نقل التكنولوجيات والمعارف البيئية بواسطة الانترنت هدف مشروع SMITE الذي أطلق في لبنان، من ضمن 12 بلداً، لتطوير القدرة التنافسية للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم
في زمن العولمة والتطور التكنولوجي يتزايد الاعتماد على الانترنت كوسيلة لنقل المعرفة البيئية من الدول المتطورة في أدائها البيئي الى البلدان التي لا تطبق الادارة البيئية، أو تطبقها جزئياً.
في شباط (فبراير) الماضي أعلن في بيروت عن مشروع نقل التكنولوجيا والمعرفة البيئية بواسطة الانترنت (SMITE) الهادف الى تطوير القدرة التنافسية للشركات من خلال خطة عمل بيئية. ويتضمن المشروع انشاء موقع على شبكة الانترنت يحوي المعلومات والتشريعات والتقنيات البيئية المعتمدة في 12 دولة مشتركة هي: لبنان، سورية، الأردن، فلسطين، مصر، تونس، قبرص، اليونان، تركيا، مالطا، ألمانيا، الدنمارك. هذا الموقع يتيح للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم الوصول الى وسائل الادارة البيئية وإجراء مقارنات في ما بينها بغية تعزيز قدراتها التنافسية وتقوية صادراتها، خصوصاً بما يتوافق مع اتفاقية الشراكة الأوروبية - المتوسطية. وسيقوم المشروع بدعم هذه الشركات لتتمكن من تقويم أدائها البيئي، وإدخال تقنيات جديدة تحسن المستوى البيئي لعملياتها، واعتماد معايير "الأداء الأفضل"، وحساب النفقات والأرباح المتوقعة والوفر الذي يمكن الحصول عليه عبر تعزيز الادارة البيئية.
كمرحلة أولى، ينحصر المشروع في لبنان في ثلاثة قطاعات هي: الصناعات الغذائية، وصناعات النسيج، والفنادق. ويقوم بتمويله مكتب المديرية العامة للتعاون في المفوضية الأوروبية، بالتعاون مع جمعية الصناعيين اللبنانيين كشريك أساسي في لبنان ومؤسسة "استشارات وتطوير" كشريك تقني لانشاء الموقع اللبناني.
تحفظات الصناعيين
كلود طبّال، مدير عام شركة "استشارات وتطوير"، أوضح لـ"البيئة والتنمية" أن التحضير لبناء موقع مشروع لبنان على شبكة الانترنت بدأ بدراسة احصائية شملت القطاعات الثلاثة: "حصلنا على الاحصاءات من وزارتي الصناعة والبيئة والنقابات المهنية وجمعية الصناعيين. ثم اتصلنا بالمؤسسات المعنية لاطلاعها على المشروع وحثها على التجاوب. وأجرينا استطلاعاً شمل عينة من 350 مؤسسة صغيرة ومتوسطة عبر توزيع استمارات على أصحابها تتضمن 20 سؤالاً. لكن لم يتجاوب مع الاستطلاع الا 20 صناعياً".
شملت الاستمارة أسئلة محددة، مثل: هل أطلعتم على مشروع SMITE؟ هل تطبق مؤسستكم خطة بيئية؟ هل أنتم على اطلاع على مضامين الادارة البيئية؟ هل تعتقدون أن للادارة البيئية علاقة بتحسين أداء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم؟ هل تعتقدون أن تطبيق أنظمة الادارة البيئية يؤدي الى وفر مالي لمؤسستكم على المدى القصير والمتوسط حتى مع وجود كلفة مالية لادخال تلك الأنظمة؟ هل توافقون على أن تطبيق الأنظمة البيئية يُحسِّن مكاسب السوق؟
أشار طبّال الى أن المؤسسات الصناعية أبدت خشية من الرد بصراحة على الأسئلة، ظناً منها أن تبعات سلبية ستلحق بها في حال كشفت ما يدور داخلها على صعيد الأوضاع البيئية. كما أن أصحابها سألوا عما اذا كانت ستترتب على اشتراكهم في المشروع أي التزامات مادية. وكان واضحاً أن معظم المؤسسات الصناعية ترفض دفع أي نفقات مالية لتحسين الظروف البيئية في ظل الأوضاع الاقتصادية الخانقة، معتبرة أن اهتماماتها الأولى تنحصر في تأمين استمراريتها.
أحصت شركة "استشارات وتطوير" في لبنان 23 ألف مؤسسة صناعية غذائية، و831 مؤسسة نسيجية، و428 فندقاً. ويشير طبّال الى فوارق كبيرة بين احصاءات ادارة الاحصاء المركزي التابعة لمجلس الوزراء وجمعية الصناعيين وغرفة التجارة والصناعة، اذ "يصل الفارق أحياناً الى 7000 مؤسسة صناعية!" ويرجع معظم السبب الى انتشار مؤسسات صناعية خارج المناطق الصناعية، وعدم وجود تصنيف لها، وضياعها داخل الأحياء على كل الأراضي اللبنانية.
