كثر الإهتمام وعمّ، خلال العقدين الماضيين، بتطوير الطاقات الجديدة والمتجددة كوسيلة دعم لتخفيف الطلب على الطاقات التقليدية، من نفطية وغازية ونووية. وفي ما خص الطاقة الشمسية المباشرة، انصب الاهتمام والتنفيذ على مشاريع تسخين المياه واللواقط الشمسية المعدة لهذا الغرض، لما تتميز به من تقنية بسيطة وكلفة متواضعة ومجالات للتصنيع المحلي. أما الطاقة المستمدة من الخلايا الكهروضوئية (الفوتوفولطية)، فاقتصرت نوعاً ما على المناطق الريفية المعزولة أو البعيدة عن شبكات الكهرباء الوطنية، وتم تجاهل الاستفادة منها في المناطق الحضرية، وذلك لكلفتها المرتفعة وضعف مردود اللواقط الشمسية فيها.
يتم تحويل أشعة الشمس الحرارية الى طاقة بواسطة خلايا تحوي مجسمات بلورية أو غير بلورية شبه موصلة (semi-conductor)، مصنوعة عادة من مادة السيليكون ولا تحتوي على مواد سائلة أو كيميائية آكلة أو قطع متحركة. تنتج هذه المجسمات طاقة كهربائية بمجرد إخضاعها لأشعة الشمس، من دون ضجيج أو تلويث، كما أنها عملياً لا تتطلب صيانة تذكر.
تصنع الخلايا الكهروضوئية عادة كمجسمات بقياس 10 سنتيمترات مربعة، وتولد توتراً كهربائياً قدره نصف فولط. تجمع المجسمات معاً بطرق متعددة لتشكل لوحات بتوتر أعلى وطاقة توليد أكبر. فلوحة بتوتر 12 فولط، مثلاً، تتألف من 30 الى 40 مجسماً. ولوحة تولد طاقة كهربائية بقدرة 50 واط، تشكل مستطيلاً بقياس 40×100 سنتيمتر، تحوّل (حسب طريقة تصنيعها وتجميعها) 10- 15 في المئة من الطاقة الشمسية الحرارية الى طاقة كهربائية، علماً أن التجارب المخبرية توصلت الى الحصول على مردود يقارب 30 في المئة.
تولد الخلايا الكهروضوئية تياراً مستمراً (DC) كالذي تولده البطاريات. وبما أن معظم الأجهزة الكهربائية، بما في ذلك لمبات الإنارة، تعمل على تيار متناوب (AC)، فمن الضروري غالباً توفير جهاز مغيّر (converter-inverter) من التوتر المستمر الى التوتر المتناوب.
ما كلفتها؟
عرفت الخلايا الكهروضوئية منذ مطلع خمسينات القرن الماضي، واستعملت كمصدر طاقة للأقمار الاصطناعية ولا تزال. وتدريجاً، تطور استعمالها كمصدر طاقة لمشاريع صغيرة إفرادية في المناطق غير المربوطة بالشبكة الكهربائية العامة، ولتخزين الطاقة في البطاريات الرصاصية الحمضية. ومن ثم بدأ التركيز عليها تباعاً في المناطق الريفية البعيدة عن الشبكة الكهربائية. أما في السنوات العشر الأخيرة، فقد امتد استعمالها لتشمل في البلدان الصناعية مصادر طاقة مربوطة الى شبكة الكهرباء العامة.
تميزت أبحاث الخلايا الكهروضوئية بتطور تكنولوجي سريع رفع كفاءتها وخفض كلفة إنتاجها، وبنمو تجاري سريع بحيث ازداد مجمل الطاقة العالمية المستمدة منها من قرابة 100 ميغاواط عام 1992 الى قرابة 980 ميغاواط عام 2001، أي بنسبة تقارب 30 في المئة سنوياً. وفي العام 2002 نما المجموع بنسبة 40 في المئة، وقدّر النمو في اليابان وألمانيا بـ50 في المئة سنوياً.
