Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
جورج جحا الأرض تضيق بسكانها  
شباط/فبراير 2000 / عدد 23
 الأفواه كثيرة، والطعام قليل، ونمط تعاملنا مع الأرض يدفعها الى الشيخوخة. التكاثر سبب من أسباب ازدياد الفقر، وازدياد الفقر عامل من عوامل التكاثر. النمو السكاني، حتى في المناطق القليلة السكان، يحصل غالباً في غياب التنمية السليمة الكفيلة بتأمين الحاجات والخدمات الأساسية للناس. الماء نادر، وكثير من المتوفر منه غير صحي. البيت، بيتنا، هذا الكوكب الكبير، أسوأ مما كان لكثرة تدخلنا في أنظمته. أرضه تتصحر وبساطها الأخضر يتآكل اذ يقضي عليه الانسان في قصر نظر. كائناته الحية، من كل الأنواع غير البشرية، هي في طريق الانقراض الذي تشقه لنا وتسبقنا فيه. أنهاره وبحاره مطارح للنفايات القاتلة. سماؤه أبخرة وسموم فتاكة تفسد الهواء وترتفع ممعنة في سد سبل الحياة. اذا استمرت الامور على ما هي، فالمستقبل رهيب. والحل، كما يقول كثيرون، هو في العودة الى الحياة بانسجام مع الطبيعة وقوانينها، واستثمار موارد الطبيعة بحكمة مع الحفاظ على التوازن بين عدد السكان والموارد المتاحة
تحدث الناس كثيراً عن "نظرية مالثوس" التي اعتبرت تبريراً للحروب والأوبئة. ونسوها طويلاً بعد ذلك، بل حولها بعضهم، وحولوه هو، الى رمز للتشاؤم تنقضه انجازات العلم. لكن كثيرين عادوا الآن الى التحدث عن نظرية توماس مالثوس، عالم الاقتصاد السياسي البريطاني، الذي كتب مقالة في المبدأ السكاني نشرت سنة 1798 وتكهن فيها بمستقبل مظلم للجنس البشري. قال ان عدد السكان في العالم سيزداد ويصل الى أقصى حدود المواد الغذائية المتاحة، مما يؤدي الى انتشار الفقر والجوع في العالم. لذلك لقبه الناس نوستراداموس الاقتصاد والاجتماع.
في تشرين الثاني (نوفمبر) 1991، في عدد خاص من مجلة "تايم" استشرف ما بعد سنة 2000، كتب نايلز ايلدريدج الاختصاصي بأشكال الحياة في العصور الجيولوجية السالفة مشيراً الى عولمة من نوع خاص: "اننا نستطيع تثبيت أعدادنا بصورة متوازنة، واصلاح أنماط استهلاكنا، والعمل على وقف دمار النظام البيئي وخسارة أنواع الحياة. علينا، باختصار، أن ننظر الى أنفسنا كأول كيان اقتصادي عالمي مترابط. اذا قررنا ذلك نثبت أن تكهنات مالثوس الرهيبة ليست صحيحة".
الرؤية "الكابوسية" لم تنته مع مالثوس. ومن أصحاب الرؤى الكابوسية التي لم تغلق الباب بل اقترحت حلولاً للمشكلات بول ايهرليتش في كتابه "القنبلة السكانية" الذي صدر عام 1968 وطرح ثلاثة "سيناريوهات" بل خيارات مصيرية قد يواجهها العالم. ركز ايهرليتش على الحروب والأمراض والجوع، ورأى أن التقدم التكنولوجي زاد خطر الحرب وعظّم القدرات على التدمير، وحد موقتاً من قدرة الأمراض، لكن يبدو حتمياً أن الموت جوعاً سيتزايد. السيناريو الأول عند ايهرليتش خلاف أدى الى حرب نووية: أصر رئيس أميركي يسعى الى اعادة انتخابه على ارضاء المزارعين. فسمح باستعمال مواد ترفع انتاج محاصيلهم لكنها تضر ببقية المناطق، خصوصاً بمصائد السمك الروسية، في عالم يعاني ضغوطاً على المواد الغذائية. الخلاف أشعل حرباً نووية لم تبقِ الا على عدد قليل من الناس في مناطق نائية وأعادت الحياة الى مرحلة بدائية.
السيناريو الثاني كان مزيجاً من حقائق وخيال: وباء "لاسا" الفتاك ضرب العالم وقتل الملايين في جميع أنحائه وشل كثيراً من نواحي الحياة والانتاج فيه. مات نحو 1,5 بليون شخص بسبب الوباء وأمور ذات علاقة به كالجوع والأمراض والاضطرابات والنزاعات الأهلية. الضربة الكبرى أصابت الأولاد والمسنين. وبعد سنة اجتمع في الأمم المتحدة رؤساء 72 دولة، بينها الدول الكبرى، واتخذوا قرارات للحيلولة دون تكرار ما حدث، وفرضوا ضوابط صارمة في موضوع التكاثر السكاني، وأنشأوا وكالة بيئية عالمية (هذا كان قبل تأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 1972). وقال رئيس مجلس الأمن الدولي: »لقد أدرك الناس والأمم المتحدة أهمية اعتماد بعضنا على بعض وعلى صحة مركبتنا الفضائية هذه، الارض".
