المبيدات السامة تتغلغل في جسد المزارع لمساً واستنشاقاً. والأسبستوس يتراكم في رئتي عامل المصنع فيموت بالسرطان. والجراثيم تنتقل من المريض الى الممرّض. واختصاصية التجميل تتنشق أبخرة الأسيتون ورذاذ الشعر وعشرات المستحضرات الكيميائية مع الهواء الذي تتنفسه. انه الموت الصامت. الأمراض المهنية باتت محسوبة ومصنفة قانونياً في العالم المتقدم. وقد آن الأوان للاقرار بحق العمال في بلادنا ببيئة مهنية صحية يضمنها لهم القانون.
اعداد: عماد فرحات
بمشاركة: ماري ريتا نهرا (بيروت)، نائلة علي (دمشق)، خالد مبارك (عمان)
مراجعة: د. ايمان نويهض
ليست حوادث العمل كسوراً وخلوعاً فقط. فالمخفي أعظم. وفي مقابل كل اصابة منظورة عشرات الاعاقات والميتات البطيئة من التلوث الكيميائي والبيولوجي والضجيج والارتجاجات. أكثر من70 ألف عامل عربي يموتون سنوياً بحوادث العمل، لكن الاحصاءات العربية تشير الى الحوادث المباشرة فقط، وضحايا الأمراض المهنية ما زالوا خارج نطاق الاحصاء.
وكثيراً ما يشعر العمال بالأخطار المحدقة بهم، لكنهم يتكتمون حرصاً على لقمة العيش. وغالباً ما ينكر أرباب العمل أي مسؤولية عن مرض ناجم عن بيئة العمل غير الصحية. وكم من أسرة فقدت معيلها بهذا الموت الصامت ولم تحصل على أي تعويض. وهنا شواهد صارخة:
- ادخلت اختصاصية بعلم الجراثيم عمرها23 سنة الى المستشفى بعدما عانت طوال اسبوع من نزلات برد وحمى وصداع واسهال. فتبين أنها مصابة بحمى التيفوئيد التي انتقلت اليها من خلال العمل على جرثومة السالمونيلا ضمن برنامج أبحاثها. وكانت اعتادت التدخين في المختبر وتناول طعام الغداء هناك أحياناً.
- سجل تسمم عصبي لدى مجموعة من العمال تعرضوا طوال سنوات للمادة الصناعية الحفازة ثنائي مثيل الامينوبروبيونيتريل(DMAPN) التي سببت اعتلالاً عصبياً في المثانة أدى الى احتباس بولي وعسر في الوظيفة الجنسية. وعلى رغم أن حال العمال المتأثرين تحسنت بعد ابعادهم عن مكان التعرض لهذه المادة، فقد استمرت العوارض لدى بعضهم مدة سنتين على الأقل. وكان معظم هؤلاء من العمال الوافدين الذين لم يتمكنوا من الابلاغ عن العوارض أو خافوا من القيام بذلك.
- في أوائل الثلاثينات، وقع حادث لدى حفر نفق »هوكس نست«عبر عرق من صخر السيليكا في فرجينيا. وقد تم شق النفق لجر المياه من أحد الأنهار الى محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية. وصادفت الاعمال الهندسية للمشروع سنوات الركود الاقتصادي الأولى، فقدم اليه العمال من أنحاء الولايات المتحدة. وقد عمل في المشروع زهاء 5000عامل، أسندت الى أكثر من نصفهم أعمال تحت الأرض. وبعد خمس سنوات من انجاز النفق حدثت بين اولئك العمال700 وفاة نتيجة الاصابة بالسل السيليكوني وأنواع اخرى من تترّب الرئة. ودفع ارتفاع عدد الوفيات الكونغرس الاميركي الى اجراء تحقيق حول الموضوع واعتبار السل السيليكوني مرضاً مهنياً مؤكداً، على رغم الموقف السلبي الذي أبداه خبراء الصحة الصناعية.
- لاحظت مجموعة من العمال في مصنع لانتاج المبيدات شمال كاليفورنيا أن قلة منهم أنجبت أطفالاً. وبعد الكشف على جميع عمال المصنع، تبين أن هناك علاقة قوية بين انخفاض عدد الحيوانات المنوية والتعرض لمادة الدايبروموكلوروبروبان (DBCP)وهو كلور عضوي معالج بالبرومين يستعمل مبيداً للديدان السلكية. وكانت التأثيرات السمية المنوية لدى بعض الرجال المعرضين كافية لجعلهم عقيمين. وأظهرت دراسات نسيجية للخصي أن الأنابيب المنوية هي موقع الاصابة، وأن الخلايا النطفية هي الهدف. وقد تم التثبت من العلاقة بين انخفاض عدد الحيوانات المنوية والتعرض لهذه المادة أثناء صنعها واستعمالها، بعد دراسات شملت معامل كيميائية أخرى في الولايات المتحدة وخارجها. وأظهرت متابعة العمال بعد توقف تعرضهم للمادة أن تكوّن الخلايا المنوية عاد الى وضعه الطبيعي لدى اولئك الذين كان تأثرهم أقل حدّة. لكن كثيراً من العمال الذين فقدوا الحيوانات المنوية بقوا عقيمين.
