Saturday 23 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
بيروت ونيروبي ـ ''البيئة والتنمية'' أي حياة في الـمدينة؟  
حزيران (يونيو) 2005 / عدد 87
 أكثر من نصف سكان الأرض يعيشون في مدن، حيث يستهلكون 75 في المئة من موارد العالم الطبيعية وينتجون 75 في المئة من نفاياته. ويعيش نحو مليار شخص من هؤلاء، أي سدس سكان العالم، في أحياء بؤس عشوائية خالية من الخدمات.''مدن خضراء: فلنخطط لمستقبل الأرض'' شعار يوم البيئة العالمي لهذه السنة الذي يحتفل به في 5 حزيران (يونيو). وتجرى الاحتفالات الدولية الرئيسية في مدينة سان فرنسيسكو الأميركية، مسقط رأس منظمة الأمم المتحدة حيث تم توقيع ميثاقها قبل 60 عاماً.
موضوع غلاف العدد لهذا الشهر المدن الخضراء، ويضم مقالات تنشر بالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
كان ثلث سكان العالم يعيشون في المدن عام 1950. واليوم يعيش فيها نصف البشرية، وبحلول سنة 2030 ستفوق النسبة 60 في المئة. وبعدما كانت نيويورك المدينة الوحيدة عام 1950 التي يزيد عدد سكانها على 10 ملايين نسمة، سيكون هناك 23 مدينة بهذا الحجم بحلول سنة 2015، منها 19 في بلدان نامية.
75 في المئة من سكان البلدان المتقدمة يعيشون في مدن. ولئن تكن نسبة سكان المدن في آسيا أقل من 40 في المئة، لكن عددهم هو 1,5 مليار، أي أكثر من سكان اوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية واوقيانيا مجتمعين. وأفريقيا هي القارة الأقل تمديناً، لكن سكانها المدينيين هم الأسرع تزايداً.
منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا تأخرت نسبياً في الانضمام الى ركب التحول المديني العالمي، لكنها الآن تتقدم بخطى حثيثة. وتواجه كل البلدان العربية تحديات التمدين السريع. ويتوقع برنامج المستوطنات البشرية في الأمم المتحدة أن تكون مصر والسودان واليمن البلدان العربية الوحيدة التي تسجل سنة 2015 تمديناً يقل عن 50 في المئة. وفي 2030، ستكون 8 بلدان عربية مدينية السكان بنسبة تفوق 90 في المئة، وهي الكويت (98,4٪) وقطر (95,9٪) والبحرين (95,8٪) وعُمان (95,2٪) ولبنان (93,9٪) والامارات (93,3٪) والسعودية (92,6٪) وليبيا (92٪).
في العام 2000 كانت المنطقة، بما فيها تركيا وايران، تضم 16 مدينة يفوق عدد سكانها المليون نسمة، بينها ثلاث مدن هي القاهرة واسطنبول وطهران تجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة. وفي سنة 2005 أصبح هناك 19 مدينة يفوق عدد سكانها المليون، وثلاث فوق 5 ملايين وواحدة يسكنها أكثر من 10 ملايين هي القاهرة. وبحلول سنة 2010، سيكون في المنطقة 24 مدينة على الأقل يفوق عدد سكانها المليون. وفي 2015، يقدر أن تكون هناك 6 مدن يفوق عدد سكانها 5 ملايين، فيما يزيد العدد في القاهرة واسطنبول على 11 مليوناً. وستبقى طهران ثالثة كبرى المدن بعدد يبلغ 6,9 ملايين، وبغداد الرابعة بـ4,8 ملايين.
عمليات ''التمدين النفطي'' في دول الخليج بدأت في خمسينات القرن الماضي وأحدثت تحولاً حضرياً ضخماً، خصوصاً في دبي وجدة ومكة والرياض والكويت. وسمح ازدياد عائدات النفط في أوائل سبعينات القرن الماضي باقامة مشاريع تنموية اقتصادية طموحة وتمدين سريع. فقد كان نحو 26 في المئة من سكان دول الخليج يعيشون في مراكز مدينية في أوائل السبعينات، فأصبحوا 73 في المئة عام 1990.
