من يعتدي على شاطئ لبنان؟
قد تكون لملف الشاطئ اللبناني بداية، ولكن حتماً ليست له نهاية. انه، في رأي كثير من متابعيه، ملف سياسي أولاً، وبيئي ثانياً، وعبثي بامتياز. ويمتد هذا الشاطئ حوالى 220 كيلومتراً، من العريضة شمالاً حتى رأس الناقورة جنوباً. وتشكل المناطق الساحلية نحو 12% من مساحة الأراضي اللبنانية التي تبلغ 10452 كيلومتراً مربعاً، وهذا يشمل كل الأراضي الواقعة على شريط اليابسة من خط المياه حتى ارتفاع 250 متراً.
لقد أُسبغت على لبنان طبيعة رائعة، بما فيها شاطئ جميل التضاريس، متنوع بين صخري (80%) ورملي وحصوي، وغني بتنوعه البيولوجي. وهو شكل ثروة وطنية كبيرة بدأت تنحسر بشكل حاد منذ منتصف السبعينات، لعدة أسباب، أهمها التلوث والردم والاستملاك غير المشروع.
كتبه: مصطفى عاصي
مع مساهمات من: حافظ جريج ود. فاروق حبلص
تتشابه هموم الشاطئ اللبناني من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، من تلوث بمياه الصرف الصحي والنفايات الصناعية إلى تعديات على الأملاك العامة، مع خصوصيات مميزة لبعض المناطق الساحلية.
ففي عكار، تتوزع النفايات على طول الشاطئ الممتد حوالى 10 كيلومترات، والذي تعرض لسرقة رماله، ويشهد اليوم هجمة للبدو الذين بنوا عليه غابة من أكواخ التنك. لا رقابة، ولا بلديات تحمي الشاطئ من العابثين، ربما باستثناء بلدية بدنين التي يقوم ضمن نطاقها مرفأ الصيادين المليء دائماً بالأوساخ.
مدينة طرابلس هي ثاني أكبر تجمع سكاني على الشاطئ اللبناني بعد بيروت (حوالى 250 ألف نسمة). ويعاني شاطئها من التلوث الناجم عن مجاري الصرف الصحي، ويتهدده مشروع الضم والفرز الذي أقر مؤخراً وشمل بساتين الليمون المحاذية للبحر. التحول المتوقع لهذه المنطقة إلى مشاريع سكنية وسياحية وصناعية سيغير معالم الشاطئ، وسيقضي على منطقة بحرية ما زالت تعتبر عذراء هي "رأس الصخر". وكانت طرابلس في الثمانينات خسرت شاطئ البحصاص الرملي لصالح المشاريع السياحية. الكورنيش البحري الذي يلف شاطئ المدينة بات معلماً سياحياً ومتنفساً شبه وحيد للسكان. وحالياً، ليس لهم مسبح شعبي، وشواطئهم التي كانوا يسبحون فيها مجاناً صاروا يرتادونها مقابل بدل مالي يدفعونه لأصحاب المنتجعات. (مرفأ قوارب) وسنسول، وقد رُدم البحر أمامه وقضي على الثروة السمكية والنباتية. أما المكبّ المحاذي للبحر، فالأمواج والتيارات توزع نفاياته على طول الشاطئ الشمالي من عكار حتى البترون. وتبرز مشكلة تلوث نفطي في مرفأ طرابلس، حيث تنظف حاويات النفط عنابرها في المياه من دون رقابة، وتلوث البحر ببقع زيتية واضحة للعيان.
شاطئ القلمون كان من أجمل الشواطئ الشمالية، ازدهرت فيه اقتصادات محلية تميزها الملاحات التي تنتج الملح من مياه البحر. مراكب الصيادين أمامه، وبساتين الليمون وراءه، والناس يعملون في بيئة غنية بموارد الشاطئ. أما اليوم فقد خربت المشاريع البحرية الملاحات، وردمت البحر، وشوهت الطبيعة، وغيّرت الموارد، وأربكت الحياة الاجتماعية، وقطعت تواصل الشاطئ، ولوّثت المياه فأصبح بحر القلمون من أسوأ النقاط البحرية الشمالية تلوثاً، باستثناء الواجهة البحرية من مدخل البلدة الى مفترق البلمند التي ما زالت تحتفظ بطبيعتها وبملاّحة يتيمة.
