تمويل مشاريع مبتكرة لحماية البيئة وتحسين ظروفها، ينفذها الشباب والأهالي، هو محور مسابقة "سوق التنمية في لبنان" التي ينظمها البنك الدولي بمشاركة برنامج الأمم المتحدة الانمائي ومجلة "البيئة والتنمية". وقد رصدت جوائز بقيمة 130،000 دولار لدعم تنفيذ المشاريع الفائزة.
تفاصيل المسابقة وردت في عدد كانون الأول (ديسمبر) 2004 من "البيئة والتنمية". وتم توزيع ملف المعلومات وقسيمة الاشتراك على المنظمات غير الحكومية والجامعات والمدارس، وعلى المجتمعات المحلية من خلال البلديات. ويمكن طلبها من مكاتب "البيئة والتنمية" أو الاطلاع عليها من خلال موقع البنك الدولي على الانترنت
www.worldbank.org/lb.
على الراغبين في الاشتراك تقديم ملخص لمشروعهم قبل 14 كانون الثاني (يناير) الجاري (يرسل الى: مكتب البنك الدولي في لبنان، بيت الأمم المتحدة، ساحة رياض الصلح، بيروت). وسوف تقوم لجان تقييم متخصصة باختيار أفضل العروض، فيطلب من أصحابها تقديم عروض مكتملة لمشاريعهم قبل 7 آذار (مارس) 2005. وتعلن النتائج في "يوم الابتكار" الذي سيقام في ربيع 2005.
للمرة الأولى يطلق البنك الدولي "سوق التنمية" على الصعيد الوطني في لبنان. وقد منحت هذه المسابقة العالمية، منذ انشائها، تمويلات بقيمة 22 مليون دولار لاطلاق نحو 370 مشروعاً في أكثر من 60 بلداً. ما يلي نماذج من مشاريع فازت بجوائز "سوق التنمية" في أنحاء مختلفة من العالم.
البيرو: ضفادع لحماية غابة المطر
في غابات البيرو المطيرة، تشاركت مؤسسة التمويل الدولية (IFC) مع منظمتين غير حكوميتين في مشروع لتربية وتصدير ضفادع السهام السامة. هذه الضفادع العجيبة الألوان، التي تتناقص أعدادها حالياً وتهرَّب في تجارة دولية غير مشروعة، تمنح المجتمعات المحلية دخلاً من ممارسة تغني الغابة المطيرة بدلاً من استنزافها.
ضفادع السهام السامة دعيت هكذا بسبب تقليد قبلي ما زال متبعاً في بقاع من كولومبيا، هو استخراج سمها لاستخدامه في سهام صغيرة تقذف من انبوب نفخ لصيد الحيوانات. وعندما تنقل هذه الضفادع من موئلها الطبيعي تفقد سميتها ولا تشكل تهديداً لمقتنيها.
باستعمال تقنية طورها عالم البيولوجيا الالماني رينر شولت، يلصق المزارعون على الأشجار قوارير بلاستيكية مقصوصة من النصف ويملأونها بالماء، لتشكل "برك تكاثر" تودعها الضفادع صغارها التي تفقس من البيوض. المزارعون الفقراء يكسبون من بيع الضفادع الى أسواق الحيوانات الأليفة أكثر مما يكسبون من بيع الأشجار لتجار الخشب. ويجني الواحد منهم نحو 50 دولاراً في الشهر، لكن المشروع يستهدف رفع دخلهم الى 115 دولاراً. ومن خلال هذه العملية، يقدَّر انقاذ نحو 3000 هكتار من الغابة.
فاز المشروع بمبلغ 55 ألف دولار من "سوق التنمية" عام 2002. وفي وقت لاحق، حصل على 800 ألف دولار من مرفق البيئة العالمي (GEF)، ومنحه معهد الكيمياء الحيوية في جامعة أولستر البريطانية 250 ألف دولار لاستكشاف الخصائص الطبية الواعدة لسم الضفادع. واضافة الى حماية الغابة المطيرة والحد من الممارسات الزراعية المدمرة الأخرى، يتوقع فريق المشروع تثبيت أو زيادة أعداد 60 نوعاً على الأقل من ضفادع السهام السامة في البيرو.