أحياء بؤس
تزامن التمدن في العالم المتقدم الى حد كبير مع نمو اقتصادي وزيادات في الرعاية الاجتماعية. لكن هذا لا ينطبق على البلدان النامية، اذ يعيش نحو مليار شخص، خصوصاً في آسيا وافريقيا وأميركا الجنوبية، في أحياء بؤس متخلفة ومهمشة، لا تعترف بها سلطات المدن ولا تمدها بالخدمات. وبحلول سنة 2020، قد يصبح الرقم أكثر من ملياري نسمة. في افريقيا، مثلاً، يعيش أكثر من 70 في المئة من سكان المدن ـ أي أكثر من 160 مليون نسمة ـ في أحياء بؤس. ويقدَّر أن يتضاعف عددهم كل 15 سنة.
الهدف الانمائي السابعللألفية، المتعلق بتأمين الاستدامة البيئية، يرمي الى تحسين جوهري لمعيشة 100 مليون شخص على الأقل من سكان أحياء البؤس بحلول سنة 2020. وتعتبر العوامل البيئية سبباً رئيسياً للوفاة والمرض وفقدان الانتاجية، التي تتضافر جميعاً لادامة الفقر. فالمياه غير المأمونة وانعدام الظروف الصحية (كالنظافة والتخلص من النفايات والصرف الصحي) هما الخطران التقليديان للعيش في أحياء البؤس. والاسهال هو السبب الثاني الأكثر انتشاراً لموت الأطفال، اذ يقدر انه مسؤول عن 12 في المئة من وفيات الأطفال تحت الخامسة في البلدان النامية، أي 1,3 مليون وفاة كل سنة. ويترتب على سكان أحياء البؤس عموماً أن يعيشوا في هواء موبوء. ويموت نحو مليوني طفل تحت الخامسة كل سنة من أمراض رئوية حادة، هي القاتل الأكبر عالمياً للأطفال الصغار. وتتفاقم هذه الأمراض نتيجة عوامل بيئية كتلوث الهواء داخل المنازل وخارجها.
هواءموبوء
وفق منظمة الصحة العالمية، يتعرض 1,5 مليار مقيم في المدن لمستويات من تلوث الهواء خارج المنزل تتعدى الحد الأقصى للمستويات الموصى بها. وهناك نحو نصف مليون وفاة يمكن أن تنسب الى تلوث الهواء بالجزئيات وثاني اوكسيد الكبريت وحدهما، غالباً من انبعاثات عوادم السيارات. وتقدر احدى الدراسات أن اصابة من كل خمس اصابات بسرطان الرئة في الولايات المتحدة هي نتيجة انبعاثات السيارات. كما أن حرق المخلفات، خصوصاً البلاستيك والنفايات الخطرة الأخرى، يؤثر على نوعية الهواء. في البلدان المتقدمة، تقارب تكاليف تلوث الهواء  2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، أما في البلدان النامية فتراوح بين 5 و20 في المئة.
توليد الطاقة والصناعة ووسائل النقل مسؤولة عن غالبية انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون، وهو غاز الدفيئة الرئيسي الذي يسبب الاحتباس الحراري وتغير المناخ. وخلال الربع الثاني من القرنالحالي، يقدر أن ترتفع انبعاثاته، الناتجة غالباً عن السيارات والشاحنات ومحطات الطاقة، بنسبة 60 في المئة. وسيأتي أكثر من ثلثي الزيادة من بلدان نامية نتيجة نمو اقتصادي سريع وزيادة حادة في اقتناء السيارات.
ويهدد تغير المناخ بلدات ومدناً ساحلية بارتفاع مستوى البحر واشتداد العواصف وازدياد حدوثها. ويعيش نحو 40 في المئة من سكان العالم ضمن مسافة 60 كيلومتراً من السواحل. وسكان المدن المتزايدون هم أكثر تعرضاً للكوارث الطبيعية.
