Thursday 18 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
 
مقالات
 
اسماعيل شعبان ازرعــــوا الزيتــــون للتخضير والتجارة والأمن الغذائي العربي   
نيسان (أبريل) 2005 / عدد 85
 يمكن اعتبار شجرة الزيتون خيراً صرفاً. فهي دائمة الخضرة، يستظل بفيئها صيفاً ويدرأ بها المطر شتاء. يؤكل ثمرها أخضر أو أسود، ويستعمل زيتها للأكل المباشر والطهي والتطبب وتصنيع الصابون، وكان يستخدم في الإنارة قديماً. ويستخدم خشبها للبناء والوقود، وعرجوم ثمارها (الجفت) للتدفئة، ورمادها للتسميد. ولا يأكل من ثمرها الإنسان وحده، وإنما الحيوان والطير والحشرات وحتى البكتيريا.
بذلك تعتبر شجرة الزيتون بيئية واقتصادية، ولا سيما في بلدان حوض البحر المتوسط، حيث لا يقل معدل انتاج الشجرة عن 30 كيلوغراماً سنوياً. وهي معمرة جداً، ومتجددة دوماً، وقياساً على غيرها من الأشجار المثمرة لا تحتاج إلا إلى الحد الأدنى من العناية والمصاريف. وينمو بعضها بشكل تلقائي ويثمر في الغابات، كما في شمال أفريقيا.
يعتقد كثير من العلماء أن شجرة الزيتون استغلت منذ العصر الحجري، قبل أكثر من 12 ألف عام، وأن الشواطئ المتوسطية لسورية الطبيعية هي موطنها الأصلي. وفي الألف الثالث قبل الميلاد كانت في المنطقة مزارع زيتون مستثمرة، وقد اكتشفت أغصان وبذور زيتون في آثار إيبلا تعود الى ما قبل العام 2500 قبل الميلاد. وانتشرت زراعة الزيتون بواسطة الفينيقيين ابتداء من القرن الـ16 قبل الميلاد إلى الجزر اليونانية والشواطئ المتوسطية الجنوبية وصولاً الى اسبانيا. وطوَّرها العرب خلال الفترة 711 ـ 1492 بإدخال أصناف عديدة من الزيتون الى المناطق المتوسطية الاوروبية أثناء الفتوحات الاسلامية ولا سيما في الأندلس. كما ساهم الرومان بنشرها في مستعمراتهم. وانتقلت زراعة الزيتون الى أميركا مع المكتشفين الإسبان عام 1492، وابتداء من العام 1500 بدأت بالظهور في المكسيك والبيرو ومنهما إلى كاليفورنيا وتشيلي والأرجنتين. وواصل الزيتون انتشاره في الأزمنة الحديثة فبلغ جنوب أفريقيا وأوستراليا واليابان والصين وبقاعاً قصيَّة أخرى.
اعتبر غصن الزيتون منذ القدم ولا يزال رمزاً للسلام والمحبة في كل مكان. ووضعت باقات من أغصانه حول مومياءات الأسر الفرعونية الـ 20-.26 وقد أُقسِمَ في القرآن الكريم بالقول ''والتين والزيتون...'' وذكر في نص قرآني آخر: ''شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار'' (سورة النور، الآية 35). وهنالك أحاديث نبوية شريفة منها: ''اللهم بارك في الزيت والزيتون''، و"كلوا الزيت وتدهنوا به فإن به شفاء من سبعين داء منها الجذام".
قيمة غذائية وصحية
زراعة الزيتون حالياً من أهم الزراعات في بلدان المتوسط، وعليها تتوقف معيشة ملايين الأفراد والعائلات. وهي لا تزال تنمو وتزدهر على ضفافه جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً، خاصة في إسبانيا حيث تعتمد أحدث الأساليب العلمية والفنية الزراعية في التعامل معها بشكل أمثل. ونتيجة لذلك كان استهلاك بلدان المتوسط من حب الزيتون وزيته أكثر بكثير مما لدى الشعوب الأخرى البعيدة عنه. ويعتبر علماء التغذية أن لذلك دوراً إيجابياً وهاماً في الحياة الصحية والسلوكية والحضارية والإبداعية لسكان هذا الحوض.
وأشارت دراسات كثيرة الى أن آكلي زيت الزيتون من سكان بلدان البحر المتوسط، بما في ذلك العربية حيث يكاد هذا الزيت يدخل في تركيب أية أكلة، يتمتعون بالصحة والعافية غير الموجودة في بلدان الغرب، وبتعرض أقل كثيراً لأمراض السرطان والقلب، فضلاً عن تجاوز متوسط أعمارهم معدلات الولايات المتحدة والغرب الصناعي عموماً.
واستنتجت دراسات عالمية أن أهل المنطقة المشبع غذاؤهم بزيتالزيتون (يصل الاستهلاك الفردي في اليونان إلى أكثر من 23 كيلوغراماً في السنة) يتمتعون بأفضل نظام غذائي في العالم. واستهلاكهم لهذا الزيت منذ آلاف السنين وفر لأجسامهم الدهون النباتية المفيدة وحصَّن قلوبهم وشرايينهم ضد الكولسترول المؤذي. وفي دراسة حديثة شملت الولايات المتحدة واليونان وإيطاليا ويوغسلافيا وفنلندا، لوحظ أن اصابات الأمراض القلبية أقل بخمسة أضعاف لدى الذين يغلب على استهلاكهم زيت الزيتون. وجاء في كتاب بعنوان ''زيت الزيتون والصحة'' ألفه خبيرا الصحة الأميركيان فيولا وأوديسو أن "فوائد هذه المادة الغذائية تشمل الوقاية من أمراض القلب ومحاربة سرطان المعدة والأمعاء وتعزيز صحة الشرايين والمعدة والكبد، بالإضافة إلى كونه لذيذ الطعم".