أما السيناريو الثالث فهو أكثرها ايجابية مع أنه انطوى على تصور موت بليون شخص جوعاً قبل التحرك الجدي. وعلى غرار السيناريو السابق، فالعالم غالباً لا يتحرك ولا يتعاون الا بعد نكبات. العلاقة غير المتوازنة بين عدد سكان العالم وانتاج المواد الغذائية في كثير من آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية أصبحت أمراً واضحاً للجميع. تزايد المجاعات المتتابعة واستمرارها فترات طويلة، والهبوط المفاجئ في محاصيل مصائد الأسماك، وترافق ذلك مع صعوبات متزايدة في تدفق سلع "ضرورية" على العالم الصناعي، أدت الى ادراك مدى خطورة الأمر، ولاسيما في الولايات المتحدة. وبدا واضحاً أن المطلوب هو اجراء تغييرات دراماتيكية في النظام العالمي عامة والسياسة الأميركية في شكل خاص من أجل تحاشي وقوع كارثة عالمية. واتخذت تدابير وخطوات بسرعة لافتة، منها فرض "ضريبة البقاء العالمية" على الدول الصناعية المتطورة، وتغييرات في المواقف السياسية ولا سيما مواقف الولايات المتحدة من البلدان والشعوب الأخرى، وقيام وزارة الزراعة الأميركية بشراء كل الفائض الغذائي في البلاد لاعطائه الى الأمم المتحدة كي يوزع على المناطق المحتاجة. ومنها أيضاً ضوابط على النمو السكاني. أدى كل ذلك الى التحرك نحو مرحلة جديدة للانسانية.
ولادات كثيرة وشيوخ يعمّرون
ايهرليتش، على رغم تصوراته المتشائمة، كان في النهاية متفائلاً من دون قصد في مسألة النمو السكاني، اذ توقع أن يصل عدد سكان العالم سنة 2050 الى ذروة هي ستة بلايين نسمة. لكن ذلك حصل قبل نحو خمسين سنة مما توقعه. ففي 12 تشرين الأول (اكتوبر) 1999 أعلن صندوق الأمم المتحدة للسكان أن عدد سكان العالم تخطى عتبة الستة بلايين نسمة. وتشير توقعات الصندوق الى أن عدد سكان العالم سنة 2050 سيكون 8,9 بلايين نسمة، أي أقل بكثير مما توقعه الصندوق سنة 1996 من أن العدد سيكون 9,4 بلايين نسمة. والسبب الرئيسي هو أن الخصوبة في العالم انخفضت أكثر مما كان متوقعاً، بينما شهد العالم تحسناً في العناية الصحية، بما في ذلك الصحة الانجابية، وفي قيام أسر أصغر حجماً. الا أن نحو ثلث نسبة الانخفاض يعود الى ارتفاع معدلات الوفاة في المناطق الافريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى وفي أنحاء من شبه القارة الهندية. ومن أسباب ذلك مرض نقص المناعة المكتسب (ايدز) الذي ينتشر أسرع مما كان متوقعاً.
في بداية القرن العشرين كان عدد سكان العالم 1,5 بليون نسمة. وبحلول 1960 ارتفع الى ضعفي ما كان. وفي أواخر 1999 وصل الى أربعة أضعاف أي الى ستة بلايين شخص. ومن غير المرجح أن ينمو مستقبلاً بسرعة نموه في العقود الماضية، خصوصاً في السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة التي ازداد خلالها عدد السكان بليون نسمة. الزيادة السنوية التي شهدها عدد سكان العالم ارتفعت من 47 مليون نسمة في الفترة 1950- 1955 الى 86 مليوناً في الفترة 1985- 1990. وهذا النمو الذي لم يسبق له مثيل كان نتيجة صافية لانخفاض عدد الوفيات بشكل أسرع من انخفاض معدلات الخصوبة. ونتيجة لذلك فان وصول عدد سكان العالم الى البليون الرابع والخامس والسادس تحقق في 14 سنة و13 سنة و12 سنة .
في العالم الآن اتجاهات ديموغرافية متعددة. فمنذ العام 1969، عندما أنشئ صندوق الأمم المتحدة للسكان، لم تكن الاتجاهات الديموغرافية أكثر تعدداً وتباعداً مما هي الآن. الخصوبة آخذة في النمو بصورة أكبر في البلدان الأشد فقراً. وفي مختلف البلدان اتجاه يشير الى أن العائلات الأشد فقراً هي العائلات الكبرى. والبلدان الأكثر تأثراً بذلك تتركز في افريقيا وجنوب آسيا.
ومع أن البلدان التي تشهد انخفاضاً في أعداد سكانها قليلة جداً، فان هناك 61 بلداً (تضم 44 في المئة من سكان العالم) تشهد خصوبة تصل الى أدنى من مستوى التعويض (2,1 ولد لكل امرأة)، ويتوقع أن يرتفع عدد هذه البلدان بحلول سنة 2015 الى 87 بلداً تضم نحو ثلثي سكان العالم. ومع ذلك فليس هناك ما يشير الى وقوع "ندرة في الولادات"، بل ستستمر الولادات في مستوى يزيد على 100 مليون في السنة للسنوات الخمسين المقبلة، وسترتفع نسبة الوفيات في هذه المدة لأن السكان يزدادون تقدماً في السن. وفي كثير من المناطق يجري حالياً تحول ديموغرافي من ارتفاع في الخصوبة والوفيات الى تدنّ في الخصوبة والوفيات. والواقع أن هذا التحول جرى فعلاً في كثير من أنحاء العالم. ومن نواح عديدة، فان البلدان الأقل تطوراً قطعت نصف الطريق تقريباً في هذا التحول، فوصلت الى حيث كانت البلدان الصناعية قبل نصف قرن.
بلدان تنتفخ وأخرى لا تعوض
أسباب الارتفاع السريع في عدد سكان العالم تختصر في انخفاض كبير في نسبة الوفيات بفضل تطور العناية الصحية. وهو اتجاه بدأ في أواخر القرن التاسع عشر  وازداد قوة بعد الحرب العالمية الثانية. ومنذ 1950 انخفض معدل الوفيات الى النصف، من حوالى 20 في الألف سنوياً الى أقل من عشرة، وفي الوقت نفسه ارتفع متوسط العمر المتوقع للانسان عالمياً من 46 سنة الى 66 سنة، ويتوقع أن يصل الى 76 سنة في 2050. وقد انخفض معدل وفيات الأطفال منذ 1950 من 155 وفاة لكل ألف مولود حي الى 57 وفاة، ويتوقع أن ينخفض بنسبة الثلثين أيضاً بحلول 2050.
