Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
ماري عبود أبي صعب موناكو متحف البحار  
تشرين الأول (أكتوبر) 2003 / عدد 67
 يخلد الملوك انفسهم عن طريق بناء القصور والقلاع او صناعة الحروب، اما الأمير البير الأولالذي ولد عام 1884 فقد اختار ان يدخل التاريخ عن طريق بناء متحف بحري رائد مميز على شاطئ إمارة موناكو، يظهر للبشرية ثروات المحيطات وما تختزن اعماقها من تنوع حيواني ونباتي. بعد ان كرّس قسماً كبيراً من حياته في الأبحاث والبعثات العلمية، ألقى ربان السفينة مرساته عام 1922 بعد ان ساهم في اطلاق دراسة علوم البحار. والذين امسكوا الدفة بعده على رأس هذه المؤسسة تابعوا المسيرة بكل امانة، ومنهم جان جاك كوستو، ولم يألوا جهداً في توسيع وتفعيل هذا المعلم العلمي والثقافي والسياحي، وبالأخص تطويره المستمر وادخال مفاهيم جديدة الى المتاحف البحرية. وقد اختار الأمير في مبادرته الدور الذي يمكن ان تلعبه امارة موناكو، أصغر دولة في العالم بعد الفاتيكان، والتي تغطي فقط مساحة 1,95 كيلومتر مربع.
من الصعب اختصار ما تحوي اقسام هذا الصرح في اسطر او اختزال سنين تاريخه في ارقام، إذ يكفي أن نتذكر أن اكثر من مليون زائر يؤمونه سنوياً. ولكن سنحاول ان نبحر مع القارئ في سفينة من صنع خيالنا تنقلنا عبر معالم هذا الصرح، محاولين التوقف عند المحطات البارزة في جغرافيته وتاريخه، مظهرين فرادته العلمية لعشاق البحر وللعاملين والمهتمين في مجال المحيطات، مروراً بالمتحف الدائم، ومعرجين على قاعة الحوت وقاعة المؤتمرات، متفقدين حركة المعارض والنشاطات التي تنظم باستمرار حول مواضيع بحرية متنوعة.
يحتل متحف موناكو موقعاً مميزاً على "صخرة موناكو"، بحيث يشرف من الجنوب على البحر بواجهة تمتد على طول ثمانين متراً ويعلو سطحه خمسة وثمانين متراً، بحيث يطل على الشواطئ الفرنسية والايطالية.
ولد هذا المتحف لتخليد مجد البحار، وذلك بناء لرغبة الأمير البير الأول الذي يعد من أوائل علماء المحيطات. كان المتحف مهيئاً في البداية لحفظ العينات العلمية المتراكمة التي جمعت خلال رحلات الأمير العلمية التي بدأت عام 1885 لتعريف الجمهور على ما يختزنه البحر من حيوان ونبات. بعد ان أمضى هذا الأمير عشر سنين كقائد سفينة يبحر بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي المجاور، اكتسب خبـرة جعلته يباشر مهمة البحّار والعالـم. وعقب رحلة علمية قصيرة سنة 1884 في البلطيق، ابحر في 28 بعثة استكشافية في شمالي الأطلسي بين 1985 و1915 من جزر الاسور الى سبيتزبيرك شمالاً على متن أربع سفن محسنة ومخصصة للأبحاث(Hirondelle I, Hirondelle II, Princesse Alice I, Princesse Alice II) .
بالاضافة الى المعدات البحرية التي صممت ووضعت في الخدمة، والكم الهائل من العمليات والقياسات الفيزيائية، فان القيمة الحقيقية تبقى في النتائج العلمية التي توصلت اليها هذه الرحلات وكانت أساساً للمواضيع الأساسية الحديثة في علوم البحار. كان البحث عن الحياة في الأعماق يوجه أعمال الأمير في رحلاته. وهو فهم سريعاً العلاقة بين الكائنات ومحيطها، وفهم أهمية العوامل الطبيعية الكبيرة في حركة المحيطات ودورة الحياة فيها. وقد قاده اكتشاف طرق الحياة في ظروف قاسية الى المغامرة القطبية في بداية القرن العشرين. ان دراسة "التيار الساخن" (Golf Stream) وتطبيقات علم المناخ على المحيط البحري واختراع معدات جديدة، شكلت مساهمة كبيرة في تطور علوم البحار والبيولوجيا. دوّن الأمير مسيرته البحثية في كتاب كان العنوان للجناح الذي كرسه القيمون مؤخراً لتكريم أعماله واحياء ذكراه.
