"لست عالماً بشؤون البحار، لكن البحر لم ينفكّ يوماً عن إثارة مشاعري وحماستي... وكان دائماً جزءاً لا يتجزأ من حياتي منذ الطفولة". كلمات من خطاب أعده الرئيس رفيق الحريري في حزيران (يونيو) 2003، ليلقيه خلال احتفال في إمارة موناكو بمناسبة التوقيع على اتفاق تعاون مع جمعية "بحر لبنان" التي يرأسها.
رعى حفل التوقيع بعد ظهر ذلك الأربعاء، لكنه غادر على عجل عائداً الى بيروت، بعدما جاءه خبر وفاة السيدة ريما تقي الدين، المساعدة الشخصية لزوجته وصديقة العائلة، في حادث مفجع. وهكذا لم يتسنَّ له إلقاء كلمته التي كانت مقررة في حفل التكريم مساء اليوم نفسه. هنا نص الكلمة التي بقيت في جيبه:
يسرّني أن أُخاطبكم باسم جمعية بحر لبنان التي منحني زملائي المؤسسون شرف ترؤسها. تأسست الجمعية في بيروت في شهر كانون الأول الماضي في أعقاب دراسات تناولت الآثار المأساوية للتلوث على الأرض والبحر، علماً أن أسباب التلوث البحري تعود بنسبة 23 في المئة فقط الى البحر نفسه، فيما تأتي النسبة الباقية، وهي 77 في المئة، من البرّ، وتكاد تنحصر في النشاط البشري.
التقارير المقلقة عن التدهور البيئي التي أتلقاها كرئيس لمجلس الوزراء اللبناني دفعتني الى قبول رئاسة هذه الجمعية، وذلك من أجل تحمل مسؤوليتي المدنية، كمواطن معنيّ، في الصراع ضد كل ما يؤدي الى تدهور البيئة البحرية وتهديد غناها الجمّ وتَنوُّعها البيولوجي. البحر ليس مسؤولية الحكومات والمنظمات الدولية فحسب، لكنه يدخل في نطاق الاهتمام المشروع لكل إنسان.
في لبنان، حيث يمتد الخط الساحلي مسافة 225 كيلومتراً من الشمال الى الجنوب، نواجه مشكلات بيئية وصحية خطيرة ملازِمة للتلوث البحري. ومن أبرز المشاكل التي يواجهها البحر والشاطئ: النفايات الصلبة، مياه الصرف الصحي، تسرب النفط، تدفق المواد الكيميائية الصناعية، شفط الرمال، استعمال الشاطئ لمشاريع خاصة مما يؤدي الى تقطّعه وحرمان الجمهور من الوصول اليه. إن حل مشاكل الاهمال والنمو العشوائي، والعمل من أجل نوعيّة حياة أفضل، يجب أن تأتي في رأس أولوياتنا الوطنية، سواء أكنّا رسميين أم أفراداً من المجتمع المدني.
كيف لنا أن نستعيد البحر الذي عرفناه في الماضي السعيد؟ إن توقيع الاتفاقيات شرط ضروري، لكنه غير كافٍ. والواقع أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة، منذ ثلاثة عقود حتى اليوم، عمدت الى توقيع عدد من المواثيق الاقليمية والدولية المهمة لحماية بيئتنا البحرية. ومن هذه خطة العمل المتوسطية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، واتفاق برشلونة لحماية البحر المتوسط من التلوث، واتفاق باريس لحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، والاتفاق العالمي للحماية من التلوث الناشئ عن السفن، واتفاق بازل لوقف انتقال النفايات السامة عبر الحدود، واتفاق الأمم المتحدة حول قانون البحار، واتفاق الأمم المتحدة حول التنوع البيولوجي.
للدولة دَور بالغ الأهمية في سن القوانين وتنفيذها والسهر على حسن سَيرها. لكن من المستبعد أن تستطيع الحكومات وحدها تحقيق الكثير بلا دعم كل القطاعات الاجتماعية والأفراد الملتزمين.
وها نحن نجتمع هنا اليوم، كجزء من المجتمع المدني، لتوقيع اتفاق تعاون مع إمارة موناكو من أجل مكافحة التلوث البحري. وقد عقدت جمعيتنا العزم على الافادة من تجربة موناكو في هذا المجال، لناحيتَي توسيع الوعي الجماهيري وتقوية القدرة العلمية المحلية في المجالات المتعلقة بالتلوث البحري.