وانخفضت معدلات وفاة الامهات، لكن بسرعة أقل كثيراً وعلى نطاق أضيق. ويلاحظ أن المعدل السنوي للوفيات عامة انخفض بما يزيد على عشرة في المئة بين 1955 و1975، على رغم أن عدد سكان العالم ارتفع 5,1 بليون شخص. والعدد الحالي للوفيات سنوياً هو 52 مليون وفاة، أي العدد نفسه الذي سجل عام 1950 عندما كان عدد سكان العالم أقل من نصف ما هو الآن.
عدد الولادات السنوية ارتفع من 98 مليوناً عام 1950 الى ذروة هي 134 مليوناً في أواخر الثمانينات. ويتوقع أن يبقى 130 مليوناً في السنوات العشرين المقبلة، بينما ترتفع معدلات الوفاة مع تقدم الناس في العمر.
ومن ناحية أخرى، ففي سنة 2050 سيكون هناك 130 بلداً ذات نسب نمو سكاني ايجابية، و44 من هذه البلدان تتجاوز النسبة فيها واحداً في المئة سنوياً أي ما يناهز ما كان سائداً في البلدان الأكثر تطوراً عام 1965. وفي الفترة 1950 - 1955 كان متوسط الخصوبة في البلدان الأكثر تطوراً 2,8 طفل لكل امرأة وهبط منذ ذلك الوقت الى 1,6 ومن المتوقع أن يبدأ ارتفاعاً بسيطاً الى 1,8 في منتصف القرن الحالي. وفي البلدان الأقل تطوراً، كانت نسبة الخصوبة عام 1950 تناهز 6,2 وأصبحت تقل عن 3 عام 1999 ويتوقع أن تنخفض الى أدنى من 2,1 بحلول 2045.
هبطت الخصوبة بحدة في آسيا في السنوات الخمسين الماضية، من 5,9 أطفال لكل امرأة الى 2,6. وفي المناطق الافريقية جنوب الصحراء انخفضت بصورة أبطأ بكثير، فنزلت من 6,5 الى 5,5، بينما شهدت أميركا الجنوبية والمناطق الكاريبية انخفاضاً من 5,9 الى 2,7. وفي شمال افريقيا وغرب آسيا نزلت المعدلات من 6,6 الى 3,5. وتدنت في أوروبا من 2,6 الى 1,4 طفل لكل امرأة، أي الى أقل بكثير من المستوى الضروري للتعويض وهو 2,1. وفي أميركا الشمالية سجل هبوط من 3,5 في الفترة 1950 - 1955 الى 1,8 في أواخر السبعينات، ثم عادت النسبة الى الارتفاع بين 1,9 طفل وطفلين لكل امرأة، ويتوقع أن يستمر ذلك الى منتصف هذا القرن. لكن يبقى التفاوت كبيراً بين منطقة وأخرى وفي المنطقة الواحدة.
البلدان الأشد فقراً هي عادة صاحبة النسب العليا في النمو السكاني. ففي 62 بلداً في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية، أكثر من 40 في المئة من السكان هم دون سن الخامسة عشرة من العمر. والبلدان الأشد فقراً هي كذلك صاحبة السجل الأسوأ من حيث نسبة وفاة الامهات ومن حيث الافادة من التخطيط العائلي.
وبقدر ما كان ارتفاع عدد السكان بارزاً في السنوات الاربعين الماضية، كانت التحولات في توزعهم بارزة كذلك. ففي 1960 كان 2,1 بليون نسمة، أي 70 في المئة من سكان العالم الذين بلغ عددهم ثلاثة بلايين، يعيشون في المناطق الأقل تطوراً. وبحلول 1999 بلغ عدد سكان هذه المناطق 4,8 بلايين أي 80 في المئة من سكان العالم. وستشهد هذه المناطق 98 في المئة من النمو المتوقع في سكان العالم بحلول سنة 2025.
افريقيا، حيث نسبة الخصوبة تزيد على خمسة أطفال لكل امرأة، كانت الأسرع نمواً سكانياً. ويبلغ عدد الافارقة الآن نحو 767 مليون نسمة أي ثلاثة أضعاف ما كانوا عام 1960. أما آسيا، وهي أكثر مناطق العالم سكاناً على الاطلاق، فقد ارتفع عدد سكانها الى ما يزيد على الضعفين (أكثر من 3,6 بلايين نسمة)، وكذلك كان أمر الزيادة في أميركا الجنوبية والمناطق الكاريبية. وعلى خلاف ذلك، لم يرتفع عدد سكان أميركا الشمالية أكثر من 50 في المئة، بينما لم يرتفع عدد سكان اوروبا الا 20 في المئة وهي نسبة تكاد تكون مستقرة الآن.
كيف تتأثر البيئة بالنمو السكاني
هل هناك حدود بيئية لعدد الناس الذين يمكن أن تسعهم الأرض ولنوعية الحياة التي يمكن أن تكفلها لهم؟ يرى معظم العلماء المختصين أن هناك حدوداً طبيعية قصوى، وإن تكن تتفاوت كثيراً، اذ تراوح بحسب توقعاتهم بين أربعة بلايين و16 بليوناً من البشر. وما سيحدث عندما يقترب عدد سكان العالم من تلك الحدود يتوقف على اختيارات البشر في ما يتعلق بأساليب الحياة وحماية البيئة وتحقيق العدالة.