وفي الجوار يمتد شاطئ الحريشة ورأس الناطور وأنفه، الذي أنصفه التنظيم المدني الى حد ما بتصنيف أراضيه، فحافظ على الملاحات وعلى بعض الخصائص الجمالية والاقتصادية، ولا سيما كروم الزيتون والآثار والنسيج العمراني التراثي. لكن هذا أغضب أصحاب العقارات المجاورة للبحر وللملاحات، الذين يحاولون التأثير لتغيير التصنيف بهدف استثمار أراضيهم عمرانياً. فالملاحات تشكل حزاماً "أمنياً" يحمي الشاطئ والبيئة البحرية من جشع المستثمرين. لذلك، فمن المشاكل الرئيسية في المنطقة إهمال قطاع إنتاج الملح الذي يعود إلى أيام الفينيقيين، وعدم حمايته أو تشجيعه كمورد بحري ومصدر عيش لعائلات كثيرة، علماً أن ملاحات الشاطئ لا تقطع تواصله ولا يصدر عنها تلوث وتنتج الملح المطلوب جداً في الأسواق. ثم ان الملاحات مصنفة مناطق رطبة ذات نظام بيئي مميز. ويأمل المتابعون التجاوب مع المطالبة بإعلان الملاحات مناطق محمية، كما في فرنسا واليونان والبرتغال ومعظم دول حوض المتوسط. والمشكلة الثانية في هذه المنطقة إهمال الآثار البحرية. فشواطئ أنفه ورأس الناطور والحريشة غنية جداً بالآثار السائبة. وأخطر ما يهدّد هذه الآثار: السرقة في البر والأعماق والبحث عن الكنوز بعيداً عن أي رقابة أو ملاحقة، وقرار صدر عام 2001 بتحويل منطقة الملاحات بين أنفه وشكا من سياحية إلى صناعية، وردميات المرفأ الملغى في شاطئ قلعة أنفه التي لم تتم إزالتها فبقيت تتلاعب بها الأمواج منذ خمس سنوات فتبعثر صخورها الضخمة وتزيد من تخريب البيئة البحرية والآثار، ومجارير المنازل والمنتجعات التي يصب معظمها في البحر بانتظار محطة التكرير المقرّرة في المنطقة، والنفايات العائمة التي تصل من مكب طرابلس ومن البواخر.
ويعتبر شاطئ شكا والهري وسلعاتا أجمل الشواطئ الشمالية … وأكثرها تلوثاً. فوجود شركة الترابة (الاسمنت) مباشرة على الشاطئ، مع المرفأ والبواخر التابعة لها وما يصدر عن عملياتها اليومية من غبار وملوثات، يجعل الشاطئ موبوءاً ومهدّداً في أي لحظة. ورغم بعض التحسينات على المداخن، ما زال كثيرون يرون وجوب انتقال الشركة بعيداً عن الشاطئ إلى نقطة مقالعها فوق الاوتوستراد، كما فعلت شركة الترابة الأخرى في الهري، التي ما كادت المنطقة ترتاح منها حتى جاء مشروع ضخم سيطر على الشاطئ الرملي الرائع الجمال وحجب الواجهة البحرية وبدأ يمدد ردمياته في بحر الشقعة. وكانت منطقة الشقعة مطروحة للحماية شاطئاً وجبلاً، لكن أصحاب النفوذ تمكنوا من عرقلة الأمر. كما كان شاطئ الهري الرملي الجميل للعامة، تقصده الفئات الشعبية من المناطق الشمالية كافة، فأصبح معظمه اليوم لذوي الدخل "غير المحدود". أما في سلعاتا فالشاطئ أصبح "صحراء". الأعماق أحرقتها النفايات السائلة من مصنع الكيميائيات التي حولت القاع إلى جحيم. وهذا ما تؤكده صور التقطها نقيب الغطاسين في لبنان محمد السارجي ومشاهداته المرعبة تحت الماء.
مدينة الردم ومدن الأكواخ
تنتشر المسابح والمنتجعات والمطاعم على معظم الشاطئ من جبيل إلى جونية والزوق، حتى يكاد الوصول إليه يستحيل إلا عبر بواباتها. وقد برزت منذ عام 1983 ظاهرة جديدة مثلت تغييراً نوعياً في التعاطي مع الشاطئ واستثماره. فقد أطلق مشروع تطوير ساحل المتن، وقضى بردم البحر من انطلياس حتى ضبية بهدف إنشاء "مدينة" جديدة على طول الشاطئ. انطلق هذا المشروع من خلفية المشاكل البيئية المتفاقمة في ساحل المتن الشمالي، خصوصاً مكب برج حمود الشهير الذي أقيم منذ الثمانينات، والتلوث الناتج عن المجارير والصناعات وخزانات الغاز والنفط ومشتقاته. وموّله عدد من رجال الأعمال، انسحبوا لاحقاً ما عدا المتعهد جوزف خوري الذي تولى ردم حوالى 4،1 مليون متر مربع من البحر بين انطلياس والضبية. وفي العام 1995 رخص مجلس الوزراء للشركة اللبنانية لتطوير الساحل الشمالي لمدينة بيروت (لينور) بطمر البحر على مسافة حوالى 4 كيلومترات وبعرض يتراوح بين 400 و500 متر، بين انطلياس ومصب نهر الكلب. المشروع يحرم خمس بلدات، يقطنها مئات الآلاف، من الواجهة البحرية ومن أي منفذ على البحر.
في العام 1991 أعلن بدء مشروع إعادة إعمار وسط بيروت الذي دمرته الحرب. ولحظ ردم البحر على مساحة 60 هكتاراً، أي ما يقارب ثلث مساحة الوسط التجاري. وقد غيرت الردميات ملامح شاطئ العاصمة الذي يمتد عقارياً من فندق السمرلند حتى نهر بيروت بطول حوالى 10 كيلومترات. وتتوزع المنتجعات السياحية على طوله. ومن أبرز مصادر تلوثه مجارير الصرف الصحي والمسلخ وبعض الدباغات وردميات الوسط التجاري.
وعلى الساحل الممتد من مدخل بيروت الجنوبي، ابتداء من منطقة الجناح، تبرز مشكلة أكواخ الصفيح التي يقطنها مهجّرون نزحوا خلال سنوات الحرب وبعدها من البقاع وجنوب لبنان والكرنتينا وغيرها. وهذه الظاهرة سائدة أيضاً في منطقة الاوزاعي وصولاً حتى خلدة، حيث بنيت أحياء عشوائية كثيفة على الشاطئ، من دون شبكات صرف صحي أو خدمات عامة. ومن آخر الاوزاعي حتى أول منطقة خلدة تم ردم الشاطئ لتنفيذ توسعة مطار بيروت الدولي. هكذا، من الجناح حتى خلدة، لم يبق للعامة أي منفذ على البحر.