- ثاني كبريتيد الكربون(CS2) مادة صناعية تتسرب الى الجسم تنشقاً أو ابتلاعاً أو احتكاكاً بالجلد. وهو يؤثر على الجهاز العصبي المركزي وقد يؤدي الى تلازمات غريبة، بما في ذلك الذُّهان (الهُواس). ويقال ان مصانع تستعمله عمدت الى تركيب قضبان حديد في نوافذ الطبقة العليا لمنع العمال من القفز منها بغية الانتحار. وهو يستعمل في صناعات كثيرة، كالرايون والسيلوفان والمبيدات والمواد اللاصقة، وكمذيب للفوسفور والسلينيوم والبروم واليود والشحوم والراتينجات، وفي صنع المواسير الخوائية الالكترونية، وفي معالجة المعادن كالذهب والنيكل، وكمانع للتآكل، وكعامل لازالة المعادن من النفايات السائلة، وفي التصوير الفوتوغرافي الملون الفوري، وحتى كطارد للديدان لدى الحيوانات الأليفة.
- قبل سنوات أصيب أحد العاملين في مصنع يستعمل الأسبستوس (الأميانت) في لبنان بسرطان رئوي بعد أكثر من20 سنة من تنشق الألياف القاتلة. وحاول الأهل معالجته من دون جدوى. وتكتم الجميع عن الأمر: أرباب العمل انكاراً للمسؤولية، والعامل المصاب خوفاً من سد باب رزقه، والأهل خشية دخول متاهات القوانين والمحاكم. ولم تفصل الا ثلاثة أشهر بين ظهور المرض والأجل المحتوم. وقال الأطباء الاختصاصيون آنذاك انها الحالة الثانية عشرة المسجلة حتى ذلك الحين كاصابة بالسرطان الناجم عن تنشق الأسبستوس.
هذه بضعة أمثلة على أمراض تصيب العمال في مراكز عملهم، ولا تظهر أعراضها الا بعد أشهر أو سنوات من التعرض لتلوث ما في بيئة العمل. وكثيرا؟ ما تبقى الأسباب خفية، أو مخفية ، ولا تنكشف الا بعد فوات الأوان.
أخطار في كل مكان
تشير الارقام الصادرة عن منظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية الى أن نحو أربعة آلاف شخص يتوجهون يومياً الى مراكز عملهم ولا يعودون الى عائلاتهم مساءً بسبب حادث عمل يودي بحياتهم، اضافة الى تعرّض ملايين العمال لامراض مهنية مزمنة وأخطار متنوعة في بيئة العمل. وتشير الاحصاءات الى أن حوادث العمل تبلغ سنوياً250 مليون حادث، من ضمنها نحو مليون حادث مميت و365ألف حالة وفاة ناتجة عن أمراض مهنية.
ما هي الاخطار التي تواجه العمال؟ ومن المسؤول عن حمايتهم من الحوادث المهنية والأمراض التي تهدد صحتهم من جراء عملهم في أجواء ملوثة وتعرضهم لمواد كيميائية متنوعة في موقع العمل؟
لا يمكن تحديد مكان العمل بالمصنع فقط أو المنجم أو المقلع أو المكتب، فهو يشمل جميع القطاعات الاقتصادية: الصناعة والزراعة والسياحة والتجارة والخدمات والأعمال الادارية وغير ذلك. وفي كل موقع أخطار محتملة واخرى مفاجئة. فالمزارع يتعرض لخطر المبيدات التي يستنشقها أثناء رشّ المزروعات، كما يتعرض لتقلبات الحرارة والرطوبة ومخاطر الآلات الزراعية. والعامل في المصنع يتعرض لأخطار ميكانيكية في التعامل مع أجهزة ومعدات مختلفة، ولضجيج الآلات والمحركات، وللارتجاج الناجم عن تشغيل بعض المعدات، ولأجواء داخلية موبوءة نتيجة سوء التهوئة وتلوث الهواء بالابخرة والغبائر الناتجة من مزج أو نقل مواد سامة أو غير سامة، اضافة الى عدم ارتداء الالبسة والاقنعة والقفازات والكمامات الواقية. حتى في الاعمال المكتبية، فان كثرة الجلوس وسوء الانارة والتعرّض لاشعاعات شاشات الكومبيوتر وآلات النسخ والتدفئة والتبريد المفرطين تسبب أمراضاً جسدية ونفسية مختلفة.
كل أماكن العمل، سواء كانت إدارية أو صناعية أو زراعية، مسقوفة أو مفتوحة، تنطوي على أخطار مهنية تختلف باختلاف بيئة العمل.
أنواع الاخطار المهنية
يمكن تصنيف الاخطار المهنية في خمس فئات: فيزيائية، وبيولوجية، ونفسية، وكيميائية، وحوادث واصابات. تشمل المخاطر الفيزيائية العوامل الخارجية التي تؤثر على صحة العامل، كالضجيج الذي يؤدي الى فقدان السمع، وتقلبات الحرارة والمناخ والضغط الجوي التي تنعكس إعياء وأمراضاً مختلفة، والاشعاعات الايونية وغير الايونية والارتجاجات. أما الحوادث فتشمل الاصابات الميكانيكية والكهربائية والحرائق.
وتشمل المخاطر البيولوجية الجراثيم والفيروسات والطفيليات التي يتعرض لها العاملون في مجال الصحة، والعدوى من الحيوانات لدى العمل في المزارع، وغيرها. وتنجم المخاطر النفسية من ضغط العمل، في ظروف بيئية غير آمنة وغير صحية وتحت شروط مهنية قاسية أو غير مريحة، فتكون النتيجة الارهاق والاجهاد النفسي والفكري.
وتشكل المخاطر الكيميائية نحو80 في المئة من المحاذير الصحية. والامثلة عليها كثيرة: صناعة البلاط والبورسلين الرائجة في العالم العربي والتي تدخل فيها مادة الكلس، لحام المعادن بواسطة الكهرباء والتعرض للأبخرة المعدنية والحرارة المرتفعة، الغبائر والدخان والأبخرة والألياف والسوائل والأصباغ وغاز أول أوكسيد الكربون وانبعاثات عوادم السيارات ومواد الصمغ وغبار الفحم والمبيدات وغير ذلك. وتبقى مادة الاسبستوس (الأميانت) من أخطر المواد على صحة الانسان اذ تسبب سرطان التليف الرئوي وأمراضاً خطيرة أخرى.