أحاط الأمير نفسه بعلميين اكفاء لتصنيف الانواع وبرسامين لتخليد الوان الكائنات التي كانت تجمع. راودته فكرة انشاء المتحف سنة 1885 ووضع حجر الأساس في نيسان1899 وتم التدشين في سنة 1910.
لقد انتقل متحف موناكو من الصورة التقليدية للاكواريوم المتمثلة بتخزين الحيوانات في اطار اصطناعي الى أحواض واجهاتها مفتوحة للجمهور وعلى النظم البيئية الحقيقية، حيث تتفاعل الأنواع بعضها مع بعض ومع المحيط. ومنذ اوائل التسعينات تبلور في المتحف مفهوم جديد للعمق البحري كان الهدف منه مقاربة المحيط الطبيعي ما امكن، بحيث ينسى المشاهد انه أمام أحواض اصطناعية. وهذه النتيجة هي ثمار عشرات السنين من جهود الفريق المسؤول الذي يملك خبرة تقنية عالية معروفة في العالم أجمع. وهو بناء على هذه الخبرة يسعى الى تطوير وتحسين الناحية الجمالية والتعليمية للأحواض وخلق أحواض بمفاهيم جديدة وأحجام مختلفة تعطي صورة حقيقية عن الأنظمة البحرية بدينامكيتها وتفاعلها، وتدخل المشاهد الى عالم المحيطات المتحرك الذي يكشف بدوره عن أسراره وجماله وتنوعه. أدى هذه التجديد الى اعادة توزيع أقسام الاكواريوم والى خلق منطقتين منفصلتين للمحيط البحري: المنطقة الاستوائية والمنطقة المتوسطية
المنطقة الاستوائية
تشمل المنطقة الاستوائية عينات من المحيط الهندي والباسيفيكي والبحر الأحمر والبحر الكاريبي. يتميز هذا القسم بآلاف الألوان التي تتمحور حول اكواريوم كبير بحجم 450 ألف ليتر للمرجانيات فريد من نوعه في العالم، بحيث يعيد خلق قسم من النظام الحي الذي نجده في المحيط الطبيعي، ويجمع حوالى 70 نوعاً من المرجانيات تربى في مزرعة المرجان اعتماداً على تقنية تكاثر متطورة تسمح للاكواريوم بأن يتخلى عن جلب عينات من المحيط الطبيعي.
كل حوض يدعوك للمشاركة للحظات في الحياة اليومية لعالم التجمعات المرجانية من الطحلب الصغير الى اكبر المفترسات، وكل كائن يقوم بدوره ويشارك في توازن هذه البيئة.
المنطقة المتوسطية
المنطقة البحرية التي تمتد من المتوسط إلى الأطلسي المجاور متنوعة جداً على صورة التنوع البيولوجي في المتوسط، بحيث انه من أصل 637 نوعاً من الأسماك المعروفة حالياً في المتوسط هناك أكثر من مئة نوع موجودة في الاكواريوم. احواضه تشهد على جمالات هذا البحر وخبايا محيطه وأسرار كائناته. معظم هذه المنطقة تبدو مألوفة لسكان المتوسط، ولكن ما هو مميز هو نوع الاخطبوط الذي يربى في الاكواريوم منذ عدة اجيال. لا يمكن ترك أحواض هذه المحطة دون ملاحظة الناحية الديناميكية التي شاء المسؤولون ابرازها، وذلك بتسليط الأضواء على المواضيع الساخنة التي تظهر في مجال المتوسط، كبعض العناوين المتعلقة بادارة واستغلال المتوسط كالصيد وأصل الأسماك المتوسطية والهجرة وغيرها.
