Wednesday 24 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
عماد فرحات المدن  
أيلول (سبتمبر) 2002 / عدد 54
 عام 1800، كان أهل المدن يشكلون 2% فقط من سكان العالم، وازدادوا الى 30% عام 1950، والى 47% عام 2000. وهم يزدادون نحو 180 ألف نسمة كل يوم. ويتوقع أن يعيش أكثر من نصف سكان العالم في مناطق مدينية بحلول سنة 2008. ومن أصل بليون فقير مدقع في العالم حالياً، يعيش نحو 750 مليوناً في مناطق مدينية من دون مأوى لائق وخدمات أساسية.
فما حال مدن العالم؟ وكيف تؤثر في بيئاتها؟ وكيف يتأثر السكان بالتوسع المديني؟
ينتج شعب السونغي في الكونغو أقنعة وتماثيل يشتريها في نيروبي تاجر من ميلانو. وصاحب مزرعة أبقار في الريف الكندي ينتقل بطائرته الصغيرة الى فانكوفر للقاء تاجر من سان فرنسيسكو. ومنقب عن الذهب في أدغال البرازيل يتابع على هاتفه الخليوي أسعار الذهب عن طريق وسيط في سان باولو. ومغنية شعبية من كازاخستان تضع أغانيها على شبكة الانترنت ليتلقفها معجبون في شانغهاي. ومهاجر بيروفي ثري في مدينة بيرث الاوسترالية يقدم المساعدة استجابة لاستغاثة على البريد الالكتروني من قرية في البيرو ضربتها الفيضانات.
لقد كانت الثورة الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر منطلقاً لمرحلة العولمة التي نشهدها حالياً. فبعدما بات المحرك البخاري والتلغراف والهاتف والمصعد من الوسائل التي تنقل الناس والبضائع والأفكار في كل الاتجاهات على نحو لم يسبق له مثيل من حيث الحجم والسرعة، أدى النقل الجوي والاتصالات الحديثة والتجارة المتحررة الى تحريك الاقتصاد العالمي بسرعة مذهلة. وشكلت المدينة النقطة المحورية للنشاط الاقتصادي العالمي، فهي مسرح الصفقات والقرارات ورحلات المغادرة والوصول. وهي المكان الذي لا يعير ايقاعات الطبيعة اهتماماً يذكر، حيث يمكن شراء وبيع كل شيء.
خلال المئتي عام المنصرمة من التوسع الاقتصادي العالمي، ازداد عدد سكان المدن من 30 مليوناً الى 3 بلايين حالياً. ومع مطلع الألفية الثالثة باتت هناك 19 مدينة "عملاقة" (megacity) يزيد عدد سكان كل منها على 10 ملايين نسمة، و22 مدينة يراوح عدد سكانها بين 5 و10 ملايين نسمة، و370 مدينة يراوح عدد سكانها بين مليون و5 ملايين نسمة، و433 مدينة يعيش في كل منها ما بين 500 ألف ومليون نسمة.
ازدياد سكنى المدن في القرن العشرين أوجد شبكة عالمية من مراكز المنافسة أرست الأسس المادية للعولمة اليوم. ومع انتقال السكان بأعداد كبيرة من الأرياف، أصبحت المدن أسواقاً رئيسية للعمالة وللتكنولوجيا المتطورة، ومراكز لتقديم الخدمات الاجتماعية والتعليمية وتصنيع الانتاج الزراعي والاستثمار التجاري والصناعي والعقاري وأوكاراً للجريمة والفساد.
يعيش 47% من سكان العالم في مناطق حضرية (مدينية أو شبه مدينية). ويتوقع أن يرتفع الرقم بنسبة 2% سنوياً. ومع حلول سنة 2007، يتوقع أن يعيش نصف سكان العالم في مناطق حضرية، في مقابل الثلث عام 1972، على أن ترتفع النسبة الى 65% سنة 2050. وأكثر التغيرات الحالية لفتاً للنظر مستويات التحضّر (سكنى المدن) في البلدان الأقل نمواً. فقد ارتفعت من 27% عام 1975 الى 40% عام 2000، بزيادة تفوق 1,2 بليون نسمة. وهناك دلالات على أن هذا الاتجاه سيستمر خلال السنوات الثلاثين المقبلة.