تدخل ملوثات كثيرة الى الجسم بواسطة الاستنشاق، وهو أكثر الطرق شيوعاً، لاعتمادنا على التنفس. إن المعدل الوسطي للتنفس لدى الانسان العادي هو خمسة ليترات في الدقيقة، ما يعادل 300ليتر من الهواء كل ساعة و7200ليتر في اليوم. وفي هذه الأرقام دلالة على كمية التلوث التي يمكن أن تدخل الرئتين كل يوم. من جهة أخرى، يدخل بعض الملوثات الى الجسم عن طريق الامتصاص عبر الجلد لدى التعرض للمادة الكيميائية، وعن طريق الفم مع الطعام أو الشراب او التدخين، وأحياناً عن طريق المشيمة كما يحصل مع الحوامل اللواتي يعملن في جوّ تلوّثه مادة الرصاص التي تؤثر على الجنين.
وتتنوع طرق الوقاية بتنوع الاخطار التي يمكن ان يتعرض لها العامل. ولا بد من توفير أساليب الوقاية الفردية، كتأمين كمامات لمنع استنشاق الغبار والغازات والمواد الكيميائية المنبعثة، وواقيات للأذن من الضجيج، ونظارات لحماية العينين من الاشعة وانبعاثات المعادن، وقفازات وملابس خاصة للوقاية من التلوث المباشر، وغرف خاصة لتبديل ملابس العمل والاستحمام قبل المغادرة منعاً لانتقال التلوث الى العائلة والمنزل، وإجراء فحوص طبية دورية للعمال للكشف المبكر عن أي مرض ومعالجته، وتأمين النظافة والتهوئة للحماية من أخطار العوامل الحيوية كالجراثيم والفيروسات وعدم نقل العدوى، وتأمين المرافق الصحية ومياه الشرب النقية ودورات المياه وغرف الطعام الآمنة.
ولكن الوقاية الحقيقية تنطلق من اعتماد معايير عالية في ضبط التلوث في مصادره، فتستبدل المصانع المواد الكيميائية السامة بمواد أقل ضرراً حيث أمكن، كاستبدال الاسبستوس بالفيبرغلاس، وتأمين شفاطات هواء وتهوئة عامة جيدة. ويعزل مصدر التلوث عن مكان تواجد العمال. وتتم الحماية من أخطار الحرائق باستعمال مواد عازلة ومقاومة للحريق ومنع التدخين. وللحماية من أخطار الكهرباء تستعمل موصلات وكابلات عازلة تبعد خطر الانصعاق بالتيار. وتتم صيانة الآلات والمعدات بشكل دوري للتأكد من سلامة أجزائها وقطعها المتحركة وعدم تسرّب غازات أو مواد سامة. وتتخذ الاحتياطات اللازمة لحماية العمال من الوقوع والانزلاق عبر وضع حواجز وقائية وتسوير الحفر وسقف السقالات. كما يحمى العمال من المخاطر الفيزيائية كالحرارة والبرودة وسوء الانارة والضجيج والاهتزازات وتقلبات المناخ.
تبقى ناحية مهمة هي التثقيف الصحي على كافة المستويات: لجهة ربّ العمل كي يعي مسؤولياته وصلاحياته، ولجهة العمال ليعرفوا حقوقهم وكيفية التعاطي السليم مع الآلات والمواد التي يستعملونها، ولجهة ناشطي الجمعيات الأهلية والاطباء والممرضين للتوعية وتوضيح المخاطر الناتجة عن أخطار العمل. ولا بد من تطبيق القوانين وتحديثها، اذ يجب الابلاغ عن الاصابات الى الجهات المعنية لاتخاذ اجراءات وقائية. لذلك يجب الاقرار بوجود أخطاء وأخطار في بيئة العمل، والكشف على المنشأة بحسب الحالة للتأكد من صلاحية المعدات والالتزام بالمعايير، والتحقيق في حادث معين، والتأكد من توفير السلامة المهنية للعمال، واعداد تقرير يرفع للجهات المعنية لاتخاذ التدابير المناسبة.
بيئة العمل العربية
تزايدت الاصابات والأمراض الناتجة عن بيئة العمل في المنطقة العربية مع تزايد حجم القوى العاملة التي وصلت عام 2000 الى 98مليوناً بحسب منظمة العمل العربية، وبسبب التوسع الصناعي والزراعي والتكنولوجي والخدمي وغيره وما ينتج عنه من مشكلات مهنية، وكذلك نتيجة التصنيع الكيميائي الذي أدى الى حوادث وكوارث صناعية وبيئية في عدد من الدول. وقد ظل السلوك الفردي سلبياً تجاه بيئة العمل لاسباب ترتبط بمستوى التعليم والثقافة والتجربة والوعي الفردي والجماعي في أوساط العمال. وبحسب دراسة للمعهد العربي للصحة والسلامة المهنية، يأتي الوسط التكنولوجي لبيئة العمل في مقدم أسباب حوادث العمل، بما فيه من عيوب في التصميم أو الصنع، وكذلك الانشاءات الهندسية لموقع العمل وتجهيزاته والآلات الكهربائية فيه، واحتمال تعرضه لمخاطر الانهيارات أو الحرائق، ومدة العمل ونوعيته، والسن والوقت والصحة الجسدية والنفسية، فضلاً عن العوامل الاشعاعية والحرارية والكيميائية والبيولوجية والبيئية الطارئة.
