الكواكب البعيدة. ومواردها الكثيرة، التي لم يستغل الا جزء منها، محدودة في كميتها وفي قدرتها على احتمال تأثيرات التلوث والتنمية. وقد بدأت أعراض الاجهاد والمرض تظهر عليها، ومنها التلوث واستنزاف الثروة السمكية واختفاء الشواطئ وارتفاع مستوى المياه وازدياد حرارة السطح وذوبان الجليد واشتداد العواصف.
وقد أعلنت منظمة الأمم المتحدة 1998 "السنة الدولية للمحيطات"، بما فيها البحار، لعلها تستقطب اهتمام الدول بمواردها المحدودة والتعديات التي تهددها وتحفز الأفراد والحكومات على التحرك فوراً لحمايتها واستغلالها بشكل قابل للاستمرار يبقيها صالحة لاعالة أجيال آتية.
خاص بـ"البيئة والتنمية" استناداً الى تقارير ودراسات ووثائق من الأونيسكو واللجنة العالمية المستقلة للمحيطات وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمات ومراكز أبحاث دولية
يبدو كوكب الأرض أزرق من الفضاء. ولا عجب في ذلك، فمعظم سطحه ماء. وهناك أربعة محيطات ونحو 70 بحراً تغطي 70,92 في المئة من سطح الأرض وتحوي 97,2 في المئة من مياهها. وفي كل سنة يتبخر نحو 330 ألف كيلومتر مكعب من مياه المحيطات فتدخل الغلاف الجوي في شكل بخار ماء. ومن هذه الكمية يسقط نحو 100 ألف كيلومتر مكعب على سطح الأرض في شكل أمطار وبَرَد وثلوج، ويسقط الباقي مباشرة في المحيطات.
وكمية المياه على الأرض محدودة. وكان معظمها موجوداً منذ فجر التاريخ الجيولوجي للأرض. وقد تكونت أساساً من بخار الماء في الجو، وعندما بردت الأرض، ربما قبل 3800 مليون سنة، سقط بخار الماء مطراً شكل الأنهار وملأ المنخفضات فتكونت المحيطات والبحار. وأحواض المحيطات الحالية حديثة العهد نسبياً في رأي الجيولوجيين. فقبل نحو 225 مليون سنة كانت هناك كتلة قارية كبيرة واحدة وسط محيط عظيم. وبدأت الكتلة تنفصل قبل نحو 180 مليون سنة. ولم تأخذ القارات والمحيطات حجمها وشكلها اللذين نعرفهما اليوم الا منذ نحو 20 مليون سنة، وهي مستمرة في تغيرها وانزياحها. وتتحرك الصفائح الأرضية ويتمدد قاع البحر باستمرار، مما يؤدي الى توسع المحيط الأطلسي نحو سنتيمترين ونصف سنتيمتر كل سنة فيما يتقلص المحيط الهادئ.
يعيش نحو ثلثي سكان العالم، أي 3,6 مليار نسمة، ضمن شريط ساحلي عرضه 60 كيلومتراً. ويتوقع أن يرتفع هذا العدد الى 6,4 مليارات خلال ثلاثة عقود. ومن أصل المدن الـ23 الكبرى في العالم، التي يزيد عدد سكان الواحدة منها على مليونين ونصف مليون، هناك 16 مدينة تقع على الساحل.
وتعتمد شعوب كثيرة على البحر من أجل البقاء، سواء في الصيد أو التجارة أو السياحة. ويشكل الافريز القاري (Continental Shelf) ملاذاً لأكثر من 80 في المئة من مجموع الموارد التي توفرها المحيطات. والافريز القاري مسطح ضحل تحت سطح البحر يتفاوت عرضه من منطقة الى أخرى ويشكل حدوداً لكل قارة، وهو ينتهي عادة الى منحدر شديد نحوالأعماق.
تيارات تنظم المناخ
تشكل المحيطات مع الغلاف الجوي فوقها نظاماً ضخماً مترابطاً يؤثر في المناخ العالمي ويمتص الصدمات المناخية التي تتسبب بها الطبيعة والانسان. وللمحيطات قدرة هائلة على نقل الحرارة، واعادة تدوير ما يسمى غازات الدفيئة التي لها علاقة بظاهرة الاحتباس الحراري، وامتصاص الملوثات، وصون الحياة البحرية. لكن هذه القدرة محدودة وليست لامتناهية كما يشاع. والمحيط بطيء في تفاعله. ومتى ظهرت عليه علامات اجهاد استمرت آثارها عقوداً وربما قروناً. وغالباً ما تظهر علامات الاجهاد أولاً على الشواطئ حيث يعيش معظم سكان العالم.