التمدين حول العالم
كان التحضر أحد أبرز تطورات القرن الماضي. ففي افريقيا، مثلاً، كان 5% فقط من السكان يعيشون في مناطق مدينية عام 1900، في مقابل 20% عام 1960 وحوالى 38% حالياً. ولئـن يكن معظم سكان افريقيا (62,1%) ما زالوا يعيشون في الأرياف، فان معدلات النمو المديني التي تربو على 5% سنوياً هي الأعلى في العالم. وارتفاع النمو المديني سببه غالباً الهجرة من الأرياف والنمو السكاني والكوارث الطبيعية والنزاعات. ففي موزمبيق، نزح حوالى 4,5 ملايين ريفي الى مناطق مدينية بسبب حرب أهلية اندلعت في ثمانينات القرن الماضي، بينما ثالث أكبر "مستوطنة" في سيراليون هي مخيم نازحين. ويغادر الناس الأرياف بسبب تدني الانتاجية الزراعية وانعدام فرص العمل والافتقار الى البنى التحتية المادية والاجتماعية.
ويقدر عدد سكان المدن في آسيا والمحيط الهادئ بنحو بليوني نسمة، أي 56% من مجموع السكان. ويبلغ معدل النمو المديني حوالى 2,7% سنوياً، أي أكثر 27% من المعدل العالمي البالغ 2,11%. وفي سبعة بلدان، هي اوستراليا واليابان وناورو ونيوكاليدونيا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية وسنغافورة، يزيد مستوى التحضر على 75%. وفي المنطقة 12 مدينة عملاقة من أصل 19 في العالم يزيد عدد سكانها على 10 ملايين، هي بيجينغ وكلكوتا ودلهي وداكا وجاكرتا وكراتشي ومانيلا وبومباي وأوساكا وسيول وشانغهاي وطوكيو. وقد بلغ التحضر في هذه المنطقة مرحلة الخطر، خصوصاً بسبب تزايد عدد الفقراء الذين يعيشون في المدن.
وازداد عدد السكان المدينيين في أوروبا باطراد خلال سبعينات وثمانينات القرن المنصرم. وكان هناك أيضاً تدفق كثيف من داخل المدن الى الضواحي. ومنذ الثمانينات استمر تمدد المدن نتيجة توسع البنى التحتية وارتفاع دخل العائلات مع تقلص حجمها وازدياد عددها. ويبلغ مستوى التمدين في أوروبا حالياً 75% وينمو بنسبة 0,3% سنوياً، ويتوقع أن يستقر في حدود 82%. وقد بدأت السلطات المحلية في أنحاء أوروبا تنفيذ الاجندات المحلية 21 وأجندات "الموئل" 21، وأقر عدد كبير منها شرعة المدن والبلدات الأوروبية، التي تركز على مفاهيم متكاملة تقود الى الاستدامة وتعاون أفضل بين المدن. وتبذل جهود لتخفيف تلوث الهواء والمياه من خلال خفض ومنع تصريف معظم المواد الملوثة والخطرة، وتوفير حوافز تشجع على اعادة تدوير النفايات. لكن تزايد تلوث الهواء الناتج عن السيارات ما زال مشكلة كبيرة. وتعاني المدن الأوروبية مستويات مرتفعة من التلوث الذي له علاقة باستهلاك الطاقة، مما يؤدي الى تزايد الأمراض الرئوية المزمنة والوفيات. وفي أوروبا الشرقية يشكل استعمال أنظمة التدفئة الجماعية القديمة وحرق الفحم سبباً رئيسياً للتلوث. والضوضاء مشكلة بيئية مدينية أخرى. فأكثر من 30% من سكان المدن الأوروبية يعيشون في مساكن تتعرض لمستويات عالية من ضجيج الطرق.
