سليم خنفر (عمّان)

يتمتع غرب الأردن بمناخ البحر المتوسط، حيث الجو حار وجاف صيفاً وبارد رطب شتاء، مع موسمين انتقاليين قصيرين. ويقع نحو 75 في المئة من البلاد في نطاق مناخ صحراوي وأمطار سنوية قليلة. وثمة ثلاث مناطق جغرافية - مناخية، هي وادي الأردن، والسهول والمرتفعات الجبلية، والصحراء أو البادية الشرقية.وعلى رغم قلة الموارد الطبيعية، الا أن السياحة الاقتصادية والتنوع الحرفي القائم على القاعدة البيئية يتيحان التوسع في مجال المال والاعمال.

السياحة البيئية المائية قطاع قائم وواعد في الأردن، الذي يزخر بمواقع جديرة بالحماية والتنمية المتوازنة. ومن أهم هذه المواقع البحر الميت والعقبة وحمامات ماعينوواحة الازرق والحمة الاردنية ووادي عفرة ووادي الذراع ووادي الحسا.

على بعد 55 كيلومتراً غرب العاصمة عمان ينبسط البحر الميت، الذي بات شائعاً أنه خال من الحياة بسبب كثافة الاملاح في مياهه. الا أن الأبحاث أثبتت أن هناك كائنات عضوية دقيقة في هذا البحر لها القدرة على تصنيع مادة الغليسرين المطرية للبشرة. وللبحر الميت شهرة واسعة عالمياً، فهو أخفض بقعة على وجه اليابسة، ومستوى سطحه هو 400 متر تحت سطح البحار، الأمر الذي يعني وجود نسبة أعلى من الاوكسيجين في جوه مع درجة حرارة مرتفعة، أي زيادة نسبة التبخر. ومع ذلك لا تتجاوز الرطوبة 5 في المئة، ولهذا فان أجواءه تساعد على تحسين أداء الجهاز التنفسي والجهاز القلبي الوعائي، وسرعة الشفاء للمرضى الذين أجريت لهم عمليات في القلب. ويلاحظ انخفاض ضغط الدم عند كثيرين من الذين يعانون ارتفاع ضغط الدم بعد مكوثهم يومين في نطاقه.

والبحر الميت كنز وطني يخزن نحو 45 مليون طن من الاملاح المعدنية كالمغنيزيوم والصوديوم والكالسيوم والبرومايد والكبريت. وتشير السجلات الى أن معالجة داء الصدفية في المنطقة أدت الى شفاء 70 ـ 85  في المئة من الحالات المعالجة. كما يمكن تخفيف التصلب والآلام الناتجة عن التهاب المفاصل من خلال الاستحمام يومياً في مياهه وفي طينه المعدني. وفي هذا السبيل، يغطى جسم المريض بالطين الساخن لمدة 20 دقيقة يومياً على مدار شهر. ولهذه الأهمية الشفائية، اعتمدت شركات أوروبية للتأمين الصحي منطقة البحر الميت والمراكز العلاجية على ضفافه لعلاج مرضاها، ولا سيما الذين يعانون من الأمراض الجلدية وأمراض المفاصل.

تقع مدينة العقبة في جنوب الاردن على شاطئ البحر الاحمر، وتبعد مسافة 335 كيلومتراً عن العاصمة عمان، وتعتبر ميناء الاردن الوحيد وشرياناً اقتصادياً للدخل الوطني صناعياًوتجارياً ونفطياً. وخليج العقبة الممتد بطول 180 كيلومتراً غني بالشعاب المرجانية الخلابة التي تؤوي أشكالاً وألواناً من الأحياء البحرية.

في رحلة بالقارب الزجاجي القعر، يرى السائح عشرات الأنواع من المرجان والأسماك المتعددة الألوان. وسكون مياه خليج العقبة يوفر الفرصة لقيام السائح بممارسة أنواع من الرياضة المائية، مثل السباحة والغوص والتزلج على الماء. والمناخ مناسب للقيام بهذه النشاطات معظم أيام السنة. ويزور العقبة أكثر من 300 ألف سائح سنوياً.

في وادي زرقاء ماعين الذي تحيط به الجبال المرتفعة، تقع ''الحمامات'' التي تبعد نحو 60 كيلومتراً عن عمان و27 كيلومتراً عن مادبا. معظم الطبقات الجيولوجية الرسوبية في الاردن تتكشف في هذا الوادي، ابتداء من العصر الكمبري والى العصر الثلاثي. وتتركز الينابيع الحارة، وعددها نحو ،60 في وحدة الكرنب العائد الى العصر الطباشيري الاسفل. معظمها يصعد عبر تكسرات وشقوق، وبعضها ينبع من قاع الوادي، وجميعها على جانب واحد من الوادي. أما الجانب الآخر فمغطى بطبقة من الصخور البازلتية الحديثة التكوين. ويختلف التركيب الكيميائي لينابيع الوادي عبر فصول السنة، ويصاحب ذلك اختلاف بسيط في درجات الحرارة.

