انتاج الطاقة واستهلاكها مصدر رئيسي لتلوث الهواء والاحتباس الحراري الناجم عن ازدياد تركيزات غازات الدفيئة في الجو، ولا سيما ثاني اوكسيد الكربون. والحد من التأثيرات السلبية لقطاع الطاقة على الغلاف الجوي هو محور برنامجين تضمنهما جدول أعمال القرن 21 (أجندة 21). يهدف أولهما الى تنمية قطاع الطاقة وكفاءة استهلاكها، مع مراعاة العدالة في توزيع مصادرها على الفئات المختلفة، ومراعاة ظروف الدول التي يعتمد دخلها القومي على مصادر الطاقة الأولية أو تلك التي يصعب عليها تغيير نظم الطاقة القائمة فيها. ويستهدف البرنامج الثاني وضع سياسات لتوفير الطاقة للمناطق الريفية، بالاعتماد على خليط من المصادر التقليدية والمتجددة للطاقة يكون مناسب الكلفة ومقبولاً بيئياً ويساهم في تحقيق التنمية المستدامة لقطاع الزراعة.
الجهود التي بذلت في الدول العربية منذ العام 1992 لم تكن كافية في غالب الأحوال لتحقيق مستوى مقبول من استدامة قطاع الطاقة. واستندت هذه الجهود الى مبادرات وطنية، بالاضافة الى ما تم تنفيذه في إطار التعاون الاقليمي والدولي. وفي ما يأتي عرض لما أحرزته الدول الأعضاء في اللجنة الاقتصادية الاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا).
إمدادات الطاقة وكفاءة إنتاجها واستخدامها
حققت دول المنطقة خلال السنوات العشر السابقة توسعات كبيرة في نطاق إمداد وخدمات الطاقة المختلفة. إلا أن الخدمات ما زالت قاصرة عن الوفاء باحتياجات قطاع كبير من سكان المناطق الريفية والنائية، حيث هي متقطعة أو معدومة تماماً. ويلاحظ هذا بشكل خاص في امدادات الطاقة الكهربائية في العديد من هذه المواقع، التي تمثل في إجمالها حوالى 43.5% من مجموع السكان، مع تباين نسب سكان الريف بين البلدان، اذ تراوحت عام 2000 بين أقل من 3% في الكويت ونحو 65% في اليمن.
وتبنى عدد من دول المنطقة سياسات لترشيد استهلاك الطاقة في القطاعات المختلفة. وأنشأ بعضها أجهزة وطنية مسؤولة عن تطوير هذا المجال، وعلى الأخص في الاردن وسورية ومصر. وقد أسفرت هذه الجهود عن خفض متوسط معدل النمو السنوي لاستهلاك الطاقة الأولية في دول المنطقة من 6.4% في 1992/1993 الى نحو 4.4% في 1999/2000، مقارنة بنحو 2% فقط على المستوى العالمي. كما تم خفض كثافة استهلاك الطاقة بين 1992 و1999 من 0.570 الى 0.514 كجم.م.ن/دولار، أي بنسبة 10%.
وخفض الاستهلاك القياسي للوقود في محطات توليد الكهرباء فـي بعض دول المنطقة بنسبة 20 ـ 30% نتيجة للتوسع في استخدام نظم الدورة المركبة ووحدات التوليد بالقدرات الكبيرة (300 ـ 600 ميغاواط للوحدة)، بالاضافة الى تحسين كفاءة شبكات النقل والتوزيع.
ونفذت دراسات وبرامج لتقنيات وأساليب ترشيد استهلاك الطاقة في قطاع الصناعة والقطاع المنزلي والتجاري. فتم بناء كوادر وطنية متخصصة لترشيد الاستهلاك مع ارتفاع نسبي لمستوى الوعي العام بأهمية العمل في هذا المجال. ونفذ عدد من مراجعات الطاقة (energy audits) والمشاريع التي أدت الى توفير قواعد بيانات عن النظم المتوفرة وإمكانات ترشيد الاستهلاك وأداء وتكاليف المشاريع التي يمكن تنفيذها. وبدأت صناعات وطنية وأنشئت شركات صغيرة لخدمات الطاقة.