أميركا الجنوبية كانت حضرية بواقع 50% عام 1960. وبين عامي 1972 و2000 ارتفع عدد سكان الحضر من 176 مليوناً الى 391 مليوناً. وباتت النسبة الآن في حدود 75%. أنماط التحضر في المنطقة، باستثناء البرازيل، تشتمل عادة على مدينة واحدة كبيرة جداً في كل بلد. ومثال على ذلك ليما عاصمة البيرو التي يقطنها أكثر من 7,4 ملايين نسمة، أي نحو 30% من مجموع سكان البلاد، وثاني أكبر مدينة هي اركويبا التي يقل عدد سكانها عن 700 ألف نسمة. واضافة الى توسع المناطق المدينية القائمة، حدث أيضاً تحضير في بعض المناطق الريفية. فبات 61% من سكان الأمازون يعيشون في مناطق حضرية. وتتركز نسبة كبيرة من الفقر في المناطق المدينية، حيث 40% من سكان مكسيكو سيتي وثلث سكان سان باولو هم على خط الفقر أو تحته. وبين عامي 1970 و2000، ارتفع عدد فقراء المدن في المنطقة من 44 الى 220 مليوناً، ومعظمهم يقيمون في مساكن غير لائقة داخل أحياء عشوائية تفتقر الى الخدمات الأساسية.
أما في أميركا الشمالية، فقد ازدادت نسبة سكان المدن من 74% عام 1972 الى 77,2% عام 2000، مما جعلها المنطقة الأكثر تمديناً في العالم. وتبرز في كثير من مدن المنطقة مضاعفات سياسية واجتماعية واقتصادية رئيسية. وأصبح الاقصاء الاجتماعي والفرز المديني وأعمال العنف ظواهر منتشرة. وفي الولايات المتحدة، تقول الرابطة الوطنية للمدن ان التوتر العرقي هو القضية الرقم واحد التي تواجه المدن. وتؤوي أميركا الشمالية 5% فقط من سكان العالم، لكنها مستهلك رئيسي لموارده الطبيعية في العالم ومنتج رئيسي لنفاياته. فالأميركي العادي يستهلك من الطاقة نحو 10 أضعاف ما يستهلكه الصيني و20 ضعف ما يستهلكه الهندي وأكثر من خمسة أضعاف معدل الاستهلاك العالمي. وتنتج أميركا الشمالية أيضاً نفايات بلدية صلبة أكثر من أي منطقة أخرى في العالم.
البيئة في المدن
تؤثر المدن في بيئتها بأشكال مختلفة، منها تحويل الأراضي الزراعية أو الحرجية للاعمار والتصنيع والبنى التحتية، وتجفيف الأراضي الرطبة، واقتلاع الصخور واستخراج الرمل للبناء. وثمة تأثيرات أخرى تمتد الى أماكن بعيدة، مثل تلوث الأنهار والبحيرات والسواحل بنفايات الصرف غير المعالجة. كما يؤثر تلوث هواء المدن، خصوصاً من وسائل النقل، على صحة المقيمين وعلى النباتات والتربة حتى في مسافات بعيدة. والتمدين في المناطق الساحلية كثيراً ما يضر بالنظم الايكولوجية الحساسة، كما يمكن أن يعدل خصائص المياه الساحلية وموائلها الطبيعية، مثل غابات المنغروف (القرم) والشعاب المرجانية التي تشكل حواجز تمنع انجراف التربة الساحلية كما توفر موائل مهمة للكائنات البحرية والبرية.
يقدر أن أكثر بليون نسمة حول العالم يعيشون في مستوطنات مدينية تزيد فيها مستويات تلوث الهواء على المقاييس المتعارف عليها. ويعود السبب الى تنامي عدد السيارات وازدياد النشاط الصناعي. كما يشكل حرق الحطب والمخلفات الزراعية، مصدراً آخر لتلوث الهواء في كثير من المناطق الفقيرة. وازدياد الاعتماد على السيارات الخاصة لا يؤدي فقط الى اخلاء الأراضي لانشاء مزيد من الطرق، بل يزيد من انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون والرصاص والزنك والنحاس. في القاهرة، مثلاً، تكوّن منفوثات 1,2 مليون سيارة والغبار الصحراوي الذي تحمله الرياح سحابة دائمة فوق العاصمة المصرية، وتعتبر مستويات الجسيمات العالقة في الهواء والتلوث بالرصاص من الأعلى في العالم، ما يعرض 10,6 ملايين نسمة لاضطرابات في التنفس. ولمواجهة هذا الخطر، عمم استعمال الوقود الخالي من الرصاص في القاهرة، على أن تتبعها بقية المدن المصرية أواخر هذه السنة.