وفي صيدا، يعتبر المخطط التوجيهي للواجهة البحرية نموذجاً صارخاً للتخطيط المديني العشوائي. فالمشروع، الذي بدأ تنفيذه عام 1995، اقتطع قسماً كبيراً من الشاطئ شمال المدينة، ودمّر الواجهة البحرية لصيدا القديمة وفصلها عن البحر فصلاً تاماً، وألغى حوض الميناء القديم بالإنشاءات، وردم البحر. ثم ان تصميم الواجهة البحرية لصيدا يتعارض مع تقرير منظمة الاونيسكو الذي يطلب الحفاظ على اتصال المدينة القديمة مع البحر عبر الميناء وعدم مرور الاوتوستراد البحري عبره. وقد نادى عدد كبير من المهندسين عام 1993، عندما قررت الدولة تنفيذ الاوتوستراد، بضرورة نقل مساره إلى شرق المدينة وخارج نطاقها العقاري. وأمام اعتراض تجار صيدا خوفاً على مصالحهم من إبعاد الاوتوستراد عن المدينة، قررت الدولة تحويل البولفار البحري إلى طريق سريع. ولم يتبقَ لإكمال الاوتوستراد إلا الوصلة على الميناء، ويتوقع قريباً هدم بناية الجمرك وبناية السنيورة الاثريتين مقابل القلعة إفساحاً في المجال أمام الاسفلت. أما المكب على شاطئ صيدا فأصبح في حجم جبل اقتحم المياه عشرات الأمتار، وهو يوزع نفاياته على الشواطئ المجاورة.
وأما شاطئ صور، ومعظمه رملي، فيمتد من منطقة جل البحر وصولاً حتى مخيم الرشيدية. وقد احتلت محمية صور جزءه الجنوبي. وتقوم البلدية منذ سنوات بتأجير هذا الشاطئ لمستثمرين أقاموا عليه مسابح ومقاهي وخيماً لرواد التنزه والسباحة. وقد تعرض بين منتصف الثمانينات وأوائل التسعينات لسرقة رموله التي سحبت منها آلاف الأطنان. وبرزت مشكلة الاوتوستراد على مدخل صور الشرقي كأحد أبرز التعديات على شاطئ المدينة. فقد ردم الشاطئ الرملي، وردمت معه آثار نفيسة، ومرَّ الإسفلت فوقه، ولم تنفع اعتراضات أبناء المدينة في وقف الأذى.
وبين صور والناقورة يمتد أحد أجمل الشواطئ وأنظفها في لبنان. ومعظمه رملي، وتنتشر في محاذاته بساتين الحمضيات والموز. لكن شاطئ الناقورة، الذي لم تعبث به أيدي المواطنين أثناء الاحتلال الاسرائيلي على مدة 23 عاماً، سرق الاحتلال كل رموله.
أبحاث ومشاريع!
ليست هناك مؤسسة رسمية أو وزارة معينة تتولى مراقبة الشاطئ اللبناني لرصد تلوثه ومكافحة أسبابه. المؤسسة الوحيدة التي تلعب بعض هذا الدور هي مركز علوم البحار في مدينة البترون الساحلية، التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية، ومهمته إجراء أبحاث على البيئة البحرية ومراقبة الشواطئ واقتراح خطط لحماية البحر. لكن دور المركز لا يتجاوز فعلاً الإطار النظري والبحثي، ونتائج دراساته لا تعمم على الناس، بحيث يتلافون مثلاً الصيد أو السباحة في المواقع الملوثة. فتقاريره ترسل الى المجلس ووزارة البيئة، فتطمس في الملفات أو تطبع في مجلات متخصصة، معظمها في الخارج. وهي مثال صارخ للحلقة المفقودة بين العلم والحقائق التي تصل الى الناس. "الأبحاث تنشر"، قال الدكتور هراتش قيومجيان رئيس مصلحة علوم البيئة في المجلس ورئيس المركز سابقاً، متصفحاً بحثاً له حول تأثير المعادن الثقيلة على الأسماك، نشر باللغة الإنكليزية في المجلة الدورية الصادرة عن المجلس.
تتولى وزارة البيئة والمجلس الوطني للبحوث العلمية تنفيذ مشروع لمراقبة الشاطئ في أكثر من 20 نقطة، وفحص المياه كل شهر لدراسة حرارتها وملوحتها وحموضتها وحالتها البكتيريولوجية وقياس نسب المعادن الثقيلة فيها، وإجراء تحاليل على الأسماك. ويقوم بهذا خبراء مركز علوم البحار. ويؤكد قيومجيان أن الدراسات كانت إيجابية: "لا تلوث في مياهنا، باستثناء مصبات مجارير الصرف الصحي، حيث التلوث واضح بسبب عدم معالجة المياه المبتذلة. لكن بعض الصيادين لا يحلو لهم الصيد إلا في الأماكن التي تصب فيها المجارير. أما التلوث الصناعي فمحصور في أماكن محددة، مثل شاطئ شكا حيث مصانع الإسمنت. ولكن لا يجوز التعميم بالقول ان النفايات الصناعية تلوث البحر".
