دير الزور محافظة سورية على نهر الفرات، مساحتها 200 كيلومتر مربع، وتمتد أطرافها الى البادية شمالاً وجنوباً. وعلى ضفتي النهر كثافة سكانية هي الأكبر في تلك المنطقة حتى الحدود العراقية، مما سبب ضغطاً كبيراً على المياه والثروات، أكانت زراعية أم صناعية أم جوفية.
التفجر السكاني الذي شهدته المحافظة في أواخر القرن العشرين انعكس سلباً على الموارد الطبيعية والاقتصاد. فانتشرت البطالة وساد الفقر، حيث الارض الزراعية على ضفتي النهر لم تعد تكفي. فتوجه اهتمام السكان نحو البادية، التي كانت من قبل تحوي مخزوناً مائياً جوفياً جيداً وغطاء نباتياً برياً غنياً. لكن الزراعة العشوائية، التي تعتمد على استخراج المياه الجوفية لري بعض المحاصيل مثل القمح والشعير، أدت الى نضوب المياه الجوفية بعد تكاثر الآبار غير المرخصة زراعياً. وهذا حوَّل غالبية المناطق الى صحارى. وكان من الأجدى استخدام تلك المياه الغالية في سقاية نباتات أقل استهلاكاً للمياه وأكثر انتاجاً وتأقلماً مع البيئة والمناخ والتربة المحلية، مثل الزيتون وبعض الاشجار المثمرة الاخرى التي تحل المشكلة الاقتصادية وتفرش غطاء نباتياً وافراً.
ومن الظواهر السلبية الاخرى في دير الزور وجود مستنقعات ملحية على ضفتي نهر الفرات في ناحية الكسرة والشعفة والبحرة، باتت تستقبل الملوثات الواردة مع السيول المطرية من أماكن بعيدة، أو من تسرب مياه ملوثة من الاراضي الزراعية المجاورة محملة بالاسمدة والمبيدات الكيميائية السامة التي تدوم طويلاً في التربة، وخاصة السموم المستخدمة لابادة الحشرات والقوارض. هذا بالاضافة الى قيام السلطات مراراً برش المستنقعات بمادة الـ"د.د.ت" السامة جداً للقضاء على البعوض. في الصيف يجف قسم كبير من المستنقعات ويظهر الملح. فيقوم الاهالي بجمعه بكميات كبيرة وبيعه للتجار. ومن خلال تحليل عينات في المختبر تبين أنها تحوي كميات كبيرة من مادة الكلس السامة ومواد غير ذوابة ونسبة لا بأس بها من الـ"د.د.ت" وأصنافاً أخرى من المبيدات، بالاضافة الى أنواع كثيرة من البكتيريا.
قتل الأرض
اذا عدنا الى المناطق الزراعية المجاورة لنهر الفرات، نجد أراضي واسعة صالحة للزراعة ومن السهل ايصال مياه السقي اليها لكي تكون أكثر نماء. وهذا يحل نسبة كبيرة من البطالة التي انعكست على الحياة الاجتماعية والطبيعية، اذ تركت تلك الأراضي صحارى قاحلة لا ينبت فيها شيء، تعج بالاتربة والرمال التي تؤثر على المزروعات المجاورة وتغطي الطرق وخطوط السكة الحديد. وقد تحولت بعض الأراضي المنخفضة الى ملحية وسبخة نتيجة ركود مياه الأمطار والسيول فترة طويلة، فباتت موبوءة بالبعوض وغيره من الحشرات الضارة التي قد تنقل الملاريا وأمراضاً أخرى. لذا يجدر الالتفات الى هذه النواحي وحلها بشكل يعود بالنفع على الحياة العامة. ويمكن، على سبيل المثال، اقامة سدود ترابية في منطقة الحمة القريبة من ناحية الكسرة لحجز مياه الامطار الواردة من هناك، مما يوفر كمية كبيرة من المياه لسقاية الحيوانات من أغنام وأبقار وغيرها وري مساحة لا بأس بها من الأرض.
وتنتشر مقالع الحصى والرمل التي غيرت وجه التربة وحولتها الى مغاور ومستنقعات للمياه الراكدة، مما يجعل ضفاف النهر بيئة موبوءة ومتدهورة عملياً.