للنمو السكاني المستمر من دون ضوابط نتائج خطيرة، منها ما سجل من تسارع هجرة الناس الى المدن في السنوات الاربعين الماضية وبشكل خاص في المناطق الأقل تطوراً. وقد ازداد سكان العالم الذي يعيشون في مناطق حضرية من الثلث سنة 1960 الى 47 في المئة سنة 1999، أي أن نحو نصف سكان العالم يعيشون حالياً في المدن: بليون نسمة في الدول الصناعية المتقدمة وبليونان في الدول النامية. ويزداد عددهم بمعدل 60 مليون شخص في السنة أي بنسبة ثلاثة أمثال الزيادة في سكان الأرياف. وبحلول سنة 2030 ينتظر أن يكون خمسة بلايين انسان، أي 61 في المئة من سكان العالم في ذلك الوقت، يعيشون في المدن. لكن بعض الخبراء يتوقعون هجرة للسكان في الغرب نحو الريف لممارسة أعمالهم من المنزل بفضل تطور تقنيات التواصل الالكتروني عبر الانترنت.
عام 1960 كانت هناك مدينتان يزيد سكان الواحدة منهما على عشرة ملايين شخص، هما نيويورك وطوكيو، واليوم هناك 17 مدينة، وفي سنة 2015 سيصبح عددها 26 مدينة. وقد ظلت مدينة شنجين الصينية حتى الثمانينات قرية لصيادي الأسماك يسكنها 30 ألف شخص. ومع توسع النمو الصناعي للصين تحولت الى مدينة صناعية يسكنها اليوم أربعة ملايين نسمة. وتسعى الحكومة الصينية الى تحويلها مدينةعملاقة لاسكان 40 مليون شخص سنة 2010. ويعاني سكان المدن الكبرى من تلوث الهواء. ففي مدينة شنغهاي الصينية، مثلاً، سبع محطات لتوليد الطاقة وألف فرن خبز وثمانية آلاف جهاز تسخين صناعي للمياه و15 ألف مطعم، كلها تضخ الى الأجواء انبعاثات كبريتية من احتراق الوقود والفحم، فضلاً عن عوادم ملايين السيارات.
وترجح منظمة العمل السكاني الدولية أن واحداً من كل أربعة أشخاص سيواجه عجزاً في المياه بحلول سنة 2050. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأجزاء من شبه القارة الهندية، وهما المنطقتان اللتان تضمان نحو ثلث سكان العالم، يعد استنزاف مياه الطبقات الجوفية وتناقص نصيب الفرد من الأراضي المزروعة من العوامل المحورية في الاتجاهات السكانية. ففي الهند على سبيل المثال، يقدر أن عمليات سحب المياه الجوفية تزيد على ضعفي معدل تجددها، بحيث باتت مناسيب المياه تنخفض بما يراوح بين متر وثلاثة أمتار كل سنة. ويقدر المعهد الدولي لادارة المياه أن عدم توفر المياه اللازمة للري في نهاية المطاف يمكن أن يخفض إنتاج الهند من الحبوب بنسبة 25 في المئة. وتعد هذه قضية خطيرة في بلد وصل عدد سكانه الى بليون نسمة عام 1999، ولا يزال يزيد بمقدار 18 مليون نسمة كل سنة، ويعاني 53 في المئة من مجموع أطفاله حالياً من سوء التغذية.
وأدى تزايد عدد السكان الى انخفاض نصيب الفرد من المساحة المزروعة بالحبوب على المستوى العالمي بنسبة 50 في المئة منذ العام 1950. ولم تبق سوى مساحة صغيرة من الأراضي الزراعية التي لم تستغل بعد، كما أن الأراضي المزروعة بالمحاصيل تتقلص من جراء التوسع الصناعي والعمراني. وما لم تزد مساحة الأراضي الزراعية، فان التحسينات في ناتج الحبوب لا بد وأن تواكب معدل النمو السكاني، الذي يبلغ حالياً 1,3 في المئة سنوياً، لمجرد الحفاظ على الوضع الحالي لنصيب الفرد من الناتج الغذائي.
ومن نتائج هذا الازدياد السكاني تضخم اتجاهات بيئية متفاقمة، بما في ذلك انهيار مصائد الأسماك وتقلص الغابات وارتفاع درجات الحرارة وفقدان أنواع نباتية وحيوانية بكاملها. وتعد ظاهرة الاحترار العالمي عنصراً جامحاً يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقضايا المتصلة بالسكان، بما في ذلك استهلاك الوقود وتبدل استخدام الأرض والحدود المحتملة لامدادات الغذاء والمياه. وتتوقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، التي تضم 2500 عالم، أنه إذا ما استمرت اتجاهات انبعاثات غازات الدفيئة كما هي حالياً، سيرتفع متوسط درجة حرارة سطح الكرة الأرضية بين درجة واحدة و3,5 درجات مئوية خلال القرن الحالي. وتتوقع الهيئة في سيناريو "أفضل التقديرات" أن مستوى سطح البحر سيرتفع بما يراوح بين 15 و95 سنتيمتراً بحلول سنة 2100. وستشمل الآثار الايكولوجية والبشرية لارتفاع مستوى سطح المحيطات زيادة حدوث الفيضانات، وتآكل الشواطئ، وزيادة ملوحة المياه الجوفية وأراضي المحاصيل الواقعة على السواحل، وتشريد ملايين الناس ممن يعيشون قرب السواحل. ومن المرجح أيضاً أن تتغير أنماط سقوط الأمطار، مما قد يحدث تغييراً كبيراً في الانتاجية الزراعية في مختلف المناطق.