أثر القدم الايكولوجي
يترافق التمدن والنمو الاقتصادي عادة مع تزايد استهلاك الموارد وتوليد النفايات لكل فرد. وينتج سكان المدن في العالم المتقدم ستة أضعاف كمية النفايات المتولدة في البلدان النامية. وتنفق البلديات على التخلص من النفايات مبلغاً يصل الى 30 في المئة من موازنتها، معظمه على النقل. وكثيراً ما تتفاقم التكاليف بسبب تناقص الاراضي المناسبة نظراً لتمدد المناطق المدينية وارتفاع أسعار الاراضي. وفي البلدان النامية، غالباً ما تكون كلفة ادارة النفايات الصلبة أعلى، اذ تصل الى 50 في المئة من الموازنات. وما بين 30 و60 في المئة من النفايات المدينية الصلبة لا يتم جمعها، وتتوافر الخدمات لأقل من نصف السكان.
مع نمو البلدات والمدن، ينمو اعتمادها على موارد آتية من أماكن أبعد، وكذلك تأثيرها البيئي أو ما بات يعرف بـ"أثر القَدَم الايكولوجي" (ecological footprint).على سبيل المثال، أثر القدم الايكولوجي للعاصمة البريطانية لندن هو 120 ضعف مساحة المدينة. وتحتاج مدينة متوسطة في أميركا الشمالية يقطنها 650,000 نسمة الى 30,000 كيلومتر مربع من الأراضي لتلبية حاجاتها. وفي المقابل، تحتاج مدينة بحجم مماثل لكن أقل ثراء في الهند الى 2800 كيلومتر مربع.
وقد ازداد استعمال الوقود الاحفوري في العالم بنسبة 500 في المئة منذ العام1950،وتضاعف استهلاك المياه العذبة منذ العام 1960، وازدادت الكمية المصيدة من الأسماك البحرية أربع مرات. وتستورد مدينة يسكنها 10 ملايين نسمة، مثل مانيلا أو القاهرة أو ريو دي جانيرو، 6000 طن على الاقل من الغذاء كل يوم.
أكثر من نصف المياه العذبة التي تضخ للاستعمالات البشرية تذهب الى مناطق مدينية، لأجل الصناعة والشرب والاستخدام المنزلي والصرف الصحي أو لري المحاصيل. ويُهدر ما يصل الى 65 في المئة من المياه المستعملة في الري. وفي كثير من مدن البلدان النامية، يُفقد ما بين 40 و60 في المئة من مياه الشرب الثمينة نتيجة تسربات من الأنابيب وتوصيلات غير مشروعة. وحتى في البلدان الصناعية، يهدر ما يصل الى ربع المياه المجرورة في أنابيب.
جزر حرارية
حرارة الهواء في المدن قد تكون أعلى بخمس درجات مئوية عما هي في الضواحي المحيطة، اذ تحل الطرق والمباني مكان الغطاء الأرضي الطبيعي. وهذه الظاهرة التي تعرف بـ''أثر الجزيرة الحرارية'' يمكن تخفيفها بالحفاظ على مساحات خضراء في المدن أو استحداثها. و تلبي المساحات الخضراء أغراضاً أخرى كثيرة. فالغابات والحدائق في المناطق المدينية تنتج الاوكسيجين وتمتص ثاني اوكسيد الكربون، وبذلك تحسن نوعية الهواء.
غير أن المدن والبلدات المدارة جيداً يمكن أن تدعم التنامي السكاني، فتحدّ من أثره على البيئة وتحسن المقاييس الصحية والحياتية. ومن شأن القوانين الوطنية والأنظمة المحلية والحوافز المالية أن تخفف انتاج النفايات وتشجع على حماية الموارد الطبيعية وتعزز الحلول المستدامة. ومن وجوه الادارة الجيدة تعزيز استعمال سيارات أقل تلويثاً، وأنظمة نقل جماعي كفوءة تحل مشاكل زحمة السير الخانقة وتساهم في تنظيف الجو، وإنارة ملائمة مقتصدة بالطاقة، وأنظمة كفوءة لتدوير النفايات. ويروَّج حالياً لاستعمال ''المياه الرمادية'' في المراحيض، وهي تشمل المياه المستعملة في الاستحمام وغسل الملابس والأغراض المطبخية.
هناك أمثلة كثيرة من أنحاء العالم على حكومات محلية ومنظمات أهلية وقطاعات أعمال وصناعات تستنبط وتطبق حلولاً خلاّقة لقضايا ''الألفية المدينية''. وقد قطع بعضها أشواطاً بعيدة في الطريق الى استحداث مدن خضراء.