ومع أن للمحيطات والبحار أسماءها الخاصة، فهي تتصرف في شكل جماعي متحرك. فالتيارات السطحية تنقل المياه التي تسخنها أشعة الشمس الاستوائية، حتى تبلغ أحياناً 30 درجة مئوية، نحو المناطق البعيدة عن خط الاستواء والقطبين الشمالي والجنوبي. وعميقاً تحت السطح تيارات واسعة باردة حرارتها نحو درجتين مئويتين تتحرك ببطء شديد حول العالم. وفي هذا الجزء العميق المسمى "حزام النقل" تبلغ سرعة التيارات نحو مليمتر واحد في الثانية فتستغرق نحو 1000 سنة لاكمال دورتها. ولذلك نجد مياهاً من البحر المتوسط على عمق 2200 متر قرب برمودا وأيسلندا، في حين نعثر على مياه من البحر الأحمر في المحيط الهندي. وفي الوقت ذاته تتجه مياه من شمال الأطلسي بطيئة الى المحيطين الهادئ والهندي في رحلة قد تستغرق نحو 500 سنة. هذا التيار العميق تصعب دراسته فنياً، وما زال فهمه ملتبساً، لكن المعروف أنه يلعب دوراً رئيسياً في حفظ توازن المناخ العالمي.
وحيثما يكون الجو بارداً، كما في القطبين مثلاً، يحصل انتقال عمودي للمياه بين طبقات المحيط العميقة والمياه السطحية الأكثر دفئاً. ومياه المناطق الاستوائية بعد انتقالها الى المناطق البعيدة عن خط الاستواء تلتقي الهواء البارد. وهناك يتبخر بعضها فيشكل ضباباً وأمطاراً. ولذلك تصبح الطبقة السطحية أبرد، فتصل حرارتها الى درجتين مئويتين تحت الصفر، كما تصبح أكثر كثافة وملوحة. وتغوص هذه المياه الكثيفة الثقيلة ببطء عائدة الى خط الاستواء عبر "حزام النقل". وهذا التواصل العالمي المعقد بين المحيطات والغلاف الجوي عامل رئيسي في تسيير المناخ العالمي وتنظيمه.
ويوصف المحيط بأنه عجلة تنظيم المناخ. فهو يختزن الطاقة الحرارية أثناء وفرتها في النهار أو في الصيف ويطلقها خلال الليل أو في الشتاء. وتلعب قدرة التخزين الحراري والوقت الذي يستغرقه دوران مياه المحيط دوراً رئيسياً في تحديد المناخات الاقليمية والعالمية. ويعمل المحيط والغلاف الجوي في تفاعل مستمر على تسخين وتبريد بعضهما بعضاً مما يؤثر في درجات الحرارة ونظم الضغط وأنماط الرياح عبر الكرة الأرضية.
ويحتاج تسخين حجم معين من الماء درجة واحدة الى حرارة تزيد 3000 مرة على ما يحتاجه تسخين الحجم ذاته من الهواء. والحرارة التي تفقد عندما يبرد متر مكعب من الماء درجة واحدة ترفع حرارة 3000 متر مكعب من الهواء بالمقدار ذاته. وعندما يسخن الهواء يميل ضغطه الى الانخفاض، وعندما يبرد يرتفع ضغطه. لذلك فان انتقال الحرارة بين البحر والهواء المحيط به يعدل ارتفاع وانخفاض أحزمة الضغط، مما يؤثر في اتجاه الرياح والعواصف وقوتها.
ثروات البحار
المحيط كيان ضخم لكن موارده لا تتجدد تلقائياً. فهو شبيه بمجتمع اقتصادي عملاق يعطي قيمة مضافة يمكن احتسابها. فاذا كنا سندفع ثمن الخدمات والسلع التي يوفرها المحيط، كتنظيم الغازات في الغلاف الجوي، وتدوير المغذيات، والضبط البيولوجي، وانتاج الغذاء والمواد الأولية، والترفيه، فان الفاتورة ستكون في حدود 21 ألف مليار دولار في السنة، منها أكثر من 12,500 مليار من الأنظمة الايكولوجية الساحلية.
