يختفي نوع من الفراش عن وجه الأرض، فلا يحرك ساكناً الا بعض محبي الطبيعة. آلاف الأنواع الحيّة تنقرض كل سنة. لقد أقفرت نظم ايكولوجية لا تحصى، والغابات الاستوائية مهددة بالفناء، وانتاج الغذاء في العالم بات يعتمد على عدد قليل من السلالات النباتية والحيوانية. ان هذه المشاكل تقضّ مضجع العلماء والبيئيين اليوم. فالانخفاض في التنوع البيولوجي يعني خطراً محدقاً يهدد الحياة على الأرض، وان تكن أبعاده لم تعرف بعد.
إعداد: "البيئة والتنمية"
مراجعة: الدكتور جورج طعمه
لا أحد يعلم تماماً كم يحوي العالم من أنواع النباتات والحيوانات والكائنات المختلفة. فالتقديرات متباعدة وتراوح بين 10 ملايين و100 مليون. وما من أحد يعرف أيضاً عدد الأنواع التي تختفي سنوياً عن الأرض الى غير رجعة. وتتباين آراء العلماء كثيراً في هذا الموضوع اذ تراوح التقديرات بين 10 آلاف ومليون في السنة. ومعظم هذه الأنواع كان اختفى فعلاً قبل أن تعرف البشرية بوجوده، وما تبقى الآن لا يمثل الاّ واحداً في المئة من الأصل. ولا تتناول الدراسات والأوصاف الا نحو 1,7 مليون نوع، مما يجعل من المستحيل معرفة الأضرار الحقيقية. وقد أكد مؤتمر "قمة الأرض" الذي عقد في ريو دي جانيرو عام 1992 أن "الانخفاض الفعلي في التنوع البيولوجي يمثل من دون شك تهديداً خطيراً للتنمية البشرية".
ان الانخفاض في عدد الحيوانات الثديية الكبيرة معروف عالمياً، وتتخذ اجراءات لحمايتها في بلدان كثيرة. ولكن لا أحد يملك معلومات أكيدة عن أعداد الحشرات مثلاً وأماكن وجودها. أما النظم الايكولوجية فيقتصر عمل المهتمين بها على تسجيل أنواع خاصة بكل منطقة. ولا يعرف الا القليل جداً عن الترابط داخل النظام الايكولوجي الواحد وعن الآثار التي يتعرض لها أحد النظم اذا تلاشى نظام آخر. وتتصف معظم النظم الايكولوجية بتوازن هش. وتعرضها لتغيرات حادة قد يؤثر في مناطق أخرى من العالم. ومثال على ذلك جفاف بحر آرال في آسيا الوسطى نتيجة تضاؤل إمدادات المياه بسبب ري حقول القطن في جمهوريات آسيا الوسطى. فتحولت مساحات مائية شاسعة الى حقول من الملح. وحملت الرياح الملح وبلغت به قرقيزستان التي تبعد 2000 كيلومتر، فأثر ذلك في التربة والمحاصيل والحياة النباتية والحيوانية، ويتخوف العلماء من ان يؤثر في مناخ المنطقة بأسرها.
ان نضوب بحر آرال كان من فعل الانسان. وهذا يصح على معظم النظم الايكولوجية. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك. فالرعي الجائر في حقول غرب آسيا تسبب في تدهور الثروة النباتية والتصحر. وأدى النجاح في مكافحة ذبابة التسي تسي،التي تسبب مرض النعاس القاتل، الى فتح مناطق واسعة في أفريقيا أمام تربية المواشي ورعي السهول وتحويل الغابات الى مراع ومزارع. وفي بلدان استوائية عدة أدى الارتفاع المفرط في عدد السكان الى اجتثاث الغابات المطيرة من أجل تأمين مزيد من الأراضي الزراعية. وتعاني الشعاب المرجانية الحساسة من تزايد سخونة مياه المحيطات والبحار وتلوثها وأساليب الصيد الجائرة. وفي المدى البعيد ستطال تأثيرات نقص التنوع البيولوجي الجنس البشري كله.
أحياء حول العالم
تشكل مجموعات الأنواع الحية، في ما بينها وضمن الأماكن التي تعيش فيها، نظماً ايكولوجية محكمة الترابط، حيث وجود أحد الأنواع يؤثر مباشرة في كثير من الأنواع الأخرى. فروث حيوان ما يوفر غذاء لنوع آخر وسماداً للتربة. وتنقل الطيور وحيوانات أخرى بذور النباتات فتساعد في نموها في أماكن جديدة. والحشرات، كالنحل والفراش، تحصل على طعامها من الزهور فتلقحها وتمكن النباتات من التكاثر.