إنّ اهتمامي بهذه الجمعية يتجاوز الواجبات الرسمية ليطال الاعتبارات الشخصية. لستُ عالماً في شؤون البحار، لكن البحر لم ينفكّ يوماً عن إثارة مشاعري وحماستي. لقد وُلدتُ في بلدة صيدا، وهي صيدون التاريخية، جنوب لبنان، وكان البحر دائماً جزءاً لا يتجزأ من حياتي منذ الطفولة. وبفضل مناخ لبنان المعتدل، كنا نسبح في المياه البلورية ثلثَي أيام السنة، ناظرين الى المتوسط وهو يتلألأ تحت أشعّة الشمس الرائعة. وكانت صيدا، بقلعتها البحرية ومينائها القديم وآثارها ونقوشها الكثيرة، متحفاً حياً لحضارات البحر المتوسط.
وما يصح على صيدا يصح على لبنان كله، وهو بلد بحّارة، ما يزال ساحله الفينيقي يحمل ذكريات السفن والمغامرات والاكتشافات والبطولات. إنّ البحر يملأك اندفاعاً للرحيل وراء الأفق كي تكتشف عوالم جديدة وتلاقي شعوباً أخرى، ولكي تقف منتظراً أُولئك الذين يأتونك من البعيد. لقاء الأقوام هذا ضروري لنموّ الحضارات. ألم تنشأ الحضارات على أحواض البحار وضفاف الأنهار؟ أليست الحضارة، في التحليل الأخير، حواراً؟
عندما يجتمع المفكرون اليوم في الحلقات العالمية لمعالجة مسائل مثل العولمة وحوار الحضارات، فأوّل ما يتبادر الى ذهني الحضارات العظيمة التي تنتمي الى المتوسط: الفينيقية، المصرية، الاغريقية، الرومانية. إنّ أوّل مذهب صحيح في الحوار والعولمة انطلق على يد فيلسوف فينيقي من شواطئنا، هو زينون الرواقي، عندما دعا البشر في كل المعمورة الى الحياة وفقاً للطبيعة، والى أن يكونوا إخوة بعضهم لبعض ومواطنين لمدينة واحدة هي العالم.
لبنان كان على الدوام بلد الشعراء والمفكرين والمستكشفين، الذين استمدوا وحيهم الكبير من المتوسط. إننا نعتمد على البحر لا في حاضرنا فقط، بل في ماضينا ومستقبلنا أيضاً. وإنقاذه من التلوث يعني تأمين حياة أفضل لأنفسنا وللأجيال القادمة. وبالعمل معاً نستطيع إيجاد تنمية تدوم وازدهاراً يحترم الناس وعالمهم. العلم والتكنولوجيا، جنباً الى جنب مع مشاركة المجتمع المدني، تستطيع حل مشاكلنا، لكن بشرط أن توجد الارادة السياسية. وبصفتي رئيساً لمجلس الوزراء في لبنان، أتعهّد بإيجاد الدعم السياسي الذي يكفل حماية بحرنا.
البحر المتوسط متلازم مع وجودنا نفسه في المكان والزمان. دعونا نعيد إليه مجده وكبرياءه.
يهدي مكتبات بيئية الى 500 مدرسة
الحريري: التنمية المتوازنة تحمي البيئة
اثر متابعته العمل البيئي في المدارس الذي تقوم به مجلة "البيئة والتنمية"، وتعليقاً على افتتاحية بعنوان "يا بيئيي العرب اتحدوا"، أرسل الرئيس رفيق الحريري الى المجلة في كانون الأول (ديسمبر) 1999 كتاباً يطلب فيه تقديم اشتراكات شهرية ومجموعات من الكتب البيئي كهدية منه الى 500 مدرسة لبنانية. هنا نص الرسالة:
تدخل البشرية الألفية الثالثة برصيد ضخم من التطور العلمي والتكنولوجي، فتح للإنسان آفاقاً كانت تعتبر لفترة قريبة من نسج الخيال. لكن النجاح في سبر أسرار الكون ترافق مع أفظع عملية تدمير لهذا الكوكب الأزرق، استنزفت موارده المحدودة بلا رادع، وجعلته مهدداً في مائه وهوائه وترابه. فعلى هامش سعي الإنسان إلى حياة أغنى وأفضل، دمر عناصر أساسية يعتمد عليها استمرار الحياة نفسها.