ويعيش ما يقدر بنحو 80 في المئة من الأنواع الحية في المحيطات، وكثير منها لم يكتشف بعد. وتؤوي المحيطات والبحار العميقة نحو 10 ملايين نوع من الكائنات الحية التي لا نعرف شيئاً عنها. وتقدر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن نحو 12,5 مليون صياد يعملون على أكثر من ثلاثة ملايين سفينة يصطادون حوالى 90 مليون طن من الأسماك سنوياً. وتوفر صناعة صيد الأسماك مصدر رزق مباشر أو غير مباشر لنحو 200 مليون شخص. وبالنسبة الى سكان الجزر الصغيرة والمناطق الساحلية في البلدان النامية يشكل الغذاء البحري المصدر الرئيسي للبروتين الحيواني. لكن هذا المورد الذي كان وافراً في ما مضى استغل حتى درجة الاستنزاف. فان 70 في المئة من الموارد السمكية استغلت بالكامل أو بولغ في اصطيادها أو هي في طريق العودة الى وضعها السابق بعد الحماية. وكل سنة يرمي الصيادون في البحر حوالى 27 مليون طن من الأسماك النافقة لعدم صلاحيتها للاستهلاك أو لأنها أصغر من أن تسوق. وتجوب شباك سفن الصيد الكبيرة المزودة بمصانع قيعان البحار فتدمر المواطن الهشة.
وقد أدى الصيد الجائر الى انهيار مصائد الأسماك في مناطق كثيرة. فقبالة شمال شرق كندا، مثلاً، كانت أسماك القد وافرة في منطقة غراند بانكس حيث يقال ان البحارة في القرن الخامس عشر كانوا يكتفون بانزال سلة في الماء لالتقاط السمك. لكن استنزاف هذه الثروة السمكية دفع الحكومة الكندية الى حظر الصيد في المنطقة. فأصبح نحو 35 ألف صياد عاطلين عن العمل. وما زال أهالي مقاطعة نيوفاوندلاند الكندية ينتظرون عودة سمك القد. واليوم تمتد الكارثة الى أنواع أخرى، مثل سمك الكبلين الذي يشكل الغذاء الرئيسي للقد والحوت الأحدب. فبيوض هذا السمك صنف مترف من أطباق "السوشي"، الغنية بالبيوض ولحم السمك النيء، وهذا يعني أن الصيادين يأخذون الاناث البياضة ويلقون الذكور التي يصطادونها في البحر.
وتحتضن شواطئ البحار والمحيطات في المناطق الاستوائية مساحات كبيرة من الشعاب المرجانية وغابات القرم (المنغروف). والشعاب المرجانية هي أغنى الموائل البحرية تنوعاً بيولوجياً، ويعيش فيها ربع الثروة السمكية العالمية. ولكن جاء في تقرير للاتحاد العالمي لصون الطبيعة أن 10 في المئة من الشعاب المرجانية في العالم تعاني تدهوراً جعل اعادتها الى وضعها السابق أمراً مستحيلاً. ويتوقع أن يطال التدهور نسبة 30 في المئة أخرى خلال العقد الأول من القرن المقبل. والشعاب التي عانت أكبر الأضرار هي في جنوب وجنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا والبحر الكاريبي. ويستطيع المرجان مقاومة الأعاصير والعواصف، وقد أظهرت حرب الخليج أن الشعاب المرجانية بامكانها مقاومة التلوث النفطي. لكن تدفق المياه الحلوة أو ازدياد الملوحة أو ارتفاع درجات الحرارة بين درجتين وأربع درجات مئوية فقط من شأنه، كل على حدة، أن يصيبها بأذى فوري قد يكون مميتاً. وتؤدي مشاريع التنمية العشوائية والملوثات وصيد الأسماك بالمتفجرات وارتفاع الحرارة في العالم الى تدمير "غابات المطر البحرية" هذه بمعدل خمسة الى عشرة في المئة كل سنة.
وغابات القرم هي أيضاً أنظمة مرنة وفريدة توفر ملاذات لتكاثر الأسماك وتحمي الشواطئ من الانجراف والعواصف وتنقي بعض المواد الكيميائية السامة. والقرم من الأشجار القليلة التي تتحمل الملوحة، لذلك شاع حديثاً استخدامه في استصلاح الأراضي الساحلية الرطبة، خصوصاً في الخليج العربي. لكن غابات القرم سريعة التأثر بالملوثات النفطية والاختلال في عذوبة المياه. وفي بعض البلدان اجتثت غابات القرم على نحو مأسوي لتحويلها الى برك لتربية الأسماك. لكن هذه البرك عجزت عن توفير الوظائف الايكولوجية الحيوية التي تتمتع بها بيئة أشجار القرم، فأصبحت عرضة للملوثات السامة. ويقدر ما يستغل ويدمر من غابات القرم في العالم بنحو مليون هكتار في السنة.