خبيرتا التجميل الفرنسيتان صوفي لاكوست وسيمون شامو في كتابهما ''أسرار العلاج بزيت الزيتون'' (صدر بالعربية عن دار الفراشة، بيروت، 2002) اعتبرتاه دواء لكل داء، خاصة لمقاومة أمراض القلب والشرايين وارتفاع ضغط الدم والوقاية من سرطان الثدي وأمراض الجهاز الهضمي وترقق العظام والحد من الكولسترول والوزن الزائد ومكافحة الإمساك ومعالجة مشاكل الجلد والبشرة والحفاظ على الشباب... الى أن تساءلتا: "وهل هنالك من مشكلة صحية لا يعالجها زيت الزيتون؟"
ومنذ انتشار مثل هذه الدراسات الغذائية، خاصة تلك التي نشرتها جمعية السرطان الأميركية مؤخراً عن علاقة سرطان الأمعاء بالنظام الغذائي، تضاعف استهلاك زيت الزيتون في المطابخ الأميركية نحو ثلاث مرات عما كان قبل عشرة أعوام.
زراعة تعزز الاقتصاد العربي
نتاج شجرة الزيتون يمكن حفظه طبيعياً وادخاره لفترة طويلة في عبوات زجاجية وبلاستيكية وفخارية ومعدنية مختلفة الأشكال والأحجام. كما يمكن نقله لمسافات بعيدة بشكل اقتصادي ومريح، بل يجدر عرضه حتى في الصيدلية نظراً لفائدتهالوقائية والعلاجية. وبسبب ملاءمة ثمنه، يمكن الاعتماد عليه كسلعة زراعية غذائية صحية، صناعية تجارية، محلية دولية، لا سيما أن التجارة العربية الغذائية الخارجية تعاني من عجز كبير، خاصة في الزيوت النباتية التي يستورد نحو 50 في المئة منها بأكثر من مليار دولار سنوياً.
والعرب، خاصة سكان المتوسط، يُعتبرون من أكثر المستهلكين في العالم للزيتون وزيته، وربما تجاوز متوسط استهلاك الفرد البالغ 15 كيلوغراماً سنوياً. وهو بذلك يسد فجوة غذائية هامة كماً ونوعاً. ولذلك ينبغي التفكير علمياً وجدياً في زيادة إنتاج الزيتون العربي، ليس فقط بما يتناسب وازدياد عدد السكان، وإنما من أجل تصديره كسلعة دولية هامة مضمونة الأسواق حاضراً ومستقبلاً، ولا يصعب حصولها على شهادات الجودة العالمية لكونها من إنتاج الطبيعة.
التوسع في الزراعة الملائمة، وخاصة زراعة الزيتون، وفي التصنيع الزراعي العربي الحديث، أصبح ضرورياً أكثر من أي وقت مضى لتحقيق الأمن الغذائي وخلق الفائض التصديري وامتصاص أعداد هائلة من الأيدي العاملة ولا سيما العاطلة عن العمل. كما أن تعزيز التسويق الزراعي الغذائي بين الدول العربية، المستهلكة كلها للزيتون وزيته، سيسد فجوة كبيرة في الأمن الغذائي العربي وسيغني عن استيراده من دول أخرى، لتستثمر المبالغ في استيراد أو انتاج معدات زراعية وتصنيع وتعبئة حبوب الزيتون وزيته بشكل أفضل. وسوف يفتح هذا باباً واسعاً للحصول على العملات الصعبة من البلدان المستوردة، وخاصة بلدان الشمال واليابان وأوستراليا، ويضمن سوقاً كبيرة فيها بعد تعريف سكانها بالفوائد الغذائية. وللعرب قدرة كبيرة على المنافسة في هذا المجال بفضل المناخ المتوسطي والقرب الجغرافي العربي ـ الأوروبي ـ الآسيوي ورخص اليد العاملة العربية بالنسبة الى أوروبا.
ولكل ما تقدم، لا بد من أخذ توصيات المؤتمراتوالندوات العلمية وآراء الخبراء بعين الاعتبار، لتطوير زراعة أشجار الزيتون والعناية بها ورفع إنتاجيتها الكمية والنوعية، وتحسين التعبئة والتسويق العربي، واختيار الأنواع الأكثر ملاءمة من بين أكثر من 50 نوعاً من الزيتون. ولا شك في أننا سنرى نتيجة ذلك زيتاً أفضل متزايداً، بالإضافة إلى إنتاج أفضل أنواع الصابون من زيت الزيتون الفائض، وبما يغني عن الزيوت والشحوم المستوردة وخاصة ذات المصدر الحيواني.
لكن هذا يقتضي التفكير الاقتصادي والصحي والاجتماعي والبيئي والعلمي، وتفعيل الحكم التي نرددها صباح ومساء، كقول المفكر اللبناني جبران خليل جبران: "ويل لأمة تأكل مما لا تحصد، وتشرب مما لا تعصر، وتلبس مما لا تنسج".
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.