حديقــة الأزهــــر
مـكـــب نفـايــــات عمـره 500 سنة
يتحــول الى رئــة خضـراء للقاهـرة
حديقة الأزهر أول مشروع تخضيري كبير في القاهرة منذ مئة سنة. أقامه صندوق آغاخان للثقافة في قطعة أرض وسط القاهرة القديمة، قرب جامع الأزهر وجامعته وجامع الحسين. لكن هذه البقعة النادرة في قلب العاصمة المصرية كانت، قبل تحويلها الى حديقة، مكباً للنفايات استمر ردمه لفترة 500 سنة.
القاهرة ـ ''البيئة والتنمية''
مع تجاوز عدد سكان القاهرة عتبة الـ12 مليون نسمة، تختنق عاصمة مصر بالهواء الملوث، وتكاد المساحة الخضراء المخصصة لكل شخص فيها لا تتجاوز فردة حذاء واحدة. وخلال ليالي الصيف الخانقة، تمتلئ المساحات القليلة الفارغة بملايين الناس الذين يخرجون إليها طلباً لفسحة تنفس، قد لا يجدونها إلا على الأرصفة أو في ''الجزر'' التي تفصل بين خطوط الطرقات العامة، لأنها مغطاة ببعض العشب الأخضر.
وليست معظم المدن العربية الأخرى أفضل حالاً من القاهرة. ففي بيروت، لا تتجاوز المساحات الخضراء المتر المربع الواحد لكل ثلاثة أشخاص، بينما يخصص المخطط الجديد لوسط المدينة الذي تنفذه ''سوليدير''  45 في المئة من مساحة المنطقة التجارية للحدائق والساحات العامة، مما سيرفع الحصة الخضراء لكل شخص من سكان بيروت الى مترين مربعين. وحتى هذا يبقى أدنى من الحد المقبول، الذي يحدده معظم خبراء تنظيم المدن بخمسة أمتار مربعة.
من هنا أهمية حديقة الأزهر، التي افتتحت في القاهرة مؤخراً على مساحة 300 ألف متر مربع (30 هكتاراً). وبسبب موقعها على هضبة مرتفعة بجانب القاهرة القديمة، تشرف الحديقة على منظر فريد لنماذج من العمارة الاسلامية الرائعة. واذ يستغرب البعض بقاء هذا العقار شاغراً وسط القاهرة المزدحمة، حتى تحويله الى حديقة عامة، فالفضل في هذا يعود الى شرطة القاهرة التي استخدمته كاسطبللخيولها، ولمتعهد استأجر قسماً منه لتخزين المعدات ومواد البناء. لكن الحقيقة أن القسم الأكبر من العقار تحول خلال مئات السنين الى مكب للنفايات. وبعد سحب النفايات والركام ومباشرة الحفريات لبناء الحديقة، تم اكتشاف سور يعود إلى الفترة الأيوبية في القرن الثاني عشر. فتم ترميمه بطول كيلومتر ونصف ليفصل بين المنتزه ومنطقة ''درب الأحمر'' السكنيّة الملاصقة.
كما رممت بيوت قديمة وأبنية تراثية في المنطقة الشعبية المحيطة، التي يقطنها سكان فقراء، لإدماجهم في المشروع، فلا يتحول منتزه الأزهر الى جزيرة معزولة عن محيطها البشري. وكجزء من المشروع، تم تطوير المدارس والمراكز الاجتماعية والصحية في منطقة درب الأحمر، التي يوفر المنتزه فرصاً وظيفية لعدد من سكانها، عدا عن تأمينه فسحة خضراء للمنطقة. فقد شمل العمل ترميم ثلاثة مبانٍ تاريخية، هي مسجد أم السلطان شعبان الذي يرجع تاريخه الى القرن الرابع عشر، ومجمع خير بك الذي يتضمن قصراً ومسجداً ومنزلاً عثمانياً يعود تاريخهما الى القرن الثالث عشر، ومدرسة درب شغلان التي تم ترميمها. أما الأنشطة الخاصة بترميم المنازل المحلية، التي سيتولاها صندوق آغاخان للثقافة، فمن المتوقع أن تشمل نحو 50 منزلاً في السنة وتستمر الى العام 2007.