وتبلغ التكاليف الصحية لتلوث هواء المدن نحو 100 بليون دولار سنوياً. ويقدر أنه يقتل ما بين 2,7 و3 ملايين نسمة كل عام، حوالى 90% منهم في العالم النامي. ويموت أكثر من 50 ألف شخص في 36 مدينة هندية سنوياً بسبب تلوث الهواء. وفي الصين، يتسبب تلوث الهواء في وفاة 170 الى 280 ألف شخص كل سنة. وتزيد من نسبة التلوث عوامل طبيعية وجوية لها علاقة بموقع المدن. فمدينة مكسيكو سيتي، مثلاً، تقع في واد يحتبس الملوثات التي تسبب ضباباً دخانياً. ويقدر أن ارتفاع مستويات التلوث هذه يسبب أكثر من 6500 وفاة كل سنة. وتقدر كلفة تلوث الهواء في البلدان النامية بما بين 5% و20% من الناتج المحلي الاجمالي، مقابل 2% في البلدان المتقدمة.
السيارات هي الملوث الأكبر لهواء المدن. وتزداد حالياً محاولات تخفيف هذا التلوث بتعزيز النقل العام وتعميم البنزين الخالي من الرصاص وتشجيع صناعة السيارات "الخضراء"، وان يكن تسويقها التجاري الموسع لا ينتظر قبل عشر سنوات. وما زال ركوب الدراجة الهوائية قليلاً في معظم مدن العالم. ففي بلدان الاتحاد الأوروبي يشكل ما معدله 5% فقط من جميع الرحلات. لكنه في بعض البلدان أعلى من ذلك بكثير. فهو، مثلاً، 18% في الدنمارك، و27% في هولندا. والشخص في هولندا يقطع على الدراجة في المتوسط 850 كيلومتراً في السنة. ويشكل ركوب الدراجات 50% من جميع الرحلات في وسط معظم المدن. وفي الصين ما زال النقل غير المعتمد على محركات هو الوسيلة المهيمنة على تحرك الناس. ففي مدينة شنغهاي، مثلاً، حيث وسائط النقل العام والدراجات طريقتا النقل الرئيسيتان، هناك أسطول من نحو 6500 حافلة وعربة ترولي تتوزع على شبكة تضم 327 طريقاً عاماً على امتداد المدينة وتنقل 5700 مليون راكب سنوياً. وفي الوقت ذاته، هناك 3,5 مليون دراجة تجوب أنحاء المدينة، بواقع 40% من جميع الرحلات (دراجة لكل 2,2 مواطن)، ويشكل ركوب السيارات 3,5% فقط من جميع الرحلات. وفي العاصمة بيجينغ يتم 71% من جميع الرحلات اليومية سيراً على الأقدام أو بواسطة الدراجات.
وتعاني المناطق الحضرية من ازدياد حجم النفايات الصلبة بسبب النمو السكاني وارتفاع مستويات الاستهلاك. وكثيراً ما يفوق حجم النفايات قدرة السلطات البلدية على جمعها ومعالجتها والتخلص منها. ويبقى كثير من النفايات الصلبة من دون جمع، ويتم التخلص منه أحياناً في المجاري المائية والأراضي المكشوفة أو يحرق في الشوارع. ففي أواسط التسعينات أنتجت مانيلا عاصمة الفيليبين 6300 طن من النفايات الصلبة يومياً، لكن مطامرها لم تستطع استيعاب أكثر من نصف هذه الكمية.
ووجود نظم غير ملائمة لادارة النفايات يسبب تلوثاً وأخطاراً صحية، خصوصاً في مدن البلدان النامية. وتواجه المدن في البلدان المصنَّعة أيضاً نتائج تقنيات الانتاج الجائرة بيئياً والطرق غير الملائمة للتخلص من النفايات التي كانت تمارس في الماضي. وهذا أدى الى أشكال مختلفة من التلوث، مثل تكون "الحقول السمراء"، وهي مناطق صناعية سابقة مهجورة تتعذر اعادة تطويرها بسبب مشاكل بيئية حادة وعدم توافر المعلومات الكافية عن التلوث الحاصل فيها. وتشكل النفايات الخطرة، ومنها نفايات المستشفيات، أخطاراً محتملة على الصحة والبيئة نتيجة التعامل معها بطرق غير صحيحة في بعض الأحيان.