المصادر المتجددة
تبنى عدد من دول المنطقة، كالأردن وسورية ومصر، وضع استراتيجيات تستهدف تحقيق نسب محددة لمساهمة المصادر المتجددة في خليط الطاقة. وأنشئت مؤسسات متخصصة لتطوير استخدامات هذه المصادر. واهتمت الجامعات ومراكز البحوث بدراسة تقنيات ونظم الطاقة المتجددة، وتحديد أنسبها للظروف السائدة. وتم تطوير بعض التصميمات المحلية، وأجريت دراسات مسحية لتحديد إمكانات الاستخدام وحجم الطلب الممكن. وبدأ ادخال مواضيع الطاقة المتجددة في برامج التعليم.
وتم إصدار عدد من المواصفات القياسية ومعايير الاختبار والتقويم لمعدات ونظم الطاقة المتجددة. وأنشئت مراكز لاختبارها في سورية والاردن والسعودية والكويت ومصر، وإن تباينت الامكانات المتوفرة. وبدأت صناعات وطنية لمعدات التسخين الشمسي وملحقاتها في كل من مصر والاردن وسورية والسعودية، مع قيام صناعة محلية في مصر للمكونات الأساسية لتوربينات الرياح (الريش وأبراج التوربينات).
ونفذت مشاريع اختبار ميداني للتقنيات والنظم، لتقويم أدائها وتحديد أنسبها للتطبيق، فضلاً عن بناء قواعد بيانات وخبرات محلية حول هذه النظم ومعدلات أدائها. وبدأ دخول بعض نظم الطاقة المتجددة الى حيز الاستخدام التطبيقي، حيث بلغ عدد سخانات الماء الشمسية المركبة في دول إسكوا عام 2001 نحو 500 ألف سخان، توفر ما يساوي 300 ألف طن من النفط المعادل سنوياً. كما شرع عدد من الدول في استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في توليد الكهرباء بالقدرات الصغيرة في المناطق الريفية والنائية. وأنشئت في مصر مزارع للرياح بلغت قدراتها التي تم ربطها بالشبكات الكهربائية أكثر من 63 ميغاواط عام 2001، ومن المقدر أن تصل الى 145 ميغاواط في نهاية 2002، إضافة الى بدء تنفيذ أول محطة شمسية حرارية بقدرة 30 ميغاواط ترتبط مع نظام توليد بالدورة المركبة وبقدرة إجمالية تبلغ 126 ميغاواط.
ولم تكن مساهمة مصادر الطاقة المتجددة تتجاوز 3.1% حتى العام 1999، إلا أن من المتوقع حدوث زيادة في مساهمتها مع دخول بعض تقنياتها الى حيز الاستخدام التطبيقي.
التحول الى مصادر الوقود الأنظف
نظراً لما شهده عقد التسعينات من نمو مصادر الغاز الطبيعي في العديد من دول المنطقة، مع صعوبة تصديره، عملت هذه الدول على زيادة الاعتماد على الغاز الطبيعي في مجالات مختلفة، وخصوصاً في تشغيل محطات توليد الكهرباء وفي المنشآت الصناعية. وحققت نجاحاً ملحوظاً في ذلك، حيث بلغ استهلاك الغاز الطبيعي عام 1999 نحو 40% من الاستهلاك الاجمالي للطاقة الأولية في المنطقة، مقارنة بنسبة 20% فقط خلال عقد السبعينات.
وتوجهت دول المنطقة أيضاً الى استخدام التقنيات المتطورة للوقود التقليدي. فشهد عقد التسعينات تحولاً الى استخدام نظم الدورة المركبة في توليد الكهرباء، وهي أعلى نظم توليد الكهرباء كفاءة، إذ تبلغ كفاءتها الحرارية ما بين 50 و60%. وقد وصلت قدراتها في العام 1999 الى 7439 ميغاواط مركب تمثل 9.8% من إجمالي القدرات المركبة فـي المنطقة، فضلاً عن الاعتماد علـى وحدات التوليد بالقدرات الكبيرة (300 ـ 600 ميغاواط) وبدء التوجه لدراسة إمكانات استخدام خلايا الوقود وعلى الأخص في قطاعي النقل والصناعة.
