Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
"البيئة والتنمية" (بالي) المحاسبة البيئية: فشل تجربة بوبال  
تموز-آب (يوليو-اوغسطس) 2002 / عدد 52-53
 عشرات آلاف الناشطين البيئيين ينتظرون ممثلي الحكومات الى قمة الأرض الثانية، للضغط من أجل وضع حد للممارسات الاجرامية لبعض الشركات الكبرى، التي تنتهك الموارد الطبيعية وتلوِّث بلا قيود. وتمتلك هذه الشركات قوة اقتصادية هائلة تجعلها تؤثر في السياسات الوطنية لحكومات الدول، كبيرها وصغيرها. فالموقف الأميركي ضد اتفاقية تغيّر المناخ لم يكن إلا تعبيراً عن سطوة الصناعات الأميركية الضخمة على القرار السياسي. وتقف منظمة غرينبيس في طليعة هيئات أهلية تطالب الحكومات الالتزام باتفاقية دولية لمحاسبة الشركات الكبرى على الأضرار البيئية التي تسببها عملياتها.
وتقول غرينبيس ان الحكومات غالباً ما تغض النظر عن تجاوزات الشركات، كما حصل في كارثة بوبال الكيميائية قبل 18 سنة. فعدا عن بعض التسويات الطفيفة بين الشركة الأميركية صاحبة المصنع في المدينة الهندية والحكومة المحلية، لم تنفذ الشركة برامج بحجم الضرر لمساعدة ضحايا أكبر كارثة تلوّث كيميائي في العالم على بناء حياتهم من جديد. كما أن موقع الكارثة ما زال ملوثاً ومليئاً بأطنان من النفايات الخطرة.
وتطالب غرينبيس الحكومات باعتماد عشرة مبادئ تدور حول فكرة محاسبة الشركات، وقد تمت تسميتها "مبادئ بوبال" لأن كارثة بوبال، أكثر من أي كارثة أخرى، تلقي الضوء على فشل الحكومات في حماية مصالح شعوبها، وفشل الشركات في التقيّد بمعايير اساسية، كأن تتفادى الشركة الأم المسؤولية القانونية عن أعمال فروعها في دول أخرى، كما تتفادى المسؤولية لناحية التعويض أو تنظيف البيئة.
التلوث الدائم
في 3 كانون الأول (ديسمبر) 1984 شهد العالم أسوأ كارثة تلوث كيميائي حصلت على الاطلاق، عندما تسرب غاز من معمل "يونيون كاربايد" في بوبال، الهند، وقتل على الاقل 8000 عامل ومواطن في الأيام الثلاثة الأولى بعد الكارثة، وتسبب في اضرار دائمة لاكثر من 150 ألف شخص. هذه المأساة الناجمة عن تسرب خليط من المثيل ايزوساينايد وغيره من الكيميائيات الخطرة في المنطقة المحيطة بالمعمل نتجت فعلياً عن خلل في انظمة الحماية الضعيفة ومقاييس تعتمد على خفض الكلفة من قبل "يونيون كاربايد".
لقد مضى 18 عاماً على هذه الكارثة المأساة، وما زال إرث التلويث مستمراً. ما زال الناجون المرضى يعانون حتى اليوم، وهم بأمس الحاجة الى اهتمام طبي. ما زال آلاف الناجين والاطفال الذين ولدوا بعد الكارثة يعانون من مشاكل صحية مزمنة، والكثير منهم لا يمكنه العمل. المصنع الكيميائي المهجور هو اليوم بؤرة تلوث سام، تنتشر فيها النفايات والمعدات السامة التي تم رميها هناك أو اتفق على تخزينها في أكياس او براميل أصبحت فاسدة. كما توجد دلائل على ان الملوثات قد تسربت من المعمل مخلفة مشاكل جديدة، منها تلويث المياه الجوفية التي تشربها العائلات التي تعيش قرب الموقع.
بتحريف المسؤولية عن الكارثة ووضعها على عاتق الحكومة الهندية، نجحت "يونيون كاربايد" في التهرب من واجباتها. وبمحاولتها التقليل من أهمية وخطورة الكارثة في سعيها للحد من مسؤولياتها، بينت افلاسها الاخلاقي والمعنوي. فقد اندمجت "يونيون كاربايد" لاحقاً مع "داو كيميكالز" ليصار الى خلق أكبر شركة للكيميائيات في العالم. ولا تبدي "داو" أية علامات استعداد لتحمل المسؤولية عن ارث بوبال. وتبقى العدالة وهماً بالنسبة الى ضحايا هذه الكارثة.
