Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
أطفالنا في خطر  
نيسان (أبريل) 2003 / عدد 61
 التلوث الكيميائي المتعدد الأخطار يحيق بنا من كل جانب والأطفال هم الأكثر تأثراً
 مشهد مألوف: أم راكعة على الأرض، ذراعاها ممدودتان، ترمق طفلها وهو يدبّ بيديه الصغيرتين على السجادة، جاراً ركبتيه المكتنزتين. ها قد انتهت الرحلة القصيرة، فاستقر الطفل على مؤخرته التي لفها قماط محكم، وأقحم أصابعه في فمه مستكشفاً ما فيه ومطلقاً قرقرات النشوة مصحوبة بسيل من لعاب.
ان نظرة مـتأنية، لا إلى الطفل بل إلى السجادة، تكشف ان أليافها تحوي مجموعة من المواد الكيميائية الاصطناعية التي تم إنتاجها وإطلاقها منذ الحرب العالمية الثانية، والتي يربو عددها على 75,000 مادة. لقد تم اختبار أقل من نصف هذه المواد للوقوف على مدى سميتها المحتملة للإنسان، والطفل مهيأ ليضع أياً منها في فمه.
هذا السيناريو لا يشمل الجسيمات السابحة في الهواء التي تؤدي إلى تضييق الممرات التنفسية الصغيرة للطفل، ولا ثمار الدراق والتفاح التي أكلها مهروسة والتي تحتوي على بقايا مبيدات. أضف إلى ذلك أن والدته كانت تعمل في مصبغة أثناء حملها به، وأن والده يدخن في البيت، عندئذ تبرز صورة منذرة بخطر حقيقي.
لقد تطورت أمراض الطفولة مع الزمن، من أوبئة مثل الحمى القرمزية والجدري والحصبة إلى حالات مزمنة ومعيقة مثل السرطان والربو والاعتلال العصبي والاضطرابات الهورمونية. ورغم أن الاستعداد الوراثي يؤدي دوراً، فقد شبهه بعض العلماء بتلقيم بندقية خطرة على الصحة، في حين أن "البيئة تضغط الزناد".
سموم متراكمة
لقد تداخلت الأسباب البيئية في أمراض تصيب شريحة كبيرة من الأطفال، وتراوح من الانطواء على الذات وتشتت الانتباه إلى السلوك العنيف. هذا أطلق ناقوس الخطر في أوساط الأهل والهيئات الاجتماعية والبيئية وسيلاً لم يسبق له مثيل من الأبحاث العلمية. وكلما ازدادت المعرفة العلمية عن المواد الكيميائية ازداد اليقين بأن المرحلة الباكرة من الحياة هي الأكثر تأثراً.
يستهلك الأطفال طعاماً أكثر من البالغين، ويشربون ماء أكثر، ويستنشقون هواء أكثر، قياساً على وزنهم وحجمهم. وسلوكهم يزيد الأمور سوءاً. فهم يلعبون على الأرض حيث يوجد مزيد من الأوساخ وبقايا الطلاءات ومواد التنظيف وغيرها، ويضعون أيديهم في أفواههم. وهم يتناولون غذاء أقل تنوعاً، يعرضهم لبقايا المبيدات المركزة. وقد أفادت وزارة الزراعة الأميركية أن الطفل العادي في السنة الأولى من عمره يشرب من عصير التفاح أكثر من الشخص البالغ بـ 12 مرة، ويأكل من العنب والموز والدراق والجزر والبروكولي (القنبيط الأخضر) أكثر بمرتين إلى سبع مرات.
ان أجسام الأطفال غير مهيأة لمواجهة هذا السيل من التعرض الخطر للمواد الكيميائية. والطفولة هي فترة النمو السريع والتطور الحرج للأعضاء. ويستمر النمو المتعاظم للدماغ طوال السنة الثانية من العمر، وإذا حدث تشوه في الجهاز العصبي فلا يمكن إصلاحه. وآليات الدفاع الطبيعي لدى الأطفال لا تكون قد تطورت بالكامل، خصوصاً خلال الأشهر القليلة الأولى، وهي أقل قدرة على تحليل بعض السموم وإفرازها. وجسيمات كثير من السموم، مثل الرصاص ومعادن أخرى، صغيرة إلى حد يمكنها من المرور عبر المشيمة وصولاً إلى الجنين، حيث تضعف أو تفكك الحاجز الواقي بين الدم والدماغ. هذا التعرض المبكر يمكن أن يسبب تغييرات وظيفية دقيقة، ليس في مظهر الدماغ والأعضاء الداخلية وإنما في وظائفها وطريقة عملها.
في ما يأتي أمراض ازدادت الاصابات بها نتيجة التلوث الكيميائي. ولئن تكن الاستنتاجات مبنية على احصاءات ووقائع في الولايات المتحدة، فهي تصح في كل المجتمعات التي أغرقتها المواد الكيميائية الاصطناعية.