انخفضت كلفة الانتاج والتركيب تدريجياً. وتقدر الكلفة الحالية للوحة كهروضوئية إفرادية بقرابة 8 دولارات لكل واط من الطاقة الكهربائية، ولمجموعة لوحات بقرابة 5 دولارات لكل واط. يضاف الى هذا المبلغ ما نسبته 50 – 100 في المئة لبقية التجهيزات الضرورية المكملة لمشروع الامداد بالطاقة الكهربائية، وذلك حسب حجم ومتطلبات كل مشروع.
تعتبر هذه الكلفة مرتفعة جداً بالمقارنة مع كلفة الطاقات الحرارية التقليدية، فمولدات الديزل مثلاً تكلف 0,4 دولار لكل واط. كما أنها مرتفعة قياساً على كلفة الطاقات المتجددة الأخرى، علماً أن طاقة الرياح تتطلب نصف الكلفة، والطاقة الكهرمائية تتطلب ربع الكلفة وما دون حسب متطلبات المشروع الإفرادي.
لكن ما يعوّض كلفة الانتاج والتركيب هو تدني كلفة التشغيل الى الصفر طوال حياة اللوحات المقدرة بعشرين عاماً، واقتصار كلفة الصيانة على صيانة واستبدال البطاريات (حيث توجد) كل أربع سنوات تقريباً، وذلك مقارنة بكلفة مولد الديزل المرتفعة والمرتبطة بالسعر العالمي للنفط الخام.
ومن الضروري الأخذ بعين الإعتبار انعدام الضرر البيئي في الخلايا الكهروضوئية، فلا تلوث غازي أو صوتي أو إيكولوجي من أي نوع. واختيار الخلايا الكهروضوئية كمصدر أساسي أو إضافي للطاقة، خاصة الكهربائية، يتطلب دراسة جدوى اقتصادية – بيئية لكل مشروع على حدة.
استعمالات متنوعة
بالاضافة الى استعمال الخلايا كمصدر للطاقة في الأقمار الاصطناعية، وفي المنشآت النائية كمراكز الاتصالات وضخ المياه وأجهزة القياس، تطور استعمالها لتشمل عدة مجالات حياتية. فباتت معتمدة في بلدان كثيرة للتغذية الريفية البعيدة عن مسار شبكات الكهرباء العامة، مما بعث الأمل لنحو ملياري بشري (ثلث سكان العالم) محرومين من نعمة الكهرباء بإمكانية الحصول ولو على الحد الأدنى من التغذية الطاقوية.
وتستخدم الخلايا الشمسية للتوليد الكهربائي على مستوى صناعي، خاصة في المناطق الأكثر تعرضاً لأشعة الشمس، وربط الطاقة المنتجة بالشبكة الكهربائية العامة. إلا أن ضعف مردودية الخلايا وارتفاع كلفة التوليد يتطلبان دعماً مادياً من الدولة لتطوير الأبحاث وتشجيع الاستثمار وتسهيل عمليات الربط ودعم تعرفة الطاقة المباعة.
الخلايا الكهروضوئية قيد الاستخدام في أجهزة الانارة العامة ولوحات السير الضوئية وإشارات السير ولوحات الإعلانات ومواقف السيارات العامة، مما يوفر ليس فقط الطاقة المجانية بل يغني عن التمديدات الكهربائية ومشاكلها وتعقيداتها.
وثمة استخدام متزايد لهذه التكنولوجيا النظيفة في الدعم الطاقوي المدني والريفي للشبكات العامة، من خلال تركيز الخلايا على سطوح المنازل والأبنية والشواحط المخصصة للقرميد، بحيث تشكل الطاقة المستمدة منها نسبة مهمة من مصادر الاستهلاك الطاقوي المطلوب.
مجالات ومواقع في لبنان
منذ العام 1967 توسع امتداد شبكة الكهرباء الوطنية الى الريف اللبناني، بحيث حق للتجمعات السكنية (سبعة بيوت وما فوق) أن تطالب بايصال التيار الكهربائي اليها. لكن الاستمداد الكهربائي المستدام على المستوى الوطني ما زال غير مضمون، وقد يستمر الوضع على حاله لأمد طويل.