ويعمد أهالي المنطقة الى بناء التجمعات السكنية ضمن الأراضي الزراعية، مما يحولها غابات من الاسمنت والحديد. وتنتشر بالقرب منها أكوام هائلة من النفايات الصلبة وغير الصلبة يصعب التخلص منها، فتحول المساحات الخصبة الى أراض مهجورة وموبوءة.
ويعمد المزارعون الى حرق مساحات واسعة من القش المتبقي بعد حصاد محصول القمح لتسهيل حراثة الأرض. وقد انتشرت هذه الممارسة مؤخراً وتفاقمت في غياب الروادع وعناصر التوعية التي تحذر الفلاح من سلبيات هذا العمل الجائر، ومنها حرق العناصر المهمة في التربة وقتل الاحياء الدقيقة النافعة وتلويث الهواء.
صيد إجرامي
صيد الاسماك بواسطة الديناميت طريقة معروفة منذ الحرب العالمية الأولى، استخدمها الجنود الالمان الذين كانوا يشعلون فتيلاً أو صاعقاً ضمن قالب من مادة الـTNT المتفجرة. ولكن هناك طريقة مشابهة من حيث المبدأ، هي القيام بحرق كمية من سماد "نترات 33%" مع قليل من السكر وكمية من الحصى موضوعة داخل قنينة زجاجية محكمة الاغلاق مع فتيل صاعق. يشعل الصياد الفتيل ويقذف القنينة في النهر، فيحدث انفجار هائل يؤدي الى انفجار "الاكياس الهوائية" داخل جسم السمكة التي تساعدها على الغطس في الماء أو الطفو على السطح. وتكون النتيجة نفوق عدد كبير من الاسماك على مساحة واسعة تقارب 50 متراً مربعاً، تطفو على وجه الماء، فيلتقطها الصياد بواسطة مغراف حتى يملأ زورقه.
ومن الظواهر المستنكرة عملية الاصطياد في نهر الفرات بواسطة الكهرباء. يستخدم الصياد محركاً كهربائياً (قوته 1500 واط عادة) داخل المركب الصغير أو السفينة. ويضع السلك الموجب والسلك السالب على ذراع طويلة من الخشب تنتهي بمجمّع دائري يحوي سلة شبكية. وعند تشغيل المحرك تنجذب الاسماك كهربائياً نحو الذراع الخشبية المغموس بالماء، فتموت فوراً، ويغرفها الصياد بواسطة السلة الى داخل السفينة. هذه الطريقة الممنوعة لها أثار سلبية جداً على الحياة المائية. فهي تقتل أعداداً هائلة من الاسماك بمجرد ملامستها للكهرباء، صغيرها وكبيرها وحتى البيوض داخل الاناث.
وثمة طريقة أكثر خطراً هي استعمال مادة "الميثوميل" السامة، التي يضعها الصياد ضمن قطع من العجين أو غيره من طعام السمك، ويقذفها في النهر، فتموت الاسماك بسرعة وبأعداد هائلة. ولا تخفى خطورة هذه المادة السامة والقاتلة على الانسان وجميع الاحياء المائية.
طريقة ممنوعة أخرى للصيد في الفرات هي استعمال غاز البوتان، الشائع في قوارير الغاز المنزلية. يفتح الصياد القارورة ويقذفها في النهر، مما يؤدي الى اتحاد غاز البوتان بالأوكسيجين المنحلّ بالماء فوراً وموت الاسماك فتطفو على السطح.
ولا شك في أن الازدياد السكاني سبب ضغوطاً كبيرة على الموارد الطبيعية والاقتصادية، مما أدى الى انتشار البطالة والفقر، مع ما يرافقهما من جهل "وهمجية" في استخدام جميع الوسائل للحصول على لقمة العيش. السلطات المحلية والمنظمات الدولية مدعوة الى النظر في هذه المشكلة وحلها. ولا بد من نشر الوعي البيئي بين السكان، من خلال مرشدين بيئيين ونشرات دورية تنبه المواطن الى الاخطار الناجمة من استغلاله الجائر للموارد الطبيعية أو هدرها أو تلويثها، الامر الذي يهدد معيشته ومستقبل أولاده.