Wednesday 24 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
رأي
 
رجب سعد السيد هل ينقرض العرب؟  
حزيران (يونيو) 2003 / عدد 63
 الانقراض أفدح من الموت. فموت فرد أو أفراد من كائن حي لا يعني انقراضه، لان ثمة أفراداً آخرين يتابعون حمل مسؤولية الاستمرار في الحياة. أما الانقراض فيعني انقطاع صلة كل أفراد نوع ما بالوجود، والاختفاء من خريطة الحياة على سطح الأرض. وأشهر المنقرضين الدينوصورات، التي لم نعد نراها إلا في أشرطة الخيال العلمي وفي الأحافير التي يعثر عليها مطمورة في الصخور.
لقد استبدت بنا الوقائع المريرة التي كابدناها في الآونة الأخيرة، وجعلتنا نشعر بأن ما يحيط بنا، نحن العرب، أكبر مما يجري أمامنا، وأنه ربما يكون مقدمات لسلسلة من الصروف تغطي أجيالاً مقبلة، وقد تنتهي بنا إلى ما لا نحب ونرضى، ما لم ننتبه ونستجب.
إن العلماء، حين يسارعون برفع الراية الحمراء، وإعلان أن نوعاً ما قد أُدرج في قوائم الكائنات المهددة أو المعرَّضة للانقراض، إنما يستهدفون حفز جهود الحماية، لتشمل مظلتها هذا الكائن الذي تتدهور أحوال وجوده بالدنيا إلى درجة تنذر بدنو خطر الانقراض منه. ونحن نرفع الراية الحمراء، وندق النواقيس، ونطلق صفارات الإنذار. فالنوع العربي تجتاحه ظروف شديدة الشبه بتلك التي أدت إلى حوادث الانقراض التي تمت، وتلك التي تهدد كائنات انتهت أحوالها إلى وضع شديد الحرج.
نحن لا نبالغ كثيراً، وإنما نعمد إلى تضخيم فكرة، على نحو ما يفعل المشتغلون بفن الدراما، لنشد الانتباه إليها. وعلى أي حال، فإن التاريخ يخبرنا عن أمم وشعوب لم يعد لها وجود في عالمنا المعاصر. تآكلت على مدى الأجيال والقرون حتى اندثرت. وفي مفتتح القرن الحالي، نشرت (الاونيسكو) تقريراً يفيد بأن القرن العشرين شهد انقراض عشرات الثقافات واللغات، لشعوب كانت عوامل الوهن أخذت تضرب في أجسادها قبل قرنين أو أكثر، ولم تستجب لما أصابها من أسقام، فاجتاحتها الأحداث والمتغيرات التي لا ترحم ضعيفاً أو غافلاً.
يمكن تلخيص عوامل الانقراض في كلمة واحدة: "الجمود"، أي عدم القدرة على الاستجابة في مواجهة المتغيرات".
ولا تزال أسباب انقراض الدينوصورات غير مؤكَّدة، وإن كان انقراضها مؤكَّداً. ويقدم لنا العلماء مجموعة من الأسباب، في هيئة تصورات، أقربها إلى المنطق أن مجموعة من العوامل تكالبت على تلك الزواحف الهائلة التي سادت عصوراً جيولوجية سحيقة. وكان أهم تلك العوامل النيازك، بتأثيرها المباشر كقذائف كونية ساحقة، وبتأثيرها غير المباشر وهو الأكثر فعالية، إذ أثار ارتطامها بالأرض سحابات ضخمة من الغبار ظلت معلقة بطبقات الجو العليا أمداً طويلاً وحجبت ضوء الشمس وحرارتها. فطرأت على مناخ الأرض تغيرات فادحة، أهمها انخفاض درجة الحرارة. والثابت علمياً أن درجة الحرارة حاكمة في تحديد نوع الجنين عند الزواحف. وكانت الدينوصورات اطمأنت إلى أن التفاوت في درجة الحرارة، الذي اعتادت عليه، يعطيها نسباً متوازنة من الأجنة الذكور والأجنة الإناث، فتمضي دورة الحياة على ما جرت به ملايين السنين. فلما حـلَّ بمناخ الأرض ما حلَّ به من تغير، وبرد الهواء، كانت البرودة الطارئة في صالح الميل إلى إنتاج الذكور. وبمرور الزمن، اختفت الإناث.
لقد فشلت الدينوصورات أولاً في الإحساس بأن ثمة تغييراً يطرأ على عامل محدِّدٍ شديد الخطورة، هو انخفاض درجة حرارة الأرض، والحقيقة أنها بوغتت به. وترتيباً على ذلك الفشل، فشلت ثانياً في إيجاد آليات الاستجابة المطلوبة لما أصبح أمراً واقعاً، بأن تعدل - بدافع من إرادة الحياة المشفَّرة في كيان كل كائن حي - من فسيولوجية تكاثرها، فلا تجعل أمشاجها تتأثر إلى هذه الدرجة الخطيرة بالتغير في درجة الحرارة.
لقد تهيَّأ لكائنات أخرى، وإن اختلفت تفاصيل الصورة، أن تستجيب بنجاح لأخطار أحدقت بحياتها، فأوجدت البديل، ونجت. انظر، مثلاً، إلى اللبونيات البحرية من حيتان ودلافين وفقمات. هذه كلها كانت تعيش على اليابسة، في زمن ما من التاريخ الجيولوجي للأرض، فلم تلبث أن ضاقت بها سبل العيش، إما لنقص في موارد الغذاء وإما لتزايد الأعداء المفترسين فقررت الهجرة إلى حياة الماء، وخلعت لباس اليابس من جلد وشعر، واتخذت هيئة مخلوقات الماء. ولم يثنها عن هجرتها تلك مشكلة في التنفس، أو في تباين الضغط في الأعماق عنه على سطح الأرض. استغنت عما كان يجب عليها أن تستغني عنه، واكتسبت ما كان يجب عليها أن تكتسبه، فنجت من انقراض أوشك أن يطبق عليها.
الجدير بالذكر أننا نعايش الآن كائناً حياً ذكياً، فطناً، هو الدب القطبي، الذي استشعر أن حرارة جو الأرض في ارتفاع مضطرد، وهو الأمر الذي يخفق علماء المناخ والبيئة في الإجماع عليه. فاتخذ قراره بأن يغادر اليابسة إلى حياة الماء، كما فعلت اللبونيات البحرية القديمة. لقد وطَّن أسلوب حياته على سكنى الجليد. يهيم في الفضاءات القطبية الشمالية، فإذا جاع بحث عن فتحة في القشرة الجليدية، ينزل منها إلى الماء ويغوص لدقائق قليلة مطارداً فقمة سمينة يقتنصها ويعود بها إلى السطح ليأكلها. إنه لا يطيق العيش إلا على سطح الجليد، ولا طاقة له بالغوص لأكثر من دقائق القنص.
فماذا سيكون الحال إن بدأت ثلوج القطب الشمالي تذوب بفعل حرارة مناخ الأرض المتزايدة؟ وجد الدب القطبي الحل، ورأى أن يبدأ - قبل فوات الأوان - في التهيؤ لحياة الماء. وثمة شواهد على أنه أضاف إلى قائمة طعامه أنواعاً بحرية أخرى غير الفقم، كما أنه آخذٌ في اكتساب القدرة على الغوص لدقائق أكثر، ولغير أغراض القنص!
أفلحت لبونيات البحر، وفشلت الدينوصورات، فبادت بعد سيادة!
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.