سلحفاة خضراء نادرة تخرج متثاقلة من مياه الشاطئ الى الرمال، في رحلة توالد تتكرر كل سنتين. وتحت جنح الظلام، تمضي السلحفاة التي تزن 99 كيلوغراماً حتى تتجاوز الخط الذي يبلغه أعلى مستوى للمدّ، وتبدأ في حفر عش لتبيض فيه. تتطاير الرمال في جميع الاتجاهات تحت ضربات زعنفتيها الضخمتين. وبعد أن تضع أكثر من مئة بيضة، تجرف الرمال الى الحفرة لتغطي البيض، ومن ثم تعود منهكة الى المياه.
يراقب وان رزيمي راملي عملية وضع البيض من مكان قريب. وما ان تختفي السلحفاة في البحر حتى يدنو من العش وينبش الرمال وينتشل البيوض واحدة تلو الأخرى.
الاستيلاء على بيض السلاحف، الذي يعتبر غذاء مثيراً للشهوة الجنسية في بعض البلدان الآسيوية، دفع عدداً من الأنواع الى حافة الانقراض. ومن الأخطار الأخرى مشاريع التنمية العمرانية الساحلية، وشباك الصيد التي تعلق فيها السلاحف فتختنق، والتلوث الناتج عن حركة السفن.
لكن وان "لص" يسرق البيض ليحافظ على هذا النوع من السلاحف، لا ليبيعه ويجني الأرباح. يقول: "نحن في مزرعة التفقيس نتعلم من التجارب والأخطاء، ومعدلات التفقيس التي نبلغها تتحسن ببطء شديد". وهو منسق للأعمال في محمية ماديرا للسلاحف على ساحل ماليزيا الشرقي النائي، أحد المواقع المعدودة في العالم التي تخرج فيها هذه الزواحف البحرية العملاقة الى الشاطئ.
تؤوي مياه ماليزيا أربعة من أنواع السلاحف البحرية السبعة الباقية في العالم، وهي السلحفاة العملاقة الجلدية الظهر والسلحفاة الخضراء وسلحفاة منقار الصقر وسلحفاة ريدلي الزيتونية. والأنواع السبعة جميعاً مدرجة على لائحة الأنواع المعرضة للخطر أو المهددة بالانقراض. ولكن يتعذر غالباً احصاء أعدادها بدقة، لأنها مهاجرة وقلما تظهر على سطح المياه، مما يجعل رصدها صعباً. ولا تخرج الا الاناث الى الشاطئ كل سنتين لتضع بيضها.
على الشاطئ، تكون السلاحف عرضة لخطر الصيادين الذين يطلبون لحمها و"صَدفتها". أما اذا باضت، ونجت البيوض من سارقي البيض، فتفقس فراخ طولها نحو خمسة سنتيمترات، وتخرج من الرمال، وتبدأ زحفها نحو المياه في رحلة حياة أو موت تكون خلالها فريسة سهلة للطيور والضواري. ويقول الخبراء ان نحو 40 في المئة من الفراخ تموت خلال الساعات الأولى من وجودها في البحر، ويعيش فرخ واحد فقط من كل 1000 فرخ حتى يصل الى سن البلوغ بعد 50 سنة.
أكثر الأنواع تعرضاً لخطر الانقراض السلحفاة العملاقة الجلدية الظهر، التي يقول الخبراء ان اعدادها تراجعت بنسبة 99 في المئة منذ منتصف القرن الماضي. ففي سنة واحدة من الخمسينات أبلغ عن 2000 سلحفاة خرجت للتعشيش على شاطئ رانتاوأبانغ في ماليزيا، وفي العام 2000 لم يخرج الا نحو 10 سلاحف.
بدأت جهود الحماية جدياً في ماليزيا منذ نحو 20 سنة، رغم أن مزارع التفقيس التي تديرها الحكومة موجودة منذ أربعينات القرن الماضي. وقد أطلقت مراكز الحماية في ولاية ترينغانو نحو ثلاثة ملايين فرخ في البحر خلال السنوات العشر الماضية. لكن المسؤولين يعتبرون هذا العدد غير كاف. ويقول عبدالرحمن قاسم منسق محمية رانتاو أبانغ: "نحتاج الى بلوغ مرحلة حماية شاملة، أي وقف أكل البيض وحماية الشاطئ بصرامة ووضع حد لجميع مشاريع التنمية العمرانية وأعمال الصيد الساحلية. أشعر أننا لم نحقق الا 40 في المئة من هذه الأهداف".
الذكور لا تغادر المياه أبداً، لذا فان الأدلة الوحيدة على أحوال السلاحف تأتي من الاناث عندما تخرج الى الشاطئ. وتقول لاي مين من الصندوق العالمي لحماية الطبيعة: "نحن لا نعرف أين تذهب الفراخ، ولا نرى الذكور والصغار. واذا حدث شيء لها فلا نعلم به. وعندما نرى هبوطاً في عدد الاناث، فمعنى هذا أن الهبوط الكلي حاد".
أقيمت محمية ماديرا على شريط ساحلي بكر طوله 1,5 كيلومتر، تعزله تلال صخرية مكسوة بغابات مطيرة، ويديره الصندوق العالمي لحماية الطبيعة ومديرية المصايد في ماليزيا. الطريق الموحلة والمحفَّرة هي المدخل الوحيد الى الشاطئ المحمي، ولن يتم اصلاحها، لابقاء المتفرجين بعيداً. ومفتاح الحفاظ على أعداد السلاحف هو توعية الصيادين المحليين لكي يتوقفوا عن إلقاء شباكهم في المياه المحمية ويكفوا عن جمع البيض. تقول الناشطة البيئية أرلين هاغر: "ليس من السهل ضبط هذه الأمور. هناك قوانين ضد كل تلك الممارسات، لكننا نتكلم أيضاً عن مصدر رزق سكان القرية. المسألة صعبة، انه الصراع بين الناس والطبيعة".