وفي مجال الطاقة والنقل، اقتصرت جهود دول المنطقة على بعض الدراسات الرامية الى تجميع وتحليل البيانات المتعلقة بانبعاث غازات الدفيئة من القطاع، بالاضافة الى استخدام البنزين الخالي من الرصاص في بعض الدول. وبشكل استثنائي، أولت الجهات المختصة بالطاقة والبيئة في مصر اهتماماً كبيراً للحد من الآثار البيئية لقطاع النقل من خلال برامج التعاون المشترك مع الجهات الدولية. وتمثل ذلك أساساً في إدخال تقنية استخدام الغاز الطبيعي كوقود الى المركبات، حيث بلغ عدد المركبات العاملة بالغاز الطبيعي عام 2001 أكثر من 27 ألف مركبة، وأنشئت لها محطات للتزود بالغاز الطبيعي. كما بدأت في مصر تجارب ميدانية لاستخدام خلايا الوقود في تسيير الحافلات.
مشاريع الربط الكهربائي
شهدت برامج التعاون الاقليمي في مجال الطاقة تطوراً خلال عقد التسعينات، من خلال تنفيذ مشاريع الربط الاقليمي للشبكات الكهربائية. ففي العام 1992 وافق وزراء الكهرباء والطاقة في كل من الاردن وسورية والعراق ومصر، بالاضافة الى تركيا، على تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بينها والذي أطلق عليه اسم "مشروع الربط الكهربائي الخماسي". وأعقب ذلك وضع الاتفاقية العامة للربط الكهربائي الخماسي عام 1996، إضافة الى الاتفاقيات الثنائية بين كل دولتين، متضمنة التزامات كل طرف. وقد تم تنفيذ الربط الكهربائي بين مصر والاردن وبدأ تشغيله عام 1999. وأنجز الربط الأردني ـ السوري وتم تشغيله عام 2000. وانضم لبنان الى الاتفاقية ليصبح المشروع سداسياً، ومن المزمع ربط الشبكتين السورية واللبنانية في إطار ذلك.
بالاضافة الى الربط الكهربائي بين دول شمال الاسكوا، أولى مجلس التعاون لدول الخليج العربية اهتماماً خاصاً لدراسة مشروع ربط الشبكات الكهربائية لدول الخليج. وتم تحديد البديل الفني الذي سينفذ على ثلاث مراحل هي: أولاً، ربط شبكة كهرباء المنطقة الشرقية في السعودية بالشبكات الكهربائية في الكويت والبحرين وقطر. ثانياً، ربط الشبكة الكهربائية الموحدة في الامارات والشبكة الكهربائية الموحدة في سلطنة عمان، بعد استكمال الربط الكهربائي الداخلي للشبكات الكهربائية في كل منهما. ثالثاً، ربط المرحلة الاولى بالمرحلة الثانية.
وتحقق مشاريع الربط الكهربائي فوائد متعددة، منها إمكان تبادل القدرة والطاقة الكهربائية بين الدول المشاركة في شبكة الربط، وتوفير احتياط استراتيجي من الطاقة الكهربائية، وتخفيض الاحتياط الدوار لكل دولة مما يؤدي الى خفض تكاليف التشغيل والصيانة، وإمكان بناء وحدات توليد كبيرة القدرة ذات كفاءة عالية وكلفة رأسمالية أقل.
ويدرس عدد من الدول إنشاء شبكات لنقل الغاز الطبيعي المسال بينها. وقد بدأ تنفيذ مشروع "دولفن" لإنشاء شبكة الغاز الطبيعي بين قطر والامارات، كما وقعت مصر اتفاقاً مع الصندوق الكويتي للتنمية لتمويل إنشاء شبكة نقل الغاز الطبيعي من مصر الى الاردن وسورية.
وهناك اتفاقيات للتعاون الثنائي بين دول المنطقة في مجالات الطاقة المتجددة، وترشيد استهلاك الطاقة، وتبادل الخبرات وتدريب الكوادر الفنية.