ويتراوح الانتاج السنوي للنفايات من 300 ـ 800 كيلوغرام للشخص في البلدان الأكثر تقدماً الى أقل من 200 كيلوغرام للفرد في البلدان الأقل تقدماً. ويقدر أن الوحول الناتجة عن محطات معالجة النفايات السائلة ازدادت في الاتحاد الأوروبي من 5,2 الى 7,2 مليون طن خلال الفترة 1992 ـ 1998، ويتوقع أن تزداد أكثر. وفي غالبية البلدان الأوروبية، ما زالت المطامر الوسيلة الأكثر انتشاراً لمعالجة النفايات على رغم النقص في المواقع المتوافرة.
ويشكل توفير امدادات مائية كافية ومأمونة للاستعمالات المنزلية والصناعية مشكلة كبرى في معظم المدن. والتلوث الناجم عن الاخفاق في تحقيق الادارة السليمة والمتكاملة للمرافق العامة والبنى التحتية يؤثر على البيئة الحضرية والصحة العامة. فحسب التقرير الوطني لنوعية المياه الذي أدرجه لبنان في دراسة هيكلية الاستراتيجية البيئية عام 1996، تبين أن حوالي 70% من الموارد المائية الطبيعية وأنابيب المياه معرضة للتلوث الجرثومي، وأن 66% من شبكات مياه المدن و78% من شبكات مياه القرى هي ملوثة فعلاً بالجراثيم. كما تبين غياب المعالجة اللازمة للنفايات السائلة المتدفقة من المصانع في الشبكات الحضرية، التي تصب مباشرة في الأنهار والجداول التي تروي مساحات كبيرة من المناطق الزراعية المتاخمة للمناطق الحضرية. هذا فضلاً عن التسرب الجرثومي الى المياه الجوفية. كما أشارت الدراسة الى ارتفاع درجات التلوث من جراء انعكاس استنزاف الموارد المائية الشحيحة على كفاءة شبكات مياه الشفة، الأمر الذي يؤثر في مستوى المنسوب المائي.
وتعتبر الطفوحات، وهي تراكم مياه الصرف الصحي في الطرق، أحد الأسباب المباشرة في ارتفاع درجة التلوث في المدن، وتدني المستوى الصحي العام، وكذلك تدهور الشروط الصحية والأمنية لسكانها. وفي حال مصر، أدى التوسع في شبكات مياه الشرب على حساب شبكات الصرف الصحي الى عجز هذه الأخيرة عن استيعاب كميات المياه المنصرفة وانتشار المياه الملوثة، مما أدى الى تشقق وتصدع بل وانفجار بعض أجزاء الشبكة في القاهرة، وتسرب المياه العادمة على شكل طفح في المناطق المنخفضة من العاصمة.
وفقراء المدن، العاجزون عن حماية أنفسهم من الأوضاع البيئية المؤذية، هم الأكثر معاناة من التأثيرات السلبية للتحضّر. وقد رافق نمو المدن الكبرى، خصوصاً في البلدان النامية، زيادة في الفقر الحضري. ويضطر الفقراء الى العيش في تجمعات عشوائية مزدحمة على أراض هامشية داخل المدن أو في محيطها، وأحياناً في مناطق عرضة لأخطار بيئية مثل الفيضانات وانزلاق الأراضي، وتخلو من خدمات أساسية مثل توصيلات المياه والمجاري والرعاية الصحية ومرافق ادارة النفايات.