فرصة أفضل للعيش
ان وضع العالم الحالي، الذي ارتفع عدد سكانه الى أربعة أضعاف ما كان قبل مئة سنة، يحمل ايجابيات وسلبيات عديدة تتداخل وتتفاعل أحياناً. فمتوسط العمر المتوقع للانسان آخذ في الارتفاع في معظم البلدان. والطفل الذي يولد هذه الأيام لديه فرصة أفضل من السابق لتجاوز الطفولة والعيش حياة طويلة وصحية. ومع ذلك ما زال ملايين الأطفال يموتون لاسباب يمكن تفاديها، ومنها الفقر والاسهال وامراض الطفولة ومرض نقص المناعة المكتسب (ايدز) والصراعات المسلحة.
وتتوافر اليوم لغالبية متزايدة من النساء والرجال معلومات ووسائل تمكنهم من اتخاذ قراراتهم بشأن عدد أولادهم والمباعدة زمنياً بين ولد وآخر. وقد أصبح الحصول على العلم أسهل وأصبحت أهمية العلم محط تقدير أكبر مما كانت سابقاً. وصارت الاتصالات والسفر أسهل مما كانت، فزاد ذلك في سرعة انتقال الأفكار والناس بين البلدان.
وفعل النمو السكاني فعله السلبي في الانحطاط البيئي الذي هو احدى نتائج الضغوط السكانية، خصوصاً تلوث الهواء والماء والتربة وانحسار الغابات والتصحر وخسارة الأنواع وتغير المناخ واستنزاف طبقة الأوزون. وبرزت أمراض جديدة، واشتد التفسخ الاجتماعي وعدم الاستقرار الاقتصادي. وهذه جميعها تهدد صحة الناس وأسباب معيشتهم وأمنهم وتنتشر بصورة أوسع وأسرع من أي فترة سابقة.
ان التحدي الكبير الذي يواجهنا في السنوات المقبلة يتمثل في التعجيل بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية وتمكين الناس من التمتع بحقوقهم الانسانية الاساسية. ولا شك في أن تحقيق استقرار النمو السكاني سيساعد في بلوغ ذلك.
 
كادر
حقائق سكانية: شباب فقراء وأطفال يموتون وعالم سائر في طريق ملأى بالنفايات
- خمس سكان العالم، أي أكثر من بليون نسمة، من الشباب الذي تراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة. ويعيش 85 في المئة من هؤلاء في البلدان النامية، وأكثر من نصفهم في المناطق الريفية. ويعيش 60 في المئة من الشباب في المناطق الآسيوية النامية و15 في المئة في أفريقيا و9 في المئة في أميركا الجنوبية والمناطق الكاريبية.
- من بين كل مئة أسرة تكونت أواخر الثمانينات في مدن العالم النامي، هناك 72 أسرة تعيش في مدن الصفيح والأكواخ. ويقدر أن نحو 100 مليون شاب، معظمهم بين عمر 14 و19 سنة، يعيشون في الشوارع بعيداً عن منازلهم وأسرهم.
- يموت بالملاريا كل سنة مليون شخص معظمهم من الأطفال في أفريقيا.
- يعاني بليونا شخص من فقر الدم (انيميا). وبين هؤلاء 55 مليون شخص في بلدان صناعية.
- كل عام يموت في العالم ما يزيد على 585,000 امرأة  بسبب الحمل. وتعاني سبعة ملايين امرأة من مشاكل صحية خطيرة كما تعاني 50 مليون امرأة من آثار صحية مختلفة نتيجة الولادة. ويجرى نحو 20 مليون عملية اجهاض غير مأمونة في البلدان النامية كل سنة، يموت خلالها حوالى 70,000 امرأة أي 13 في المئة من مجموع وفيات الأمهات في العالم.
- خمس الأطفال لا يصلون في دراستهم الى الصف الخامس الابتدائي، وحوالى 20 في المئة لا يحصلون على ما يكفي من الطاقة الغذائية والبروتين، وأنواع نقص المغذيات الدقيقة منتشرة على نطاق أوسع.
- هناك أكثر من بليون شخص لا يزالون محرومين من الحاجات الرئيسية. ومن أصل 4,8 بليون نسمة في البلدان النامية، يفتقر حوالى ثلاثة أخماسهم الى الوسائل الصحية الأساسية، وحوالى الثلث لا يستطيعون الحصول على المياه النظيفة، والربع لا يتوفر له السكن الملائم.
- الفقراء هم الأكثر تعرضاً للادخنة والأبخرة والأنهار الملوثة. وبين حوادث الوفاة التي يبلغ عددها 2,7 مليون سنوياً بسبب تلوث الهواء، هناك 2,2 مليون حالة سببها التلوث داخل الأماكن المغلقة، و80 في المئة من الضحايا هم من فقراء أرياف البلدان النامية.
- نتيجة قضائنا على الأنظمة البيئية، نخسر ما قد يصل الى 30,000 نوع من الحيوانات والنباتات كل سنة من أصل نحو 14 مليون نوع، على رغم اننا لا نزال نعتمد اعتماداً شديداً على ما لا يقل عن 40,000 نوع للغذاء والسكن والملبس والوقود.
- من المرجح أن يعيش ربع سكان العالم سنة 2050 في بلدان تواجه نقصاً في الماء العذب. وهناك الآن ما يزيد على 430 مليون شخص يعيشون في بلدان تتأثر بضغوط ذات علاقة بالماء أو تواجه ندرة فعلية في الماء.