كذلك ترتبط حياة البشر بحياة أنواع أخرى. فالطعام الذي نتناوله والثياب التي نلبسها ومواد البناء والأدوية التي نستخدمها هي من نتاج الطبيعة. لكن دورالانسان لا يقصر على الاستهلاك. فبفضل جهود المزارعين والمستكشفين والعلماء نشأت أنواع جديدة مهجّنة ونقلت الى أماكن لم تعش فيها أصلاً.
وليس توزيع النباتات والحيوانات حول العالم متناسقاً. فغابات المطر الاستوائية، مثلاً، تحوي نحو نصف أنواع الحيوانات والنباتات الموجودة في العالم ونحو ثلث الطيور ونسبة كبيرة من الحشرات والكائنات الدقيقة. ومن أسباب ذلك أن هذه الغابات الاستوائية لا تشهد تغيرات كبيرة في هطول الأمطار ودرجات الحرارة على مدار السنة. وفي المقابل، نجد أن القارة القطبية الجنوبية تؤوي أنواعاً برية قليلة، وإن تكن مياهها توفر الغذاء للعوالق القشرية البحرية التي تشكل غذاء للحيتان والفقم والأسماك والحبّار والبطاريق.
وفي المناطق الساحلية تشكل الشعاب المرجانية ومستنقعات أشجار المنغروف (القرم) ومصبات الأنهار مستوطنات لكثيرمن النباتات والحيوانات البحرية. ففي هذه الأنظمة الايكولوجية يعيش ويتغذى ويتكاثر نحو ثلثي مجموع الأسماك التي يصطادها الانسان. وتؤوي المياه العذبة أيضاً مجموعة كبيرة من الأنواع، وفيها تعيش أسماك مختلفة في محيط مائي واحد. ففي بحيرة فيكتوريا الافريقية، مثلاً، طوّر أكثر من 170 نوعاً من الأسماك أنماط تغذية مختلفة عن أنماطها الأصلية سمحت لها بالعيش معاً. فلبعضها أسنان قوية حادة تمكنه من أكل الرخويات، وللبعض الآخر قواطع كالازميل يجتث بها الطحالب، فيما تلتقط أنواع اخرى البيض وصغار الأسماك بأسنانها الصغيرة وفكيها العريضين. ويؤوي نهر الأمازون في أميركا الجنوبية نحو 3000 صنف من الأسماك المتنوعة، أي أكثر 15 ضعفاً مما تحويه كل المياه العذبة في اوروبا. وما زال هذا النهر العظيم يحتضن كثيراً من الأنواع غير المكتشفة.
جذور في البرية
قبل ملايين السنين كانت القارات متصلة في كتلة عظيمة واحدة. ثم أخذت تتباعد تدريجاً على مر العصور، آخذة معها الأشكال الأولى للنباتات والحيوانات التي نعرفها اليوم. وتطورت أنواع مختلفة في أماكن مختلفة: الدب القطبي في المنطقة القطبية الشمالية، والبطريق في المنطقة القطبية الجنوبية، والسنجاب الرمادي في أميركا الشمالية، والسنجاب الأحمر في أوروبا والمها والريم في آسيا. وكل جزيرة انفصلت عن البر طورت نظاماً ايكولوجياً خاصاً بها. فجزيرة مدغشقر، مثلاً، تضم نحو 6000 نوع من النباتات التي لا وجود لها في مكان آخر. ونصف الطيور الموجودة في بابوا غينيا الجديدة فريد من نوعه. ولا ننسَ أن كثيراً من المناطق التي نعتبرها برية فطرية، كغابات المطر، هي مأهولة فعلاً بالناس. والحقيقة أن 95 في المئة من اليابسة، بما في ذلك الصحارى الجرداء والمستنقعات النائية، استغلها الانسان وقطنها.
كان للبشر تأثير هام على توزيع الأنواع الحية. فقد زرع الرومان كروم العنب في أنحاء امبراطوريتهم. وفي القرن السادس عشر عاد المستكشفون الاوروبيون الى بلدانهم حاملين البندورة (الطماطم) من أميركا والبطاطا من جنوب افريقيا. وفي الآونة الأخيرة بدأ مزارعو نيوزيلندا وكاليفورنيا وايطاليا زراعة الكيوي الصيني، ونمت زراعة الأفوكادو والقشطة الاستوائيتين في لبنان.