ويتوقع طبّال أن ينتهي انشاء الموقع اللبناني على الانترنت خلال سنة. وبعد أن تقوم كل دولة من الدول الاثنتي عشرة بجمع المعلومات من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الموجودة فيها على الانترنت، تتولى الدنمارك وألمانيا بناء الموقع الأساسي الجامع. وعندئذ سيتمكن أي صناعي من الاطلاع على تشريعات وتقنيات الادارة البيئية المطبقة في هذه الدول. كما سيحتوي الموقع على ارشادات عالمية في ما يخص الصحة والسلامة وسلوك الموظفين داخل المؤسسات الصناعية. وستساعد المقاييس البيئية الشركات على تحسين أدائها بالمقارنة مع المقاييس العالمية والأداء الأمثل.
"نحن لا نلوث!"
يوضح هشام أبو جودة، المسؤول عن المشروع في جمعية الصناعيين اللبنانيين، أن الجمعية وجدت فيه فائدة للصناعة والصناعيين والاقتصاد اللبناني، وهي الأقدر من أي قطاع رسمي أو خاص آخر على ايصاله الى الصناعيين. ويلفت الى جدواه الاقتصادية قائلاً: "عندما يقارن الصناعي اللبناني بين مصنعه ومصنع آخر في الدول العربية أو الأجنبية المشاركة في المشروع، سيكون قادراً على تحديد كلفة الانتاج والهدر الحاصل، وبالتالي تخفيض الكلفة وتحسين الانتاج وتعزيز قدرته التنافسية. وهذا يعني زيادة مبيعاته في الأسواق الداخلية والخارجية".
وعن اقتصار المشروع على الصناعات الغذائية والنسيجية والفندقية يقول أبو جودة: "تم اختيار هذه القطاعات لانها أسهل من حيث ايجاد الحلول لها. أما الصناعات الأكثر تعقيداً فهي تحتاج الى معالجة متطورة ومعقدة، وهذا يفوق قدرة المشروع ويحتاج الى تضافر جهود وزارات ومؤسسات عديدة".
المفوضية الأوروبية التي تمول المشروع هي اختارت هذه القطاعات الثلاثة، باعتبار أن صناعة النسيج تدخل فيها عوامل ومواد ملوثة كثيرة، وهناك هدر للطاقة والمياه في الصناعات الغذائية، في حين أن قطاع السياحة ينمو بسرعة في دول البحر المتوسط ويجب ارشاد الفنادق المتكاثرة على الادارة البيئية.
رئيس نقابة الصناعات الغذائية في لبنان منير البساط يعتبر ان المشروع "رائد في مجال الادارة البيئية، يفتح آفاقاً جديدة في وجه الصناعيين اللبنانيين للاطلاع على تجارب مؤسسات أخرى في المجال الصناعي نفسه واجراء مقارنات مفيدة بيئياً واقتصادياً". وينفي وجود آثار بيئية خطيرة للصناعات الغذائية، مبدياً استعداده لتطوير الأداء البيئي لمصنعه الذي يُعنى بانتاج الحلاوة في مدينة صيدا، "لأنني مقتنع كل الاقتناع بتطوير الأداء البيئي لأي صناعة وبالجدوى الاقتصادية لمثل هذا الاستثمار".
كذلك ينفي أسعد يشوعي، وهو صاحب معمل نسيج في منطقة جل الديب، أن تكون صناعة النسيج ملوِّثة كثيراً. لكنه يعترف: "حيث توجد آلة يوجد زيت وشحم، وحيث يوجد قماش يوجد غسيل ومياه مبتذلة، وحيث يوجد صباغ وطبع توجد مواد كيميائية ومياه ملوثة تذهب في المجاري العامة".
وفي ما يتعلق بالقطاع الفندقي، يقول مدير عام فندق "ريفييرا" في بيروت نزار ألوف ان معظم الفنادق التي تبنى حالياً في لبنان تراعي حماية البيئة، مشيراً الى أن الاهتمام بالبيئة في الفنادق يزيد من فرص المنافسة والربح على المدى المتوسط والطويل. وهو يستبعد أن يكون القطاع الفندقي في لبنان الأكثر قدرةً مادية على تحسين أوضاعه البيئية: "الحجوزات في الفنادق هي بحدود 50 يوماً فقط في السنة، فكيف نربح؟" لكنه يؤكد أن فندقه "صديق للبيئة"، سواء اطلع على مشروع SMITE أم لم يطَّلع.
مشروع نقل التكنولوجيا والمعرفة البيئية بواسطة الانترنت يعد بدفع الصناعة اللبنانية للحاق بركب الصناعة العالمية. لكنه لم يحقق حتى الآن انتشاراً عملياً، مع أنه أطلق في تموز (يوليو) 2002، وفي شباط (فبراير) 2003 عقد اللقاء الدولي الاول للشركاء في المشروع بحضور خبراء تقنيين من البلدان الـ 12 المشاركة، ودعي 500 صناعي لحضوره.
والاستفادة من المشروع ستظل محدودة ما دامت نسبة كبيرة من الشركات الصغيرة والمتوسطة لا تستخدم شبكة الانترنت، ومعظمها ما زال لا يعرف ماهية المشروع وجدواه الاقتصادية والبيئية.