وانتشار المستوطنات العشوائية في المناطق المدينية رافقه نقص في مياه الشفة وشبكات المجاري. فمدينة جوهانسبورغ في جنوب افريقيا، مثلاً، تضطر الى استجرار الماء من مرتفعات ليسوتو على بعد أكثر من 600 كيلومتر. وفي مدينة مومباسا الكينية، تنعم أحياء قليلة بامدادات مائية مستمرة، بينما أحياء أخرى لم تجر في أنابيبها نقطة ماء منذ سنوات. وفي قسم من العاصمة السنغالية دكار يتوافر أنبوب ماء عمومي واحد لكل 1513 شخص. وفي مناطق كثيرة من لواندا عاصمة أنغولا هناك أنبوب ماء لكل 600 ـ 1000 شخص. وفي نواكشوط الموريتانية أنبوب لكل 2500 شخص. وفي عدد من المدن الهندية لا تتوافر المياه إلا لمدة ساعتين كل 48 ساعة. وما زالت شبكات المجاري في كثير من المدن الكبرى عاجزة عن تلبية حاجات تجمعات كثيفة، فيتم تصريف المياه المبتذلة مباشرة في مصارف الأمطار أو المجاري البلدية، أو التخلص منها في حفر صحية سيئة الاعداد.
وهناك فارق كبير بين الواقع والاحصاءات الرسمية في ما يتعلق بالتمديدات الصحية. فالاحصاءات الرسمية تشير الى أن أكثر من نصف سكان المدن في افريقيا تأمنت لهم منذ منتصف التسعينات تمديدات صحية وافية، وكذلك الحال بالنسبة الى ثلثي السكان في آسيا ونحو ثلاثة أرباع السكان في أميركا الجنوبية والكاريبي. لكن هذه الأرقام لا يمكن الركون اليها بمعناها الظاهري. فقد قيل، مثلاً، ان 100% من سكان المدن في جامايكا كانت تتوافر لهم تمديدات صحية في أوائل التسعينات، لكن دراسة شملت كينغستون، أكبر مدينة في ذلك البلد، تشير الى أن 18% فقط من السكان تتأمن لهم شبكات المجاري، و27% لديهم حفر تصريف، و47% يستعملون مراحيض ذات حفر صحية، و8% ليس لديهم أي مرافق صحية. وهناك شك أيضاً حول صدقية احصاءات تظهر أن التمديدات الصحية مؤمنة لسكان المدن الافريقية بنسب مرتفعة في تلك الفترة تبلغ 99% في زيمبابوي و94% في اوغندا و97% في أثيوبيا.
العائلات التي لا تتوافر لها تمديدات صحية افرادية أو مشتركة داخل منازلها أمامها ثلاثة احتمالات فقط: اللجوء الى المراحيض العامة أو التغوط في الخلاء أو في مستوعب يتم التخلص منه. وفي معظم المدن الهندية نسبة كبيرة من العائلات ذات الدخل المنخفض محرومة من التمديدات الصحية في منازلها. وقد وجدت دراسة أجريت في مدينة بون بولاية مهارشترا الهندية انه لا يوجد في المستوطنات التي تعاني أسوأ الخدمات إلا مرحاض واحد لكل 2500 مواطن. وفي مدينة دلهي، أظهرت دراسة أجريت عام 1990 ان 480 ألف عائلة في 1100 "مستوطنة أكواخ" لا يتوافر لها الا 160 مرحاض ثابت و110 مراحيض متنقلة.
وهناك مشاكل أخرى في المناطق المدينية، مثل نقصان الحيز الأخضر والتلوث الضوضائي والتشوه العمراني والروائح الكريهة. وهذا يثبط معنويات المواطن وينعكس لامبالاة عامة. ان المشاكل البيئية في المدن تنجم عن احتشاد عدد من المؤثرات السلبية، والتخطيط المُدُني الجيد يقلل من هذه المؤثرات. والخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي أن تولي الحكومات التنمية المدينية اهتماماً خاصاً في سياساتها الاقتصادية. ومن أهم عناصر الادارة البيئية المدينية زيادة كفاءة الموارد، وتحسين البنية التحتية للامدادات المائية، وتحسين طرق معالجة النفايات السائلة، وخفض انتاج النفايات، ووضع برامج لاعادة تدويرها، واستحداث نظم أكثر فعالية لجمعها، والتزام الصناعة بالمعايير البيئية، وتوفير أنظمة فعالة للنقل العام.