واختبر المزارعون عبر التاريخ كيف يزرعون أنواعاً مختلفة من المحاصيل، في دورات متعاقبة وأخلاط متنوعة، وكيف يهجّنون أصنافاً مختلفة لتطوير سلالات جديدة. ففي أحد البساتين قد ترى العشرات من أشجار التفاح التقليدية المختلفة وقد هجن بعضها ليعطي ثماراً كبيرة أو ثماراً صغيرة، وبعضها لينتج ثماراً حلوة أو حامضة، وبعضها ليحمل ثماراً تنضج باكراً أو في وقت متأخر.
لا غنى للانسان، أينما عاش، عن الموارد الطبيعية. ففي البلدان النامية يعتمد مئات الملايين مباشرة على نتاج ما يزرعون. وفي آسيا وأميركا الجنوبية يستغل السكان كل جزء من شجرة النخيل: فهم يأكلون ثمارها، ويستخرجون منها الزيوت لأغراض الطبخ والاضاءة واعداد الأدوية، ويستخدمون جذوعها وأوراقها لبناء البيوت وصنع الحصائر وكوقود. ويعتمد أكثر من نصف سكان العالم على الحطب الذي يجمع معظمه من البراري لأغراض التدفئة والاضاءة والطبخ. اما سكان العالم الصناعي المتقدم فقلّما يعون مدى اعتمادهم على الموارد الطبيعية. ويفوتهم أحياناً أن ما يستهلكون من بيتزا وأسبيرين وقمصان قطنية له جذور ضاربة في البرية.
سلالات متفوقة
يعتقد العلماء أن 80 ألف نوع من نباتات العالم صالحة للأكل، منها 30 نوعاً فقط تمدنا بنحو 90 في المئة من حاجاتنا الغذائية. لقد أمدتنا الطبيعة بثروة من النباتات والحيوانات التي تؤكل، ولكن بدلاً من استغلالها يفضل المزارعون العصريون زرع حقولهم بسلالة وحيدة "متفوقة" عالية الانتاجية والربح.
في السبعينات ضرب مرض فيروسي حقول الأرزّ في آسيا مما عرض ملايين الناس للجوع. واكتشف العلماء في ما بعد ان تهجين نوع من الأرزّ البري (Oriza nivara) يمكن المزارعين من الحصول على سلالة مقاومة للمرض. ان هناك أنواعاً برية كثيرة كهذه تنبت في البراري وفي حقول المزارعين الصغار، وكثير منها نادر وآخذ في الانقراض. ومع فقدان المزيد منها ستصعب حماية المحاصيل من الآفات والأمراض.
ونحن نحصل من الطبيعة على كثير من الأدوية التي نستخدمها. فالكوديين والكينين، مثلاً، استخرجا أصلاً من نباتات برية، ويعتمد أكثر من 40 في المئة من الأدوية التي توصف في أنحاء العالم على موارد طبيعية. وقبل سنوات اكتشف العلماء أن مواد كيميائية تحويها نبتة الونكة الزهرية في مدغشقر تزيد فرص الحياة للأطفال المصابين بمرض ابيضاض الدم (اللوكيميا) من 20 الى 80 في المئة. وتبين ان لحاء شجر الطقسوس، وهو من الفصيلة الصنوبرية ينبت في بلدان المحيط الهادئ، يحتوي على مادة مقاومة للسرطان. ويساعد البحر أيضاً في شفاء كثير من الأمراض. وهناك نحو 500 نوع من الأحياء البحرية المعروفة تنتج مواد كيميائية قد تساهم في علاج السرطان.
وثمة أمثلة متعددة على الفوائد الاقتصادية المباشرة للاستخدام الحكيم للتنوع البيولوجي. ففي آسيا، مثلاً، ارتفع مردود القمح في أواسط السبعينات بمقدار ملياري دولار سنوياً ومردود الأرز بمقدار 1,5 مليار دولار سنوياً نتيجة تهجين المحصولين بسلالات قزمة وافرة الحمل. وأدت نبتة قمح »غيرنافعة« من تركيا الى انتاج أنواع من القمح التجاري المقاوم أنقذت ما قيمته 50 مليون دولار سنوياً في الولايات المتحدة وحدها. وهناك سلالة برية قديمة من الذرة في المكسيك يمكن تهجينها من أنواع حديثة، ويقدر أن توفر على مزارعي العالم نحو 4,4 ملياردولار سنوياً. والآن تحمي جينة أخذت من نبتة شعير اثيوبية محصول الشعير في كاليفورنيا، الذي تبلغ قيمته نحو 160 مليون دولار سنوياً، من الفيروس الأصفر المقاوم للنمو. ويساهم حصاد النباتات البرية بنحو 4,5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للولايات المتحدة.