ويبين استبيان اجراه المعهد عام 1993أن جميع الدول العربية تتبع سياسات خاصة في مجال الصحة والسلامة المهنية، تختلف بين بلد وآخر وتبعاً لمدى التنسيق بين الاطراف الثلاثة المعنية، وهي الحكومة والعمال وأصحاب العمل. إلا أنها تفتقر الى قوانين خاصة بالسلامة المهنية، التي يقتصر التطرق اليها على مواد ضمن قوانين ذات صلة، كما في الأردن (قانون العمل، 1960) والامارات العربية المتحدة (قانون العمل الاتحادي، 1980) والجزائر (القانون 85،1985) والسعودية (نظام العمل والعمال، 1989)والسودان (قانون الأمن الصناعي، 1976) وسورية (قانون العمل، 1985) والصومال (قانون العمل، 1972)وعمان (قانون العمل،1973) وقطر (قانون العمل، 1962و1975)ولبنان (قانون العمل، 1946)ومصر (قانون العمل،1981) والمغرب (قانون 13، 1947)وموريتانيا (قانون23، 1963)واليمن (قانون العمل الاساسي, 1978).وهناك قرارات وزارية خاصة بالسلامة المهنية والتأمينات الاجتماعية للعمل، كما في البحرين وتونس والعراق والكويت. وتوفر بعض التشريعات العربية حماية من أخطار بيئة العمل، وتقديم خدمات الصحة والسلامة المهنية للعمال، ودرجات من التأمين ضد حوادث العمل والاصابة بالأمراض المهنية. وتوفر سورية والسعودية ومصر والكويت خدمات رعاية صحية للعمال وأسرهم. لكن بعض الدول، ومنها وسورية والسعودية والاردن واليمن، تشترط اشتراك العامل في التأمينات الاجتماعية ليحصل على التأمين في حال تعرضه لأمراض مهنية. وفي ظل غياب تشريعات وطنية خاصة، وغياب المراكز الوطنية لمعلومات الصحة والسلامة المهنية لتقديم الخبرة والمساعدة في تطبيق المعايير، يظل العمال الذين يتعرضون لحوادث العمل في دوامة التفسيرات المختلفة لمواد ذات صلة بقوانين صادرة. وتفتقر الدول العربية التي تنشر احصاءات حوادث العمل لديها الى نظام معياري لتحليل نتائج الاحصاءات. وهذه مسألة مهمة في حساب حجم الخسائر الاقتصادية الوطنية.
ويحتل قطاع التشييد والبناء، الذي يشكل قوة عمل كبيرة، المقدمة في معدلات تكرار حوادث العمل في المنطقة العربية. ويحل ثانياً قطاع الصناعة، لا سيما النسيجية والنفطية، ثم النقل والشحن. وتشير التقديرات الى اصابة نحو مليون عامل عربي بحوادث مهنية كل سنة، أي نحو 0,3 في المئة من السكان، يموت منهم نحو 70ألفاً. وهذا يقتصر على الحوادث الظاهرة ولا يشمل الأمراض المهنية والتأثيرات "الخفية" الطويلة الأجل. وثمة مؤشرات على أن مصر وسلطنة عمان ولبنان وسورية بصدد إعداد نظام إحصائي يتيح تسجيل ونشر نتائج حوادث العمل وتحليلها، في حين يستخدم نظام بهذا المعنى في البحرين والاردن والسعودية وقطر وتونس واليمن.
الاصابة والحوادث المنظورة يمكن احصاؤها، لكن الامراض المهنية ما زالت قاتلات خفية قلما يشار اليها في المنطقة العربية. وقد آن الأوان لكي تتفتح عيون العمال على ما يكمن لهم في بيئة عملهم، لكي يتخذوا الحيطة اللازمة ويطالبوا بحقوق لا يجوز أن ينكرها عليهم أرباب العمل وأصحاب القرار.
كادر
التلوث القاتل في مصانع شكا وسلعاتا في شمال لبنان
تشكل المنطقة الممتدة بين سلعاتا وشكا وجوارهما في شمال لبنان حزام بؤس بيئي وصحي وظاهرة بارزة من ظواهر الانتهاك الصارخ لقواعد السلامة. انها مظهر من مظاهر القصور وعدم الجدية في معالجة قضايا البيئة والصحة العامة، وبشكل خاص صحة العاملين في مصانع هذه المنطقة، واقتصار هذه "المعالجة" على بعض الشكليات التي يسهل اختراقها والالتفاف عليها. المشكلة مزمنة، تمتد لعشرات السنين، وتكمن في وجود عدد من المصانع الكبرى التي تنتج الأسمدة والاسمنت والجفصين والاترنيت والترابة البيضاء، وتضخ كميات كبيرة من الغازات والغبار والمواد السامة تنفثها في أجواء المصانع حيث يعمل نحو3000 عامل وفي المناطق المحيطة حيث يقطن نحو50,000 مواطن. فتسبب لكثيرين منهم أضراراً صحية أكيدة وتحول حياتهم الى صراع يومي ودائم مع الأمراض الخطيرة والمميتة، ولا سيما أولئك العمال الذين هم على تماس مباشر مع هذه الأخطار. ويتحدث عمال في سلعاتا عن تعرضهم لانبعاثات إشعاعية صادرة عن المواد الفوسفورية المستوردة من دون أي رقابة، ولاحتكاك مباشر مع الكبريت المتطاير من دون أي حماية.