حيث لا تصل الشمس
يختلف العلماء في تقدير عدد الأنواع الحية التي تعيش في المحيطات. وكان يعتقد أن الأنواع البحرية تقل عن الأنواع البرية، لكثرة أعداد الحشرات. واعتبرت قيعان المحيطات خالية من الحياة. لكن الدراسات أظهرت أن مواطن قاع البحر قد تحوي أنواعاً تزيد على تلك التي حدد عددها على اليابسة بنحو عشرة ملايين.
وكان يفترض أن كل أنواع الحياة تحتاج الى ضوء الشمس. لكن هذه الفرضية دحضت في أواخر السبعينات مع اكتشاف مواطن حية فريدة في قاع البحر مجتمعة حول فتحات هيدرو حرارية. وفي 1993 اكتشف غواصون في قاع جبلي شمال شرق المحيط الهادئ، على عمق يتعدى 3500 متر، موطناً من الديدان الأنبوبية العملاقة والمحار والبكتيريا التي تعيش في فتحات بركانية من دون حاجة الى أوكسيجين أو ضوء، وتحت ضغط كبير، وفي درجات حرارة تزيد على 200 درجة مئوية، وفي بيئة ترتفع فيها نسبة السموم ومنها كبريتيد الهيدروجين. واكتشفت مواطن مماثلة في فتحات عميقة قبالة ساحل اليابان. وأشكال الحياة المستجدة هذه لا تعتمد على التركيب الضوئي كسائر الكائنات، وتنمو على الماء المشبع بالدخان السام الشديد الحرارة. ووجد العلماء أن هذه البكتيريا تعيش متضامنة مع كائنات أكبر منها تحول كبريتيد الهيدروجين الى مغذيات. ومن المحتمل استعمال هذه البكتيريا مستقبلاً في معالجة النفايات وآبار النفط وصنع الورق وفي التعدين وصناعة الأدوية. وتمول اليابان أبحاثاً حول استعمالات صناعية مستقبلية لأشكال الحياة الجديدة هذه. ولا تزال التكنولوجيا الحيوية في مراحلها الأولى، لكن العلماء اليابانيين الذين سبقوا غيرهم في هذا المضمار عملوا على عزل 3000 مادة طبية فعالة من حيوانات ونباتات بحرية. فانتاج عقار ناجح، خصوصاً اذا لم يكن له منافس أو كان مقاوماً للسرطان، يمكن أن تتجاوز مبيعاته العالمية المليار دولار في السنة. وهناك عقار من هذا القبيل يستعمل لعلاج مرض القوباء (herpes) وهو يحافظ حالياً على مبيعات سنوية قيمتها بين 50 و100 مليون دولار.
في العام 1996 أظهر تحليل الحمض النووي (DNA) في أحد الكائنات التي تعيش على الحرارة المرتفعة في قاع البحر أن أكثر من نصف جيناتها غريبة عن الجينات التي كانت معروفة من قبل. لذلك رأى العلماء وجوب تصنيفها في مملكة خاصة الى جانب المملكتين اللتين صنفت فيهما الكائنات الحية، واحداهما تضم أنواع البكتيريا والأخرى كل الحياة على الأرض. وقد سميت هذه المملكة الثالثة "آركيا" (Archea) أو الكائنات البدائية. اذ يعتقد أن هذه الأنواع أو أسلافها كانت أولى أشكال الحياة على الأرض.
تحوي المحيطات والبحار احتياطات كبيرة جداً من مصادر الطاقة، وأهمها الوقود الأحفوري كالنفط والغاز. ووفق تقديرات 1992 تبلغ احتياطات النفط البحرية 36,5 مليار طن واحتياطات الغاز 21,4 ألف مليار طن. وتستغل هذه الموارد في أجزاء كثيرة من العالم. وتشمل مصادر الطاقة المحتملة الأخرى الطاقة الميكانيكية المستمدة من الأمواج وحركة المد والجزر والتيارات المائية والطاقة الحرارية الناتجة من الفارق الحراري بين السطح والأعماق.
وتنتشر في قيعان البحار العميقة في كثير من المناطق عقد معدنية معظمها مكون من المنغنيز، لكنها تحتوي أيضاً على النحاس والنيكل والكوبالت. وفي الامكان نظرياً استعمال خطوط أنابيب لسحب هذه العقد الى السفن. وهناك أيضاً معادن مهمة مثل الفوسفوريت والذهب والرصاص والفضة. وفي الأفاريز القارية موارد معدنية مهمة منها الرمال والحصى الضرورية للبناء والترسبات الصخرية الصلبة المحتوية على الفحم والفوسفات والكربون والبوتاس والحجار الكلسية. ومن الموارد المعدنية الأخرى في مياه البحر المغنيزيوم ومركباته والملح و»الماء الثقيل« والبرومين.
