قال ارنست رينان في رسالة بعث بها من بيروت عام 1860 الى صديق له في فرنسا: "إن زهور لبنان رائعة الجمال، لا نرى لها مثيلاً في الدنيا قاطبة. حتى الملك سليمان في أوج مجده لم يكن يلبس ثياباً تضاهيها روعة. انظر الى نبتة بخور مريم، ما إن يقع نظرك عليها حتى تقف مشدوهاً أمامها ويسحرك جمال ورقها وروعة زهرها. تصور أمامك قطعة من الدنتيلا السوداء دقيقة التخريم في غاية الجمال، ترصع حقلاً من المخمل الأخضر الباهر. هذا في ما خص الورقة، أما الزهرة ببراءتها الفذة وقدها الممشوق فلا شبيه لها بين زهور العالم".
"نباتات لبنان المصورة" كتاب جديد صدر عن منشورات المجلس الوطني للبحوث العلمية، يضم صوراً ملونة ووصفاً لـ2579 نبتة لبنانية، صورها ودرسها الدكتور جورج طعمه والدكتورة هنرييت طعمه. ويلفت المؤلفان الى أن "نحو 52 في المئة من أزهار لبنان غير موجودة في أوروبا، منها 1185 نبتة خاصة بشرق البحر المتوسط، بما في ذلك 94 نوعاً يتفرد بها لبنان ولا نجدها في بلد غيره. كما أن هناك 13 نبتة متفردة ذكرت في الماضي، إنما باعداد ضئيلة جداً، وتعذر العثور عليها في ما بعد".
تمكن المؤلفان من تعريف وتصوير 2479 نوعاً من نباتات لبنان وأشجاره البرية. وهما لا يزالان يبحثان عن 118 نوعاً مفقوداً يأملان بالعثور عليها، "وإن كان الأمل ضعيفاً بعد كوارث الحرائق وتوسع العمران". كما أن هناك 59 نبتة جديدة تذكر على أنها من لبنان وتصور لأول مرة. وقد أسردت الأنواع بالتسلسل الأبجدي للأسماء العلمية، يتبعها الاسم الانكليزي فالفرنسي. الاسم العربي ورد كما هو شائع في بعض القرى أو كما ذكرته القواميس المتداولة. والى جانب كل نبتة ذكر اسم الموقع الذي أخذت فيه الصورة، مع نوع الموئل الذي تعيش فيه (قرب المياه، على الصخور، قرب البحر...) ووصف مختصر يتطرق الى أهم الصفات التي تسمح بالتعرف على النبتة.
وأشارت مقدمة الكتاب الى ان الرحالة الأجانب والمستشرقين في القرنين الماضيين جمعوا نباتات وحفظوها كهواية، وبعد عودتهم الى بلدانهم المختلفة أودعوها في المتحف الطبيعي الأقرب اليهم. وقد أهدى متحف باريس الى المجلس الوطني للبحوث العلمية نسخاً عن هذه العينات المهمة، ولا سيما النباتات التي اختفت، تم ضمّها الى المعشب الذي تبرّع به جورج وهنرييت طعمه الى المجلس. وعندما تعذر على المؤلفين العثور على بعض النباتات، عمدا الى تصويرها من نسخ متحف باريس وأدرجاها في كتابهما.
يقول أمين عام المجلس الدكتور معين حمزه في مقدمة الكتاب: "انه ليس فقط كتاباً علمياً بل تحفة فنية أضافها جورج وهنرييت طعمه الى كتبهما السابقة. فهما يساهمان مجدداً في إعلاء شأن بلدهما بالكشف عن كنوزه ولفت النظر الى ثرواته الطبيعية المهددة بالانقراض والدعوة الى وجوب العمل الدائم في مختلف الحقول البيئية بغية التعرف عليها".
ومن المعروف أن لكل بلد مجموعته الخاصة من النباتات، تعرف باسم "فلورا" وتعتبر جزءاً من التراث الطبيعي الوطني الحي. وكان أول توثيق مهم للفلورا اللبنانية في نهاية القرن التاسع عشر للباحث الأميركي الدكتور وليم بوست، الذي درّس في الجامعة الأميركية في بيروت مدة خمسين سنة، وفيها أيضاً نباتات سورية وفلسطين وسيناء. ومن بعده ظهرت بين 1966 و1983 الفلورا الجديدة للأب موترد الذي أتى فيها على ذكر كل من تكلم عن نباتات لبنان وسورية في الماضي، ولا سيما بواسييه (1846) وبلانش (1885) وبوست (بعد 1890).
وتجدر الاشارة الى ما ذكره ابن أبي أصيبعة (1203 ـ 1269) في كتابه "عيون الأنباء في طبقات الأطباء" عن رشيد الدين بن الصوري (نسبة الى صور، 1177 ـ 1241) الذي كان يجمع الأعشاب من جبال لبنان وسواها من المناطق المعروفة بنباتاتها الخاصة. وكان يصطحب معه رساماً يرسم له لوحات ملونة تغطي ثلاث مراحل من حياة كل نبتة: مرحلة الإنبات، ومرحلة الإزهار والنضج، ومرحلة اليباس.
الفلورا المصورة التي نتكلم عنها اليوم أهملت النباتات التي اختفت من لبنان في الأمس القريب أو قبل موترد، كما تتضمن النباتات الجديدة التي وجدها المؤلفان وسبق نشرها في "المجلة العلمية اللبنانية" الصادرة عن المجلس الوطني للبحوث العلمية.
قال الدكتور جورج طعمه لـ"البيئة والتنمية": "خلال نصف قرن زرت أنا وهنرييت كل مناطق لبنان، عدة مرات في السنة الواحدة وفي مختلف الفصول، من الحدود الجنوبية الى الحدود الشمالية ومن حرمون الى دير العشاير وحام ونحله وعرسال ورأس بعلبك والقاع، فالهرمل والقبيات، وقمم جبل لبنان وسفوحه الشرقية والغربية ووديانه، والمحميات الطبيعية وضفاف الأنهر والشواطئ الصخرية والرملية". وأضاف: "تابعنا بألم شديد التدهور السريع للموائل اللبنانية، وليست الحرائق أكثر العوامل خطورة، بل الجهل والجشع ولغة التكاذب".
"نباتات لبنان المصورة"، تأليف جورج وهنرييت طعمه. 616 صفحة من القياس الكبير. أكثر من 3000 صورة ملونة بعدسة المؤلفين. منشورات المجلس الوطني للبحوث العلمية، بيروت، 2007.