ويتضح من التحليل الكيميائي لمياه رزقاء ماعين المعدنية أنها قلويّة غنية بالكلوريدات والكبريتات وبأملاح الصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم، ولهذه العناصر فوائد متعددة. كما أظهرت التحاليل وجود خاصية إشعاعية للمياه. ولهذه الخصائص كلها آثارها الصحية في علاج الأمراض الجلدية، وآلام الروماتيزم، وتصلب الشرايين، وتقلص العضلات، وأمراض الدورة الدموية، والجهاز التنفسي. ولها تأثير إيجابي على إفراز الغدد وتنشيط الجسم من الإرهاق العصبي والتنفسي والوقاية من الأمراض.

تتراوح درجة حرارة المياه المعدنية بين 37 و60 درجة مئوية. ويستطيع السائح الاستمتاع بها صحياً وجسدياً، وأيضاً بالشلالات الجميلة التي تنحدر من الينابيع بمعدل سقوط بين 250 و550 متراً مكعباً في الساعة.

الأزرق من أهم الواحات في الصحراء الأردنية وأبرزها سياحياً، وتقع على بعد 100 كيلومتر شرق عمان. مصدر الماء الجاري في بئر الأزرق هو طبقة الكرنب في الأعماق، وهي الطبقة ذاتها التي يتدفق منها الماء الحار على امتداد حفرة الانهدام في المنطقة الوسطى والجنوبية في الأردن. والماء فيها مضغوط ويخرج الى السطح بشكل ارتوازي، وهو قلوي مع زيادة في الكلوريدات. ويخرج معه حين اندفاعه الى السطح غاز كبريتيد الهيدروجين المميز برائحته الحادة. وتستخدم هذه المياه المعدنية في علاجات المفاصل، والعضلات وتشنجاتها، والأمراض الجلدية، وتنشيط الدورة الدموية، وكمهدئ للالتهابات في الجهاز التنفسي. كما تستعمل للعلاج من الإرهاق العصبي، اذ تساعدفي استعادة النشاط والهدوء والاسترخاء مع الإحساس بتحسنات عامة على الوضع الصحي.

وتوفر منطقة الأزرق للسائح أيضاً المناظر الطبيعية الخلابة. فهي تتميز بأشجارها المنسقة، ومياهها الوفيرة، وطيورها، وحيواناتها المختلفة. وتأتي الطيور المهاجرة الى هذه الواحة، ولذا فهي تجذب هواة مراقبة الطيور (لكن الصيادين أيضاً في مواسم الصيد). وهي، الى ذلك، أحد المعالم الأثرية في الأردن.

تقع الحمّة في أقصى شمال الأردن على بعد 35 كيلومتراً من إربد، قريباً من آثار أم قيس. فيها العديد من الينابيع الجارية في وادي نهر اليرموك ووادي أبو صالح شمال شرق طبقة فحل. ويبلغ حجم المياه المعدنية المتدفقة منها نحو 2300 متر مكعب في الساعة، وتتراوح حرارتها بين 26 و50 درجة مئوية. تغطي المنطقة المحيطة بالينابيع صخور بازلتية حديثة، وتنبع المياه الحارة من الطبقات الطباشيرية المارلية العائدة الى العصر الطباشيري الأعلى.

الصخور الزيتية المتحولة تضفي على المياه خواص كيميائية فريدة من نوعها في العالم. ولبعض المياه المحيطة درجة حموضة 12، وهذا الرقم الهيدروجيني نادر جداً في المياه الطبيعية ويثير اهتمام العلماء في أنحاء العالم. وهي غنية بالقلويات والكلوريدات والكبريتات والكربونات والصوديوم والكالسيوم والمغنيزيوم. أما الرائحة المميزة فتدل على وجود غاز كبريتيد الهيدروجين المذاب الذي يخرج عند خروج الماء الى سطح الأرض. واضافة الى منافع الاستحمام بمياه الحمة، فان شربها يساعد أحياناً في تقليل حموضة المعدة.

قريباً من مدينة الطفيلة، ثمة ينابيع حارة في وادي غفرة يتركز معظمها عند ملتقاه مع وادي الحسا. وتصل كمية المياه الحارة التي تنبع منها الى 400 ليتر في الثانية، أي ما يقارب 12 مليون متر مكعب سنوياً، وهي ثابتة عبر فصول السنة. ويرجع عمرالصخور التي تنبع منها الى العصر الطباشيري السفلي، وتتميز بأنها من حبيبات الكوارتز التي تتخللها حبيبات طينية، مما يجعلها صخوراً مسامية. وتتراوح حرارة مياه النبعات من 47 الى 49 درجة مئوية، وتحتوي على غاز كبريتيد الهيدروجين. وهي قلوية مع زيادة في الكلوريد، وتستعمل للعلاج من الأمراض الجلدية والحساسية والروماتيزم وتيبس المفاصل والإلتهابات المفصلية المزمنة وتنشيط الدورة الدموية وتصلب الشرايين وتليين العضلات.

