غـرنـوت فاغنـر عـالم اقتصـاد في صنـدوق الدفـاع البيئي Environmental Defense Fund في الولايات المتحدة ومؤلف كتاب ينشر قريباً بعنوان «لكن هل سيلاحظ الكوكب؟»
أنت تقلل نفاياتك، وتعيد استعمالها، وتعيد تدويرها. أنت تقلل استعمال البلاسيتك والورق. تتجنب شراء العنب في غير موسمه. تفعل كل ما هو صحيح.
جيد.
لكن اعلم أن ذلك لا ينقذ أسماك التونا أو يحمي غابات المطر أو يوقف الاحتباس الحراري. التغييرات الضرورية كبيرة وعميقة الى حد أنها ليست في متناول عمل فردي.
أنت ترفض كيس البلاستيك في المتجر، معتقداً أن هذه المبادرة تترك أثراً، ومن ثم تحمل وجبتك الجاهزة الى السيارة متوجهاً الى المنزل في رحلة تطلق انبعاثات كربونية.
قل إنك تزمع تقديم تضحيات حقيقية. بع سيارتك. تخلَّ عن مكيف الهواء في الصيف، وأطفئ نظام التدفئة في الشتاء. حاول أن تصبح شخصاً بلا أثر. في الواقع، لن يكون لك أثر على هذا الكوكب. فسوف يستمر الأميركيون في إطلاق ما معدله 20 طناً من ثاني أوكسيد الكربون للفرد سنوياً، والأوروبيون نحو 10 أطنان.
وماذا لو كبَّرت خطوتك؟ أنت البابا، ولديك بليون من الأتباع، ولنقل إنهم جميعاً يحترمون نصحك. إذا خفض جميع الكاثوليك انبعاثاتهم الى الصفر بين ليلة وضحاها، فان الكوكب سوف يلاحظ ذلك بالتأكيد، لكن التلوث سيواصل ارتفاعه. وبالطبع، فان بليون شخص، سواء كانوا كاثوليكيين أو أتباع أي ديانة أو عقيدة أخرى، لن يفعلوا شيئاً من هذا القبيل. وماذا عن أسبوعين من السكون في معتزل بوذي لممارسة اليوغا، فيما هاتفك البلاك بري مطفأ عند الباب؟ بالتأكيد. وماذا عن حياة كاملة تعيشها طوعاً وأنت منفصل عن شبكة الكهرباء؟ لا، شكراً.
وهذا كله يركز فقط على الذين يستطيعون تخفيض انبعاثاتهم. فعندما يكون معدل انبعاثاتك 20 طناً في السنة، يكون النزول الى 18 طناً سهلاً مثل قضاء يوم عطلة في المنزل. لكن اذا كنت من بين الأربعة بلايين الذين يطلق كل منهم طناً واحداً فقط من الانبعاثات سنوياً، فليس أمامك إلا الزيادة.
تقول جماعات علمية رائدة وغالبية علماء المناخ إننا بحاجة الى تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة السنوية العالمية بمقدار نصف المستويات الراهنة تقريباً بحلول سنة 2050، وأكثر مع نهاية القرن. ومع ذلك سوف ترتفع درجات الحرارة ومستويات البحار لأجيال.
فلماذا نحمِّل أنفسنا عبء إعادة تدوير النفايات أو ركوب الدراجة الى المتجر؟ لأننا جميعاً نريد أن نفعل شيئاً، أي شيء. سمِّه «نزعة الى العمل». لكن من المؤسف أن العمل الفردي لا يؤدي الى نتيجة. بل هو يصرفنا عن الحاجة الى عمل جماعي، ولا يضيف ما فيه الكفاية. المنفعة الذاتية، لا التضحية الذاتية، هي التي تحث على تغيير مهم. السياسات الاقتصادية الصحيحة وحدها ستمكننا كأفراد من أن ننقاد للمنفعة الذاتية ونقوم مع ذلك بالعمل الصحيح تجاه الكوكب.
يتسبب كل طن من الانبعاثات الكربونية بضرر تبلغ قيمته 20 دولاراً على الاقتصادات والنظم الايكولوجية والصحة البشرية. هذا المبلغ، مضروباً في 20، يعني الضرر الذي يتسبب به كل أميركي في السنة وقيمته 400 دولار. وهو ليس ضرراً نتسبب به في المستقبل البعيد، بل هو ضرر يتسبب به كل منا حالياً. فمن يدفع ثمن ذلك؟
نحن ندفع كمجتمع. إن سفري بالطائرة من شرق البلاد الى غربها يضيف مبلغاً لا يذكر الى كلفة الآخرين. هذه المعرفة تدفع البعض منا الى اقتطاع بضعة دولارات طوعاً «لموازنة» انبعاثاته. لكن أياً من هذه المدفوعات لا يحفز أحداً على التقليل من السفر، ولا يدفع شركات الطيران للتحول الى طائرات أو مسارات أكثر اقتصاداً بالوقود. شركات الطيران قد تستعمل المقايضات الطوعية كخدعة تسويقية تجعل المسافرين المهتمين بالبيئة يشعرون أنهم في وضع أفضل.
لن يتغير شيء حتى يرغمنا نظام رقابي على المساهمة في حصة عادلة للحد من التلوث. والحدّ هو مبدأ تجميع الانبعاثات ومقايضتها (cap and trade)، الذي ساعد مثيله سابقاً في استبعاد استعمال الرصاص في البنزين في ثمانينات القرن العشرين، وخفض التلوث بالأمطار الحمضية في التسعينات، والآن ينقذ مصائد الأسماك من حافة الانهيار. هذا النظام بدأ يخفض التلوث الكربوني في أوروبا، ومن شأن نماذج مماثلة أن تحقق الأمر ذاته من كاليفورنيا الى الصين.
وأسفاه، فقد تم الإعلان عن موت هذا المنهج في واشنطن، من قبل أنصار الأسواق الحرة. وثمة حل آخر، هو ضريبة الكربون، استُبعد أيضاً من التداول لأنه... ضريبة.
لا بأس في أن تكون الأسواق حرة، ولكن فقط عندما يسدد الجميع الثمن الكامل لأفعالهم. وكل شيء آخر هو اشتراكية. والحقيقة أننا لا نستطيع التغلب على التهديدات العالمية التي تسببها غازات الدفيئة من دون التكلم عن الحقيقة المزعجة: أن حث الناس على تقديم تضحيات بيئية فردية مصيره الفشل.
تنبئنا علوم المدرسة الثانوية أن الاحتباس الحراري حقيقي. ويخبرنا علم الاقتصاد أن البشرية يجب أن تتاح لها الحوافز الصحيحة لتوقف هذا الاتجاه الرهيب.
لا تتوقف عن اعادة التدوير. لا تقلع عن شراء المنتجات المحلية. لكن أضف الى برنامجك إتقان بعض العلوم الاقتصادية الأساسية. إن مستقبلنا مرهون الى حد بعيد بقدرتنا على الاعتراف بالحاجة الى إنهاء الاشتراكية الأرضية. ذلك هو أساس الدروس الاقتصادية، وما يجب أن يدركه أي بيئي جدي