- عام 1997 أنتج الأميركيون الذين بلغ عددهم 276 مليون نسمة أكثر من 195 بليون كيلوغرام من القمامة، أي ان كل فرد منهم تسبب في نحو 725 كيلوغراماً. وهذه ليست سوى النفايات الصلبة البلدية »اللطيفة« نسبياً، اذ في كل سنة تقوم الصناعات الأميركية بقذف أو ضخ أو القاء 101 بليون كيلوغرام من المواد الخطرة في الجو والماء والأرض. والخبر السيئ فعلاً هو أن معظم البلايين الستة سكان هذا الكوكب بدأوا الآن يقتفون خطوات الولايات المتحدة والعالم المتطور الصناعي سائرين بسرعة في الطريق الملأى بالنفايات.
 
كادر
"ميكروكوزم" البشر بالارقام
لو استطعنا ان نقلص عدد سكان العالم الى 100 نسمة مع بقاء جميع نسب التوزع البشري كما هي، لكان هناك:
- 57 آسيوياً و21 اوروبياً و14 من نصف الكرة الغربي و8 افارقة.
- 70  شخصاً "ملوناً" و30 شخصاً أبيض.
- 50 في المئة من ثروة العالم في أيدي 6 اشخاص فقط جميعهم من الولايات المتحدة.
- 80 شخصاً يعيشون في مساكن غير لائقة.
- 70 شخصاً  لا يحسنون القراءة.
- 50 شخصاً  يعانون من سوء التغدية.
- شخص واحد تتوافر له الدراسة الجامعية.
- لن يملك أي واحد منهم جهاز كومبيوتر.
 
كادر
حال السكان في مدينة سلا: نموذج للنمو الديموغرافي في المغرب
تميز النمو الديموغرافي في المغرب بوتيرة متسارعة. فبين أول إحصاء سكاني عام 1960 وآخر احصاء سنة 1994، ازداد عدد السكان من 11,6 مليوناً الى 26 مليوناً بزيادة سنوية تقدر بـ420 ألف نسمة في المتوسط. ويتوقع أن يصل الى 53 مليون نسمة بحلول سنة 2014، أي بزيادة 448 ألف نسمة كل سنة. ويعيش أكثر من نصف سكان المغرب في المدن. وعلى مدى السنوات العشر المقبلة سيزداد سكان المدن من 13,273,000 الى 22,271,000 نسمة.
هذا التوسع الحضري لا يمر عادة في بلداننا من دون أن تكون له نتائج سلبية على النسيج السكاني  والبيئة والفقراء والمحدودي الدخل. فالتوسع الحضري، ولا يزال سريعاً، لا يكون مصحوباً في الغالب بالتجهيزات الأساسية. فلا تتيسر للبلديات والجماعات المحلية الامكانات والاستراتيجيات المحددة لمواجهة التوسع الكبير للمدن. وفي غياب التخطيط المسبق تزداد الحاجة الى البنى الأساسية، وتضاف أحياء عشوائية متناثرة في أنحاء المدينة، ولا تستفيق السلطات المحلية إلا والمشكلة صارت أعوص وأكبر من إمكاناتها المتوفرة. وتصير الجهود كلها عاجزة عن احتواء المشاكل الاجتماعية والأمنية في هذه الأحياء. فتضيق آفاق التنمية المستقبلية للمدن أمام مواجهة المشاكل المتراكمة، كتجهيز المناطق العشوائية أو اقامة أحياء مجهزة لنقل سكان أحياء الصفيح اليها. وهذا يتطلب امكانات مالية ضخمة غالباً ما تثقل كاهل المجتمعات المحلية بديون وتثقل موازنة الدولة وتعرقل مخططات التنمية.
العديد من المدن المغربية تعاني انتشار بيوت الصفيح نتيجة التوسع غير المنظم وتدهور الوضع في القرى وانبهار القرويين بمغريات المدن. فتكون الهجرة بحثاً عن حياة أفضل، مع القبول بأي سكن كيفما كان حاله، وان يكن مجرد سقف للاحتماء. أما البنى الأساسية للسكن اللائق فتأتي في درجة ثانية بالنسبة الى السكان باعتبار أنها ستأتي لاحقاً عندما يتم اعتراف السلطات المحلية بوجودهم.
مدينة سلا، مثلاً، التي تقع بجوار الرباط عاصمة المغرب، هي مدينة عريقة مميزة بأسوارها الشاهدة على أحداث تاريخية. هذه الأسوار كانت في ما مضى حصناً حصيناً للمدينة من كل خطر، الا أنها على مدى العقود الأخيرة لم تستطع الصمود أمام النمو الديموغرافي الحاد بين 1960 و1994 حين ارتفع عدد السكان من 76 ألفاً الى 600 ألف. وتشير آخر الأرقام الى 731 ألف نسمة. كما أن الكثافة السكانية ازدادت بين 1960 و1998 من 25 الى 39 شخصاً في الكيلومتر المربع.
عندما ضاقت الأسوار بأعداد الأسر المتكاثرة والوافدة من المناطق القروية المجاورة ومن العاصمة نفسها، بدأ توسع المعمار (الاسمنت المسلح) على حساب السواني (الأراضي الفلاحية الغنية) التي كانت على مشارف المدينة العتيقة. هذا التوسع لم يحصل بشكل يحافظ على الطابع المعماري الخاص بالمدينة، بل في غالبه الأعم أخذ شكل سكن عشوائي وأحياء صفيح ضمت أكثر من 55 في المئة من النسيج الحضري في 44 في المئة من مساحة المدينة. وهذه الأرقام تبرز مدى تدهور المظهر الحضري لمدينة سلا وكثرة المشاكل التي يعانيها سكان المدينة وتواجه القائمين بالشأن المحلي.