مبادئ بوبال
تستفيد الشركات من السوق العالمية لتطوير تجارتها، ولكن لا يتم محاسبتها على المستوى العالمي. لذلك تطالب غرينبيس باتفاقيات دولية لضمان الاستدامة تتعلق بمدى مسؤولية الشركات ومحاسبتها. ويجب أن تشمل الاتفاقيات من ضمن أهدافها تعويضات عن الأضرار ومعالجة للمشكلة، بالاضافة الى حق المعرفة واحترام حقوق الانسان والجماعات. وتشكل محاسبة الشركات موضوعاً مشتركاً مثيراً للاهتمام لكثير من الجماعات التي تقوم بحملات تتعلق بحقوق الانسان والبيئة والتنمية والعمال. فجرائم الشركات في كل القارات هي عبارة عن أعمال صناعية في قطاعات مختلفة، مثل الصناعات والكيميائيات والغابات والنفط والتعدين والهندسة الجينية والطاقة النووية والاعمال العسكرية والصيد، وهي توضح الحاجة الى ضرورة السيطرة والمراقبة والمحاسبة لأعمال الشركات في الاقتصاد العالمي. إن معارضة حكومات الدول الصناعية لاتفاقية دولية تسعى الى محاسبة الشركات، تثبت تزايد سيطرة الشركات على الحكومات، كما تثير شبهات بشأن النيات الحقيقية لأي برنامج بيئي أو اجتماعي تسوقه الشركات لتبييض صورتها.
وتقف الولايات المتحدة وكندا واليابان في طليعة الجهات التي تحاول عرقلة الوصول الى اتفاق واضح للمحاسبة البيئية يمكن تطبيقه على الشركات المتعددة الجنسيات.
وتدعو "مبادئ بوبال" العشرة المتعلقة بمحاسبة الشركات الى تبني القوانين المحلية وتطبيق المبدأ الثالث عشر من إعلان الريو، لوضع المسؤولية القانونية وأسس التعويضات للضحايا من التلوث وكوارث بيئية أخرى. كما تطالب بالتوسع في مسؤولية الشركات القانونية عن أي ضرر ينتج من أنشطة هذه الشركات، سواء أكان ضرراً بيئياً أو في الأملاك أو على الأفراد، بالاضافة الى معالجة التلوث في المكان الذي حصل فيه الحادث. كما يجب أن تتحمل الشركات الأم، بالاضافة الى فروعها ووكلائها الحصريين المحليين، المسؤولية القانونية عن التعويض وإعادة التأهيل.
وتؤكد المبادئ على ضرورة أن تضمن الدول المسؤولية القانونية للشركات عن الأضرار التي تتخطى الصلاحيات الوطنية. فاذا تجاوز هذا الضرر نطاق حدود الدولة الى الخصائص المشتركة عالمياً مثل الغلاف الجوي والمحيطات، يجب أن تضمن الدول التي تقع فيها مراكز الشركات الكبرى المسؤولية عن التنظيف وإعادة التأهيل البيئي. كما تفرض على الدول إلزام الشركات أن تكشف بشكل دوري للجمهور عن المعلومات المتعلقة بالانبعاثات الصادرة في البيئة من منشآتها وتركيبات منتجاتها، على ألا تكون السرية التجارية عائقاً ضد المصلحة العامة، كأن توضع قيود على المعلومات اللازمة عن الصحة والبيئة تحت ستار السرية التجارية.
وتشترط المبادئ على الدول ألا تسمح للشركات المتعددة الجنسيات أن تطبق معايير أدنى في العمل والأمان في دول أخرى حيث أنظمة الحماية الصحية والبيئية وتطبيقاتها ضعيفة. كما على الدول أن تتعاون لمحاربة الرشوة في كل أشكالها، والترويج لآلية مالية سياسية شفافة، بالاضافة الى القضاء على نفوذ الشركات على السياسات العامة من خلال مساهماتها في الحملات الانتخابية وغيرها.
وقف التهرب
هناك درس على الشركات ان تتعلمه من كارثة بوبال. ومع تكرار الحوادث تستمر سيناريوهات مشابهة في الحدوث حول العالم. فما زالت الكوارث البيئية تحصل بصورة مستمرة بسبب ممارسات الشركات غير المسؤولة. وقد تعلمت الشركات المتعددة الجنسيات كيف تتهرب من الاضرار التي تتسبب بها عبر تركيز الاهتمام على المسؤولية القانونية للشركة المحلية، وذلك من أجل التملص من المسؤولية القانونية المدنية والجزائية.
لوقف هذا الاستغلال، يجب على الحكومات ان تعمل عالمياً لضمان تحمل الشركات المتعددة الجنسيات، بالاضافة الى فروعها المحلية، المسؤولية القانونية لانشطتها، وتحديداً في الدول النامية حيث تعمل الشركات في بيئات أقل رقابة.
وتظهر حالة بوبال الضرورة الملحة لتحميل الشركات المسؤولية القانونية واجبارها على دفع التعويضات لضحايا التلوث والاضرار البيئية الاخرى. فتحمّل المسؤولية القانونية والتنظيف يجب ان يقع على عاتق الشركة الأم المتعددة الجنسيات الى جانب الشركة المحلية.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
صالح عثمان سنوات الخيبة: من ريو الى جوهانسبورغ
حكمت شيخ سليمان دير عطية في سورية: حب الناس يصنع عجائب
"البيئة والتنمية" (نيروبي) العالم سنة 2003
"البيئة والتنمية" (جنيف) القطب الشمالي لن ينجو من الصناعة
فاروق الباز نظرة من الفضاء
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.