وثمة مشروع لإدارة المنطقة الساحلية في الدامور والصرفند والناقورة، بتمويل من "خطة المتوسط"، ما زال في إطار الدراسات بعد نحو سنة على بدايته. ويقول رئيس بلدية الصرفند حسين خليفة: "نحن لا نعرف تفاصيل هذا المشروع. لقد حضرنا اجتماعاً يتيماً عنه في وزارة البيئة، وآخر المعلومات لدينا أنه بحاجة إلى تعيين مدير". وفي حقيبة الوزارة مشروع آخر موله الاتحاد الأوروبي، لإجراء "دراسة حالة" على إدارة الساحل في أربعة مواقع بين جبيل في لبنان واللاذقية في سورية. وتم اختيار الشاطئ الممتد بين جبيل وعمشيت في القسم اللبناني. والغاية إجراء تقويم إقتصادي لمشاريع ممكنة في مجالات إدارة النفايات الصلبة ومعالجة المياه المبتذلة والسياحة البيئية الساحلية.
تقول لمياء شمص، المسؤولة عن متابعة المشروعين في وزارة البيئة، إن المشروع الأول هو مع البلديات، وهدفه تحديد المشاكل الموجودة على شواطئها لإيجاد الحلول لها. وتم اختيار هذه البلديات تحديداً لأنها تشكل حالات مختلفة. فساحل الدامور زراعي، وساحل الصرفند صناعي، وساحل الناقورة ما زال نظيفاً وليست عليه منشآت عمرانية. أما الشاطئ الواقع بين جبيل وعمشيت، الذي يشمله المشروع الثاني، فليس تابعاً لبلدية معينة، والهدف وضع دراسات عن كيفية إدارته، بحيث يمكن تعميم تجربة المشروع على شواطئ أخرى.
لكن السؤال يبقى: كيف تتم الاستفادة من هذه الدراسات ضمن خطة عامة لادارة الشواطئ قابلة للتطبيق؟
مجارير بلا معالجة
في غياب المعطيات الرسمية الحسية والدراسات الميدانية عن الشاطئ، تبرز أهمية الجولات الميدانية التي تقوم بها منظمة "غرينبيس". ففي العام 1997 قام ناشطوها بجولة على طول الشاطئ اللبناني للوقوف على الصناعات الأساسية الملوثة. وأخذوا 111 عينة من أماكن مختلفة، أجريت عليها تحاليل في مختبرات المنظمة في بريطانيا، وأكدت وجود ملوثات عضوية ومعادن ثقيلة سامة في المياه.
تنتشر المصانع على الشاطئ بشكل عشوائي، وتلقي نفاياتها السائلة في البحر مباشرة من دون معالجة. وهي قامت في غياب مخطط مسبق للمناطق الصناعية. وقد جاء في تقرير "غرينبيس" عن جولة عام 1997 أن نقاط التلوث الصناعي الحاد تتركز في المناطق الآتية: خليج الدورة على مدخل بيروت الشمالي حيث تتركز صناعات مختلفة مثل الدباغات والكيميائيات والدهانات والمنظفات والورق والحديد، صيدا والغازية في الجنوب حيث تتركز الدباغات، سلعاتا في الشمال حيث صناعة الأسمدة الكيميائية، شكا في الشمال حيث صناعة الإسمنت ومنتجات الأسبستوس (الاميانت)، ذوق مصبح، في جوار بيروت شمالاً حيث صناعة الأقمشة والكيميائيات والدهانات فضلاً عن معمل الكهرباء.
وتلفت زينة الحاج، مسؤولة حملات "غرينبيس"، الى أن لبنان، الذي وقع اتفاقية برشلونة لحماية مياه البحر المتوسط، لم يوقع تعديلاتها المتعلقة بالتلوث الصناعي والمحميات الطبيعية. وقد تبنت الدول الأعضاء في الاتفاقية مؤخراً خطة تطبيقية لمكافحة التلوث الناجم عن المواد الخطرة والسامة، نصت على أن تجري كل دولة قبل نهاية سنة 2003 تقييماً لوضع بحرها وشواطئها وتعدّ لائحة بالعناصر والمواد الملوثة من مصادر برية. وتساءلت: "هل تعرف وزارة البيئة الملوثات الموجودة في البحر لإعداد جردة بها؟"
وفي تعليق على منهجية عمل المنظمة، تقول الدكتورة ماري عبود أبي صعب، الباحثة في مركز علوم البحار، ان الأبحاث العلمية تترتب عليها مسؤوليات ولها شروط وأصول، "فالعينات يجب أن تؤخذ من عدة مواقع، وفي الفصول الأربعة، وفي حالات بحرية مختلفة، وبشكل دوري منتظم. ولا يكفي أخذ عينات مرة واحدة وإجراء تحاليل عليها وإطلاق أحكام عشوائية. ان أخذ عينة قرب مجرور في الصيف، حين يكون البحر هادئاً، يعطينا نتيجة مختلفة عما إذا أخذنا عينة من المكان ذاته في بحر هائج. فاختلاف أي ظرف زماني أو مكاني أو مناخي قد يُغير النتائج".