وطبقاً للمثل القائل "بيت الرجل قلعته"، فأقل ما يمكن توفيره للمواطن في مجال عيشه هو البنى الأساسية، خصوصاً امدادات الماء الصالح للشرب والتطهير وجمع القمامة. الا أن مناطق السكن العشوائي وبيوت الصفيح لا تحظى بهذه البنى. وتفتقر سلا الى هذه الخدمات التي تنعدم في أحياء كثيرة. فاذا كان 85 في المئة من السكان يستفيدون من شبكة التطهير، فان هذه النسبة تراوح بين 68 في المئة في المباني العشوائية و38 في المئة في أحياء الصفيح.
خدمات جمع القمامة كذلك غير كافية، بل منعدمة في مناطق كثيرة. وتراوح نسبة جمع القمامة المنزلية بين 30 و50 في المئة. والأحياء الفقيرة هي الأكثر حرماناً، والنتيجة انتشار القمامة في الممرات وقبالة المساكن مما يتسبب في انتشار الروائح الكريهة والحشرات وما تحمله من أمراض وعدوى. ويزيد خطورة المشكلة عدم توافر مكب عمومي خاص للنفايات. فما يجمع يرمى في المقالع الصخرية المهجورة بعد أن بلغت مستويات الحفر فيها أعماقاً تقترب من الطبقات المائية الجوفية. ويهدد الأمر بكارثة بيئية وصحية ناتجة عن تسرب عصارة النفايات الى المياه الجوفية. ثم ان بعض الجماعات ترمي النفايات على الشاطئ الصخري للمدينة مهددة البيئة الساحلية.
ولا يخفى على أحد ما للمناطق الخضراء من أدوار هامة على المستوى الجمالي والبيئي والنفسي. أما في سلا، فان أكثر من نصف مليون شخص يتقاسمون 17 هكتاراً من المساحة الخضراء موزعة بطريقة غير متوازنة بين الأحياء. وهذا الواقع الذي لا يتماشى مع المعايير الدولية هو نموذج للخلل في أحياء المدينة التي حرم أكثر من ثلثيها من أي مساحة خضراء.
وفي غياب دراسات حول تأثير هذا الوضع على صحة السكان، تبقى الملاحظة والانطباع هما المرجع. والملاحظ أن نسبة وفيات الأطفال مرتفعة في الأحياء المفتقرة الى التجهيزات الأساسية مقارنة مع نسبة الوفيات في الأحياء المحظية بالبنى التحتية.
فأي حياة؟ وأي مستقبل؟ وأي معنى للتدبير المحلي أمام ما نرصده من ظواهر وحالات مزرية تتساوى فيها حال البشر وحال محيطهم؟
 
كادر
الحي القديم في تعز اليمنية: سكانه فقراء ومياهه مكبات قمامة
 
تعز – من عبده عثمان اليوسفي
الحي القديم في مدينة تعز اليمنية من أكثر الاحياء كثافة في السكان، اذ يبلغ عدد قاطنيه نحو 65 ألف نسمة، غالبيتهم من الفقراء. سكان الحي القديم، أو "المدينة القديمة" كما يسميها البعض، يعملون في الأشغال اليدوية البسيطة وورش البناء والمطاعم الشعبية والتجارة البسيطة في محلات صغيرة أو على عربات خشبية جوالة. وتنتشر البطالة بينهم بشكل كبير.
يقع الحي القديم في حضن جبل صبر العملاق وتخترقه معظم السيول التي تتدفق من الجبل. وكانت هذه السيول تمثل كارثة سنوية تطمر المنازل وتشرد السكان، حتى جاء الفرج في مشروع حماية انجزت المرحلة الأولى منه في العام 1998 بانشاء قنوات خرسانية مفتوحة تستوعب السيول الجارفة. الا ان هذه القنوات تحولت مستنقعات لرمي النفايات وتصريف المجاري.
تمر القنوات المفتوحة في وسط الحي القديم. لكنها، وان أنقذت السكان من السيول، باتت تشكل خطراً حقيقياً في تلوث الحي وتلوث مياه سد العامرة شمال المدينة الذي تصب فيه مخلفات الحي القديم لدى انجرافها مع السيول. ويعتبر سد العامرة المصدر الوحيد لتغذية حقل الحوجلة المجاور الذي يضم عدداً من آبار المياه الجوفية التي تغذي مدينة تعز.
محمد علي الحاج، أحد أعيان الحي القديم، يقول ان من الاسباب الرئيسية لرمي القمامة في قنوات السيول هو اعتماد الأسر على أطفالها في اخراج النفايات. فهؤلاء يجدون أن أيسر طريقة في التخلص منها هي القنوات، حيث تتراكم وتتعفن وتنشر الذباب والروائح الكريهة لتصل الى كل بيت. والسبب الآخر أن جميع المنازل المطلة على القنوات ترمي قمامتها من نافذة المطبخ مباشرة، بل ان تصريف مجاري البيوت يتم في قنوات السيول. وهناك جزارون يقومون بالذبح في هذه القنوات. ويستنتج الحاج أن "السبب الرئيسي لكل هذه الأعمال هو فقدان الوعي لدى المواطنين وعدم وجود أي رادع قوي من البلدية لمعاقبة هؤلاء المستهترين".
الابقار والأغنام منتشرة في المدينة القديمة، وهي تصول وتجول من قمامة الى أخرى. بائع الحلوى يبيع الحلوى على قارعة الطريق ويشكو من تكاثر الذباب. وفي الجوار امرأة ترمي أكياس القمامة في قناة السيول مع أنها مرت بجانب برميل القمامة، وهي لا تدري الى أين تجرف السيول هذه المخلفات.
سمير خيري رضا، عضو مجلس النواب عن المدينة القديمة، أوجز أهم المشاكل التي تواجه أبناء منطقته: "لا اضاءة في الشوارع، ولا براميل قمامة كافية. ومعظم أبناء دائرتي من الفقراء والأميين، وهم دائماً بحاجة الى مساعدة وتوعية". ونوه بتنظيم يوم عمل لتنظيف "الحارات" في الشهر الماضي بالتعاون مع البلدية، مضيفاً أن هذه الأعمال لا تكفي، داعياً  الى التوعية المستمرة واشراك المجتمع المحلي في معالجة المشاكل البيئية.