واضافة الى الأشجار والأزهار والبرك والنوافير، يضم المنتزه مجموعة من المقاهي والمطاعم وأماكن الترفيه لجميع الأعمار، ويتوقع أن يزوره مليون ونصف مليون شخص سنوياً.
واحة غنّاء
بناء منتزه الأزهر قام بمبادرة من شبكة آغاخان للتطوير. فخلال مؤتمر حول مستقبل القاهرة عقد عام 1984، لاحظ الأمير كريم آغاخان افتقار القاهرة الى حديقة عامة كبيرة، مما دفعه إلى أن يتبنى، من خلال صندوق آغاخان للثقافة الذي يدعم الأساليب المعمارية الحديثة للتعبير عن الثقافة الاسلامية، تقديم منتزه للمدينة. وبعدبحث طويل، تم اختيار البقعة المهملة في نهاية شارع الأزهر عند تقاطعه مع شارع صلاح سالم، ووضع حجر الأساس للحديقة عام 1991. ويقول المهندس سيف الراشدي، الذي عمل على المشروع منذ عام 1997، ان المشروع هو "أول حديقة عامة كبيرة تقام في القاهرة منذ مئة سنة. واختيار الموقع وسط المنطقة التاريخية كان قراراً صائباً، إذ أدى الى تطوير مواقع أثرية مهمة ورفع مستوى الخدمات فيها".
ومن المأمول أن توفر الحديقة رئة خضراء للقاهرة، وتحيي المنطقة المحيطة، عدا عن تأمينها فسحة لقاء بين الفئات الاجتماعية المتنوعة. لكن بعض سكان الأحياء المجاورة يعترضون على رسم الدخول، مع أن هناك سعراً خاصاً بهم يتراوح بين جنيه واحد واثنين (الدولار يعادل 5,8 جنيه)، حسب أيام الأسبوع. ويقول أحد سكان درب الأحمر، وهو رب لعائلة من ستة أولاد، ان رسم الدخول وحده للعائلة في نهاية الأسبوع يصل الى 16 جنيهاً، ''إضافة الى الأسعار المرتفعة في المقاهي بالنسبة الى ذوي الدخل المحدود''. ويرد المسؤولون عن الحديقة أنهم يدرسون ''السماح بقيام بعض المقاهي الشعبية وتنظيم دخول بائعين متجولين، مع الحفاظ على الترتيب والنظافة''. ويبرر هؤلاء تحصيل رسم للدخول وانشاء مطاعم وصالات للنشاطات، بضرورة تأمين حد أدنى من الدخل يعطي الحديقة نوعاً من الاكتفاء الذاتي لاستمرار صيانتها وتطويرها.
وتبين خلال الاشهر الأولى لافتتاح الحديقة أن 10 في المئة من زوارها يأتون من أحياء درب الأحمر المجاورة. ويظهر من مقابلات مع سكان محليين أن الأكثرية ترى للحديقة أثراً إيجابياً، اذ انها "رفعت مستوى المنطقة وحولت مكباً للنفايات إلى واحة غنّاء".
بداية الطريق
بلغت كلفة إنشاء الحديقة 30 مليون دولار. واقتضت إزالة بقايا مكب النفايات، المتراكمة عبر فترة 500 سنة، حفر ونقل مليون ونصف مليون متر مكعب من الأنقاض، على عمق 15 متراً، أي حمولة 80 ألف شاحنة. كما تم إكثار نباتات وأشجار تصلح للمنطقة في مشاتل خاصة بالمشروع، أنتجت مليوني شتلة زُرع 655,000 منها حتى اليوم.
وإذا كانت حديقة الأزهر حدثاً في قاهرة القرن الحادي والعشرين، فالمفارقة أن قاهرة القرن التاسع عشر كانت من أغنى المدن العربية بالحدائق. فوفق خطة بدأها محمد علي وتابعها من خلفه، وبخاصة الخديوي اسماعيل، تم بناء حدائق عامة واسعة وفق الهندسة الأوروبية. فحديقة الأزبكية بناها الخديوي اسماعيل عام 1872 على الطراز الفرنسي، وغطت مساحة 2800 هكتار، لكن أهميتها تضاءلت وضاعت اليوم في الازدحام. وقبلها، بنى الخديوي اسماعيل حديقة الجزيرة على مساحة 2200 هكتار، وهي اختفت وما بقي منها هي الأرض التي يقع عليها فندق ماريوت في الزمالك. أما حديقة الجيزة، التي أنشئت بين 1872 و1892 على مساحة 2750 هكتاراً، فما بقي منها اليوم هو حديقة الحيوان، فيما اختفت حديقة ابراهيم باشا، التي بناها عام 1830 على مساحة 2600 هكتار.