ملوثات وسموم
تشكل التسربات النفطية والنفايات الكيميائية التي ينتهي بها المطاف في المحيطات أهم مصادر التلوث البحري. ولكن حركة السفن لا تساهم الا بنحو 10 في المئة من مجمل التلوث الذي يصيب المحيطات. ويعود بعض الفضل في ذلك الى الاتفاقيات الدولية التي تنظم النقل البحري.
ويأتي معظم التلوث البحري، أي ما يراوح بين 70 و75 في المئة، من مصادر على اليابسة. فمن أصل كل التلوث النفطي في المحيطات يأتي نحو 60 في المئة من أنشطة مثل القاء زيوت المحركات المستعملة في أنظمة التصريف التي تصب في المياه الساحلية. ولا يأتي من الملاحة الا نحو 25 في المئة.
لكن هناك مشكلة تلوث خطيرة يسببها القاء مياه حفظ التوازن من السفن. وتحتوي هذه المياه عادة على أنواع من البكتيريا والفيروسات والكائنات الأخرى الدخيلة. وعندما تتخلص السفن من هذه المياه تنقل هذه الكائنات الى منطقة غريبة لم تعتد العيش فيها. ويقول ايان مكفيل رئيس مصلحة المتنزهات البحرية في جرف غريت باريير الاسترالي "ان ذلك يشكل مشكلة كبيرة لاستراليا، خصوصاً المياه التي تأتي من مناطق معتدلة المناخ الى مناطق معتدلة أخرى". اما الكائنات التي اعتادت العيش في مياه باردة فلا تستطيع البقاء في مناطق استوائية والعكس صحيح أيضاً. وعلى سبيل المثال، يتم تفريغ 80 مليون طن من مياه حفظ التوازن سنوياً في مياه الولايات المتحدة. وقد عثر في خليج سان فرنسيسكو على 212 نوعاً دخيلاً. ويقدر أن نوعاً جديداً يدخل المنطقة كل 12 أسبوعاً. ومن هذه الأنواع السرطان الأخضر الأوروبي الذي يلتصق بالمحار، وقد أدخل أولاً الى الساحل الشرقي في القرن التاسع عشر وها قد انتقل الآن الى الساحل الغربي في مياه حفظ التوازن.
ويستعمل كل يوم حول العالم نحو 100 ألف مادة كيميائية من صنع الانسان، ينتهي أكثر من 80 في المئة منها في المحيطات. ونسبة 70 في المئة من النفايات التي تصب في المحيط الهادئ لا تلقى أية معالجة. وتصل كميات كبيرة من المبيدات الزراعية والملوثات الصناعية الى مجاري المياه التي تصب في البحر الكاريبي مما يؤدي الى تلوث المياه بالفوسفور والنيترات والسموم الكيميائية.
ولدى نصف بلدان غرب آسيا اقتصادات مبنية على النفط، مما وفر لها موارد لتطوير مشاريع زراعية ضخمة أدت الى تلوث السلسلة الغذائية والأنهار والمناطق الساحلية بالأسمدة والمبيدات. ويتسرب كل سنة نحو 1,2 مليون برميل من النفط الى الخليج العربي. وتحمل أنظمة الأنهار آلاف المواد الكيميائية الى البحر. ويؤدي تصريف المياه المبتذلة الى تكاثر المغذيات في المياه الساحلية مما يعجل نمو الطحالب وانحلالها فيقل الأوكسيجين في المياه وتموت الأسماك والكائنات البحرية الأخرى. وتتسرب بقايا المبيدات والأسمدة الزراعية الى الجداول والأنهار التي تنقلها الى المحيطات. وتنقل التيارات والرياح هذه الملوثات بعيداً آلاف الكيلومترات. وقد بلغت الملوثات العضوية الدائمة (POPs) المحيط المتجمد الشمالي. وهي تؤثر في قدرة الكائنات المفترسة على التكاثر ومقاومة الأمراض. وقد عثر على بعض هذه المواد الكيميائية بكميات تزيد على المستويات الاعتيادية في أجسام شعوب الاسكيمو الذين يتناولون وجبات غنية بدهن الثدييات البحرية الذي تتجمع فيه الملوثات العضوية الدائمة.