ويتعرض العمال في هذه المصانع لروائح الحمض الفوسفوري والحمض الكبريتي وانبعاثاتهما التي تؤثر على الجهاز التنفسي. كما يتعرضون لمستوى عال من الضجيج يفوق بكثير المستويات المسموح بها. وتتزايد الاصابات في صفوفهم بأمراض السرطان والربو والحساسية وضيق التنفس. وتتكرر هذه الاصابات وتتكاثر من دون حسيب أو رقيب من الأجهزة الرسمية المختصة كوزارتي البيئة والصحة، ومن دون إحصاءات ودراسات لوضع حد لما يجري، علماً ان هناك قانوناً صادراً عن مجلس الوزراء عام1996 أعطى مهلاً قانونية لهذه المصانع كي تقوم بالاجراءات اللازمة للحد من ارتفاع نسبة الملوثات التي تنتجها والحفاظ على سلامة عمالها.
وأهم أسباب ومصادر هذه الملوثات هي الآتية:
المواد الأولية:تحصل المصانع على المواد الأولية لصناعتها، كالصخور والأتربة من المقالع، بأساليب نقل هي غالباً بدائية ومكشوفة. ويتم تخزينها في مستودعات غير مؤهلة لضبط تطاير غبارها. وهذا أيضاً ينطبق على المحروقات لجهة عمليتي النقل والتخزين، مما يؤدي الى تطاير كميات هائلة من الغبار والذرور والألياف الصغيرة التي لا تلبث أن تتساقط مستقرة في رئات العمال عن طريق الاستنشاق. واذا كانت ربات المنازل في محيط المعامل يشكين من سماكة الغبار الذي يزلنه عن شرفات منازلهن، والتي تصل الى عدة مليمترات في اليوم الواحد أحياناً، فكيف هي الحال داخل المصانع التي لا تتقيد بأصول تخزين ونقل هذه المواد ومستوى ملوثاتها المسموح بها.
البتروكوك:تستعمل بعض هذه المعامل البتروكوك كوقود في أفرانها، وهو من أسوأ المشتقات النفطية لجهة كمية المواد المضرة التي يحويها والتي ثبت تسببها بأمراض سرطانية. ومن هذه المواد معادن ذات ثقل نوعي مرتفع، كالنيكل والألومنيوم والفاناديوم، فاذا ما دخلت ذراتها المتطايرة في الهواء الى جسم العامل ورئتيه استقرت فيها نتيجة ثقلها النوعي، مؤدية الى سرطان الرئة وأمراض أخرى. كما يحتوي البتروكوك على الكبريت الذي يتحول بفعل الاحتراق بالاوكسيجين الى ثاني وثالث أوكسيد الكبريت، وهما غازان سامان ينبعثان من مداخن المعامل ويؤدي تنشقهما الى مشاكل رئوية وضيق تنفس وحالات اختناق جزئي. كما يمكن أن يتحولا بفعل الرطوبة العالية في أجواء الساحل الى حوامض الكبريت التي تسقط مطراً حمضياً يسبب أضراراً صحية جسيمة كما يؤدي الى تلف في المزروعات. ويشكو المزارعون في المنطقة وجوارها من تلف أشجار التين ومساحات شاسعة من حقول الزيتون بفعل هذه الظاهرة. وتدخل في البتروكوك أيضاً هيدروكربونات عطرية أعلنت وكالة حماية البيئة الاميركية إرتباطها بالعديد من الامراض السرطانية.
الاسبستوس (الأميانت): يتكون الاسبستوس من ألياف صغيرة تتطاير في الهواء، فاذا دخلت جسم الانسان استنشاقاً أدت الى تقرحات لا تلبث أن تتحول أمراضاً سرطانية. ولقد عرف العرب هذه المادة منذ القدم، وسموها "مخاط الشيطان" و"غزل السعالى".
وفي شكا وسلعاتا، بعد تفاقم الأزمات الصحية المأسوية لدى العديد من عمال المصانع وإثر ضغوط قامت بها هيئات بيئية أهلية، اتخذ بعض أصحاب المصانع اجراءات بقيت دون المستوى المطلوب بكثير. وفي دراسة قامت بها مجموعة من طلاب الجامعة الاميركية مطلع سنة 2000مستخدمة أجهزة قياس معتمدة في الجامعة، واستهدفت دراسة مستوى التلوث في منطقة تبعد مئات الامتار عن مواقع هذه المعامل، ذكرت نتائج الدراسة أن نسبة الملوثات في الهواء تفوق بأضعاف، وبعشرات الأضعاف أحياناً، الحد الأقصى المسموح به عالمياً. وقام بعض الفاعليات، بالتعاون مع الأجهزة الرسمية المحلية من مخاتير وبلديات ورجال دين، بدراسة إحصائية لنسبة الوفيات بأمراض سرطانية في شكا والبلدات المحيطة بها خلال 1999ومطلع 2000. فجاءت النتائج أن نسبة الوفيات بأسباب سرطانية تصل الى 50في المئة من الوفيات في بلدتي شكا وفيع.
التلوث في منطقة شكا وسلعاتا ومحيطها قضية ساخنة وذات نتائج خطيرة وسريعة. فالموت يعشش في المصنع، لا بل في المتجر والبيت والمدرسة والطريق والحقل. انها جريمة قتل جماعية باردة وبطيئة تحصل في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من الجميع من دون رادع أو حساب أو عقاب. ولا تزال مآسي العديد من العمال والفنيين والمهندسين والقاطنين في جوار مصانع شكا وسلعاتا، الذين توفوا نتيجة أمراض عانوا منها لسنين عملوا خلالها في الأجواء الموبوءة، محفورة في ذاكرة أبناء الكورة والبترون. والكل ينتظر تطبيق القانون بحق التلوث القاتل. كل هذا يعطي القضية بعداً وطنياً واجتماعياً وانسانياً يتطلب بالضرورة اعتبار هذه المنطقة منكوبة بيئياً وصحياً، واستنفار الأجهزة الرسمية والأهلية لمعالجة هذه المسألة التي تأخذ بعداً وطنياً.