نترك هذا العالم لنتوجه الى قاعة المحاضرات المزينة منذ بداية القرن، حيث يتم فيها عرض افلام الكابتن كوستو، وهي تستقبل عادة الاجتماعات العلمية الوطنية والدولية. من الجهة المقابلة تفتح غرفة علوم البحر الحيواني وتسمى غرفة الحوت لانها تحوي هيكلاً عظمياً لحوت يبلغ عشرين متراً سقط قرب الشواطئ الايطالية سنة 1896، كما يمكن مشاهدة هياكل عظمية لحيوانات بحرية اخرى. يوجد كذلك بعض الأسماك والحيوانات المحنطة واخيراً بعض القوالب لأنواع أسماك من المحيط الهندي، وتعتبر من الأجداد البعيدة.
اما الطابق الأول فيحتوي على قاعة علوم البحار الطبيعية. القاعة الرئيسية تضم مجسمات لبواخر الاستكشاف الأربع التي استعملها الأمير البير الأول في رحلاته الخاصة واهمها Princesse Alice II حيث حقق سنة 1901 على متنها انجازاً بحيث استطاع ان يجلب أسماكاً من عمق 6035 متراً وهذا كان يُعدّ فتحاً علمياً في ذاك العصر. كذلك على متن هذه السفينة استطاع الأمير وفريقه ان ينظم عدة رحلات الـى الشمال حتى خط العرض ثمانين. قرب هـذه المجسمات يكتشف المشاهد وبالحجم الطبيعي المختبر الذي وضع سنة 1911 على متن سفينة أبحاث. وفي الناحية الأخرى تحوي هـذه القاعة علـى "منتوجات البحر" (Produit de la mer) في شكلها الطبيعي او مشغولة بيد الانسان، كالاسفنج واللؤلؤ والمرجان وغيرها.
يملك المتحف البحري في موناكو أغنى وأقدم المكتبات البحرية في أوروبا. فأن مجموعاته هي في تحديث مستمر وتحتوي على اكثر من 25 ألف مجلد واكثر من 3500 دورية، يصل منها بانتظام 1200 من ثمانين بلداً، بالاضافة الى قسم مخصص لحفظ المجلدات التي تجمع تقارير البعثات العلمية التي جرت عبر محيطات العالم. ساهمت التكنولوجيا الحديثة في عملية التنظيم، مما يساعد الى الوصول الى هذه المجموعات بسهولة وسرعة الى من شاء الاطلاع في العالم أجمع. وتصدر عدة دوريات علمية بصورة منتظمة عن المتحف.
يمكن القول ان المساحة العلمية والتربوية للمعروضات والمشاهد المفتوحة للجمهور تجعل من هذا المتحف الأول في العالم، بالاضافة الى انه يختصر كل التقنيات الحديثة في مجال الاكواريوم.
والوجود الفاعل والديناميكي للمتحف ولمختبر الأبحاث استقطب الكثير من المراكز العلمية العالمية، كاللجنة الدولية لاكتشاف البحر المتوسط واللجنة الدولية للهيدرولوجيا وغيرها، التي اتخذت موناكو مركزاً دائماً لها.
ان ما شاهدناه عبر هذه الرحلة هو غيض من فيض لجمالات البحار وأسرارها، ولكن لا بد من ان ترسو السفينة عند شاطئ الواقع، على ان نترك للخيال مجاله الرحب، على أمل ان ينضم القارئ يوماً الى قافلة الـ45 مليون الذين شاهدوا هذا الصرح العلمي. تبقى أمنية في البال وهي ان يكون لكل بلد نواة متحف يجسد التنوع البيولوجي في بره وبحره، ليس فقط بذكر اسماء الأنواع بل بالعينات المؤرخة والمعرفة، و تضاف اليه باستمرار الأنواع الجديدة، بحيث يكون مساحة تربوية يرتادها الطلاب والباحثون.
الدكتورة ماري عبود أبي صعب مديرة أبحاث في المركز الوطني لعلوم البحار التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.