وتعمل المحيطات ونظمها الايكولوجية كمصنع هائل يمتص الغازات من الجو ويعيد تدويرها بطرق تساعد في استمرار الحياة. فثاني اوكسيد الكربون، وهو أهم الغازات التي تؤثر في ظاهرة الاحتباس الحراري، تنتجه النباتات والحيوانات بصورة طبيعية. وقد تأكد أن الصناعات تزيد من انتاج ثاني اوكسيد الكربون الى حد يفوق المستويات الطبيعية مما يزيد سخونة الجو. وهذا بدوره يؤدي الى سخونة البحار وابطاء عملية الانتقال الحراري. وتستوعب المحيطات حالياً ما بين 20 و40 في المئة من ثاني اوكسيد الكربون الذي يطلقه الانسان في الجو كل سنة. ومعظم هذه الكمية تمتصها العوالق. لكن الاحتباس الحراري أثر أيضاً في العوالق، ومنذ 1951 سجل انخفاض في أعدادها بنسبة 80 في المئة على شاطئ المحيط الهادئ قبالة ولاية كاليفورنيا.
الكوارث البحرية
البحر منذ قديم الزمان مسرح لكوارث طبيعية يتعذر تجنبها وان أمكن توقعها قبل وقت كاف. والحيطة تقلل من الخسائر والأضرار التي تلحق بالسكان والمحاصيل والممتلكات. ومن هذه الكوارث ما هو ناتج عن ظواهر مثل الأعاصير الاستوائية التي تشكل أمواجاً عاتية تدمر المناطق الساحلية الهشة، كما يحصل في خليج البنغال، وهو امتداد من المحيط الهندي بين الهند وسري لانكا. وهناك ظواهر جيوفيزيائية كأمواج "تسونامي" العملاقة التي تسببها زلازل أو براكين تحت سطح الماء أو انهيارات أرضية على الشواطئ. وهذه الأمواج تعلو عادة عن سطح الماء نحو عشرة سنتيمترات فقط في عرض المحيط، لكن سرعتها التي تزيد على 800 كيلومتر في الساعة تمكنها من اجتياز المحيط بكامله في ساعات. وهي تمر تحت السفينة من دون أن يشعر بها أحد، ويمكن مشاهدتها من الجو. ولكن عندما تبلغ مياهاً ساحلية ضحلة تتباطأ سرعتها وتعلو، فتكون جداراً من الماء قد يصل ارتفاعه الى 30 متراً أو أكثر يغمر المنطقة الساحلية ويغرق سكانها ويدمر منشآتها. وتتضاعف قوة الموجة العملاقة عندما تمر في مكان ضيق كخليج أو مرفأ. وحتى موجة يراوح ارتفاعها بين ثلاثة وستة أمتار يمكن أن تحدث دماراً كبيراً وخسائر في الأرواح. فبين عامي 1992 و1996 قتلت هذه الأمواج أكثر من 2000 شخص في نيكاراغوا واندونيسيا واليابان والفيليبين والبيرو. وقدر الضرر الذي لحق بالممتلكات بنحو مليار دولار. ومؤخراً ضرب زلزال قوته سبع درجات على مقياس ريختر قاع البحر قبالة شواطئ بابوا نيوغينيا، وأثار سلسلة من الأمواج العالية التي راوح ارتفاعها بين سبعة أمتار وعشرة. وقد اجتاحت هذه الأمواج الشاطئ وغمرت نحو 30 كيلومتراً منه ودمرت سبع قرى مأهولة تدميراً كاملاً. وفاق عدد الضحايا خمسة آلاف شخص.
ويعاني نحو 46 مليون شخص، معظمهم يقطن مناطق ساحلية ومصبات أنهار استوائية، من طوفانات تسببها الأمواج العالية الناتجة عن العواصف البحرية كل سنة. ويتوقع أن يتضاعف هذا العدد اذا ارتفع مستوى البحار بسبب ذوبان الجليد الناجم عن ارتفاع حرارة الجو.
في غضون ذلك، يستمر تدفق الناس على المدن الساحلية الكبرى. وفي غياب ادارة حكيمة للمناطق الساحلية، فان مشاريع التنمية التي تنشد الربح السريع على حساب الطبيعة ستستنزف الدفاعات الطبيعية للبحار والمحيطات.
كادر
قانون البحار: حقوق الدول البحرية والتزاماتها
أقرت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1993 وسرى مفعولها في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1994. وهي تضم 320 مادة وتسعة ملاحق تغطي مختلف الجوانب المتعلقة بالمحيطات، مثل تعيين الحدود والمراقبة البيئية والأبحاث العلمية البحرية والنشاطات الاقتصادية والتجارية ونقل التكنولوجيا وحسم النزاعات.