الفيليبين: مزارعون على الانترنت
يستطيع المزارعون في الفيليبين اليوم اتخاذ قرارات أكثر صواباً حول شراء وبيع وانتاج الرز والسكر والدجاج وغيرها. فثمة موقع على شبكة الانترنت يتيح لهم تفقد الأسعار الجارية وبيع بضائعهم، فاز بمنحة من "سوق التنمية" قيمتها 118 ألف دولار. B2Bpricenow وشركاؤها (يونيسيز ولاند بنك وحركة اعادة الاعمار الريفي) استعملت المبلغ لتركيب أجهزة كومبيوتر في 1900 تعاونية زراعية، وتوزيع أجهزة هاتف خلوية على مزارعين في ثلث تعاونيات البلاد.
توفر B2Bpricenow للمزارعين لوحة معلومات الكترونية تعطي بيانات متجددة عن السوق. وهم تلقّوا تدريبات على استعمال أجهزة الكومبيوتر الشخصية التي قدمتها شركة يونيسيز. وباستطاعتهم أيضاً الاتجار عبر أنظمة SMS، بواسطة هواتفهم النقالة. وهم يتولون تحديث الأسعار بأنفسهم، فلا يتعرضون للغش من مشترين أو وسطاء.
المبادرة بلغت مرحلة الربح خلال سنتين عبر الاتجار بمنتجات زراعية قيمتها 50 مليون دولار، ما يعادل 3،5 في المئة من التجارة الزراعية السنوية في الفيليبين. مصرف المزارعين الذي تمتلكه الحكومة، وهو "لاند بنك"، دخل شريكاً مع B2B، وهناك اليوم 50 موظفاً في المصرف يعملون حصراً لحساب المشروع.
المبادرة مكنت مزارعي الفيليبين من دخول العصر الالكتروني وتدعيم استقلالهم المالي، من خلال استبعاد الوسطاء وصنع القرارات بناء على معلومات أفضل. والخطوة المقبلة نقل هذه المبادرة الى تايلاند.
تركيا: فولاذ الاطارات يحمي من الزلازل
الاطارات المهملة هي مشكلة عادة، اذ كثيراً ما ترمى على جوانب الطرق وفي الأراضي الخلاء. ولكن بفضل الدكتور أحمد تورر، وهو مهندس انشاءات وأستاذ جامعي، ومنحة من "سوق التنمية" بقيمة 130 ألف دولار، قد تصبح هذه المهملات جزءاً من منازل أتراك كثيرين.
يعيش نحو 95 في المئة من سكان تركيا، أي 64 مليون نسمة، في مناطق معرضة للزلازل. ومعظم المباني مشيَّدة بمداميك الطوب أو القرميد أو الحجر. وعندما يضرب زلزال هذه المباني، ينهار الكثير منها، مما يؤدي الى خسائر بشرية ومالية هائلة. فبين عامي 1992 و1999، قتلت الزلازل في تركيا نحو 18 ألف شخص وسببت أضراراً قدرت بنحو 20 مليون دولار. ويكون الدمار على أشده في أحياء الفقراء الذين لا يملكون الموارد اللازمة لاعادة بنائها.
ازاء هذا الواقع، ابتكر تورر طريقة لتقوية الانشاءات، يستطيع المواطنون الذين يبنون منازلهم بأنفسهم اعتمادها وتحمل نفقاتها الزهيدة. فالاطارات المستعملة متوافرة في كل مكان، ويمكن الحصول عليها مجاناً، وما يتحمله المواطن هو كلفة نقلها فقط. ما عليه الا قص الاطارات بسكين حادة، ونزع حلقات الأشرطة الفولاذية وتوصيلها واستعمالها لتغليف جدران المنزل وجعلها أكثر ثباتاً وأقدر على مقاومة الزلازل.
