عش للعروس
غصن ذو شعبتين هو كل ما يحتاجه الطائر الحبّاك (weaver bird) لبناء عشه. فهذه الطيور الشبيهة بالببغاء تزين الأشجار في افريقيا الجنوبية بأعشاشها المحبوكة المعلقة التي تبنيها الذكور. وبعد أن يختار الذكر موقعاً للتعشيش، يجمع مواد البناء المكونة من "أشرطة" ينتزعها من نباتات متعرشة وأعشاب طويلة، ويعقدها بالغصن مستعيناً بمنقاره وبراثنه، فيصنع حلقة ثابتة تشكل أساساً لعشه. ويبني السقف والجدران عاقداً وحابكاً الأشرطة والمواد الأخرى، ومن ثم يبني شرفة تظلل المدخل. ويكون الشكل النهائي للعش شبيهاً بقوقعة حلزونة مفتوحة الى اسفل. ولمنع البيض والفراخ من التدحرج الى خارج العش، يصنع الحبّاك حاجزاً يفصل المدخل عن حجرة التفقيس.
يستغرق بناء العش نحو أسبوع. وبعد أن ينتهي الحبّاك من بنائه، يتدلى من أسفله ويصفق بجناحيه لافتاً انتباه الأنثى الى أن البيت جاهز للعروس.
فهدة تعلم صغارها الصيد
قد لا تقتل الفهدة الغزال الذي تصطاده، بل تتركه حياً أمام صغارها وتشجعها على مطاردته والاجهاز عليه. واذا تمكن من الهرب، فقد تستعيده وتطلقه من جديد، مانحة الصغار فرصة أخرى، أو تتركه يمضي في سبيله لاعطائها درساً في عواقب التقصير. بهذه الطريقة تنمي الأم في جرائها مهارات الصيد.
الفهدة تصطاد وحيدة في العادة، ولكن عندما تبلغ جراؤها أسبوعها السادس تتبعها. وفي الشهر الرابع تفطمها وتأخذها في رحلات صيد تدريبية، متيحة لها الفرصة لتجربة المهارات التي اكتسبتها أثناء لهوها في الأشهر الأولى. وتترك الأم الجراء تتعلم من أخطائها، وتواصل تغذيتها حتى تتمكن من الصيد وحدها. فالقدرة على التعلم عن طريق التجربة والخطأ حاسمة لبقاء الكثير من الحيوانات.
حتى الأسود تخاف على جرائها
قد تكون الأسود أسياد السهول الأفريقية، لكن جراءها تولد عمياء وعاجزة كجميع أنواع "القطط"، وتنفتح عيونها عندما يبلغ عمرها ستة أيام. ولكي تحمي الأم صغارها، التي قد يصل عددها الى خمسة، تضعها في وكر يحجبها عن الأنظار داخل أجمة أو غابة قصب. واذا دنت من الوكر ضباع أو كلاب برية، تقوم الأم بنقل جرائها خلسة، الواحد تلو الآخر، الى مكان آمن وبأسرع ما يمكن. تحمل الأم الجرو بفمها، مطبقة فكيها بروية على جلده الرخو في مؤخر رقبته. ولاجتناب ارتطامه بالأرض تبقي رأسه مرفوعاً. وتظل الجراء هادئة وصامتة مما يسهل نقلها.
سمك يصوم ليحمي صغاره
قد يرى البعض أن فم السمكة الأم مكان خطر لحفظ بيضها ونمو صغارها. لكن في بحيرات افريقيا تعتني أسماك البلطي ببيضها وصغارها بهذه الطريقة. فأحد الوالدين ـ الأم عادة ـ يجمع البيض في فمه عند وضعه ويبقيه هناك حتى يفقس بعد نحو عشرة أيام. ولضمان عدم ابتلاع البيض أو الصغار، تمتنع السمكة الحاضنة عن تناول أي طعام.
لكن تقع بعض الحوادث. فاذا تعرضت السمكة لأمر مخيف، فهي قد تبتلع عن غير قصد البيض الذي تحاول جاهدة حمايته. وثمة خطر آخر هو السرقة. فهناك نوع من البلطي يجبر السمكة الحاضنة على السعال، مما يدفعها الى اخراج صغارها من فمها، فيبادر الى أكل الصغار. لكن، على العموم، يبقى فم الأم ملاذاً آمناً، تلتمس فيه الصغار الحماية خلال أسبوع بعد ولادتها، فتلجأ اليه كلما داهمها خطر.
عندما تلد الفيلة
الفيلة هي الحيوانات الأكبر حجماً بين الثدييات البرية، ومدة حملها هي الأطول أيضاً، اذ تستغرق 22 شهراً. وتحضر عملية الولادة عادة أنثى أخرى أو اثنتان من القطيع، وغالباً ما تكونان أختي الأم الكبريين. وهما تؤديان دور "القابلة" وترافقان الأم أثناء الولادة، التي تسفر عن مولود وزنه نحو 115 كيلوغراماً.
