لا الثلوج المتساقطة ولا الرياح العاصفة تعوق مئات العمال الاجانب عن بناء أعلى سد في أوروبا، في إحدى أكبر براريها. لقد هلل السياسيون المحليون لأكبر مشروع صناعي في تاريخ أيسلندا، تنفذه شركة الطاقة الوطنية "لاندسفيركيون". لكن بعض سكان البلاد الذين يقل عددهم عن 300 ألف نسمة قلقون حيال أثره على البيئة. فالمشروع سيزيد انتاج الطاقة بنسبة 60 في المئة في هذه الجزيرة الواقعة شمال المحيط الاطلسي. لكنه سيخدم زبوناً واحداً هو مصهر الالومنيوم "ألكوا" الذي سيبدأ العمل سنة 2007.

يخشى البيئيون أن يؤدي سد كرنيوكار، الذي سيبلغ ارتفاعه 190 متراً وعرضه 730 متراً وسماكته 600 متر، الى تدمير الطبيعة الفريدة في المنطقة الى الابد.

ويقول ثوردور باكمان، أحد ممثلي حزب الخضر في البرلمان: "المشروع أكبر من أن تتحمله طبيعة المنطقة. ونحن الذين نملك رؤية أخرى حول كيفية استغلال الطبيعة كنا نأمل اقامة منتزه وطني هناك". لكن غالبية السكان المحليين يؤيدون المشروع، معتبرين أن بناء المصهر ومحطة توليد الكهرباء هو الأمل الوحيد بتوفير النمو وفرص العمل في هذه المنطقة النائية. وستكون قدرة المحطة 690 ميغاواط وانتاجها السنوي 4460 مليون جيغاواط ساعي، وهذا رقم ضخم بالنسبة الى بلد مثل أيسلندا.

لتشغيل المحطة، ستقوم شركة الكهرباء بتذليل اثنين من الانهار الرئيسية الثلاثة التي تتدفق من المجلدة فاتنايوكول، الاكبر في أوروبا. وسوف يكوّن السد حوضاً مساحته 57 كيلومتراً مربعاً، وهذا نادر في أوروبا حيث بنيت سدود قليلة في العقود الاخيرة.

يقول معارضو المشروع انه سيغرق الغطاء النباتي في المرتفعات المجاورة، ويخل بتوازن المياه الجوفية، ويجمع كثيراً من الطمي الذي سيشكل حوض غبار في فصول الجفاف يخنق البلدة المجاورة في طقس عاصف. وتقول منظمات بيئية، مثل الجمعية الايسلندية للحفاظ على الطبيعة، ان حوض السد سوف يشوش حياة أيائل الرنة وأسماك المياه العذبة وفقمات الموانىء التي تعيش في المنطقة، ويلحق الخراب بنحو 500 موقع لتعشيش الاوز ذي القائمتين الزهريتين.

وزاد الطين بلة أن الشركة الايطالية "امبريجيلو"، التي تبني السد وأنفاق المحطة بكلفة 517 مليون دولار، تورطت في مشاكل مع الاتحادات العمالية المحلية التي ترى أن العمال المستقدمين من الخارج لا يتقاضون أجوراً كافية. وسوف يعمل في بناء السد نحو 1500 عامل، أي ما يعادل عدد سكان بلدة اغيلستادير المجاورة. وقد جاء مئات العمال، بعضهم مع عائلاتهم، من ايطاليا والبرتغال ورومانيا، وهم يقيمون في مخيم على مرتفع ناء يبعد عن اغيلستادير مسافة ساعة ونصف ساعة. وبلغت رياح التمدين هذه البلدة، فأخذت الحانات تنشر اعلانات بلغات أجنبية، وصارت المطاعم تضيق بروادها في عطلة نهاية الأسبوع، وبدأت أسعار العقارات بالارتفاع.

المصهر الذي تبلغ قدرته الانتاجية 322 ألف طن ونفقاته الاستثمارية 1.1 بليون دولار سوف يبنى في بلدة فياردابيغد، التي يتوقع أن يرتفع عدد سكانها البالغ 3000 شخص بنسبة 50 في المئة مع حلول سنة 2010. وسوف يؤمن 455 وظيفة، اضافة الى 300 وظيفة غير مباشرة على الأقل.

تقدر وزارة المالية أن يساعد انشاء مصهر ألكوا وتوسعة مصهر آخر في غرب ايسلندا على نمو الاقتصاد بنسبة 8 في المئة بين 2003 و2006، في مقابل 0.25 في المئة السنة الماضية. ويقول غودموندور بيارناسون رئيس بلدية فياردابيغد: "اني أفهم الذين يعارضون اقامة السد، لكني لا أتفق معهم. أعتقد أن من الأهم تأمين وظائف جديدة في شرق البلاد". فالصناعة المحلية الرئيسية هي صيد الأسماك، لكن معامل الاسماك حدثّت انتاجها مما قلص اعتمادها على الايدي العاملة. والزراعة في تراجع في ظروف المناخ القاسي، وموسم السياحة لا يدوم أكثر من ثلاثة أشهر. ومع تقلص فرص العمل باتت المنطقة تخسر 1 في المئة سنوياً من سكانها ينزحون الى المدن.

تقول ثوربيورغ سنورادوتير التي تعمل في محطة وقود: "كانت البلدة ميتة، وهي الآن تنتعش. انهم يبنون منازل جديدة بعد جمود دام 40 سنة". وأضافت أنها تدرك المشاكل التي قد يسببها السد للطبيعة، "ولكن اذا وضعنا الحيوانات مقابل الناس، فأنا أختار الناس".