فهل تعيد حديقة الأزهر العامة إلى القاهرة مجدها كمدينة خضراء؟
انها بداية طريق طويلة. فالثلاثون هكتاراً ليست سوى جزء بسيط من حدائق القاهرة العامة في القرن التاسع عشر. ففي نهاية ذلك القرن، تجاوز مجموع مساحات الحدائق العامة في القاهرة عشرة آلاف هكتار، في حين لم يتعدّ سكانها الأربعمئة ألف. فكم يحتاج عشرون مليون نسمة من المساحات الخضراء لتزودهم بفسحة كافية للتنفس؟
مدن بلا بؤس
المطلوب استراتيجيات أكثر طموحاً لتحسين حياة فقراء المدن و"نفض" أحيائهم كي يعيشوا بكرامة
آنا تيبايوكا
يعيش مليار شخص حول العالم في أحياء بؤس داخل المدن، ويتوقع أن ترتفع أعدادهم الى الضعفين خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة. لكن هذه الأحياء لم تعد واقعاً محتوماً بالضرورة. فقد يصعب التغلب على الفقر النسبي، لكن من الممكن جداً توفير المأوى المناسب والخدمات الأساسية للفقراء.
ان تاريخ المدن في العالم المتقدم يثبت صحة هذا الأمر. فخلال القرن التاسع عشر انتفخت المراكز الحضرية في أنحاء أوروبا وأميركا لتصبح مدناً كبيرة. وبحلول عام 1900، ارتفع عدد سكان لندن من 800,000 نسمة عام 1800 الى ما يفوق 6,5 ملايين، وازداد عدد سكان باريس من 500,000 نسمة الى أكثر من 3 ملايين، وبات عدد سكان نيويورك 4,2 ملايين نسمة. الفقراء في جميع هذه المدن كانوا يعيشون في ظروف مزرية. ومع بروز وسائل الاعلام، تعهد قضيتهم صحافيون وكتّاب مرموقون، مثل ديكنز ومايهيو وزولا، أقنعوا سياسيين واختصاصيين بالمساعدة في تغيير السياسات السائدة في ذلك الزمن.
تحول ديموغرافي
الآن، بعد أكثر من مئة عام، يعيش نحو 50 في المئة من سكان العالم في مناطق مدينية. في أوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية ومنطقة الكاريبي استقر وضع السكان، بحيث قرابة 75 في المئة منهم يعيشون في مدن وبلدات. لكن برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-HABITAT أو الموئل) يتوقع أن تشهد القارتان الافريقية والآسيوية، اللتان ما زالت تغلب عليهما الحياة الريفية، تحولاً ديموغرافياً رئيسياً. ويعيش ثلث سكان مدن وبلدات العالم، الذين يفوق عددهم 3 مليارات نسمة، في أحياء بؤس. واذا استمرت الاتجاهات الحالية، فسوف يضاف اليهم ملياران آخران بحلول سنة 2030.
تظهر احصاءات عالمية أن الاحياء الفقيرة في المدن هي من أكثر الأماكن خطراً على العيش. فسكانها ضحايا الجريمة والعنف ويعانون أعلى نسبة اصابات بالأمراض. ونسبة وفيات الأطفال أعلى كثيراً، ومتوسط العمر المتوقع أدنى كثيراً، مما في أي مكان آخر. وأحياء البؤس تتحول سريعاً الى بؤر لانتشار مرض العوز المناعي المكتسب (الايدز). وفي العاصمة الكينية نيروبي، حيث يعيش أكثر من 60 في المئة من سكان المدينة على 5 في المئة من أرضها، يموت 150 طفلاً من كل 1000 قبل إكمالهم العام الخامس، بالمقارنة مع 83,9 وفاة من كل 1000 طفل في الأحياء الراقية في المدينة، و113 وفاة في المناطق الريفية.