وتردّ زينة الحاج منتقدة أسلوب مركز علوم البحار، معتبرة أنه "يجري دراسات نخبوية من برجه العالي ولا يوضح الحقائق للناس". وفي تموز (يوليو) 2001 قامت "غرينبيس" بالتعاون مع جمعية "غرين لاين" بجولة ميدانية لمدة خمسة أسابيع على طول الشاطئ اللبناني تحت شعار "حق المعرفة". وتم وضع خريطة حددت فيها مصادر التلوث البحري باستخدام نظام المعلومات الجغرافي (GPS). وقد أحصت الجولة 55 مجروراً بلدياً كبيراً، و30 مجروراً صناعياً، وأكثر من 10 أنهر يمكن اعتبارها مجارير مفتوحة تحمل المياه المبتذلة من المدن والقرى الداخلية، وكلها تقذف مياهها الملوثة بغزارة في البحر.
ويلحظ المخطط التوجيهي لإنشاء محطات معالجة مياه الصرف الصحي في لبنان إقامة 12 محطة على الشاطئ. وقد كلفت الحكومات المتعاقبة مجلس الإنماء والاعمار تأمين التمويل اللازم لهذه المحطات. وتم تلزيم محطتي الغدير وجبيل / البترون، ومن المتوقع تلزيم محطة طرابلس صيف 2002، والعقود جاهزة لمحطات طرابلس وشكا وكسروان وصور. لكن هذه المحطات أولية ينحصر دورها في تصفية المياه المبتذلة من الأجسام الصلبة، وليست ثانوية قادرة على معالجة مياه الصرف الصحي للاستفادة منها في الري والاستخدام البشري وتصنيع الأسمدة الزراعية، كما أنها لن تعالج مياه الصرف الصناعي. ويقول مسؤول في مجلس الإنماء والاعمار ان دراسة الجدوى الاقتصادية بينت أن كلفة إنشاء محطات ثانوية باهظة، وان المناطق الساحلية الزراعية التي تحتاج إلى الري تنحسر، إضافة إلى قلة المساحات المتوفرة لإنشاء محطات كهذه.
ولكن، في غياب البنى التحتية الملائمة وشبكات الصرف الصحي الوافية، ترى زينة الحاج أن إبقاء الوضع على ما هو يبدو أفضل من إنشاء المحطات. فالمحطة ستجمع مياه الصرف في مكان واحد من دون معالجتها بشكل كامل، أما المجارير المبعثرة فتوزع التلوث على مناطق أوسع بنسب ضئيلة. وتضيف: "أنصاف الحلول لا تنفع. ولا يجوز اعتماد أسلوب الحشر وتخيير المواطنين بين أمرين سيئين: إما محطات قاصرة وإما تلوث".
"خصخصة" الشاطئ
تحولت المكبات الساحلية جبالاً عالية اقتحمت البحر. هذه المشكلة برزت بداية مع مكبَّي برج حمود والنورماندي في مياه بيروت، اللذين أغلقا منذ سنوات قليلة، لكن آثارها البيئية على المياه ما زالت قائمة والمشكلة متواصلة مع مكبي صيدا وطرابلس اللذين يلامسان المياه. فجميع أنواع النفايات، منزلية وصناعية وطبية، ترمى فيهما عشوائياً، فتحملها الأمواج والتيارات البحرية وتقذفها في أماكن عديدة. وغالباً ما تظهر هذه النفايات على الشواطئ، وتطلع في شباك الصيادين، أو تفاجئ السابحين في البحر. وعند هبوب عاصفة يتحول كل شاطئ صيدا إلى مكب للنفايات من كل الأنواع، كإطارات السيارات والأبقار النافقة.
وخلال سنوات الأحداث، من منتصف السبعينات إلى أوائل التسعينات، هيمنت قوى الأمر الواقع على الشاطئ اللبناني، فأقامت موانئ غير شرعية ومنتجعات ومنشآت عمرانية غير مرخصة، بل "وهبت" بعض النافذين فيها أجزاء من الشاطئ. وفي السنوات اللاحقة، مع فورة "الاوتوسترادات" الساحلية، ردمت امتدادات كبيرة، وبات العابر لا يرى من الشاطئ، وحتى من البحر، إلا إطلالات نادرة كل بضعة كيلومترات. ولم تنجُ من عمليات القضم والردم إلا مساحات ضئيلة، إما لأنها بعيدة عن العاصمة والمدن الرئيسية مثل ساحل عكار، واما بسبب تهجير أهلها كساحل الدامور، واما نتيجة الأوضاع الأمنية في المنطقة الحدودية مع إسرائيل مثل شاطئ الناقورة. ويعتبر أمين سر جمعية "الخط الأخضر" المهندس سلمان عباس أن ملف الشاطئ اللبناني هو ملف سياسي بامتياز، "وآلا، فبماذا نفسر فشل كل الحكومات في معالجة موضوع الاعتداء على الأملاك البحرية؟" ويضيف نائب رئيس التجمع اللبناني لحماية البيئة عباس شمص: "إن رجال السياسة يتقاسمون الهيمنة على الشاطئ". واللافت أن هذه المنتجعات الخاصة، المخالفة والمرخصة، تصرّف مياهها المبتذلة مباشرة في البحر، ولا يفرض عليها اقامة محطات معالجة داخلية.
في مسح لمديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني، قدرت المساحات المشغولة على الأملاك العمومية البحرية، الشرعية وغير الشرعية بـ7.567.335 متراً مربعاً، ما عدا مشروع جوزف خوري في الضبية الذي تبلغ مساحته حوالى 1.400.000 متر مربع، والأرض التي تشغلها شركة إعمار وسط بيروت (سوليدير) والمقدرة بـ1.600.000 متر مربع، ومشروع لينور ومساحته حوالى 2.300.000 متر مربع.