المهندس جوزف شيخاني
كادر
محاكمة شركة "الاترنيت"الفرنسية
في 18كانون الأول (ديسمبر1997)، أصدرت محكمة ديجون في فرنسا حكماً على شركة الاترنيت لاقترافها غلطة "غير مقبولة" وهي "تعريض حياة عمالها، وبعلمها الكامل، الى أخطار مادة الأسبستوس (الأميانت) وعدم توفير سبل الوقاية وشروط الصحة والسلامة". وغُرّمت الشركة مبلغ 50ألف فرنك (الدولار نحو8فرنكات)وألزمت بالتعويض على ثلاثة عمال بمبلغ75 ألف فرنك لاصابتهم بمرض الاسبستوسز نتيجة استنشاق الأسبستوس، وبدفع مبلغ150 ألف فرنك للسيدة ماري-كلود غلاتكا التي توفي زوجها عام1982 بالأسبستوسز وبسرطان الميزوتيليوم المتعلق مباشرة بالاسبستوس، وبدفع ألف فرنك لكل من أولادها الخمسة. كما حكمت المحكمة بالتعويض على الضحايا وعائلاتهم بالحد الأقصى من المبلغ المستحق من صندوق التأمين الصحي.
وفي احدى جلسات المحاكمة، تحدثت السيدة غلاتكا وأبناؤها الخمسة عن حالة والدهم الذي عمل منذ 1968في نقل أكياس الاسبستوس الآتية من كندا وروسيا، من دون أي حماية شخصية. وكان يعود الى منزله يومياً مرتدياً رداء العمل الأزرق ومتسخاً بغبار الأسبستوس. ولدى النظر بالدعوى القضائية رأت المحكمة انه على رغم اعلان الأسبستوس مادة ذات تأثير سرطاني على الصحة، وانزالها في جدول الأمراض المهنية الصادر عام 1950، الا ان شركة الاترنيت تغاضت عن الخطر الذي يواجه عمالها وتقاعست في تأمين سبل الوقاية لهم. ورأت هيئة المحلفين لدى زيارة المصنع أن أنظمة الحماية والوقاية الشخصية غير مناسبة ولا تتناسب مع طبيعة العمل، وأنظمة شفط الابخرة والغازات غير فعالة. وأشارت مصادر حكومية فرنسية آنذاك الى انه تم تسجيل 543حالة مرضية مهنية في شركات الاسمنت الكبرى الخمس الناشطة في فرنسا خلال شهر نيسان (ابريل) 1997.
في أيلول (سبتمبر)1997، تقدمت عائلات ست ضحايا توفوا بين1982و1988، وست عمال متقاعدين مصابين بأمراض لها علاقة بالأسبستوس، بدعوى تحصيل حق من صندوق الضمان الاجتماعي. فربحت أربع دعاوى من اصل 12، وأعلنت الدعاوى الاخرى باطلة لانقضاء المهلة القانونية لتسليمها (سنتين من تاريخ وقوع الحادث). ونظراً للنتائج الايجابية المتأتية عن دعوى شركة الاترنيت تشجع العمال في قطاعات فرنسية اخرى على تحريك قضاياهم.
كادر
أعراض غامضة تنتاب دهّاناً
أثناء فحص طبي دوري، شكا شاب عمره24 سنة من مشاكل في التركيز. كان يفقد تسلسل أفكاره بين وقت وآخر، وينسى ما يقول فيما هو يتكلم، وقد أبلغه أصدقاؤه أنه كثير النسيان. وكان ينتابه العياء بعد المشي صباحاً ولدى انتهاء يوم عمله، كما يشعر بفتور الهمة أحياناً وبصداع متكرر. وفي العمل كثيراً ما شعر كأنه سكران أو مصاب بدوار، ولطالما أساء فهم تعليمات بسيطة موجهة من رئيسه. وقد تطورت هذه المشاكل بشكل تدريجي خلال سنتين. وعلم الشاب أن عمالاً آخرين في ورشته يشكون أعراضاً مماثلة. ونفى تعرضه لتغيرات في الشهية أو المعدة أو تعرق أو فقدان وزن أو حمى أو قشعريرة أو خفقان قلب أو اغماء أو نوبات مرضية أو ارتجاف في اليدين أو وخز خفيف في الجلد أو تغيرات في الاحساس. وقليلاً ما كان يتعاطى الكحول، كما نفى تعاطي المخدرات والتدخين. وهو شعر ببعض الراحة أثناء اجازة لاسبوع مارس خلالها صيد السمك.
كان الشاب يعمل منذ ثلاث سنوات دهاناً في ورشة لاصلاح عربات القطارات. وقد دوّن لائحة بالمواد التي تعرض لها خلال عمله، وهي: مواد مذيبة للطلاء وأهمها التولوين والزيلين والايثانول والايزوبروبانول والبيوتانول والاثيل أسيتيت والاثيل غليكول والأسيتون والمثيل اثيل كيتون، ومواد مساعدة على تماسك الطلاء ومنها راتينج الأكريليك وراتينج اليوريثين والبايندكس-284ومحلول 92-Z, ومواد أخرى كالأصباغ العضوية وغير العضوية والزنك والكرومات وثاني أوكسيد التيتانيوم ومواد حفازة.