لقد دعا إعلان الألفية، بموجب الأهداف الانمائية للألفية، الى تحسين ظروف عيش ما لا يقل عن 100 مليون من سكان أحياء البؤس بحلول سنة 2020. أدرك المجتمع الدولي الحاجة الملحة الى مدن مستدامة بيئياً واقتصادياً. وفي عام 2002، رفعت الجمعية العمومية للأمم المتحدة منزلة UN-HABITAT ليصبح "برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية" متمتعاً باستقلالية تامة، بغية مساعدة المجتمع الدولي في الوفاء بتحدي التمدين.
في مؤتمر استوكهولم حول البيئة البشرية الذي عقد عام 1972، قالت انديرا غاندي رئيسة وزراء الهند آنذاك ان "الفقر هو الملوث الأكبر". واليوم، بعد أن أصبح تمدين الفقر حقيقة صارخة، بات من الملح استهداف فقراء المدن.
قمة الأرض التي عقدت في ريو دي جانيرو عام 1992 كانت من أولى المؤتمرات التي أدركت أن الأهداف العالمية للبيئة الطبيعية لن تستوفى من دون عمل على المستوى المحلي. والشروع في مركزة "أجندة 21" كان أساساً جيداً للتعاون على المدى البعيد بين برنامج المستوطنات البشرية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. وبموجب هذا التعاون تحقق الكثير في مدن حول العالم بما يؤكد تحسن قدرة السلطات المحلية على ادارة البيئة المدينية.
لنأخذ مدينة ناكورو في كينيا مثلاً، حيث تعرّض النحام (الفلامنغو) الزهري اللون لخطر تدمير موئله الطبيعي في بحيرتها الشهيرة. فبعد عقد من العمل مع السلطة المحلية، أصبحت المدينة الأولى في المنطقة التي تضع خطة شاملة للتنمية المدينية. وقد تم ترشيد عملية التصنيع وحصرها، وخفض أثر الملوثات الى حد أدنى. هذه الخطة المتكاملة أخذت في الاعتبار أيضاً الظروف المعيشية لسكان أحياء البؤس على شاطئ البحيرة. وقد ساعد اشراكهم ودمجهم على التخفيف من التسرب الخطر لمياه المجاري والرمي العشوائي للنفايات الصلبة، واشتملت الخطة على استراتيجيات طويلة الأجل لتحسين الأوضاع في هذه الأحياء.
مدن مستدامة وادارة مياه
الشراكة بين "الموئل" و"يونيب" تشمل برامج مثل المدن المستدامة وادارة المياه للمدن الافريقية. ويهدف برنامج المدن المستدامة، الذي يجري تنفيذه في أنحاء العالم، الى تذليل العقبات التقليدية التي أعاقت وضع الخطط البيئية الناجحة وتنفيذها. انطلاقاً من استشارة جميع الجهات المعنية ـ من الشركات الخاصة الى الباعة الجوالين، ومن الوكالات الحكومية الى المنظمات غير الحكومية، ومن ملاّكي الطبقة الوسطى الى سكان الأحياء الفقيرة ـ حددت الشراكة أولويات لادارة المدينة. وقد حولت مشاريع "المدن المستدامة" مدناً فوضوية، مثل دار السلام عاصمة تنزانيا، الى مراكز اقتصادية نابضة بالنشاط وحسنة الادارة تديرها شراكات بين القطاعين الخاص والعام. وقد حقق هذا المشروع درجة عالية من النجاح حتى بات البرنامج ينفذ حالياً في جميع المدن والبلدات التنزانية. وهو شكل أيضاً الاساس لتدخلات لاحقة في عملية تحسين أوضاع أحياء البؤس.