وهنا بعض الجوانب الرئيسية في الاتفاقية:
- تتمتع الدول الساحلية بسيادة على مياهها الاقليمية التي لها الحق في تعيين حدودها لمسافة لا تزيد على 12 ميلاً بحرياً (22,2 كيلومتراً). ويسمح للسفن الأجنبية بـ"مرور بريء" عبر هذه المياه.
- يسمح للسفن والطائرات من جميع البلدان بـ"مرور ترانزيت" عبر المضايق المستعملة للملاحة الدولية. ويمكن للدول المتاخمة للمضايق تنظيم المسائل الملاحية ونواحي المرور الأخرى.
- الدول الأرخبيلية المكونة من مجموعة أو مجموعات من الجزر المترابطة والمياه المتداخلة لها السيادة على مساحة بحرية ضمن خطوط مستقيمة ترسم بين أبعد النقاط في الجزر. ولجميع الدول الأخرى الحق في المرور الأرخبيلي عبر هذه الخطوط البحرية المحددة.
- للدول الساحلية حقوق سيادة في »منطقة اقتصادية حصرية« تبعد عن الشاطئ 200 ميل بحري (370 كيلومتراً)، وذلك في ما يتعلق بالموارد الطبيعية ونشاطات اقتصادية معينة، ولها الحق في فرض سلطتها التشريعية على الأبحاث العلمية البحرية والحماية البيئية.
- جميع الدول الأخرى لها حرية الابحار والطيران في المناطق الاقتصادية الحصرية، وكذلك حرية مد كابلات وخطوط أنابيب تحت سطح البحر.
- الدول المغلقة باليابسة والتي لا تتمتع بميزات جغرافية لها حق المشاركة العادلة في استغلال جزء مناسب من فائض الموارد المعيشية في المناطق الاقتصادية الحصرية التابعة لدول ساحلية واقعة في المنطقة ذاتها. وتولى أنواع الأسماك والثدييات البحرية الدائمة الهجرة حماية خاصة.
- للدول الساحلية حقوق سيادة على الافريز القاري (Continental Shelf)، أي على المساحة التابعة للدولة في قاع البحر، من أجل استكشافه واستغلاله. ويمكن أن يمتد الافريز مسافة 200 ميل بحري على الأقل من الشاطئ أو أكثر من ذلك في ظروف خاصة.
- تشارك الدول الساحلية المجتمع الدولي جزءاً من الدخل الناتج من استغلال الموارد في أي جزء من افريزها القاري يتعدى مسافة 200 ميل بحري.
- تقدم لجنة حدود الافريز القاري توصيات الى الدول الواقعة على الحدود الخارجية للافريز في حال تجاوزت مسافة 200 ميل بحري.
- تتمتع جميع الدول بحرياتها التقليدية في الملاحة والطيران والأبحاث العلمية وصيد الأسماك في عرض البحار. وهي ملزمة باعتماد اجراءات لادارة وصون الموارد المعيشية أو التعاون مع دول أخرى لاعتماد هذه الاجراءات.
- تعين حدود المياه الاقليمية والمنطقة الاقتصادية الحصرية والافريز القاري للجزر وفق القواعد المطبقة على الأراضي البرية، لكن الصخور التي لا تستطيع اعالة مستوطنة بشرية أو حياة اقتصادية لا تكون لها منطقة اقتصادية أو افريز قاري.
- الدول المتاخمة لبحار مغلقة أو شبه مغلقة يتوقع أن تتعاون في ادارة الموارد المعيشية والسياسات والنشاطات المتعلقة بالبيئة والأبحاث.
- الدول التي تحيط بها اليابسة لها حق العبور الى البحر ومنه ولها حرية المرور »الترانزيت« عبر أراضي دول المرور.
- تلتزم الدول بمنع التلوث البحري ومكافحته، وهي مسؤولة عن الضرر الناجم عن مخالفة الالتزامات الدولية.
- تخضع جميع الأبحاث العلمية البحرية في المنطقة الاقتصادية الحصرية وفي الافريز القاري لموافقة الدولة الساحلية، التي يجب أن تمنح هذه الموافقة لدول أخرى في معظم الحالات متى كانت الأبحاث ستجرى لأغراض سلمية وتستوفي معايير محددة.
- تلتزم الدول بتشجيع التنمية ونقل التكنولوجيا البحرية »بناء على أحكام وشروط عادلة ومعقولة« مع الاعتبار المناسب لجميع المصالح المشروعة.