ان النباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة وما تكونه من مستوطنات معقدة التركيب تلعب دوراً مهماً في حماية الأرض التي نعيش عليها. فالشعاب المرجانية، مثلاً، تحمي السواحل الاستوائية من العواصف والفيضانات، فيما تساعد الغابات في تنظيم المناخ وهطول الأمطار وتحافظ على خصوبة التربة وتحميها من الانجراف.
خراب الموائل
على رغم الجهود التي تبذل لتعزيز التنوع في الطبيعة، فان تصرفاتنا التي تمعن فيها تخريباً أصبحت الشغل الشاغل في عالمنا اليوم. فالنمو السكاني، والتلوث، والافراط في استغلال الموارد الطبيعية كالثروة السمكية والغابات، وتحويل الموائل الطبيعية الى مزارع، وازدياد الاعتماد على الآلات في الزراعة، وتوسع المدن والمناطق الصناعية، كل ذلك يدفع الكثير من الأنواع النباتية والحيوانية الى حافة الانقراض.
ومن المشاكل الرئيسية ان نصف العالم هو أغنى بكثير من النصف الآخر. فالبلدان الصناعية الغنية تستعمل من الموارد أكثر من حصتها العادلة. وعلى رغم ان سكانها لا يشكلون سوى ربع سكان الأرض، فهي تحرق 70 في المئة من الوقود الأحفوري (النفط والفحم والغاز الطبيعي) المستخدم في العالم. وهي تستهلك الكثير من الموارد الطبيعية الموجودة في البلدان الفقيرة التي يعتمد اقتصادها على التصدير. وقد نمت الى حد كبير تجارة الأخشاب الاستوائية نتيجة اشتداد الطلب عليها من المستهلكين الموسرين في أوروبا واليابان وأميركا الشمالية، فألحقت بغابات جنوب شرق آسيا وأميركا الجنوبية دماراً كبيراً.
وتتوزع الثروات والأراضي ضمن البلد الواحد بصورة غير متساوية. ففي البرازيل يملك الأغنياء الذين يشكلون 2 في المئة من السكان أكثر من نصف الاراضي. وفي جنوب افريقيا يملك الأغنياء الذين يشكلون 15 في المئة اكثرمن ثلاثة أرباع الأراضي. وهناك في المقابل ملايين الريفيين ممن لا يملكون أية أراض على الأطلاق وهمّهم الكفاح من أجل البقاء. وهذا يدفعهم الى استغلال المناطق الطبيعية التي يعيشون فيها الى أقصى حد ممكن. ففي كل سنة يعري الناس حوالى 17 مليون هكتار من الغابات الاستوائية. واذا استمر هذا النمط فان التقديرات تشيرالى أن نحو 60 ألف نوع من النباتات وعدداً أكبر من الحيوانات قد تنقرض خلال السنوات الثلاثين المقبلة.
وتعاني الموائل الساحلية والبحرية، كغابات المنغروف والشعاب المرجانية، من أخطار داهمة، كالافراط في صيد الاسماك الذي أخل بالتوازن الطبيعي لتكاثرها. فعلى سبيل المثال، ادى الصيد الجائر في أوستراليا الى تكاثر نجوم البحر (من الشوكيات) لتناقص الأسماك التي تقتات بها. فازدهرت مستوطنات نجوم البحر وراحت تلتهم المرجان حتى تحولت الشعاب المرجانية الى هياكل لا حياة فيها غطتها الطحالب. ومما يزيد المشكلة تفاقماً التلوث الصناعي ومياه المجاري وانجراف التربة من المنحدرات التي جردت من غاباتها الواقية. ففي العام 1920 كانت مساحة غابات المنغروف في الفيليبين 500 ألف هكتار، أما اليوم فلم يبق منها الا 40 ألف هكتار، وما بقي من الشعاب المرجانية لا يزيد على 10 في المئة.
