اعتدنا أن نعتبر سلامة الغذاء "تحصيل حاصل" أو أمراً مفروغاً منه. لكن سرعان ما يتملكنا الذعر عندما تتناقل وسائل الاعلام خبر طعام ملوث سمم عدداً من المستهلكين.
لعل أخطر الملوثات الغذائية على صحة الانسان البكتيريا التي تقتل ملايين الأشخاص كل سنة، تليها عمليات التصنيع غير السليمة، وملوثات توجد طبيعياً في الغذاء، وملوثات بيئية في الهواء والماء والتربة، ومضافات الأغذية، والمبيدات والأسمدة الكيميائية. ويستعمل نحو 30 ألف نوع دواء في الزراعة وتربية المواشي، ومنها مضادات حيوية وهورمونات وعقاقير صممت لانتاج ثمار وحبوب أكبر حجماً وحيوانات أسمن وأسرع نمواً. وتستقر بقايا هذه الأدوية في الحليب والبيض واللحوم، وينتقل ضررها الى المستهلك.
تسبب هذه الملوثات التسمم الغذائي وأمراض الجهازين الهضمي والعصبي والقلب والشرايين والسرطان وبعض حالات الاجهاض، وصولاً الى تغيرات في الجينات والصفات الوراثية وولادة أطفال مشوهين.
سموم الطعام أشكال وألوان
طوَّر سكان بلاد الشام، على مدى عقود من الزمن، أغذية تتلاءم مع المنطقة وتمتاز بقيمتها الغذائية الجيدة وقابليتها للحفظ وسلامتها النسبية. ويلاقي بعض هذه الأطعمة انتشاراً عربياً وعالمياً واسعاً، مثل الحمص بالطحينة والفول المدمس واللبنة والجبنة البيضاء والحلاوة وغيرها كثير.
الطرق المتبعة في تحضير هذه الأغذية التقليدية، ومحتواها الطبيعي من الجراثيم التي يمكن أن تؤثر على جودتها وسلامتها، وآخر التطورات في حفظها ومنع فسادها، كانت موضوع ورقة عمل للباحث محمد عصام اليماني، من قسم التغذية والتصنيع الغذائي في كلية الزراعة بالجامعة الاردنية. وهو قدمها خلال ورشة العمل الاقليمية عن ملوثات الأغذية، التي نظمها مؤخراً مركز رقابة الأغذية والبيئة في بلدية أبوظبي.
قدمت خلال الورشة أبحاث تناولت بشكل خاص بقايا المبيدات في الأغذية، والسميات الفطرية، والتلوث بالمعادن الثقيلة، والملوثات الناجمة عن الكائنات الدقيقة، والملوثات العضوية وبقايا العقاقير والهورمونات، ومضافات الأغذية كالمواد الملونة والحافظة. وشارك فيها باحثون من جميع دول مجلس التعاون الخليجي، اضافة الى الأردن ومصر ومنظمات دولية. وقد افتتحت بكلمة للشيخ محمد بن بطي آل حامد، ممثل الحاكم في المنطقة الغربية رئيس دائرة بلدية أبوظبي وتخطيط المدن، اعتبر فيها أن الغذاء الصحي السليم والمتوازن أساس بناء الأمم، وأن الدول المتقدمة تحرص على حماية مجتمعاتها من مخاطر تلوث الأغذية. ونوه بحصول مركز رقابة الأغذية والبيئة في البلدية على شهادات اعتماد دولي بكفاءة المختبرات، وشهادة الأيزو 9002، ونظام مواصفات الجودة القياسية الجديدة 17025.
رياض شريف ومتوكل أحمد وقاسم سليمان وسامية حسن، الباحثون في مركز رقابة الأغذية والبيئة، تناولوا ملوثات زيوت الطهو والقلي، والتأثيرات الصحية لمخلفات المبيدات في الخضر والفواكه المحلية ومياه الآبار، والتلوث بعنصر الرصاص في المواد الغذائية ولا سيما الشوكولاتة، و"مشروبات الطاقة" وتداولها في الامارات.