الربو وأمراض الرئة
يصيب داء الربو نحو خمسة ملايين طفل أمريكي تقل أعمارهم عن 18 سنة، وهو السبب رقم واحد للتغيب عن المدرسة، متفوقاً حتى على الزكام. وقد زاد حدوثه نحو مئة في المئة منذ 1982، بحسب احصاءات الجمعية الأميركية للرئة. وتفيد مراكز مكافحة الأمراض (CDC) أن الوفيات التي يسببها تضاعفت تقريباً خلال هذه الفترة.
الممرات الهوائية هي أضيق لدى الأطفال، لذلك فان كمية صغيرة من الملوثات يمكن أن تضيقها كثيراً، مما يسبب مشاكل خطيرة للطفل قد تكون بالنسبة إلى البالغين مجرد تهيج خفيف. وتتنوع المثيرات إلى حد كبير، من دخان السجائر والعفونة والفطريات إلى غازات تطلقها مواد فينيلية. والأطفال عرضة بنوع خاص لتأثيرات الملوثات الهوائية، التي يمكن في المدى القريب أن تسبب التهاباً في مجرى التنفس والرئتين، وفي المدى البعيد تضعف عمل الرئتين والقدرة على ممارسة الرياضة، مما يؤدي إلى ازدياد إصابات أمراض الرئة بما فيها السرطان.
وبما أن الأيض (metabolism) أكبر لدى الأطفال، فهم يحتاجون إلى كمية أكبر من الأوكسيجين قياساً على حجمهم ووزنهم، لذلك يتنفسون أسرع ويستنشقون مزيداً من الملوثات لكل كيلوغرام من وزنهم. وتستمر الرئتان في النمو حتى العشرين من العمر، ويمكن أن يثبط نموهما بالتعرض المتكرر للملوثات. والملوثات الهوائية الشائعة، مثل منفوثات السيارات ومحارق النفايات ومصانع المواد الكيميائية ومحطات تكرير النفط، والجسيمات الدقيقة المحمولة في الهواء، والضباب الدخاني، تسبب مشاكل خاصة لأطفال المدن. ففي مدن مثل نيويورك ولوس انجلس، أصبح داء الربو السبب الرئيسي لإدخال الأطفال إلى المستشفيات.
السرطان
تفيد الجمعية الأميركية للسرطان (ACS) أن السرطان هو السبب الرئيسي للموت الناتج عن مرض، لدى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة. وبفضل تحسن طرق المعالجة، هبط معدل الوفيات 62 في المئة منذ العام 1960، لكن انتشار المرض قفز أكثر من واحد في المئة سنوياً خلال العقدين الماضيين.
بين 1973 و1995، ازدادت حالات السرطان التي تصيب دماغ الأطفال وجهازهم العصبي بنسبة 26 في المئة، وازدادت لوكيميا الكريات اللمفاوية (نوع من سرطان الدم) 13.5 في المئة. وكانت الزيادات أكبر لدى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات، حيث ارتفع سرطان الدماغ 53 في المئة واللوكيميا الحادة 18 في المئة.
ويرى المعهد الوطني للسرطان أن الأسباب البيئية قد تكون مسؤولة عن أكثر من نصف إصابات السرطان. الإشعاع المؤين والعلاج الكيميائي هما السببان الوحيدان المؤكدان لوكيميا الأطفال، لكن هناك عناصر محتملة أخرى مثل الرادون والطعام غير الصحيح والمذيبات ودخان التبغ والكحول والحقول الكهرمغناطيسية والعدوى. وقد حددت وكالة حماية البيئة الأميركية (EPA) 96 مبيداً كمسببات محتملة للسرطان لدى الإنسان. ووجدت دراسة للمعهد الوطني للسرطان ان إصابات اللوكيميا هي 4-7 أضعاف أكثر لدى الأطفال الذين يستعمل أهلهم مبيدات منزلية أو زراعية.
اختلالات هورمونية
الهورمونات تتيح التطور الطبيعي لكثير من وظائف الجسم، بما في ذلك الأجهزة العصبية والمناعية والتناسلية. لكن بعض المواد الكيميائية الاصطناعية يمكن أن تقلد عملها أو توقفه. وقد تم تحديد مبيدات، مثل الـ "د.د.ت" والاترازين والكلوردان والليندان، ونواتج صناعية ثانوية مثل الديوكسين والفلوران وثنائيات الفينيل المتعددة الكلور PCBs))، بأنها مخلة بوظائف الغدد الصم. هذه المواد الكيميائية "تتعاظم بيولوجياً" في النسيج الغذائي، وهي "دائمة الأثر"، تنتقل من جيل إلى آخر. والملوثات التي تتعرض لها الأم في حياتها تختزن في جسمها، وتؤثر في كل النمو الذي يسبق ولادة الجنين ويلي الولادة مباشرة. وبعدئذ يستمر تعرض الطفل للملوثات من خلال تناول بعض الأطعمة واستنشاق المواد الكيميائية، وعن طريق سلوكيات مثل الزحف على أرض ملوثة ووضع أشياء ملوثة في فمه.