 
كادر
سكان العالم العربي 284 مليوناً وزمن "الانفجار السكاني" ولّى
يتوزع سكان العالم العربي على 21 دولة: 9 دول في شمال وشرق افريقيا و12 دولة في جنوب غرب آسيا. ويبلغ مجموع سكانه حالياً أكثر من 284 مليون نسمة، أي ما يزيد قليلاً عن 4,7 في المئة من سكان العالم الذين تخطوا الستة بلايين. وكانت النسبة المئوية لزيادتهم بحدود 2,4 خلال العقد الاخير من الألفية الثانية. وينتظر أن يتضاعف هذا العدد خلال نصف قرن، ليصبح نحو 589 مليوناً سنة 2050، ولتصبح نسبة العرب حينذاك نحو 7 في المئة من سكان العالم. وسبب ارتفاع نسبة سكان العالم العربي لا يعود الى ارتفاع نسبة النمو الديموغرافي بين سكانه، وانما الى تراجع أعداد السكان في معظم البلدان الصناعية.
الدولة العربية الأكبر وزناً ديموغرافياً هي مصر، اذ يشكل سكانها 24 في المئة من مجموع سكان العالم العربي، في حين كانت هذه النسبة بحدود 26 في المئة في بداية القرن العشرين، لكنها قد تتراجع الى حدود 19 في المئة في منتصف القرن الحالي. وتتربع قطر والبحرين في أسفل سلم الوزن الديموغرافي العربي، حيث نسبة السكان في كل منهما 0,21 في المئة من مجموع سكان البلدان العربية وقد يستمران في الوضع نفسه على امتداد السنوات الـ 50 المقبلة.
والشعب العربي في مجمله شعب فتي، اذ 47,8 في المئة من مجموع اناثه دون الخامسة عشرة من العمر، وترتفع هذه النسبة قليلاً بين الذكور. أما نسبة الذين بين 15 و16 سنة من العمر فأقصاها 64,3 في المئة بين الاناث و63,4 في المئة بين الذكور في تونس، وأدناها 49 في المئة على حد سواء بين الاناث والذكور في اليمن.
تتمثل العناصر الناظمة لمستويات النمو السكاني في العالم العربي بظاهرتي الخصوبة والوفاة، اذ ان الهجرة، وهي الظاهرة الثالثة، ضئيلة الأثر في معظم البلدان العربية. وهكذا، فان الفرق بين معدلي الولادات والوفيات يمثل معدل النمو الديموغرافي. ويبلغ المعدل الاجمالي للخصوبة، أي متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة الواحدة، 4,6 أولاد. والمعدل الأعلى عربياً هو 7,6 في اليمن والأدنى 2,6 في لبنان. ويتوقع أن تتدنى خصوبة المرأة العربية 40 في المئة خلال السنوات الـ25 المقبلة بحيث يتدنى متوسط عدد مواليدها الى نحو 2,8.
أما الوفيات، فان معدلاتها تتراجع بسرعة في البلدان العربية منذ منتصف القرن العشرين، لما شهدته من تطور اقتصادي واجتماعي وانفتاح على الحداثة وعلى الأسواق العالمية، خصوصاً في المجالات الصحية. ومع أفول الألفية الثانية وصلت معدلات الوفيات في بعض البلدان العربية الى أدنى مستويات في العالم. لكن التباين كبير جداً، ففي حين يصل معدلها الى 3 في الألف في الكويت و4 في الألف في الامارات العربية المتحدة، فانه بحدود 18 في الألف في الصومال و14 في الألف في اليمن. والانعكاس المباشر لهذه الظاهرة يتمثل بالمتوسط المتوقع لعمر الانسان. فقد بلغ، مثلاً، نحو 40 سنة بين الاناث و38,5 سنة بين الذكور في الصومال عام 1990. أما على مستوى العالم العربي ككل، فان العمر المتوقع أن يعيشه المولود في أواخر الألفية الثانية هو نحو 68,5 سنة اذا كان أنثى و65,6 سنة اذا كان ذكراً.
وتشير المعطيات الاحصائية القليلة المتوافرة الى أن معدلات النمو الديموغرافي في بلداننا وصلت الى مستويات قياسية بحيث بلغت أكثر من ضعفي أو ثلاثة أضعاف ما كانت عليه أوروبا في مرحلة "انفجارها الديموغرافي" أواخر القرن التاسع عشر: 3,5 في المئة في العالم العربي و1,2 ـ 1,5 في المئة في أوروبا حينذاك.
ان زمن "الانفجار الديموغرافي" في البلدان العربية قد انتهى فعلاً، وشعوبها تمر حالياً في مرحلة التحول الديموغرافي. وتشير تقديرات الأمم المتحدة الى أن اجتياز هذه المرحلة قد يستغرق نحو نصف قرن، وهذا أقل من الوقت الذي استغرقته غالبية البلدان الأوروبية خلال مرحلة تحولها المشابهة حتى وصلت الى وقت أصبح فيه تنظيم النسل والحد من عدد الأولاد ضمن الأسرة سلوكاً مجتمعياً يطال جميع فئات المجتمع وشرائحه، اذ تطلب ذلك ما بين 80 و100 سنة. ويبدو أن سكان العالم العربي لا يختلفون في تطور سلوك الانجاب، باتجاه تحديد عدد المواليد ضمن الأسرة، عن أي بلد أوروبي، لكن لأسباب مغايرة وبمستويات متمايزة.
أسعد الأتات
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.