وتكلم القاسم علي القاسم من المملكة العربية السعودية عن محتوى الألومنيوم والرصاص في بعض الأغذية الخليجية، وتحديداً اللحوم الحمراء المصنعة والأسماك التي قد تكون تعرضت للتلوث بهذين العنصرين، ومدى مطابقتها للمواصفات، والمحاذير الصحية المترتبة على تناولها. وقدم جعفر المطوع، من وزارة الصحة في البحرين، ورقة حول الوضع الصحي للغذاء في المدارس الحكومية البحرينية، خلص فيها الى أن التحليل المخبري أظهر أن 64 في المئة من العينات التي جمعت عشوائياً كانت خالية من التلوث بالكائنات الدقيقة المرضية.
وتطرق عبدالعظيم محمد نور الى تحليل 19 عينة لأغذية جلبت من شوارع ومدارس ولاية الخرطوم في السودان، وتبين أنها تحتوي على كمية كبيرة من الجراثيم المسببة للأمراض. وعرضت سعاد ساتي، من المعامل الكيماوية القومية في السودان، بحثاً حول تلوث حليب الأم بمادة الافلاتوكسين المسرطنة، حيث تم جمع وتحليل عينات من نساء على مستويات معيشية واقتصادية مختلفة وفترات رضاعة تراوح بين يوم وعامين من عمر الطفل.
وقدم صباح جاسم ومازن ناجي، من قسم الاحياء المجهرية في مجمع زايد لبحوث الأعشاب والطب التقليدي، ورقة حذرا فيها من دخول المعاملات الوراثية المقاومة للمضادات الحيوية في عدد من الأغذية. واستعرض خالد شريف، رئيس قسم رقابة الأغذية في بلدية دبي، المسوحات التي يقوم بها القسم للتأكد من مدى صلاحية الأغذية الجاهزة للاستهلاك الآدمي. وكشفت أنوار مظهر، من مركز رقابة الأغذية والبيئة في أبوظبي، أن دولة الامارات تستورد سنوياً آلاف الأطنان من الدجاج المجلد من عدة بلدان، وأن نسبة تلوثها بالسالمونيلا انخفضت الى 4,2 في المئة، وأقل نسبة تلوث هي في الدجاج المستورد من الدنمارك.
تدابير لحماية المستهلك
أوصت الورشة برصد وتقييم الملوثات التي تؤثر في غذاء الانسان وبيئته، والعمل على درء المخاطر الصحية الناجمة عنها. وخصَّت مصنّعي ومنتجي ومورّدي زيوت الطعام المحلية والمستوردة بضرورة الالتزام بتوصيات منظمة الصحة العالمية المتصلة بالتحكم في عملية الهدرجة لتخفيض نسبة الأحماض الدهنية الضارة. ودعت الى استخدام الطرق التقنية الحديثة لمراقبة بقايا المبيدات في الغذاء، ووضع برامج لرصد الملوثات ومتابعة التغيرات في مصادر المياه المستخدمة للشرب وتربية الأسماك.
وطالب المشاركون بتشجيع المنتجين على استخدام العبوات المناسبة لطبيعة المادة الغذائية للحد من مخاطر التلوث، وتكثيف الرقابة على مصادر الأعلاف ومزارع الدواجن والمواشي. ودعوا الى إلزام أصحاب المطاعم والمقاصف والعاملين في حقل الأغذية بحضور دورات تدريبية متخصصة في مجال صحة وسلامة الغذاء. وشددوا على ضرورة تنظيم ومراقبة المأكولات المختلفة في المقاصف المدرسية، ودعوا الى ضبط المنتجات المعدلة وراثياً، مع إعلام المستهلك عن طبيعتها ومصدرها.