بدأ العراق تنفيذ مشروع «حصاد» لإنقاذ القطاع الزراعي المتراجع، بكلفة 80 مليون دولار مقدمة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وبدعم فني من المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا).
ينفذ المشروع أولاً في ثلاث محافظات هي بغداد في الوسط والبصرة في الجنوب وأربيل في الشمال، ليمتد تباعاً الى المحافظات العراقية الأخرى.
وينذر الوضع الزراعي العراقي بكارثة حقيقية، بسب انخفاض المساحات الزراعية وشحة المياه وارتفاع نسب الملوحة في الجنوب، فضلاً عن تدني الدعم الحكومي للقطاع الزراعي. وقد تراجعت نسبة المساحات الزراعية أكثر من 60 في المئة، وانخفضت الى 400 ألف دونم بعدما كانت حتى العام 2000 أكثر من تسعة ملايين دونم (الدونم ألف متر مربع). وذلك بسبب تدني الدعم الحكومي للقطاع الزراعي، وشح المياه الواردة، وارتفاع نسب الملوحة في المناطق الجنوبية.
أوضح الوكيل الفني لوزارة الزراعة العراقية الدكتور مهدي ضمد القيسي أن «الغاية من تنفيذ المشروع، الذي يمتد لخمس سنوات اعتباراً من أول 2013، هي تطوير الزراعة عموماً وزيادة دخل الفلاحين، فضلاً عن إدخال التقنيات الحديثة في مجال الزراعة من خلال خبرات إيكاردا, وسيتم تعزيز قدرات كوادر وزارة الزراعة عبر دورات تدريبية متقدمة، لتكون المحصلة زيادة في استثمارات القطاع الخاص وتعزيز الأمن الغذائي وحل المشاكل التي تواجه زراعة القمح بشكل خاص».
وقال مدير بعثة وكالة التنمية الأميركية في العراق توماس أستال إن «المشروع سيدعم فرص الاستثمار الزراعي ورفع كفاءته، من خلال إدخال تقنيات وأساليب حديثة لمساعدة المشاريع الزراعية كي تصبح أكثر إنتاجية وقدرة تنافسية. وستؤدي الإصلاحات الى فتح الأسواق أمام مزيد من الاستثمارات».
الواقع الزراعي في العراق
تدهور الإنتاج الزراعي في العراق منذ العام 2003. فقد تحولت السياسة الاقتصادية نحو تطبيق إجراءات اقتصاد السوق، وفتح أبواب التجارة الخارجية على مصراعيها عن طريق إلغاء الدعم الحكومي للمزارعين، وتخفيض الرسوم الجمركية وإلغائها على غالبية المنتجات الزراعية المستوردة. وبنتيجة هذه الإجراءات تعرض الإنتاج الزراعي المحلي، بشقيه النباتي والحيواني، للمنافسة الشديدة من السلع المستوردة التي تحظى بميزة انخفاض تكاليف الإنتاج وجودة النوعية. فتعرض المنتجون الزراعيون العراقيون للخسائر، ولجأ عدد كبير منهم الى العزوف عن الإنتاج.
حدث ذلك في ظل العجز الواضح لدى وزارة الزراعة إزاء مطالب الفلاحين المستمرة لتوفير وسائل الدعم، التي أصبح العجز عن توفيرها سبباً لتعثر الإنتاج الزراعي وارتفـاع تكاليـفه. ويعتمـد الفلاحـون على السـوق الداخليـة لشراء الأسمدة والمبيدات وقطع الغيار بأسعار عالية.
إحياء المزارع الموروثة
ينفذ مشروع «حصاد» على أكثر من محور. والمحور الرئيسي فيه هو تطوير زراعة القمح كماً ونوعاً وحمايته من الأمراض والملوحة. والمحاور الأخرى هي استخدام تقنية الزراعة الحافظة، والإدارة المتكاملة للإنتاج والوقاية، والمكافحة المتكاملة للآفات، واستخدام تقنيات التطعيم المتكاملة.
ويركز المشروع على المكافحة في ثلاثة أنشطة مهمة هي: مكافحة الآفات التي تصيب النخيل، والآفات التي تصيب البقوليات، والصدأ الذي يصيب أوراق القمح.
ويهدف التعاون مع «إيكاردا» الى توفير التقنيات الحديثة، كباذرات الحنطة والبقوليات، وتقنيات الري الحديثة وخصوصاً التنقيط. وهذه التقنيات عالية الكلفة، وقد بدأ تحويرها بما يتناسب مع الظروف في العراق، باستخدام «الهندسة العكسية» من خلال تفكيك التقنية وتقليدها. ومن الركائز الرئيسية الإرشاد الزراعي المتمثل بنقل الخبرات الى الفلاح من خلال المراكز البحثية.
وأكد مدير مكتب «إيكاردا» في العراق الدكتور صالح محسن بدر أن «المشروع سيرفع القدرة التنافسية الزراعية في العراق. وستقدم إيكاردا تقنيات جديدة لدعم الزراعة، وستعمل على رفع مستوى الإرشاد الزراعي وزيادة الوعي الزراعي لدى المزارعين». وأضاف أن تنفيذ المشروع سيؤدي بنتائجه الى زيادة دخل المزارعين ودعم الأمن الغذائي في البلاد، إذ تشمل الخطة النهوض بزراعة القمح والشعير ومحاصيل البستنة والبقوليات.
ويعتبر الإرشاد الزراعي الحلقة الرئيسية لتطوير القطاع والتعامل الفاعل مع الفلاح، بما في ذلك تبسيط المعلومات والتكنولوجيا ونقلها إليه. وفي هذا الصدد يقول حسين قاسم (53 عاماً)، وهو مزارع من منطقة الراشدية الزراعية شمال بغداد: «يأمل المزارعون أن يشمل المشروع جميع محافظات العراق الثماني عشرة، خصوصاً أن معظم مناطق العراق زراعية، والزراعة هي المورد الثاني للعراق بعد النفط»، مضيفاً: «نحن نحتاج الى هذا الدعم لتعود الحياة إلى المزارع التي ورثناها من آبائنا وأجدادنا».
أما المزارع أحمد سعيد (44 عاماً) من منطقة الكرنة في محافظة البصرة جنوب العراق فيرى أن «المشروع بدأ بطيئاً ولا نعول عليه كثيراً. أراضينا خصبة وقابلة لزراعة كل أصناف الفواكه والخضر، وما نحتاج إليه هو دعم حكومي في توفير الأسمدة وتعزيز موارد المياه لكي نسد حاجة السوق المحلية، فمن المؤكد أن إنتاجنا أفضل من المستورد».