بقدر ما هزّني الإنذار البيئي الذي أطلقته افتتاحية العدد الأخير من "البيئة والتنمية"، شعرت بالأمل حين قرأت عن المشاريع التي ينفذها الطلاب في المدارس اللبنانية ضمن البرامج البيئية لنادي البيئة والتنمية. وغمرتني الثقة بالمستقبل حين تمعنت في التقارير البيئية التي قدمها طلاب مئات المدارس من جميع مناطق لبنان، لما عبّرت عنه من وعي بيئي متزايد لدى الجيل الجديد. واللافت أن الطلاب انتقلوا من مجرد تحديد المشاكل البيئية إلى محاولة إيجاد حلول وتنفيذ مشاريع يساهمون من خلالها شخصياً في حماية البيئة. وهذا تطبيقٌ عملي للشعار الذي أطلقته المجلة: "البيئة الأفضل تبدأ بك أنت". ففي الواقع، كل مواطن مسؤول.
لقد ارتكبت سياسات التنمية في العالم أخطاء وخطايا في حق البيئة، حين استنزفت موارد الطبيعة ومكوّناتها على أنها سلع مجانية. وهذا حصل على هامش الاندفاع في خطط طموحة للتنمية الاقتصادية، كان القصد منها تلبية حاجات الناس. ولم يكن لبنان خارج هذه الصورة. لقد ضربت الحرب جميع نواحي الحياة، فتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ودُمّرت بنية البلد، وكانت البيئة الضحية الكبرى أثناء الحرب وفي السنوات القليلة التي تلتها.
كانت الأولوية بعد الحرب إرساء قواعد السلم الأهلي وتلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنين فقدوا كل شيء. لقد خرجنا من الحرب ببلد مدمّر، بناسه وطبيعته ومؤسساته وخدماته الأساسية. وإذا كان الاهتمام بالبيئة لم يعطِ ثماره المرجوة في السنوات الماضية، فلا يجوز إلا أن يكون الموضوع المحوري اليوم وفي المستقبل. فإذا خسرنا البيئة والموارد، نخسر أساس الحياة في هذا البلد. ونحن وضعنا البيئة في أولويات جدول أعمالنا للألفية الثالثة. وقد أثبتت التطورات الأخيرة في العالم أن القرارات الصائبة بيئياً هي في الوقت نفسه صائبة إقتصادياً، اذا كان المقياس حياة الشعوب ومصلحة الأجيال المقبلة، وليس الحسابات والمصالح الآنية للأفراد.
ليست التنمية الصحيحة ضد البيئة. فالأساس تأمين نوعية حياة جيدة لجميع الناس، تحمل مقومات الاستمرار في توازن مع محدوديات الطبيعة. والخدمات الأساسية، من مياه نظيفة وشبكات صرف وكهرباء ومواصلات حديثة، إضافة إلى خلق فرص للنمو الاقتصادي، كلها تساعد في تحسين الوضع البيئي. إذ أن الاستقرار الاقتصادي شرط أساسي للاستقرار البيئي. فالمجتمع الذي يتمتع بالاكتفاء والواثق بنفسه هو وحده المؤهل لحمل لواء رعاية البيئة والتخطيط للمستقبل.
نحن ندعو إلى حالة طوارئ بيئية في لبنان، توقف فوراً كل تخريب بيئي، وتضع سياسة بيئية صريحة وبرنامج عمل محدداً بجدول زمني. والإدارة البيئية التي ندعو إليها ليست ملحقاً يضاف إلى البرامج الإنمائية، بل هي جزء عضوي منها. لقد آن الأوان للانتقال من طرح الشعارات البيئية في المناسبات، إلى تعيين أهداف محددة لمعالجة مسائل مثل مصادر تلوث الهواء والماء والفوضى في وجهة استعمال الأراضي وتنظيم الصناعة.
ولا بد من تشجيع البحث العلمي في مجالات البيئة، وإنشاء مؤسسة وطنية علمية للبيئة، غايتها إجراء البحوث والدراسات المختصة ووضع المعايير. هكذا تصبح السياسات البيئية الوطنية مرتكزة على معلومات موثوقة، بدل أن تبقى ردات فعل وإسعافات أولية لا يتجاوز مفعولها، في أحسن الحالات، تأجيل المشكلة أو نقلها من مكان إلى آخر.