وفي وادي الحسا حمامات أبو ربيطة، التي تنبع مياهها من طبقة حصى تعلو الصخور الرملية الكرنبية العائدة الى العصر الطباشيري الأسفل. ومقارنة بوادي غفرة، فإن حرارة مياه هذا النبع تختلف مع اختلاف فصول السنة، فهي مرتفعة صيفاً لتصل الى 46 درجة مئوية، ومنخفضة شتاء لتصل الى 24 درجة مئوية. وتركيبها الكيميائي قريب من مياه وادي غفرة، ولها الفوائد ذاتها، وتستعمل للعلاج الخارجي فقط، أي بالاستحمام.

يمتد وادي الذراع في سفوح جبال الكرك المؤدية الى الأغوار، ويرتفع 40 متراً عن سطح البحر. تنبع المياه الحارة من قاع الوادي مشكلة بركة صغيرة يخرج الماء من قعرها وكأنه يغلي. حرارة المياه ثابتة خلال فصول السنة وتبلغ نحو 33 درجة مئوية. وهي تحتوي على كميات عالية من الحديد، ويمكن الاستدلال على ذلك من اللون البني الأحمر على الحجارة والصخور في الوادي، نتيجة أكسدة الحديد بفعل التقائه بالأوكسيجين. وتعود هذه الصخور الى العصر الكريتاسي السفلي، وتتألف من حجر رملي (كوارتزي) مع قليل من الحبيبات الطينية. المياه قلوية تحتوي على الكلوريد، وتستعمل للشرب أو للاستحمام، فهي تنشط الدورة الدموية وتعالج تصلب العضلات والشرايين والإمساك المزمن وبعض أنواع الالتهابات والحصى في المسالك البولية، كما أنها مدرة للبول.

وفي الاتجاه الشرقي الغربي يقع وادي ابن حمادقاطعاً جبال الكرك ليصبّ في البحر الميت. وتختلف حرارة مياه الينابيع في الوادي مع اختلاف فصول السنة، فهي مرتفعة في الشتاء والربيع والصيف اذ تصل الى 38 درجة مئوية، وتنخفض في الخريف الى 16 درجة مئوية. وتتميز هذه المياه باحتوائها على الفلزات الثقيلة والقلويات والكلوريد وارتفاع نسبة غاز كبريتيد الهيدروجين، وتستعمل للشرب والاستحمام. وهي من الناحية العلاجية مشابهة لمياه وادي الذراع.

اكتشف علماء بريطانيون أن ''مزيجاً'' من مياه البحر الميت ومناخ الاردن ومرهم خاص يساعد المصابين بداء البهق الجلدي. الدكتورة كارين شالرويتر، رئيسة معهد الاضطرابات الصبغية في جامعة برادفورد، قامت مؤخراً برحلة مع فريقها الطبي الى البحر الميت في الاردن. وأخذوا معهم 108 مرضى من 16 بلداً يعانون من البهق (vitiligo)، وهو مرض جلدي يتميز بظهور بقع بيضاء على البشرة مع تراكم بيروكسيد الهيدروجين في تلك البقع التي تفقد لون الجلد الطبيعي. والمرضى لا يستطيعون مقاومة هذا التراكم بسبب نقص أنزيم معيَّن في الجلد.

استخدم الفريق الطبي في معالجة اولئك المرضى مرهماً يساعد في تعويض الأنزيم ابتكرته شالرويتر وزميلها الباحث جون وود. تقول شالرويتر: ''وجدنا بعد 21 يوماً فقط في الاردن أن استرداد الاصطباغ الجلدي يكون أسرع كثيراً باستعمال هذه العلاجات الثلاثة معاً''. وهي دأبت على اصطحاب مرضاها الى المنطقة منذ خمس سنوات، واستفاد منهم أكثر من 500 مريض. وتتمثل طريقة العلاج في أن يستحم كل مريض في البحر الميت مدة 15 دقيقة، ومن ثم يأخذ دوشاً ويدهن المرهم على بشرته، ويعرض جسمه لأشعة الشمس مدة ساعة قبل الظهر. وتتكرر هذه العملية عصراً.

وقد باشرت شالرويتر هذه السنة برنامجاً دولياً للأبحاث بالتعاون مع مستشفى الاردن في عمان والدكتور نيجل لندسي من دائرة علوم الطب الحيوي في جامعة برادفورد.