ومع تزايد الطلب على الطاقة الكهربائية، بات التوليد الكهروضوئي على مستوى صناعي- تجاري، وربط الإنتاج بالشبكة العامة، مطلوبين بإلحاح لدعم النقص الحاصل وخفض الاستثمار المتوجب في التوليد الحراري التقليدي. ويتطلب هذا الأمر سياسة واستراتيجيا طاقوية من قبل الدولة، مع إعداد وإقرار تشريعات تسهّل وتدعم وتجذب وتشجع الاستثمار في هذا الحقل.
من جهة أخرى، ونظراً للإنقطاع اليومي المبرمج وغير المبرمج للتيار الكهربائي المستمد من الشبكة العامة، خاصة خارج العاصمة، واعتماد معظم المواطنين والنشاطات الاقتصادية على مصادر بديلة للتعويض جزئياً – وأحياناً كلياً – عن هذه الإنقطاعات (كمولدات الديزل المختلفة الأحجام والـ UPS)، من المفيد درس إمكانية الإستفادة من أجهزة الخلايا الكهروضوئية. وهذا فعال بشكل خاص على سطوح البنايات، ولا سيما الشواحط المعدة للقرميد، بحيث تندمج الخلايا مع السطوح، فتخفف من كلفة البناء وتؤمن في الوقت نفسه طاقة نظيفة ومجانية طويلة الأمد (20 – 25 سنة على الأقل).
إن معدل الطاقة الكهروضوئية الصافية الممكن استمدادها من أشعة الشمس في لبنان تقدر بـ 125 واط للمتر المربع، من أصل 800 واط تصل الى الأرض (مردود 15 في المئة). ومع التطور التقني المتوقع سترتفع النسبة تباعاً. فاذا ما اعتبرنا أن المستهلك بحاجة الى سبع سنوات لاستعادة كلفة استثماره في جهاز الخلايا، بحيث يستفيد من الفترة المتبقية من حياتها (13 – 18 سنة) مجاناً، فإن المطلوب بإلحاح هو تأمين الإعفاء الضريبي التشجيعي، وتوفير التسهيلات التمويلية لتسديد ثمن صنع وتركيز اللوحات الكهروضوئية، بتعاون واضح ومحدد بين القطاعين العام والخاص.
المهندس شفيق أبي سعيد مدير سابق في قطاعي الماء والكهرباء وعضو الجمعيتين اللبنانية والعالمية للطاقة الشمسية (cabisaid@yahoo.com)
كادر
سطوح كهربائية
جاء في دراسة أميركية نشرت في عدد آب – أيلول (أغسطس – سبتمبر) 2004 من مجلة Refocus العالمية للطاقة المتجددة أن:
1- أكثر من نصف السطوح المسطحة للمحال التجارية في الولايات المتحدة (أي 1300 كيلومتر مربع من أصل 2600) مؤهلة لإنتاج الكهرباء بواسطة الخلايا الكهروضوئية.
2- 2 في المئة فقط من سطوح المحال التجارية في ولاية كاليفورنيا وحدها (المساحة الاجمالية 150 كيلومتراً مربعاً) بإمكانها أن تولد 482,3 جيغاواط – ساعة سنوياً وتؤمن استهلاك 60300 منزل من الطاقة الكهربائية.
3- في حال تمت تغطية كامل الـ 150 كيلومتراً مربعاً بالخلايا الكهروضوئية، تكون قدرة التوليد الناتجة نحو 14600 ميغاواط، والطاقة الممكن توليدها 24100 جيغاواط – ساعة سنوياً (بمعدل 130 واط للمتر المربع الواحد).
4- معدل فترة استرداد ثمن جهاز خلايا ضوئية بقدرة 30 – 100 كيلوواط يقدر حالياً بسبع سنوات، مرشحة للانخفاض مع تطور التقنيات، مع استثمار مستمر للخلايا لمدة 20 – 25 سنة.