وقد جاءت نتيجة الفحوص الطبية طبيعية جداً، ولم تكشف اصابة الشاب بأي مرض جسدي أو عصبي. انها مثال على حالات محيرة تواجه اختصاصيين في علم السموم المهنية. فقد أبلغ المريض عن أعراض غامضة غير محددة قد لا يجد طبيب مشغول غضاضة في صرف النظر عنها.
كادر
22قراراً للسلامة المهنية في مجلس التعاون لدول الخليج العربية
اعتمد مجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية في مجلس التعاون لدول الخليج العربية قرارات تنفيذية نموذجية موحدة للسلامة والصحة المهنية، اشتملت على مجموعة من الاشرافات والتدابير الحديثة والمعايير والمواصفات الفنية، لايجاد بيئة عمل آمنة وصحية. وصدرت مدونة لائحية تضمنت22 قراراً يمكن اختصارها كما يأتي:
1. في المنشآت الصناعية وغير الصناعية التي يزيد عدد عمالها عن 100في موقع واحد، يتم تعيين مشرف أو قسم إشراف توكل اليه مهمات السلامة والصحة المهنية، ومنها: التفتيش الدوري، قياس نسبة الملوثات وتدوينها في سجل خاص، تحليل الحوادث وتسجيلها وتحضير تقرير يتضمن التدابير والاحتياطات لمنع تكرارها، تنظيم ندوات ومحاضرات واصدار ملصقات ونشرات خاصة بالسلامة والصحة المهنية، تعيين لجنة خاصة لبحث ظروف العمل وأسباب الحوادث والاصابات والامراض المهنية.
2. إجراء فحوص دورية للعمال المعرضين للاصابة بأمراض مهنية، كالتسمم بالرصاص والزرنيخ والزئبق والانتيمون والكلور والفلور والبروم، والأعراض الباثولوجية الناتجة عن أشعة اكس والراديوم والمواد الاخرى ذات النشاط الاشعاعي، والتهابات العين والجلد المزمنة، وسرطان الجلد، واجراء تخطيط طبي للعمال المعرضين للاهتزاز والارتجاج.
3. الحماية من أخطار الحرائق في المنشآت باستعمال مواد عازلة ومقاومة للنار، والوقاية من التماس الكهربائي، وتأمين مخارج يسهل التعرف اليها وسلوكها.
4. توفير وسائل الاسعاف الاولي.
5. الحماية من أخطار العوامل الحيوية في بيئة العمل (بكتيريا وفيروسات وفطريات وغيرها) ومن انتقال العدوى الى العامل من انسان أو حيوان أو طائر مريض أو من بيئة العمل الملوثة (مسالخ، مدابغ، أعمال بيطرية، معالجة الصوف والشعر...).
6. حماية العمال من الاصابة بالسرطان المهني.
7. اتخاذ الاحتياطات اللازمة في اعمال الحفر والهدم والانشاء والهندسة الداخلية (تسقيف وتسوير).
8. حماية العمال من أخطار معدات الرفع والجرّ والمصاعد (حبال، رافعة...).
9. إحصاء الاصابات الجسيمة والابلاغ عن وقوع حادث كبير او اكتشاف مرض مهني.
10. تنظيم الرعاية الطبية في المنشآت.
11. توافر المرافق الصحية الضرورية: مياه شرب، دورات مياه، أماكن لتناول الطعام، أماكن ابدال الملابس...
12. الحماية من أخطار الآلات: حواجز وقائية، تسوير، وقف تشغيل الآلات لدى فك أو تركيب أي جزء فيها.
13. اتخاذ احتياطات لحماية العمال من اخطار الغلايات وأوعية البخار ومستودعات الهواء.
14. حماية العمال من الملوثات الفيزيائية: الضجيج، الحرارة، البرودة، الانارة، الاهتزازات، الاشعاع المؤين وغير المؤين، الليزر، تبدلات الضغط الجوي، الاوزون، التهوئة، وقياس مستويات تعرض العمال لأحد هذه العوامل أو لمجموعة منها.
15. الحيطة في تداول واستعمال المواد الكيميائية.
16. الحماية من أخطار الكهرباء.
17. السلامة في تداول المعدات والادوات اليدوية.
18. حماية العاملين في الموانئ.
19. اتخاذ الاحتياطات اللازمة لدى تشغيل الأحداث والنساء والمعاقين.
20. التخلص المأمون من النفايات الصناعية والخدمية بكافة اشكالها (غازية، صلبة، سائلة).
21. تحديد والتزام مواصفات معدات الوقاية الشخصية:ألبسة، معدات حماية الرأس والوجه والعينين والسمع والجهاز التنفسي، أحزمة أمان ضد الصعق الكهربائي...
22. اشتراطات صحية لمساكن العمال:عدم التعرض لأي شكل من التلوث الصناعي الزائد عن الحدّ المسموح به، ومراعاة الاتصال مع مرافق الخدمات العامة، وتأمين الانارة والتهوئة والنظافة...
المصدر:منظمة العمل العربية
كادر
أمراض عصبية في مصنع مبيدات
عاين طبيب في فيرجينيا مريضاً عمل في مصنع ينتج الكيبون (الكلورديكون) وهو من المبيدات الهيدروكربونية المعالجة بالكلور. واشتكى المريض من ضعف وعصبية وفقدان وزن وارتعاش وصعوبة في القراءة وقيادة السيارة لانه لا يستطيع تركيز نظره. ظن الطبيب أن التعرض لمادة الكيبون قد يكون سبب المرض، وأرسل عينة من دم المريض الى أحد المختبرات لتحديد محتوى الكيبون فيه، فجاء المحتوى عالياً جداً. في هذه الأثناء قصد المريض طبيب أمراض عصبية، اذ اشتملت أعراضه على عصبية مفرطة وارتجاف وطفح جلدي وترجرج شاذ في العينين، كما خسر من وزنه، وبات لا يستطيع التركيز حتى ليقرأ جريدة. ومعلوم أن تأثيرات الكيبون السامة التي لوحظت في الحيوانات تشمل سرعة الاهتياج والارتجاف وفقدان الوزن، وفي بعض الحالات الضمور الخصيوي. والكيبون مركب مقيم، عندما تمتصه أنسجة الجسم يبقى فيها مدة طويلة. ويخزن مقدار كبير منه في الكبد. وقد ارسل المختبر نتيجة فحص الدم الى طبيب الأمراض العصبية والى الطبيب الأول الذي طلب اجراء الاختبار.