وضعت وزارة النقل والأشغال العامة قبل بضع سنوات مشروع قانون لتسوية المخالفات على الأملاك العمومية. وبرز خلاف رسمي حول حجم العائدات الممكن تحقيقها من التسوية. كما رفض أصحاب المؤسسات والمجمعات السياحية البحرية الصيغة المقترحة.
ويرى كثيرون أن هذا المشروع لم يأتِ حباً بتسوية الوضع البيئي للشاطئ، بل نظراً لما يحققه من موارد مالية تسد جزءاً من العجز الحاد في خزينة الدولة.
حتى اليوم لم يتم إقرار مشروع القانون. ويتساءل سلمان عباس بلسان حال مواطنين كثيرين: "أليس غريباً في بلد يعاني ضائقة اقتصادية خانقة ألا يُعمد إلى تغذية خزينته من أموال الذين استملكوا شاطئه خلافاً للقانون؟ أليس غريباً ألا يتوصل المسؤولون إلى رقم نهائي حول العائدات، وأن تتفاوت التقديرات بين 6 بلايين دولار حسب تقديرات النائب السابق وديع عقل، و235 مليون دولار حسب وزير المال السابق جورج قرم، و27 مليون دولار حسب مصادر وزارة المال الحالية؟" ويبقى الحل النهائي أن تُهدم جميع المخالفات، ويعاد الشاطئ المسروق ملكاً للناس، ضمن مخطط تنظيمي عصري.
كادر
شاطئ صور: محمية أم مقهى؟
تقع محمية شاطئ صور على الجهة الجنوبية من مدينة صور وتمتد على طول 4.5 كيلومتر من استراحة صور حتى حدود منطقة رأس العين. وتُقسم الى ثلاثة أقسام: قسم يجب حمايته كلياً كمواطن الأحياء البرية والبحرية وأماكن تفقيس الأسماك والسلاحف والطيور، وقسم للاستعمال العام كالسباحة والترفيه، وقسم للاستعمال المعيشي من قبل سكان المنطقة ويشمل مساحات مخصصة للزراعة. ومؤخراً أعد خبراء من المجلس الوطني للبحوث العلمية دراسة عن التنوع البيولوجي في المحمية. ولوحظ أن بعض السلاحف البحرية بدأت تعود إلى الشاطئ للتفقيس، وثمة برنامج لمراقبتها وحمايتها ابتداء من هذه السنة. وهناك مشروع لإقامة منطقة للزراعات العضوية في محيط برك رأس العين.
لكن الشكاوى كثيرة من تعديات بيئية على المحمية، ولا سيما المقاهي وخيم المسابح الصيفية التي تكتسح شاطئها. وقال باحث من المجلس الوطني للبحوث العلمية انه زار المحمية ووجد فضائح: "داخلها مشاحر وشاطئها مقاهٍ". وذكر أحد أعضاء لجنة المحمية أن بلدية صور تحاول إقناع اللجنة بإقامة فندق يُفك ويركب كل صيف على الشاطئ الرملي. ودعا إلى تنظيم دخول الناس بأعداد معقولة لا تخرب البيئة، علماً أن معظم الرواد يرمون النفايات عشوائياً وليس في الأماكن المحددة. ولفت إلى أن الأسمدة تستخدم في القسم المخصص للزراعات العضوية علماً ان قانون المحمية يحظر ذلك. وأشار إلى أن التيارات البحرية تحوّل مياه الصرف التي تصب غرب مدينة صور ومياه المجرور الرئيسي الذي يصب بجانب الاستراحة إلى شاطئ المحمية. كما أن برك رأس العين ملوثة بسبب مكب نفايات يبعد عنها 250 متراً، علماً أن 67 قرية في قضاء صور تشرب من مياه هذه البرك.
يقول أمين سر لجنة المحمية المهندس مالك غندور إن قانون إنشاء المحمية نص على استثمار بلدية صور القسم المخصص للسياحة والترفيه من الاستراحة وعلى امتداد حوالى 700 متر جنوباً، شرط الحصول على موافقة لجنة المحمية ووزارة البيئة. وأوضح أن البلدية كانت تستثمر المنطقة قبل إنشاء المحمية بإقامة خيم صيفية في موسم السباحة، وما زال ذلك مستمراً، وأن جهوداً تبذل حالياً لتنظيم هذه الخيم وسلوكيات رواد الشاطئ.
وتنتشر أكوام النفايات في أرجاء المحمية. ولولا وجود مواقع للجيش اللبناني في القسم الزراعي لكانت المنطقة مشرَّعة أمام تعديات الناس. ولعل أهم التعديات في المحمية تعكسها توصيات ورشة عمل لتأهيل موقع برك رأس العين عقدت قبل بضعة أشهر، ومنها: "تنظيف المحمية والمحافظة عليها، منع حفر أي آبار جوفية للمياه أو لتصريف المياه المبتذلة في محيط الموقع، منع إنشاء مكبات للنفايات في المناطق القريبة من الموقع، منع مد شبكات الصرف الصحي في المناطق القريبة من الموقع، وقف أعمال سرقة رمول الشاطئ نهائياً وملاحقة المعتدين أمام القضاء الجزائي، رفع الأنقاض وإزالة المشاحر والاعتداءات ومنع استعمال الجرافات".