كادر
حقائق حول المدن
في مدن العالم النامي، تعيش عائلة من كل أربع عائلات في فقر. و40% من عائلات المدن في افريقيا و25% في أميركا الجنوبية يعيشون تحت خط الفقر المحدد محلياً.
أقل من 35% من مدن العالم النامي تعالج نفاياتها السائلة.
ما بين ثلث ونصف النفايات الصلبة الناتجة داخل غالبية المدن لا يتم جمعها في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
49% من مدن العالم وضعت خططاً بيئية مدينية.
60% من مدن العالم تشرك المجتمع المدني في الرأي قبل تنفيذ مشاريع عامة رئيسية.
الحافلات الكبيرة والصغيرة هي أكثر وسائل النقل استخداماً في المدن، تليها السيارات، ومن ثم السير على الأقدام.
5,8% من الأطفال في مدن العالم النامي يموتون قبل بلوغ سن الخمس سنوات.
لدى 75% من بلدان العالم دساتير أو قوانين وطنية تقر بالحق في سكن ملائم.
لدى بلد من كل أربعة بلدان في العالم النامي دساتير أو قوانين وطنية تمنع النساء من امتلاك أرض أو تسجيل رهونات بأسمائهن.
في 29% من مدن العالم النامي مناطق عاصية على رجال الأمن أو تشكل خطراً عليهم.
كادر
المدن العربية: نمو اقتصادي وتوسع واكتظاظ
النمو الاقتصادي السريع الذي حدث في معظم البلدان العربية خلال العقود الثلاثة الماضية رافقه ارتفاع في عدد السكان وتزايد في التحضر. فقد حصلت هجرة مكثفة من الأرياف الى المدن في جميع البلدان تقريباً، وكذلك هجرة للعمال الوافدين، خصوصاً الى بلدان مجلس التعاون الخليجي. وتستأثر المناطق المدينية اليوم بنحو 56% من مجموع سكان العالم العربي البالغ 270 مليوناً. وينمو عدد سكان المدن بمعدل 3,7%، ويتوقع أن يصل مع حلول سنة 2020 الى 260 مليون نسمة، أي 66% من المجموع المتوقع عند ذاك وهو 395 مليوناً.
تضم البلدان العربية تنوعاً كبيراً من النظم الاقتصادية والاجتماعية. ويبقى النمو السكاني هو التحدي الرئيسي، فمعدلاته في بعض البلدان تراوح بين 3 و5,5% سنوياً. وقد شهدت سلطنة عمان، مثلاً، تحولاً حضرياً هائلاً، اذ ازداد عدد سكان المدن من 11,4% عام 1970 الى 84% سنة 2000. ويزيد مستوى التحضر حالياً في جميع بلدان شبه الجزيرة العربية على 84%، ما عدا اليمن حيث هو 24% فقط، في حين يبلغ 45% في مصر و36% في السودان. وفي العام 2000 كــان معظم سكان البحرين (92,2%) والكويـت (97,6%) وقطــر (92,5%) يعيشون في مناطق مدينية.
لقد تراجع متوسط معدل النمو السنوي لسكان المدن في المنطقة العربية خلال العقود الثلاثة الماضية من 6,1% عام 1972 الى 3,7% عام 2000. وعلى رغم أن المناطق الحضرية تؤوي معظم السكان، فان عدد السكان الذين يعيشون في مدن يزيد عدد سكانها على مليون نسمة ما زال صغيراً. ففي 1975، كانت هناك مدينتان عربيتان آسيويتان فقط، هما بغداد ودمشق، يزيد عدد سكان كل منهما على مليون نسمة، أي ربع عدد سكان المدن في المنطقة. وتضاعف عدد المدن الكبرى كل عشر سنوات، فبلغ 12 مدينة عام 2000.