والتدابير التنفيذية للسياسة البيئية التي نطمح إليها يجب ألا تقتصر على العقوبات وردع المخالفين. فمن الضروري أن تكون الحوافز جزءاً أساسياً في أية سياسة عصرية، بحيث يتم تشجيع الأفراد والمؤسسات على اعتماد إجراءات تحمي البيئة، بإعطائهم الدعم المادي والإعفاءات الضريبية، إلى جانب فرض ضرائب وغرامات على الملوثين. علينا جميعاً، مواطنين وقادة سياسة وفكر وصناعة وتجارة، العمل معاً من أجل ضمان بيئة معافاة للأجيال المقبلة.
أشد على أيديكم. وتقديراً للعمل الرائد الذي تقومون به لتعميم المفاهيم البيئية السليمة لدى الجيل الطالع خاصة، قررت تقديم اشتراك سنوي في مجلة "البيئة والتنمية" ومجموعة الكتب البيئية التي صدرت عنها، كهدية مني إلى مكتبات خمسمئة مدرسة في جميع المناطق اللبنانية.
ثابروا على العمل الراقي في خدمة البيئة.
فياحتفال ''البيئةوالتنمية'' بعيدها الخامس 2001
علىالبيئيينأنيرفعواصوتهم
رعىالرئيسرفيقالحريرياحتفال «البيئةوالتنمية» بعيدهاالخامسفي 31 حزيران(يونيو) 2001حيثتسلّمالبطاقةالرقمواحدفي "منتدىالبيئةوالتنمية"، وألقى كلمة دعا فيها البيئيين الى الخروج من صفوف الأكثرية الصامتة، ورفع صوتهم عالياً للضغط من أجل تحقيق المطالب البيئية. هنا نص الكلمة:
اطّلعتُمؤخراًعلىنتائجاستطلاعلاتجاهاتالرأيالعامالعربيالبيئية،أظهرتأنأكثرمن90فيالمئةمنالناسيطالبونبقوانينأشدّللحفاظعلىالبيئة،حتىلوأدّتالىفرضبعضالقيود. وتبيَّنأننسبةتفوق80فيالمئةعلىاستعدادللقيامبمبادراتشخصيةللمساهمةفيحمايةالبيئة،مثلاستخدامالنقلالعاموالتحولالىالبنزينالخاليمنالرصاصوالحرصفياستهلاكالماءوالكهرباء. وقال 77 فيالمئةإنهميوافقونعلىدفعضرائبخاصةللرعايةالبيئية. وكانتأرقاملبنانبينالأفضلفيالدولالعربية،ممايُظهرتزايدالوعيالبيئيلدىالجمهور.
فيأرقامهذاالاستطلاععِبَرٌعليناأننهتديبها. فالناسينتظرونمناعملاًفعلياًيحميالبيئةوالمواردالطبيعية،حفاظاًعلىحقوقهذاالجيلوالأجيالالمقبلة. ومسؤوليةالأفرادلاتعفيالدولةمندورهاالمركزيفيادارةالبرامجالبيئية.
مهماكانتهمومنافيالسياسةوالاقتصادوالحربوالسلامضاغطة،لايحقُّلناتأجيلموضوعالبيئة. فبعدأنتنتهيكلالسجالاتوالنقاشاتسيبقىعليناأننتنفسونشربونأكل. وليسمسموحاًأننمنععنأجيالالوطنالمقبلةالحقفيهواءعليلوماءنقيوترابنظيف.
الحكومةمقتنعةأنالادارةالبيئيةيجبأنتكونجزءاًفيخططالتنمية،منضمنترتيبللأولويات،يبدأبوقفكلنشاطيسببضرراًبيئياًلايمكنإصلاحه،ويصلالىتنميةالمواردعلىنحومتوازنيلبيمتطلباتالاقتصادولايدمرالبيئة. ولابدمنالوصولفيمرحلةقريبةالىادخالالتكاليفالبيئيةفيحساباتالموازنةالعامة،فيتوقفالتلويثواستهلاكالمواردالطبيعيةكسلعةمجانية. كماأننامقتنعونبوجوبفرضضرائبوقيودعلىالأشياءالملوِّثةوليسعلىالعملوالانتاجفقط. وقدبينتتجاربالعالمأنحُسْناستخدامالموارد،وحمايةالطبيعة،وتعميمالصناعاتالنظيفةالتيتصدرعنهاملوِّثاتونفاياتأقل،كلهاتقودالىنوعيةحياةأفضل. وثبتأنالكفاءةالبيئيةلاتتعارضمعالجدوىالاقتصادية. فحمايةالبيئة،وانكانتمكلفة،تؤديالىتخفيفالفاتورةالصحيةواجتذابالسياحواستقطابالاستثمارات.