ارتبطت المواد المخلّة بالغدد الصم بسرطان الخصيتين والمبيضين (ازداد الأول بنسبة 87 في المئة والثاني بنسبة 65 في المئة لدى المراهقين الأميركيين بين عامي1973 و1995)، وبتضاعف حالات تشوه القضيب (العضو الذكري) ضعفين، وبازدياد حالات الخصيتين المحتجزتين (غير النازلتين) أو اللتين يقل حجمها عن المعتاد. وأظهرت دراسة حديثة أن الفتيات اللواتي يتعرضن قبل الولادة لمستويات أعلى من ثنائيات الفينيل المتعددة الكلور والديوكسين يدخلن مرحلة البلوغ قبل 11 شهراً من الفتيات اللواتي يتعرضن لمستويات أدنى.
التشوهات الخلقية
من الثلاثة ملايين طفل الذين يولدون في الولايات المتحدة كل سنة، يولد 250 ألفاً (7 في المئة) مصابين بعيوب خلقية تبدو واضحة على الفور أو تظهر في مرحلة لاحقة من الحياة. وقد ارتفعت هذه النسبة بشكل حاد بين عامي 1970 و1985 في 18 من أصل 27 عيباً خلقياً هي الأكثر انتشاراً، وازداد بعضها بنسبة 1700 في المئة!
إذا أخذنا عبرة من ظواهر حدثت مؤخراً في الحياة البرية، نجد ان بعض هذه الحالات يمكن ان تعزى لتلوث بيئي يلحق ضرراً وراثياً بالبييضات أو الحيوانات المنوية، أو يعوق عمل الهورمونات التي تتحكم بالنمو الجنسي في الدماغ. فتماسيح فلوريدا التي تعرضت لمبيدات محتوية على كلور عضوي اقتصر نمو قضبانها الذكرية على ثلث الحجم الطبيعي. أما الأسماك والطيور الآكلة للأسماك في البحيرات الكبرى، حيث توجد ثنائيات الفينيل المتعددة الكلور في شكل دائم، فقد كانت غددها الورقية شاذة.
ووجدت دراسة نشرتها مجلة الجمعية الطبية الأميركية عام 1999 أن النساء اللواتي يتعرضن مهنياً لمذيبات عضوية، مثل عاملات المصانع والمختبرات والمطابع، تزداد احتمالات إنجابهن أطفالاً مصابين بعيوب رئيسية 13 ضعفاً، بما في ذلك اختلال صمامات القلب وتلين غضروف الحنجرة وصغر القضيب الذكري والصمم. وتبين أن النساء اللواتي تعرضن لمذيبات عانين أيضاً مريداً من حالات الإجهاض، وكانت أوزان أطفالهن عند الولادة أقل من المعتاد. ومعلوم أن الملوثات الرئيسية الموجودة في سوائل القداحات ومزيلات البقع ورذاذ المرشات (سبراي) والطلاءات والغراءات والمنظفات والمذيبات وسواها يمكن أن تمر بسهولة من المشيمة إلى الجنين.
ضعف الذكاء
تقول ثيو كولبورن التي شاركت في تأليف كتاب واسع الرواج بعنوان "مستقبلنا المسروق" (Our Stolen Future) ان المثقفين والأطباء كانوا بطيئين في إدراكهم ان المواد الكيميائية يمكن ان تؤثر أيضاً على قدرات التعلم. وتشير إلى أن "الدراسات تفيد بأن ملوثات بالمستوى الموجود حالياً في البشر يمكن أن تضعف النمو الذهني وتتسبب بخسارة خمس نقاط من حاصل الذكاء (IQ) القابل للقياس". وبحسب الجمعية الأميركية لإعاقات التعلم (LDA)، يعاني 12 مليون ولد تقل أعمارهم عن 18 سنة من عجز في التعلم، أما الاضطرابات السلوكية مثل النشاط المفرط وتشتت الانتباه، وهما علامتان أخريان للتعرض لمواد كيميائية بمستوى منخفض، فتؤثر حالياً على طفل من كل ستة أطفال أميركيين.
من المواد الكيمائية الغدّارة المعروفة الرصاص والزئبق وثنائيات الفينيل المتعددة الكلور والديوكسين. ورغم أن هذه المواد الأربع خاضعة للقوانين الاميركية إلى حد ما، فان نحو 11 بليون كيلوغرام من سموم النمو والأعصاب يستمر تصريفها في الولايات المتحدة كل سنة، بحسب دراسة حديثة رعتها الجمعية الأميركية لإعاقات التعلم. ولا تبلَّغ وكالة حماية البيئة إلا بنحو 550 مليون كيلوغرام.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.