وتحرس المرافقات المولود من الأسود، لكنها شوهدت أيضاً وهي تقدم المساعدة أثناء الولادة، فتسحب المولود برفق بخراطيمها. وكثيراً ما تلجأ احدى "القابلات" الى رفع المولود ليقف على قوائمه، وتساعده للتخلص من الأغشية الجنينية. ومن مهماتها اعادة الاطمئنان الى الأم بعد إجهاد الولادة التي تدوم نحو 15 دقيقة، اذ تبادر الى لمسها بعناية بواسطة خرطومها.
عندما يقترب وقت الولادة، تبتعد الأم وأخواتها، أو رفيقات أخريات، عن القطيع، الى أجمة ظليلة أو غابة قرب الماء. وعندما يعدن الى القطيع بعد ساعة أو ساعتين، يكون المولود بينهن يتمايل معافى ومحمياً.
رحلة السلمون عكس التيار
في الربيع وأوائل الصيف يباشر السلمون الأحمر في المحيط الهادئ رحلة العمر. فقد ولد قبل ست سنوات في منابع أنهار أميركا الشمالية، وحان وقت العودة استجابة لحس غريزي. ومن مصبات الأنهار على الشواطئ ينطلق السلمون عكس التيار الى مسقط رأسه، في رحلة يقطع خلالها نحو 2400 كيلومتر أخرى. عندما تعترض الشلالات أسماك السلمون، تشق طريقها صعوداً مدفوعة بذيولها القوية لتتسلق الجدار المائي. وعندما تبلغ المكان المقصود تتزاوج وتحفر أعشاشاً في الحصى النهري حيث تضع كل أنثى ألوف البيوض. ومن ثم تموت أعداد كبيرة منها جماعياً وقد استنفدت طاقتها. لكن كثيراً من ذريتها سيحيا، حاملاً مورثات وغرائز الأسلاف. وسوف تعود هذه الصغيرات الى مسقط رأسها حين تكبر، مستدلة برائحة مياه موطنها الباقية في ذاكرتها. فلكل جزء من النهر رائحته المميزة المنبعثة من تربة ونبات الأرض التي يعبرها.
عرس السلاحف الخضراء
كل سنتين أو ثلاث سنوات، في تشرين الثاني (نوفمبر)، تغادر السلاحف الخضراء موئلها قرب الشواطئ البرازيلية لتبدأ رحلة طويلة تقطع خلالها أكثر من 2000 كيلومتر، قاصدة جزيرة أسانسيون وسط جنوب الاطلسي التي لا تتعدى مساحتها 88 كيلومتراً مربعاً. تبلغ السلاحف الجزيرة بعد ثمانية أسابيع سابحة 50 كيلومتراً في اليوم، وتتزاوج قبالة شاطئها. وتحت جنح الظلام، تخرج الاناث من المياه الى حيث تحفر كل واحدة عشاً في الرمل تضع فيه نحو 140 بيضة.
الحركة البطيئة للقارات تفسر جزئياً سبب الرحلة الطويلة لهذه السلاحف. فمنذ نحو 120 مليون سنة بدأت أفريقيا وأميركا تتباعدان ليتكوّن المحيط الأطلسي. ومع ظهور الجزر البركانية فيه، أخذت أسلاف بعض السلاحف البرازيلية تعشش عليها بعيداً عن المفترسات على البر.
وتعود كبار السلاحف عادة الى شواطئ الجزر التي ولدت فيها للتناسل، لكن أمواج المحيط المتلاطمة ابتلعت معظم هذه الجزر مخلفة جزيرة أسانسيون فقط فوق المياه. وتتفاقم مشكلة السلاحف مع الوقت، اذ تطول رحلتها مع استمرار ابتعاد أميركا الجنوبية عن الجزيرة التي تتوالد عليها.
أمومة الثعابين
عناية الأم ببيضها أمر غير مألوف في دنيا الأفاعي. فالغالبية تكتفي بطمر بيضها في مكان آمن وتهجره ليلقى مصيره. لكن بعض الثعابين الكبيرة من نوع الأصلة (python) لا تكتفي بحراسة بيضها، بل تحضنه أيضاً. فبعد أن تضع الأنثى مجموعة من البيض يبلغ عددها نحو مئة، تلتف حولها. ومن ثم تبدأ بالارتجاف، محدثة انقباضات متواترة في عضلاتها ترفع حرارة جسمها سبع درجات فوق حرارة المكان المحيط بها. وهي قد تلجأ أيضاً الى دحرجة البيض كي تعرضه للشمس أو تحجبه عنها.
ولأن الأفاعي باردة الدم (عليها ان تتعرض للشمس لتدفئة جسمها)، فهي لا تستطيع حضانة بيضها بحرارتها الذاتية. ومع أن أنواعاً كثيرة أخرى من الأفاعي تحرس بيضها، فان الأصلة هي الوحيدة المعروف انها تحضن بيضها. وقد يكون سبب ذلك أن الأنواع الأخرى تنقصها الطاقة العضلية الضخمة اللازمة لتوليد الحرارة المطلوبة.