ودخولنافيعصرالتكنولوجياالمتطورةوثورةالاتصالاتمنالبابالواسع،كمطوِّرينوليسكمستخدمينفقط،يؤديأيضاًالىحمايةالبيئة. فعداعنالنتائجالايجابيةلمايوفرهالعلممنحلوللمشاكلالتلوث،ولماتوفرهالاتصالاتمنتقارببينالشعوبوالتحذيرالسريعمنالمشاكلوتعميمالحلول،فلثورةالاتصالاتنتائجفوريةعلىحمايةالبيئة. تصوّرواأنقمراًاصطناعياًيزنمئةكيلوغرامقديؤدياليوممهمةأطنانمنالكابلاتالأرضية،بمافيهذامنتوفيرفيالمواد.
وإنزيادةالانتاج،والتوزيعالعادلللثروةبالانماءالمتوازن،والقضاءعلىحدةالفقر،عواملتؤثرايجاباًفيحمايةالبيئة. فالبيئةيحميهاالواثقبالمستقبلوليسالخائفُمنالغد. وحتىبرامجالخصخصةتخدمالبيئةولوبطريقةغيرمباشرة،اذاأدتالىكفاءةأعلىفيالانتاجوتوفيرفياستخدامالموارد.
نحنمقتنعونبكلهذا،وقدأوردناهفيالبيانالوزاريللحكومة. غيرأننانحتاجالىدعمهؤلاءالذينعبّرواعنرأيهمفيالاستطلاعالبيئي،لكنهمبقواأكثريةصامتةوقوةكامنة. فنحنندعوهماليومليجعلواصوتهممسموعاًعندناوعندجميعالذينيُفترضبهمتمثيلهم.
انالبعضمازاليرىفيتدميرالبيئةأرخصطريقالىالربحالسريع،ومازالالبعضيعتبرانهيحوزعلىرضىالناخبينإذاعملعلىحمايةمقلعصخورهناومخالفةبناءهناك. ومازالتالمصالحالضيقةتعرقلتنفيذالخطةالمتكاملةللادارةالبيئيةالتيوعدنابهافيالبيانالوزاري. لكننياؤكدمجدداًتمسكالحكومةبتنفيذماالتزمتبه.
لهذاكله،أتمنىأنيكونللرأيالعامصوتٌمسموعلدعمتدابيرحمايةالبيئةوالمطالبةبهالدىممثليالشعب،وعدمالقبولبالمكاسبالصغرىالسريعةعلىحسابالمستقبل.
مشاكلالبيئةلايمكنحلهاإلابتعاونالجميع،مواطنينعاديينواقتصاديينوتجاراًومزارعينومثقفينومسؤولين. وقدلفتنيتركيزمجلة «البيئةوالتنمية» علىشعار «البيئةالأفضلتبدأبكأنت». وهيبدأتبالفعلتطبقهعلىنفسها،فلمتنتظردعماًمنأحدللانطلاقبمشروعنهضةبيئية،نجحخلالخمسسنواتفيالوصولالىكلدولةعربية.
أهنئمجلة «البيئةوالتنمية» فيعيدهاالخامس،وقدتحولتبجدارةالىمؤسسةبيئيةعربيةتجسّدالايمانبنهضةلبنانالمتجددةوبدوررياديلهذاالبلدلنينتهي.
كلمة رفيق الحريري في يوم البيئة العالمي 2003 في بيروت
نهزم الارهاب حين نربح معركة الفقر
رئيس الحكومة رفيق الحريري كتب هذه الكلمة في مناسبة إقامة الاحتفالات الدولية ليوم البيئة العالمي في بيروت، في ٥ حزيران (يونيو) 2003، حيث تم توزيعها في جميع أنحاء العالم مع كلمة الأمين العام للأمم المتحدة. وكان الحريري صاحب المبادرة الى دعوة الأمم المتحدة لاقامة احتفالها العالمي في بيروت.