يرتبط التمدين بالتطور الاقتصادي الذي حدث في المنطقة وحوَّلها من حياة رعوية بدوية الى مجتمعات تصنيع وخدمات. ويتزامن نمو السكان المدينيين مع نمو في الفقر المديني. ومعظم المدن العربية مزدحمة وتعاني من ارتفاع مستويات تلوث الهواء الناتج من ازدياد حركة النقل واستهلاك الطاقة والانتاج الصناعي. ومع توسع المناطق المدينية، تتحول الأراضي الزراعية والموائل الساحلية والغابات الى مناطق سكنية وصناعية. فبين عامي 1970 و1985، ازدادت مساحة مدينة دبي من 18 كيلومتراً مربعاً الى 110 كيلومترات مربعة، تحقق جزء منها عن طريق ردم السواحل. واستمرار أعمال الردم على سواحل البحرين بهدف اقامة مشاريع تنموية أدى الى تغير مستمر في شكل الجزيرة، فازدادت مساحتها من 662 كيلومتراً مربعاً عام 1975 الى 709 كيلومترات مربعة عام 1998.
ويقدر أن انتاج النفايات البلدية في منطقة الخليج ازداد من 4,5 ملايين طن سنوياً عام 1970 الى 25 مليون طن عام 1995. وكان معدل انتاج النفايات للفرد سنوياً 430 كيلوغراماً في البحرين و750 في دبي و511 في الكويت و551 في عُمان و510 في قطر، أي أكثر من ضعفي المعدل في البلدين المشرقيين العراق (285 كيلوغراماً) وسورية (185 كيلوغراماً).
وفي معظم بلدان شبه الجزيرة العربية، يشمل النمو تحويل مواد أولية، مثل النفط، الى منتجات صناعية. وهناك صناعات أخرى، مثل توليد الكهرباء وانتاج مواد كيميائية وتكرير النفط والتعدين والطباعة، تنتج أيضاً كميات كبيرة من النفايات الخطرة والسامة التي لها تأثيرات صحية. وتفتقر بعض بلدان المنطقة الى مرافق مناسبة للتعامل مع النفايات الخطرة، وهذا يؤدي الى رميها غالباً في الأراضي العامة والمياه الساحلية أو في مجاري المياه البلدية.
وتفتقر المدن الرئيسية والعواصم العربية الى الادارة السليمة للموارد البيئية الرئيسية، وأهمها المياه والتربة والطاقة. وهي في تسارع زمني لصد أزمة توفير الموارد المائية وحسن ادارتها في بيئة مهددة بالتلوث والجفاف، مما دعاها الى استخدام الموارد المائية غير التقليدية، مثل مياه البحر المحلاة ومياه الصرف الصحي المعالجة.
ولعل التهديد الذي يواجه التوازن البيئي الحضري، والذي تجسده مظاهر الخلل المتنوعة المنشأ، هو أخطر ما خلفه التحضر في المدن التي تعاني من أزمة بيئية متمثلة بأزمة اسكانية حادة، وبتكريس ظاهرة الاكتظاظ الحضري، وانتشار مناطق الاستيطان العشوائي و"ترييف المدن"، وانعكاسات "تمدين الريف" على المراكز الحضرية القائمة، وازدياد معدلات التلوث البيئي، وكذلك قصور المرافق العامة والبنى التحتية، وارتفاع معدلات البطالة، بل وحتى الأمية. هذا الى جانب المقومات التنظيمية للمسكن ولمتوسط المساحة والشروط الصحية والبيئية المؤمنة فيه، وكذلك وفرة الخدمات الحضرية الأساسية كتأمين مياه الشفة وخدمات الصرف الصحي والكهرباء والهاتف والتخلص من النفايات، الى جانب تأمين المسالك والطرق والمحاور للوصول الى التجمعات السكنية، اضافة الى توفير المرافق الاجتماعية والتعليمية والصحية والحدائق والمساحات الترويحية وقرب أماكن العمل.
وتنجم عن ظاهرة الاكتظاظ في الوحدات السكنية آثار بيئية تحمل أبعاداً اجتماعية ونفسية. فعلى سبيل المثال، يبلغ معدل الكثافة أعلى مستوى له في فلسطين (3 أفراد للغرفة)، وتأتي اليمن في المرتبة الثانية (بمعدل 86،2 فرد للغرفة)، فالأردن (51،2 فرد للغرفة)، ثم العراق (بمعدل فردين للغرفة). أما أقل المعدلات فهي في البحرين والكويت وقطر، حيث تقل عن فردين للغرفة.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.