كادر
من الرملة البيضاء
إلى جبيل الفينيقية
ماذا يُحضَّر لشاطئ الرملة البيضاء في جنوب العاصمة؟ يقول رئيس بلدية بيروت المهندس عبدالمنعم العريس ان هناك مشروعاً لترتيب الواجهة البحرية في الرملة البيضاء وكورنيش المنارة، يشمل تنفيذ مشروعين كبيريين: "سنبني مواقف للسيارات تحت الأرض لرواد الرملة البيضاء، ونوسع الأرصفة حوالى 40 متراً. وستقام صالات عرض ومحلات ترفيه على جزء من الشاطئ الرملي، ويبقى الجزء الآخر مسبحاً شعبياً". ويؤكد العريس أن هذه الإنشاءات ستكون مفتوحة على الواجهة البحرية ولن ترتفع فوق مستوى الطريق، مشيراً إلى أن مجلس الإنماء والاعمار يُحضِّر الوثائق اللازمة لطرح المشروعين في مناقصة عالمية، وأن الخرائط الأولية أصبحت جاهزة وقد حوِّلت إلى وزير الداخلية والبلديات لطرحها على مجلس الوزراء.
أما مشروع كورنيش المنارة فيبدأ من مسبح الريفييرا حتى مسبح الجامعة الأميركية بطول 850 متراً. وهو شبيه بمشروع الرملة البيضاء، مع إقامة مرفأ للقوارب واليخوت ومرفأ للصيادين ومسبح شعبي مجاني. لكن مصادر متابعة للملف قالت إنها اطلعت قبل ثلاث سنوات على خرائط تتحدث عن أمر آخر يُحضر لشاطئ الرملة البيضاء، وان هناك شركة تسعى لاستملاك الأرض لإقامة مشروع سياحي ضخم ومارينا لليخوت. حالياً، المسبح الشعبي في الرملة البيضاء مغلق بوجه المواطنين، وقد تم تكسير الأدراج والمقاهي الخشبية المقامة عليه، باعتبارها مخالفات على الأملاك البحرية العامة.
المشاريع السياحية والاستجمامية تهدد ما تبقى من شواطئ لبنان. وتتحرك هيئات شعبية وبلدية لوقف بعض هذا الزحف الخطير. ولعل في قصة شاطئ جبيل عبرة حول جدوى هذا التحرك. ففي العام 2000 أصدر مجلس شورى الدولة حكماً بوقف مرسوم يرخص لشركة سياحية وعقارية ردم وإشغال أملاك عمومية بحرية في منطقة قرطبون. والمشروع، الذي تضمن إقامة منشآت سياحية وفيلات سكنية، كان سيضر بموقع جبيل الأثرى المدرج على لائحة التراث العالمي، بما فيه المرفأ الفينيقي، ويحرم الأهالي من الشاطئ الرملي الوحيد المتبقي بين بيروت وشكا. ويحذر رئيس بلدية جبيل روفايل صفير من أن قرار مجلس الشورى لا يلغي الخطر نهائياً، إذ يجب صدور حكم بابطال المرسوم لا وقف تنفيذه فقط.
روزنامة 2002 من التجمّع اللبناني لحماية البيئة
شواطئ لبنان من الجو بعدسة فارس الجمّال
قصة لبنان مع البحر تعود إلى أقدم عهود التاريخ. فعلى شواطئه استوطن الفينيقيون، ومنها انطلقوا إلى البحار للتجارة وتعليم الحرف وإنشاء المستوطنات تاركين آثاراً ومدناً كانت قمة في الحضارة. واجهة لبنان البحرية هي موضوع روزنامة 2002 التي أصدرها التجمع اللبناني لحماية البيئة "آملاً أن يتمكن من إبراز جمالها والدعوة للحفاظ عليها وإطلاق سياسة بيئية لحمايتها". وفيها صور جوية بعدسة فارس الجمال التقطها من طائرة هليكوبتر للجيش اللبناني. لكل شهر منطقة ساحلية، من أقصى شمال لبنان إلى أقصى جنوبه، مع نبذة عن ميزاتها الطبيعية والتاريخية والاقتصادية، وبعض ما لحق بها وما زال متربصاً من أخطار.
هنا عرض موجز لهذه المناطق.
طرابلس
أسسها الفينيقيون، وتعاقبت عليها الأمم والعهود، فباتت تمثل متحفاً حياً يجمع بين الأوابد الرومانية والبيزنطية والآثار الفاطمية والصليبية والعمارة المملوكية والعثمانية. وهي تضم بين جنباتها أكثر من 160 معلماً، بين قلعة وجامع ومدرسة وخان وحمام وسوق وسبيل مياه وكتابات ونقوش وغيرها. في أسواقها القديمة يتنشق المرء عبق التاريخ، ويتنسّم روح الشرق، ويشاهد الصناعات والحرف المحلية. المرفأ القديم محمي بحاجز عتيق يقيه الرياح الغربية، تساعده سلسلة صخرية تمتد قبالة المرفأ مشكلة جزراً صغيرة، صنفت ثلاث منها محمية بحرية هي جزر النخل ورامكين وسناني.
أنفه
توالت عليها، منذ الفينيقيين، حضارات تركت بصمات في صخورها: مدافن، معاصر عنب وزيتون، مزالق لانزال السفن، تلال، آثار قلعة عظيمة، كنائس وأديار بيزنطية وصليبية، بقايا فسيفساء وأيقونات جدارية، مما أهلها لتكون ذات صالح أثري كما صنفت سنة 1973. شاطئها صخري تتعاقب عليه رؤوس وخلجان، ويختص بشواهد تراثية، من أهمها الملاحات، التي تكاد تنحصر فيها الآن، وخاصة في رأس الناطور ورأس الملاليح الذي تنتشر عليه ملاحات قديمة وقنوات محفورة في الصخور، حيث تقترح دراسات تنظيمية إنشاء محمية علمية. ومن الشواهد البارزة أيضاً المراوح الهوائية (دواليب البحر) التي استخدمت لجر مياه البحر إلى الأحواض، وهي تشهد على الاستفادة من طاقة الريح غير الملوثة.