إن استضافة احتفالات يوم البيئة العالمي في بيروت هي إعلان أمل في هذه الفترة المليئة بالتحديات. فمن خلال اهتمامنا الجدي بالبيئة، نود أن نؤكد طموحنا الى تحقيق تنمية مستدامة لشعوبنا، لا تكتفي بمجرد تأمين العيش، بل تبني نوعية حياة أفضل.
لقد دمرت سنوات الحرب عاصمتنا، لكنها عجزت عن تدمير ارادتنا. وعلى الرغم من الصعاب، ارتفعت بيروت من الرماد، حيث يعاد بناؤها كمدينة حديثة، وفي الوقت ذاته وفية لتاريخها وصديقة للبيئة.
لبنان، وطن الأرز وحديقة الشرق، يستضيف العالم مرة أخرى. فالسنة الماضية استقبلت بيروت القمة الفرنكوفونية والقمة العربية والمؤتمر العالمي للمنظمة الدولية للاعلان، وغيرها من المناسبات العالمية والاقليمية. وما الاحتفال الدولي بيوم البيئة العالمي في بيروت إلا تعبير آخر عن ارادة تستكشف المستقبل، حاملة طموحات لا تعرف الحدود.
في طريق السعي الى حياة أكثر رخاء وبحبوحة، دمر الانسان العناصر الأساسية التي تعتمد عليها حياته. وفي حين كان التدهور البيئي، في معظم الحالات، نتيجة لبرامج التنمية غير المتوازنة التي التهمت الموارد الطبيعية، فالبيئة كانت، في حالات أخرى، ضحية للحروب المدمرة.
على برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن يلعب دوراً محورياً في تعيين الآثار البيئية للنزاعات المسلحة واقتراح وسائل معالجتها. إننا، إذ نثني على التقرير الذي أعده البرنامج مؤخراً عن الأوضاع البيئية في الاراضي الفلسطينية المحتلة، نؤكد على ضرورة دعم جهوده لدراسة الآثار البيئية للحرب في العراق، خاصة في ما يتعلق باليورانيوم المستنفد. فلا بد من اعتماد خطة متكاملة لتنظيف المواقع الملوثة بهذا العنصر الاشعاعي السام، الذي يشكل بقاء مخلفاته في الهواء والتراب خطراً على الصحة العامة في المنطقة كلها يمتد آلاف السنين.
أخاطبكم من منطقة تحاول تحقيق التنمية المستدامة تحت وطأة الحروب والاحتلال والحصار. لذا أعرف من واقع التجربة أن حلّ النزاعات، على نحو يحفظ الحقوق الوطنية ويكفل كرامة الانسان، هو شرط أساسي لتحقيق التنمية المستدامة. فمن المحزن أن نراقب صرف مئات آلاف الملايين من الدولارات على التسلح والحروب، في وقت تتناقص المساعدات الدولية المخصصة للتنمية.
المياه موضوع يوم البيئة العالمي لهذه السنة. ووفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يتحرق ألفا مليون من البشر طلباً للمياه النظيفة المفقودة. من المفارقات أنه في وقت كان المنتدى العالمي للمياه في كيوتو يستجدي الحصول على مئة مليار دولار لحل مشكلة مياه الشرب حول العالم ولا من يستجيب، كانت تدور حرب فاقت تكاليفها خلال أيام معدودة هذا المبلغ.لقد آن الأوان لكي يضع العالم حداً للحروب المدمرة ويبدأ حرباً وقائية من أجل حماية البيئة، سلاحها التنمية المستدامة.
نحن نسعى الى السلام العادل، الذي لا بد أن يدعم أيضاً قضايا البيئة والاستثمار المتوازن للموارد في هذه المنطقة، كما ندعو، في الوقت عينه، الى جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. وهذا الهدف يكون جدياً فقط حين يتم تطبيقه بالمساواة في جميع دول المنطقة، وليس على أساس انتقائي.
إن جزءاً من الميزانيات المخصصة للتسلح يكفي لمحو الفقر والأمراض ورعاية البيئة. غير أن مستوى المساعدات الانمائية يقل كثيراً عن المطلوب. والدول النامية تعترض، عن حق، على تقصير الدول الصناعية في تنفيذ الالتزامات التي تعهدت بها. فقد تراجع حجم المساعدات الانمائية الدولية خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة الثلث، ليصل الى نسبة ٠,٢٢ في المئة من الدخل القومي بدل مضاعفته الى نسبة ٠,٧ في المئة الموعودة.