وقد فاز تورر بمبلغ اضافي مقداره 30 ألف دولار من مجلس البحوث العلمية والتقنية في تركيا، مكنه من توسيع مشروعه لسنة اخرى واجراء مزيد من الابحاث حول أنجح وسائل الحماية. وفي أحدث الاختبارات التي أجراها، تبين أن نموذج البناء المسلح بأسلاك الاطارات لا ينهار حتى عندما يميل 34 درجة، بينما النموذج غير المسلح ينهار بعنف عند زاوية امالة مقدارها 18 درجة. أما طريقة التنفيذ فيشرحها تورر في كتيبات ومنشورات يتم توزيعها. وهو لجأ أيضاً الى وسائل الإعلام المرئية لشرح هذه الطريقة للمشاهدين الذين لا يستطيعون القراءة. ويسعى الى توسيع المشروع ليشمل بلداناً أخرى حيث تكثر الزلازل ويعيش الناس في منازل مدماكيّة مهددة. كما يعمل وفريقه على استنباط استعمالات مفيدة أخرى للاطارات.
بوركينا فاسو: مركز لجمع النفايات البلاستيكية واعادة تدويرها
عشرون ألف طن من النفايات البلاستيكية ترمى عشوائياً كل سنة في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو وضواحيها، مما يشوه الطبيعة ويشكل كابوساً بيئياً وزراعياً. فهي تلوث التربة وتعرض حياة الحيوانات البرية والداجنة للخطر. وقد تبين أن 30 في المئة من حيوانات المنطقة نفقت مؤخراً نتيجة ابتلاع نفايات بلاستيكية أثناء الرعي. وتنتشر هذه النفايات ليس بفعل الناس فقط، وانما أيضاً بفعل الأمطار الموسمية والرياح.
مشروع مبتكر لحماية بيئة العاصمة من خلال عملية مكتفية ذاتياً لاعادة تدوير النفايات البلاستيكية فاز بمنحة 148 ألف دولار من "سوق التنمية". ويوفر المشروع حافزاً تشجيعياً لجمع النفايات البلاستيكية وبيعها الى أول مركز لاعادة تدوير البلاستيك يقام في البلاد، بحيث تصبح مصدر دخل للفقراء. وسوف يعمد المركز بعدئذ الى صنع وتسويق منتجات معاد تدويرها مثل لوحات الشوارع وسلال النفايات.
جنوب أفريقيا: لعبة أطفال تضخ ماء
في العام 1997، ابتكرت مؤسسة Roundabout Outdoor في جنوب افريقيا "مضخة لعب" تؤدي غرضين في آن: تضخ الماء، وتشكل حلقة دوّارة يلهو عليها الأطفال. وهي تقام فوق آبار الماء في مدارس المناطق الريفية. وتشغَّل الحلقة المعدنية الكبيرة بطاقة الأطفال الذين يجلسون عليها ويدورون بها، فتضخّ 1400 ليتر من ماء الشفة النظيف في الساعة من البئر الى القرية وصولاً الى نحو 2500 مستهلك.
عندما تقدمت المؤسسة بطلب الاشتراك في مسابقة "سوق التنمية"، كان لديها 20 مضخة فقط اقامتها في دولة جنوب افريقيا. فنالت منحة بقيمة 165 ألف دولار، مما أهّلها للحصول على تمويل اضافي من مانحين آخرين، فأقامت نحو 500 مضخة في أنحاء البلاد، مع تغطية نفقات صيانتها. هذه المضخات التي توفر للأطفال الفقراء وسيلة لهو، توفر أيضاً على النساء عبء جلب الماء من آبار بعيدة. ويتصدى المشروع لمشكلة أخرى هي داء العوز المناعي المكتسب (الايدز) الذي يبتلي ما بين 12 و20 في المئة من سكان جنوب افريقيا. وليس بعيداً عن المكان الذي يلهو فيه الأطفال، يشاهد خزان ماء يحمل رسائل للوقاية من الايدز موجهة الى الشابات.
ترعى المشروع حالياً وزارة الشؤون المائية في جنوب افريقيا، وقد حصل على أموال اضافية من مؤسسة كايسر وشركات كوكاكولا وساوث أفريكان بروريز وإسكوم. وتتلقى المؤسسة التي ابتكرت المضخة اللعبة طلبات لاستخدامها من دول أخرى.