جبيل
اقترن اسمها بالأبجدية (ناووس أحيرام)، وصنفت تراثاً عالمياً عام 1983. رسوم أساطيلها التجارية المحملة بالبضائع والبخور إلى مصر زينت قصور الفراعنة بدءاً من القرن التاسع عشر قبل الميلاد، واللقى الأثرية التي وجدت فيها تزين أجنحة المتاحف الفرنسية والبريطانية والأميركية وغيرها. غنية بآثارها الفينيقية واليونانية والرومانية، وبخاصة المرفأ الفينيقي والمعابد التي لا تزال بقاياها مبعثرة داخل ما يعرف بالقلعة. والحفريات الأثرية دلت على أنها تعود إلى الألف السادس قبل الميلاد، وأثبتت أنها من أقدم مراكز الاستيطان البشري على سواحل المتوسط، ويعتبرها كثيرون أقدم مدينة باقية في العالم.
مطلوب لجبيل وضواحيها، من وادي المدفون إلى وادي أدونيس، مخطط تنظيمي للشاطئ، وإعادة النظر في مرفأ الصيادين، ورفع التعديات وإيقاف مشروع المارينا على الشاطئ الجنوبي، وحماية وادي ادونيس وتصنيفه تراثاً عالمياً.
جونية
خليج جونية من أجمل خلجان الشاطئ المتوسطي. وهو ميناء طبيعي محمي من الرياح الجنوبية الغربية والشمالية. أما المدينة فتبدو من البحر كأنها تختبئ في حضن هضاب مهيبة تلفها على شكل قوس صخري، فلا يمكن الوصول إليها إلا عبر "مضيقي" نهر الكلب جنوباً والمعاملتين شمالاً. وتضم جونية، الى جمالها الطبيعي، سوقاً داخلية باتت أحد معالمها التراثية. والى الشمال يقوم جسر المعاملتين الروماني الذي شكل في العهدين المملوكي والعثماني حداً فاصلاً بين معاملتي صيدا وطرابلس. جمال تلال حريصا المطلة على جونية وتنوعها البيولوجي وما يلحق بها من تشويه نتيجة توسع البناء أمور تستحق المطالبة بإعلان محمية طبيعية.
صيدا
هي صيدون في التاريخ القديم، التي ملأت شهرتها الآفاق، وكانت عاصمة للفينيقيين. أنها متحف حقيقي لحضارات البحر المتوسط. القلعة وبقايا المرفأ القديم والمكتشفات المهمة كالنواويس ومعبد أشمون، حلقات مهمة تشهد على الحضارة الصيدونية. وتشهد خانات صيدا وأسواقها القديمة على أهميتها في العصر المملوكي والمرحلة العثمانية. ومن صيدا يتابع المرء جولته الشاطئية الى صور، التي تزعمت المدن الفينيقية وأسست مستعمرات في حوض المتوسط مثل قرطاجة. وأهم آثارها المرفأ القديم، والطريق الرومانية البيزنطية، والمدافن، وقوس النصر، والملعب والحمامات والأسواق الرومانية، وأوان فخارية فينيقية، ومدفن فينيقي. وقد أعلن شاطئ صور الجنوبي محمية.
كادر
الأملاك البحرية في القانون
حدد قرار صدر عام 1925 الأملاك البحرية بالأراضي التي تمتد من أبعد مسافة يصل إليها الموج في الشتاء عبر شواطئ الرمل والحصى إلى مسافة 12 ميلاً في عرض البحر، مضيفاً أن هذه الملكية لا تكتسب بفعل الزمن أو تُباع. وعام 1966 صدر مرسوم حدد نظام البناء والفرز والضم والاستثمار والمساحة الدنيا والطول الأدنى للواجهة البحرية ومعدل الاستثمار السطحي. وأورد شروط السماح بتخصيص جزء من الشاطئ للاستثمار، وأهمها أن يكون المشروع ذا صفة عامة وله مبررات سياحية أو صناعية ولا يكون عائقاً لوحدة الشاطئ. ونظم مرسوم تطبيقي صدر في السنة نفسها منطقة الكورنيش البحري لمدينة بيروت، من عين المريسة حتى الجناح، حيث سمح بشكل استثنائي باقامة مؤسسات رياضية وبحرية ومسابح ومطاعم، على أن يبقى عامل الاستثمار فيها منخفضاً، وألا يتعدى ارتفاع الأبنية مستوى الطريق، مع وجوب تنظيم سطوحها على شكل حدائق توضع تحت تصرف بلدية بيروت لتحولها إلى منتزهات عامة.
وسرعان ما أقرت قوانين جديدة أدخلت استثناءات سمحت بتخطي أحكام قانون حماية الشواطئ، لتشجيع الحركة السياحية والمساعدة على قيام إنشاءات فندقية جديدة بمستوى عالمي، وزيادة عامل الاستثمار العام الأقصى بين 10 و40 في المئة، وعدم تقيد الأبنية بالارتفاع الأقصى وبشروط الانتفاع من الأملاك البحرية.