ويطال الخراب أيضاً الأنظمة الايكولوجية في المياه العذبة كالأنهار والجداول والبحيرات والمستنقعات. ففي السويد، مثلاً، اجتاحت الأحماض مياه 4000 بحيرة فجردتها تماماً من الأسماك.
وأدى الانتشار الواسع لزراعة سلالات جديدة من المحاصيل العالية الانتاج الى انقراض كثير من الأنواع الأخرى. فالمزارعون في الولايات المتحدة يزرعون اليوم خمس أنواع الخضر التي اعتادوا زرعها قبل 100 سنة. وفقدان هذه الأنواع يحد من الموارد الوراثية المتوافرة لاستنبات أصناف جديدة، مما يعرض الأنظمة الزراعية للآفات والأمراض.
وحتى تنوع التجمعات البشرية أصبح في خطر. ففي البرازيل اختفت 92 قبيلة خلال هذا القرن وزالت معها معارفها وثقافتها التقليدية. ومع خراب المزيد من الموائل أصبح السكان الأصليون حول العالم مهددين بالانقراض. ومع نهاية القرن المقبل قد ينخفض عدد اللغات المحكية في العالم من 6000 الى 3000 لغة.
الخبرات التقليدية
من دون تنوع بيولوجي تصبح حياة البشرمحفوفة بالمخاطر. وسكان الأرياف الفقراء في البلدان النامية هم الأكثر تعرضاً للخطر لأنهم أكثر اعتماداً على ما يزرعون ويجنون من البرية. والنساء عادة ينتجن غذاء العائلة، زرعاً او جنياً، ويجلبن الماء والحطب. فكلما قل التنوع كان عليهن قطع مسافات أطول للعثور على ما تحتاج اليه عائلاتهن. ولا غرابة في أن تعمل النساء في بعض أنحاء افريقيا 18 ساعة في اليوم.
ويخلّ فقدان التنوع البيولوجي بالتجمعات السكانية، فيجبر الناس على الهجرة الى المدن او الى بلدان أخرى.
وسوف يعاني الناس في كل مكان اذا استمرت ابادة الأنواع التي تستخدم في صنع الأدوية. وقلما نتذكر أهمية التنوع البيولوجي الا عندما تنشأ مشكلة جديدة. فقبل بروز وباء العوز المناعي المكتسب (الايدز) لم تكن لدينا فكرة عن كستناء تنبت في خليج مورتون الاوسترالي وتنتج منها مادة كيميائية قد تساعد في تقدم البحث عن علاج. ويتهدد الخطر مئات الأنواع الأخرى التي تحمل مزايا علاجية ويمكن ان تختفي قبل ان ندرك مدى حاجتنا اليها.
بامكاننا ان نحمي التنوع البيولوجي، ولكن ليس بمجرد تسييجه اوابعاد الناس عنه. فحصر الطبيعة ضمن الحدائق العامة والمحميات وبنوك الجينات المخبرية لا يكفي، لأن جزر الطبيعة لن تنجو في بحر من الدمار.
يمكننا ان نحذو حذو مزارعي احدى المناطق في المكسيك، الذين أدركوا أنهم اذا زرعوا أنواعاً مختلفة في الحقل ذاته يمكنهم انتاج المزيد من الغذاء والحد من أخطار الكوارث التي قد تأتي على أحد المحاصيل. وقد وجد الخبراء الزراعيون أن الجمع بين الأساليب التقليدية والاكتشافات العلمية الحديثة يمكن أن يحسن الى حد كبير انتاج المحاصيل وأن يحافظ في الوقت ذاته على التنوع البيولوجي والموارد الطبيعية كالتربة والماء. وقد أجرى المزارعون حول العالم تجارب ناجحة لاستنبات انواع قادرة على النمو في ظروف صعبة. فطورت سلالة من الدُّخن يمكنها النمو في حرارة مرتفعة جداً. واستنبتت أنواع من البندورة تنمو في تربة مالحة. ومن شأن تطوير نباتات أخرى تتحمل الملوحة أن يعيد مساحات كبيرة من الأراضي المتآكلة الى الانتاج.
