أحب الأودية في الشتاء، ونحن أمام موقد، ورائحة عود السرو المحروق تملأ البيت، والسماء تنثر الثلوج خارجاً، والريح تتلاعب بها، وقناديل الجليد مدلاّة وراء زجاج النوافذ، وصوت النهر البعيد وصوت العاصفة البيضاء يتآلفان في مسامعنا.
أحب الثلج. أحب بياضه وأحب هبوطه وأحب سكوته العميق. وأحب الثلج في الأودية البعيدة المجهولة حيث يتساقط مرفرفاً ثم يتلألأ بنور الشمس ثم يذوب ويسير منشداً أغنيته المنخفضة.
جبران خليل جبران
الصور بعدسة فارس الجمّال
بيروت – "البيئة والتنمية"
تساقط الثلج سبعة أيام متواصلة، نهاراً وليلاً، وغطى أبراج مدينة طرابلس، وبلغ ارتفاعه في الجبال علوّ قامة أو أكثر. هذا ما أورده الدويهي في كتاب "تاريخ الأزمنة" عن موجة ثلجية ضربت لبنان في شتاء 1591.
لبنان يتميز عن غالبية الدول العربية بالثلوج التي تكلل هامات جباله طوال فصل الشتاء، ويبقى بعضها في حفر وخنادق على مدار السنة مشكلاً جليداً دهرياً. وتنتشر منتجعات التزلج من الأرز الى اللقلوق وفاريا. وتقضي الثلوج على حشرات وطفيليات ضارة بالزراعة والصحة العامة، ويلاحظ المزارعون أن المحاصيل تكون سليمة أكثر عندما يكون موسم الثلج كريماً.
تغذي الثلوج الخزانات الجوفية والأنهار. وفي لبنان نحو 40 نهراً، بين دائم وموسمي. ويتفجر في أراضيه أكثر من 200 نبع تمدّ مجاريه المائية. وثمة ينابيع وفوارات بحرية تتدفق منها مياه عذبة تظهر بعيداً عن الشاطئ، وقد قدرت طاقتها بنحو 650 مليون متر مكعب وفق مسح حراري أجراه أخيراً فريق عمل من المجلس الوطني للبحوث العلمية عبر مركزه للاستشعار عن بعد، وهي تشكل ثروة مائية ضخمة يتجاوز حجمها نصف حجم التدفقات النهرية اللبنانية.
ثلوج لبنان ومياهه العذبة كانت موضوع روزنامة 2003 التي أصدرها التجمع اللبناني لحماية البيئة في مناسبة السنة العالمية للمياه العذبة. وفيها صور بعدسة فارس الجمّال التقطها من مروحية للجيش اللبناني. وكان التجمع أنتج روزنامة عن المحميات اللبنانية عام 1999، والمواقع الطبيعية عام 2000، والواجهة البحرية للبنان عام 2002. ويقول رئيسه رفعت سابا إن اختيار الثلوج والمياه العذبة موضوعاً لهذه السنة "رسالة الى المواطنين والمسؤولين لكي يعوا أهمية ذهب لبنان الأبيض ويحافظوا عليه، من ضمن خطة وطنية شاملة وطويلة الأمد لحماية هذه الثروة وترشيد استغلالها".
صحيح أن لبنان يكاد ينفرد عن محيطه بالثلوج ووفرة المياه، ولكن ليس صحيحاً أنه غني بها الى حد الفائض. الا أنه بالتأكيد يعاني من سوء استغلال هذه الثروة والاستهتار بها. فقد تلوثت مجارٍ وخزانات جوفية كثيرة. والمياه تنقطع عن شبكات التوزيع. ولا تُستغلّ مياه الأمطار ومجاري الأنهار والأودية التي تفيض في أربعة أشهر من السنة، مسببة كوارث في بعض الأحيان. وأدى هذا التقاعس الى استنزاف قسم كبير من المخزون الجوفي. ولم تستفد حتى المناطق الساحلية من فوارات المياه العذبة في المياه الاقليمية. ولا يخفى أن إسرائيل تستغل هذا الوضع لتبرير استمرار مصادرة مياه نبعي الوزاني والحاصباني وعدم إخفاء أطماعها في نهر الليطاني، إضافة الى أطماعها الاقليمية في مياه نهري بانياس والاردن وثلوج جبل الشيخ.
المياه تحتل رأس الهرم في سلم أولويات معظم الدول. وثلوج لبنان ومياهه العذبة، فضلاً عن أهميتها الحيوية، جعلت هذا البلد الصغير مقصداً للسياح العرب منذ عشرات السنين. وفي المحافظة على هذه الثروة واستغلالها بحكمة دعم للاقتصاد ورفاه المجتمع، وأمل أكبر باعادة الاخضرار المفقود الى ربوع لبنان.
كادر
التجمع اللبناني لحماية البيئة
تأسس التجمع اللبناني لحماية البيئة عام 1993، ويضم 46 جمعية بيئية بهدف تنظيمها وتفعيلها وتوحيد استراتيجياتها حول قضايا بيئية مختلفة. وهو يدعو الى تحديد المعايير البيئية وإلزامها، ووضع سياسة تنفيذية وآلية لتطبيق القوانين "لأن لا أوضاع بيئية سليمة الا في ظل القانون". ويسعى التجمع حالياً الى إعلان العقد الأول من القرن 21 (أو ما تبقى منه) عقد المحافظة على ما تبقى من غابات لبنان وتشجير ما تصحر من أراضيه وإعلان الغابات محميات طبيعية. ويطالب بتنظيم الصيد عملياً، بحيث تسبقه فترة تأهيل للصيادين وقوى الأمن، على ألا يسمح بالصيد في الأراضي الخاصة الا بعد إذن مسبق من أصحابها. ويدعو الى المحافظة على الشاطئ اللبناني وإنشاء مسابح شعبية منظمة، ووضع مخطط تنظيم مدني على الصعيد الوطني وآخر لكل قضاء، وتطبيق المعاينة الميكانيكية الدورية للسيارات تخفيفاً لتلوث الهواء وحفاظاً على الصحة العامة. ويسعى الى استكمال إصدار قوانين بخصوص استخدام التربة الزراعية للأغراض الصناعية، وفرض التشجير كجزء من تنفيذ الطرق العامة، وإلزام مشاريع إفراز الأراضي الحفاظ على الأشجار التي يغرسونها. ويصدر التجمع نشرة دورية بعنوان "الخضر".