جميعها ماتت، ولا يمكن تعويضها، لكنها على الأقل تحمل أسماء. من «مرتا» وبنيامين» و«إنكا» إلى «بن الناعق» و«جورج الوحيد». هي كانت «أخيرات»، فكل واحدة منها كانت الأخيرة المعروفة في نوعها. وتذكرنا أسماؤها بحكايات ملحمية عن تناقص أنواع كاملة وزوالها.
«مرتا» و«إنكا» كانتا أول الأخيرات التي دخلت حياتي. كان ذلك عام 1997، وقد وصفتهما ورسمتهما في مطويّة حول طيور منقرضة أعددتها لحديقة طيور صغيرة في شمال بريطانيا.
وقصة «مرتا» معروفة. كانت آخر حمامة مهاجرة (passenger pigeon) من نوع قلصنا أعداده من البلايين الى الصفر خلال مئة سنة فقط. لقد نفقت في 1 أيلول (سبتمبر) 1914 في حديقة الحيوان في مدينة سينسيناتي بولاية أوهايو الأميركية، لكن جسمها يقبع هادئاً في معهد سميثسونيان في واشنطن. وزارها الصحافي إريك فريدمان هناك قبل كتابة مقاله «انقراض الى الأبد» عام 2011.
اختار فريدمان أن يرى «مرتا» بدلاً من زيارة حديقة الحيوان حيث عاشت وماتت. لكنه لو ذهب الى هناك لأصاب عصفورين بحجر واحد. ذلك لأن «إنكا» مات في 21 شباط (فبراير) 1918، أي بعد أربع سنوات من موت «مرتا»، وفي القفص ذاته، وكان آخر ببغاء من نوع باراكيت كارولينا الذي انقرض.
ومن «الأخيرات» أيضاً الطيهوج الأسود «بن الناعق»، الذي سمي هكذا لأنه أمضى سنوات محاولاً بلا جدوى العثور على شريكة. ومؤخراً فقدنا «جورج الوحيد»، وهو سلحفاة عملاقة من جزيرة بينتا في أرخبيل غالاباغوس وكان الأخير من نوعه.
اقتفى فريدمان أثر أخيرات أخرى على مر السنين. فشاهد نمر قزوين المحنط في أوزبكستان. وزار حديقة الحيوان في هوبارت، عاصمة جزيرة تسمانيا الأوسترالية، حيث مات «بنيامين»، آخر ذئب تسماني عام 1933.
نادرة هي الأخيرات اللواتي تحمل أسماء. ففي معظم الأنواع التي قضينا عليها، هلك الأخير حتى قبل أن نلاحظ اندثاره. طائر الدودو (Raphus cucullatus) مثلاً من أشهر الأنواع التي دفعناها إلى الانقراض. في ما يأتي فقـرة تبين كيف تخيل الكاتب العلمي الأميركي ديفيد كوامن وقفة الدودو الأخيرة في كتابه الشهير «تغريدة الدودو»:
«تخيل أنها كانت في الثلاثين من عمرها، أو الخامسة والثلاثين، وهو عمر أسطوري لمعظم أنواع الطيور، لكنه غير مستحيل لهذا النوع الضخم. لم تعد تعدو، بل تتهادى. ومؤخراً أصيبت بالعمى... وفي ظلمة صباح باكر عام 1667، ربما خلال عاصفة ماطرة، احتمت تحت حافة صخرية في سفح منحدر عند النهر الأسود. أرخت رأسها على جسمها، نافشة ريشها طلباً للدفء، محدقة بعينين بائستين نصف مغمضتين. وانتظرت. لم تكن تعلم، ولم يعلم أحد، أنها كانت الدودو الوحيدة الباقية على الأرض. وعندما انحسرت العاصفة، لم تفتح عينيها. هذا هو الانقراض».
الأخيرات كائنات تعيسة حمَّلناها صفة نبالة. وعن طريق تسميتها وسرد قصصها جعلناها سفراء، ليس فقط لأنواعها بل لجميع الأنواع التي نستنزف أعدادها حتى شفير الوجود وأبعد.
يقول فريدمان إنه عندما ينظر في قصص الأخيرات «يصبح المجرد شخصياً، ويظهر لي أن أقدار هذه الحيوانات لم تكن محتومة. فنهاياتها حملت بصمة بشرية». ولئن تكن نهايات الأخيرات غير سعيدة، فهي حكايات هامة يجب سردها. إنها تجسد تأثيراتنا على الطبيعة. وتذكرنا بأن لا شيء يدوم، وفي يوم ما في المستقبل البعيد سيكون هناك بشري أخير أيضاً.
ما لا نعرفه حتى الآن هو كيف ستؤثر أقدار أنواع أخرى في موعد رحيلنا. ثمة قصة هنا تستحق أن تروى.
مايك شاناهان صحافي بيئي، وهو المسؤول الإعلامي في المعهد الدولي للبيئة والتنمية (IIED) في لندن.