طلبت السلطات الصحية المختصة من طبيب الامراض العصبية استجواب المريض حول وضع عمال آخرين في المصنع لمعرفة ما اذا كانت هناك مشكلة مهنية كبرى. فأفاد المريض أن زملاء له لم يكونوا قادرين حتى على ارتشاف القهوة في فترات الاستراحة، لانهم كانوا يرتجفون بشدة الى حد جعلهم يريقون القهوة، كما كانوا غير قادرين على ملء أكوابهم.
ولدى التحقيق مع العمال بانت قصص مأسوية كثيرة. وشر البلية ما يضحك. فقد كان أحدهم يعاني مشكلة تقصير في دفع نفقة مطلقته. وهو كان يشعر بالغثيان بعد عمله بالكيبون، فيلازم البيت، ولا يقبض أجراً. فتظن مطلقته أنه يتعمد التغيب عن العمل، فتذهب الى القاضي الذي يحكم بسجنه لتخلفه عن دفع النفقة. وفي السجن كان صاحبنا يشعر بتحسن، فيعود بعد اطلاقه الى العمل في مصنع الكيبون، فيمرض من جديد وتتكرر الحكاية. وكثيراً ما تشكى عمال هناك من التأثيرات الممرضة للكيبون، فكان مديرو المصنع يردون: "هذه المادة لا تضركم بشيء، ربما أنتم تكثرون من شرب الكحول".
ولدى فحص سكان الجوار تبين أنهم يحملون نسبة عالية من الكيبون في دمائهم، وخصوصاً أفراد عائلات عمال المصنع الذين كانوا يعودون الى منازلهم بملابس ملوثة بالرصاص والأسبستوس ومواد مقيمة أخرى. وقد عمدت السلطات الى اقفال المصنع، ولم يفتح بعد ذلك أبداً.
كادر
عيوب خلقية في أطفال تعرضت أمهاتهم لمواد كيميائية
كانت امرأة في التاسعة عشرة من عمرها تعمل في مصنع للبلاستيك المقوى، وكان زوجها في السادسة والعشرين ويعمل نجاراً في المصنع ذاته. أنجبت المرأة مولودها الأول قبل 18يوماً من الموعد المفترض للولادة، وكان ذكراً وزنه3,9 كيلوغرامات وطوله 54سنتيمتراً. وتبين أن الطفل مصاب باستسقاء خلقي في الرأس وشذوذ في الأذن اليمنى وتشوهات على جانبي العمود الفقري والأضلاع. وكانت الام اصيبت بالتهاب شعبي في الشهر الثالث من الحمل، ومنحت اجازة مرضية لمدة ثلاثة أيام، وعولجت بالبنسيلين. أما بقية أيام الحمل فكانت عادية. وهي لم تتناول أي عقاقير في ما عدا مكملات حديدية وفيتامينية. وظلت تعمل بانتظام أثناء الحمل في طحن وصقل واصلاح المنتجات البلاستيكية. وتعرضت للستيرين وراتينج البوليستر والبيروكسيدات العضوية والأسيتون ومواد التلميع. وفي فترة الثلاثة أشهر الثانية من الحمل، تعرضت بشكل مكثف للستيرين مدة ثلاثة أيام عندما تولت تنظيف قالب من دون قناع للوجه.
وهناك امرأة أخرى عمرها24 سنة عملت أيضاً في مصنع للبلاستيك المقوى، وزوجها عمره22 سنة عمل لحاماً ومصفحاً في مصنع للمعادن. وضعت المرأة مولودها الأول قبل ستة أسابيع من الموعد المفترض للولادة، وكان انثى وزنها2,2 كيلوغرام وطولها 47سنتيمتراً، وقد ولدت ميتة، وكشف التشخيص اصابتها باللادماغية (غيبة المخ). وكان الحمل عادياً في ما عدا انقباضات خلال الشهر الثاني. في ذلك الوقت وصف لها الطبيب 10مليغرامات من الايزوسوبرين ثلاث مرات في اليوم لمدة سبعة أيام. وحصل لها استسقاء خفيف في الشهر السابع من الحمل، وأعطيت 500مليغرام من الكلورثيازيد في اليوم لمدة سبعة أيام. وهي ظلت تعمل خلال معظم مدة حملها. وفي الشهر الثالث من الحمل قامت بأعمال تصفيح يدوية لمدة ثلاثة أسابيع من دون قناع للوجه، ومن ثم تعرضت للستيرين وراتينج البوليستر والبيروكسيدات العضوية والأسيتون. وبعد هذه المدة قامت بأشغال إبرة في الورشة ذاتها لمدة شهر، ومن ثم مارست أعمال التصفيح مجدداً لفترات مختلفة.
تم تحديد هاتين الحالتين أثناء تحقيق حول التشوهات الخلقية في فنلندا. وقد أبلغ عنهما عندما وجد المحققون نسبة كبيرة من العاملين في صناعة البلاستيك المقوى بين أهالي الأطفال المشوهين.