- تلتزم الدول الأطراف بأن تحسم بوسائل سلمية نزاعاتها المتعلقة بتفسير هذه الاتفاقية أو تطبيقها.
- يمكن احالة النزاعات الى المحكمة الدولية لقانون البحار التي تأسست بموجب الاتفاقية أو الى محكمة العدل الدولية أو الى التحكيم. والتراضي متاح أيضاً، والاذعان له يكون الزامياً في بعض الحالات. وللمحكمة الدولية لقانون البحار السلطة الحصرية على النزاعات المتعلقة بالتنقيب والتعدين في قاع البحر.
كادر
حقائق وأرقام عن المحيطات والبحار
٭ تغطي المحيطات، ومعها البحار، مساحة 361,745,000 كيلومتر مربع، أي 70,92 في المئة من سطح الأرض.
٭ مساحة المحيط الهادئ وحده أكبر بنسبة 25 في المئة من مساحة مجموع الكتل البرية.
٭ يبلغ الحجم الاجمالي للمحيطات حوالى 1,2 ألف مليون كيلومتر مكعب.
٭ متوسط عمق المحيطات 3729 متراً، وأعمق نقطة فيها 11,022 متراً في خندق ماريانا.
٭ في أعمق نقطة من المحيطات يبلغ الضغط أكثر من 1,2 طن على السنتيمتر المربع، أي ما يعادل شخصاً واحداً يحاول حمل 50 طائرة جمبو.
٭ متوسط الحرارة في المحيطات 3,5 درجات مئوية، وهي تراوح بين أقل من صفر تحت الصفائح الجليدية في المحيط المتجمد الجنوبي و37 درجة مئوية في الخليج العربي.
٭ 90 في المئة من النشاط البركاني يحدث في المحيطات. وفي 1993 حدد العلماء أكبر تركيز معروف للبراكين النشطة في قاع البحر في جنوب المحيط الهادئ، في منطقة مساحتها حوالى 130 ألف كيلومتر مربع وتضم 1133 قمة بركانية وجبل بحري.
٭ يعتبر جبل افرست الذي يرتفع 8847 متراً أعلى جبال العالم، لكن بركان مونا كيا النشط في جزيرة هاواي أعلى منه فعلاً. وهو يعلو عن سطح البحر 4205 أمتار لكن ارتفاعه من قاع المحيط 10200 متر.
٭ أطول سلسلة جبال في العالم هي السلسلة الوسط ـ محيطية (Mid-Ocean Ridge) التي تطوق الكرة الأرضية من المحيط المتجمد الشمالي الى المحيط الأطلسي، مارة بالمحيط الهندي وعابرة المحيط الهادئ. وهي أطول أربع مرات من جبال الأنديز والروكي وحملايا مجتمعة.
٭ أضخم موجة زلزالية (تسونامي) مسجلة بلغ ارتفاعها 63 متراً عند وصولها الى شبه جزيرة كمشاتكا السيبيرية عام 1937.
كادر
مضايق استراتيجية
باب المندب: "بوابة" بين البحر الأحمر وخليج عدن. تكمن أهميته الاستراتيجية في كونه معبراً الى البحر الأحمر ومن ثم الى قناة السويس. وهو يقع ضمن المياه الاقليمية لليمن وأريتريا وجيبوتي.
مضيق هرمز: يربط الخليج العربي بخليج عمان وبحر العرب. له أهمية استراتيجية كبرى لأن ثلثي كمية النفط العالمية المنقولة بحراً تمر فيه.
مضيق الدردنيل: يقع في تركيا، ويفصل شبه جزيرة غاليبولي عن آسيا الصغرى، ويربط بحر ايجه ببحر مرمرة. له أهمية اقتصادية كبرى لتركيا وروسيا ودول البحر الأسود.
مضيق ملقه: يقع بين ماليزيا واندونيسيا. كانت له أهمية اقتصادية واستراتيجية كبرى لقرون عدة، وخضع في حقبات مختلفة لسيطرة الهنود والعرب والبرتغاليين والهولنديين والبريطانيين. ويشكل اليوم الطريق الرئيسية للبواخر المبحرة من الخليج العربي الى اليابان.
مضيق دوفر: يربط القناة الانكليزية ببحر الشمال. وهو الأكثر حركة بين المضايق المستعملة في الملاحة الدولية.
مضيق جبل طارق: يفصل افريقيا عن أوروبا. وهو المدخل البحري الطبيعي الوحيد الى البحر المتوسط.