غذاء المستقبل
يجب البحث أيضاً عن نباتات أخرى يمكن استعمالها لتوفير الغذاء للناس في المستقبل. فاليقطين الشمعي الآسيوي، مثلاً، له قشرة شمعية سميكة تسمح بخزنه من دون تبريد مدّة تصل الى سنة. وهو ينمو بسرعة وينتج عدة محاصيل في السنة. وتحوي الفاصوليا المجنحة التي تنمو في جنوب شرق آسيا كمية أكبر من البروتين الموجود في البطاطا والكسافا (المنيهوت)، كما يستطيع نوع مغذ من الفستق النمو في مناخات جافة جداً.
الزراعة المختلطة تحافظ على رطوبة التربة وتقلل من الحاجة الى الري. وزراعة محاصيل تحفظ النيتروجين في التربة، كالبرسيم والفصّة، الى جانب محاصيل أخرى، تساعد في اخصابها. وزراعة الأسيجة النباتية تصد الرياح وتوفر مأوى للحشرات النافعة التي تفترس الآفات.
وانتاج الغذاء ليس المنفعة الوحيدة التي يوفرها لنا تنوع الطبيعة. فزراعة القصب والأسل وأنواع من الزنابق تساعد في تنظيف الماء من الفضلات العضوية. وفي وسع محطات معالجة مياه المجاري زراعة أنواع من هذه النباتات للمساعدة في تنقية المياه طبيعياً. ويجري الخبراء دراسات على طرق أخرى تستخدم فيها النظم الطبيعية كنماذج لعمليات صناعية. ان تكنولوجيا الغد سوف تجد جذورها في الطبيعة.
كادر
اتفاقية التنوع البيولوجي: لمحة تاريخة ونقاط رئيسية
شكل برنامج الأمم المتحدة للبيئة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1988 مجموعة عمل خاصة من الخبراء لبحث الحاجة الى اتفاقية دولية حول التنوع البيولوجي. وفي أيار (مايو) 1989شكلت مجموعة عمل من الفنيين والقانونيين لاعداد وثيقة قانونية دولية. وتوجت هذه الجهود في مؤتمر نيروبي الذي عقد في 22 أيار (مايو) 1992 وتبنى نصاً لاتفاقية التنوع البيولوجي. وفتح باب توقيع الاتفاقية في 5 حزيران (يونيو) 1992 يوم انعقاد "قمة الأرض" في ريو دي جانيرو، وبقيت مفتوحة للتوقيع حتى 4 حزيران (يونيو) 1993 وكانت وقعتها 168 دولة. وأصبحت الاتفاقية سارية المفعول في 29 كانون الأول (ديسمبر) 1993.
تهدف الاتفاقية الى "المحافظة على التنوع البيولوجي والاستغلال المستديم لمكوناته والتقاسم العادل والمنصف للفوائد الناشئة عن استخدام الموارد الجينية". وهنا أهم النقاط الملزمة التي اشتملت عليها:
٭ وضع استراتيجيات وطنية للمحافظة على الموارد البيولوجية واستغلالها المستديم.
٭ اقامة مناطق محمية، واصلاح النظم الايكولوجية المتدهورة، ومراقبة الأنواع الدخيلة، والمحافظة على الأنواع خارج المحميات.
٭ وضع برامج تدريب وأبحاث للمحافظة على التنوع البيولوجي واستغلاله المستديم، ودعم هذه البرامج في البلدان النامية.
٭ تعزيز الثقافة والوعي لدى الجمهور حول المحافظة على التنوع البيولوجي واستغلاله على نحو مستديم.
٭ اجراء تقييم للأثر البيئي قبل بدء أي مشروع مقترح قد ينقص التنوع البيولوجي.
٭ الاعتراف بحق الحكومات في تنظيم سبل الانتفاع بمواردها الجينية، ومنح الأطراف الأخرى الموقعة، عند الامكان، حق الانتفاع بهذه الموارد الجينية في استعمالات سليمة بيئياً.
٭ تشجيع نقل التكنولوجيا والبيوتكنولوجيا، خصوصاً الى البلدان النامية.
٭ تبادل المعلومات بين الأطراف حول جميع المواضيع المتعلقة بالتنوع البيولوجي.
٭ تعزيز التعاون الفني والعلمي بين الأطراف (خصوصاً البلدان النامية) لتمكينها من تنفيذ الاتفاقية.
٭ ضمان انتفاع البلدان التي تقدم موارد جينية بالفوائد الناشئة عنها.
٭ تقديم موارد مالية للبلدان النامية الموقعة لتمكينها من تنفيذ متطلبات الاتفاقية.