انهيار منازل في حي الكلاسة في حلب، ثانية كبرى المدن السورية، ومقتل أكثر من 33 شخصاً، أعادا الى الأذهان مشكلة السكن العشوائي التي استفحلت في السنوات الأخيرة من دون ضابط. وساهم الوضع المعيشي الصعب للمواطنين، والتحايل على القوانين لتحقيق مكاسب مالية على حساب الطبقات الفقيرة، في انتشار التجمعات السكانية العشوائية التي شوهت المظهر الحضاري للمدن السورية.
بعد أقل من أربعة أشهر على كارثة انهيار سد زيزون في حماه في يونيو (حزيران) الماضي، والتي أحيل بموجبها وزير الري الأسبق ومسؤولون آخرون الى التحقيق، أفاق سكان مدينة حلب في الثالثة والنصف من فجر 2 تشرين الأول (اكتوبر) على وقع كارثة جديدة للانهيارات التي شهدتها المدينة غير مرة في السنوات العشر الماضية. وبلغ عدد المنازل المنهارة 40 منزلاً كان يسكنها نحو 90 شخصاً.
ويتخوف سكان المنطقة من حدوث انهيارات جديدة في المنازل المجاورة. ونقلت صحيفة "الثورة" الحكومية عن محافظ حلب أسامة عدي أن معظم الأحياء المكتظة بالسكان يمكن أن تتحول في أي لحظة الى منطقة كوارث "كونها مخالفة للشروط الهندسية وواقع التربة وظروف البناء".
وقال رئيس الوزراء السوري محمد مصطفى ميرو أمام مجلس الشعب: "إن الحكومة قدمت مساعدات فورية الى الأسر المتضررة البالغ عددها نحو 70 أسرة، عبر منح كل أسرة مبلغ 15 ألف ليرة سورية (300 دولار) وتأمين السكن الموقت لها". لكن أعضاء من مجلس الشعب طالبوا بمحاسبة المسؤولين عن الكارثة والمتغاضين عن البناء العشوائي فوق الأراضي غير الصالحة للبناء جيولوجياً.
حي الكلاسة الشعبي في حلب أطلقت عليه تسمية "المغاير" بسبب وجود المغاور تحته. وهو من الأحياء الأكثر اكتظاظاً بالسكان، ويعود تاريخ الأبنية المنهارة الى أواخر الخمسينات. ولم يكن هذا الانهيار الوحيد في البلاد، إذ شهدت مدينة أريحا في الشمال العام الماضي انهيار مبنى من أربع طبقات راح ضحيته أكثر من 20 شخصاً، وحملت السلطات المحلية متعهد البناء مسؤولية انهياره. وفي العام نفسه انهار جدار مدرسة على التلاميذ في منطقة دمّر غرب دمشق، ذهب ضحيته أكثر من 15 تلميذاً.
وكانت مناطق المخالفات انتشرت في سورية نهاية خمسينات القرن الماضي بعد انتشار الصناعة في المدن وحاجتها الى عدد كبير من العمال، اضافة الى توافد عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين. فانتشرت الكتل الاسمنتية الهشة حول المدن الرئيسة، خصوصاً دمشق وحلب وحمص واللاذقية، مكان الأراضي الزراعية.
ولوقف البناء العشوائي، صدر عام 1960 قانون قضى بإزالة المخالفات بالهدم. لكن مدّ البيوت لم يتوقف، ولم تنفذ قرارات الهدم، ما أدى الى تفاقم المشكلة وازدياد الاحياء المخالفة حتى بدت مستعصية على الحل. وتبين الأرقام الرسمية ان نحو 14 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم 17 مليون نسمة طالتهم الهجرة الداخلية من الأرياف بحثاً عن مصدر للرزق. ويتركز هؤلاء حول المدن الرئيسة، بعد أن أقاموا تجمعات سكانية عشوائية وصلت فيها الكثافة السكانية الى حد الاشباع. وما تزال تلك التجمعات تربك المخططين وتكلف الخزينة ملايين الدولارات سنوياً عبر الاستجرار غير النظامي للكهرباء والماء. وتتصف مناطق المخالفات بعدم وجود القوة الانشائية الكافية لاستمرارها، خصوصاً وأن العديد منها أنشئ من المواد المستعملة. وتعاني هذه التجمعات من نقص الخدمات وارتفاع الكثافة السكانية.
وتشير دراسة أعدتها محافظة دمشق الى أن نحو 36 في المئة من سكان العاصمة يعيشون في تجمعات عشوائية بلغ عددها 43 تجمعاً مخالفاً، تفتقر الى أبسط الشروط الصحية. وهي عبارة عن بيوت رطبة لا تدخلها الشمس، بنيت بين ليلة وضحاها بعضها فوق بعض من دون أساسات متينة. وهي معرضة للانهيار فوق رؤوس ساكنيها في أي لحظة. وغالبية سكانها من الموظفين والطبقات الفقيرة. وحتى بعد إصدار الحكومة قانوناً عام 2000 يؤكد على البناء السكني المنظم ومعالجة حال الجمود العمراني والتخلص من الأخطاء المتراكمة، ما زالت بعض العقليات النفعية تلعب دوراً في استمرار المخالفات، وتحاول جاهدة افراغ القانون من مضمونه، على رغم محاولات الدولة التخلص من التشوهات العمرانية.
|