لكن من المشجّع أن نرى أنه، على الرغم من الخيبات، لم تتراجع الدول النامية عن التزاماتها في عدم تكرار أخطاء الثورة الصناعية في أوروبا وأميركا، التي دمرت البيئة واستنزفت الموارد. فالعالم لا يحتمل مزيداً من تلوث الماء والهواء والتراب والنفايات السامة. غير أن من واجب الدول الصناعية مساعدة الدول النامية في اعتماد تكنولوجيات نظيفة بديلة، تؤمن لمجتمعاتها التطور الاقتصادي ولا تدمر الموارد. فليس من الحق أن يُطلب من الدول النامية اليوم أن تتحمل وحدها عبء حماية البيئة، التي قام تطور الدول الصناعية على استنزافها عبر عقود من الزمن، بما فيه استهلاك موارد الدول النامية نفسها من شركات متعددة الجنسية تبحث عن الربح السريع.
يجب القبول بالتنمية المستدامة كهدف في ذاته، وليس كورقة تفاوض ضائعة في سوق المزايدات بين مطالب المساعدات المادية والحكم السليم ومكافحة الفساد. فالتفسيرات الانتقائية لشروط الحكم السليم من بعض الدوائر في الدول الصناعية تتخذ من الموضوع حجة لمنع المساعدات الموعودة عن الدول النامية. وفي المقابل، تعتبر بعض الدول النامية كل حديث عن تحسين أنظمة الحكم ومكافحة الفساد تدخلاً في شؤونها الداخلية، وتطلب مساعدات بلا شروط. ان على الدول الصناعية أن تدرك أن من واجبها تنفيذ التزاماتها في تقديم المساعدات الى الدول النامية كوسيلة لمكافحة الفقر وتحقيق التنمية والعدالة والوفاق الدولي. كما أن من أولى واجبات الدول النامية تطوير أنظمة الحكم السليم ومكافحة الفساد، وذلك تحقيقاً لمصلحة شعوبها وليس إرضاءً للدول الصناعية والمنظمات الدولية. وأي حديث خارج هذا الاطار هو تغطية متعمدة للتراجع عن الواجبات الوطنية والدولية.
وأود أن أتشارك معكم، هنا، في بعض الخبرات والتجارب الوطنية لادخال البيئة كجزء من عمليات التنمية. مثل بلدان اخرى، أسس لبنان وزارة للبيئة، وسنّ القوانين، وصادق على المعاهدات البيئية الرئيسية، وتعاون مع المنظمات الدولية في تنفيذ برامج بيئية متعدّدة. وقد تم إقرار قانون للحدّ من تلوث الهواء الناتج عن وسائل النقل، وبدأ تنفيذ مشروع تشجير على المستوى الوطني، والتزمت حكوماتنا في بياناتها الوزارية بادخال البيئة كجزء متكامل في السياسات الانمائية. كما أن المجتمع المدني في لبنان يظهر مزيداً من النشاط والفعالية لحماية البيئة. إلا أن التعاون الدولي في مجال التنمية المستدامة خلال العقد الأخير، رغم العديد من النجاحات، تميز بحلول جاهزة غالباً ما نتجت عنها مشاريع تم تصميمها لتناسب شروط ومتطلبات الجهات المانحة والبيروقراطية الدولية أكثر من ملاءمتها الحاجات الفعلية للمجتمع المحلي.
غير أن الجواب على فشل العولمة في مساعدة الفقراء ليس في الانعزال، بل في السعي الى مزيد من التكامل الدولي، الذي يقوم على توزيع عادل ومتوازن للموارد والحقوق والواجبات، ضمن منظومة عالمية عادلة تحترم التعددية.
إن الشراكة الدولية المطلوب تحقيقها لتعميم التنمية العادلة المتوازنة في العالم تتطلب إقامة حوار حقيقي بين الحضارات، قائم على الاحترام المتبادل وفهم الثقافات الأخرى. وليس ممكناً ربح أي معركة على الارهاب إذا فشلنا في إقامة نظام عالمي قاعدته العدالة، وإذا لم نربح أولاً الحرب على الفقر.