ادارة المياه للمدن الافريقية مبادرة مشتركة حديثة نسبياً بين "الموئل" و"يونيب"، مبنية على نظرية أن حرمان فقراء المدن من الحصول على مياه نظيفة ومرافق صحية ملائمة لم يعطَ العناية الكافية. وغالباً ما تفيد الاحصاءات التقليدية أن هؤلاء الفقراء حاصلون على الخدمات الاساسية، متناسية أن كل مرحاض كثيراً ما يستخدمه نحو 500 شخص، وأن المياه تأتي من أنابيب مكسورة قريبة من مجارير مكشوفة. وقد وضع "الموئل" و"يونيب" البرنامج كمتابعة لاعلان كيبتاون عام 1997 الذي أقره وزراء أفارقة رغبوا في التصدي للأزمة المائية المتنامية في القارة، وهو قيد التنفيذ حالياً في ابيدجان وأكرا وأديس ابابا ودكار وجوهانسبورغ ولوساكا ونيروبي.
مع وجود مشاريع من هذا النوع، يأمل الموئل، بالشراكة مع يونيب، المساعدة في الوفاء بالأهداف الانمائية للألفية واعطاء فقراء المدن حقاً في المدينة التي يعيشون فيها. لكن على المجتمع الدولي أن يوجه مزيداً من العناية والاهتمام الى مشكلة أحياء البؤس، اذا كان المطلوب التغلب عليها.
استثمار للفقراء
عندما حدد المجتمع الدولي عام 2000 رقماً مطلقاً للبند 11 من هدف الألفية السابع، مقداره 100 مليون نسمة ممن يسكنون أحياء البؤس، كان يفترض أن هذا الرقم، الذي مثل نحو 10 في المئة من سكان هذه الأحياء في ذلك الوقت، سيكون ملائماً. لكن هذا الرقم المتواضع لم يأخذ في الاعتبار الزيادة المتوقعة في سكان أحياء البؤس الذين، وفق تقرير الموئل ـ يونيب بعنوان "تحدي الأحياء الفقيرة"، سيرتفع عددهم الى 1,6 مليار سنة 2020. لذا على المجتمع الدولي إلزام نفسه بدعم مجموعة من النشاطات، منها بناء القدرات من اجل استراتيجيات تنمية مدينية وطنية متكاملة، وتحسين أداء الحكومات المحلية في ادارة النمو المديني في المستقبل، وتنفيذ خطط حكيمة لاستعمالات الأراضي، وحشد الموارد بمزيد من الفاعلية.
لكن الأمر الأكثر أهمية هو الحاجة الملحة الى ايجاد آليات مالية جديدة وخلاقة يمكن أن توظف مدخرات محلية في مشاريع تمولها البنوك هدفها بناء مساكن في متناول الجميع. ومن الامثلة الجيدة على ذلك "مرفق تحسين أحياء البؤس لدى الموئل" الذي يهدف في المدى البعيد الى توفير آليات كفالات لدعم تمويلات القطاع الخاص لمشاريع تحسين أحياء البؤس والاستثمارات الموجهة لخدمة الفقراء.
ان الجهود المشتركة لجميع شركاء أجندة الموئل والجهات المانحة والحكومات والسلطات المحلية والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة الأخرى يجب أن تيسِّر معيشة اطفالنا في مدن خالية من أحياء البؤس، في عالم من المدن الخضراء المستدامة.
آنا تيبايوكا هي المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية.
سطوح خضراء
حدائق غنّاء على سطوح مباني المدن تحدّ من فيضانات الشوارع شتاء وتخفف الحاجة الى المكيفات صيفاً
داستي غيدج
نادراً ما يرفع الناس عيونهم الى السماء وهم يسيرون في شارع مزدحم. لكن اذا تسنى لهم التحليق فوق معظم مدن العالم والنظر الى أسفل، فانهم سيشاهدون ما يشبه حصيرة من رقع سوداء ورمادية. هذه سطوح منازلهم! لكن تلك "الصحارى" المتناثرة في كل مكان يمكن تسخيرها لفائدة الانسان والأرض.
منذ ألوف السنين، أدرك الناس في بلدان مثل النروج وايرلندا الغربية أن وضع طبقة من التربة العشبية على سطوح منازلهم يوفر عازلاً فعالاً وغير مكلف. واليوم أصبحت السطوح الخضراء ظاهرة مألوفة على المباني، من المنازل الى المستشفيات والمصانع ومجمعات المكاتب في بلدان مثل ألمانيا وسويسرا. وهناك اهتمام متزايد بالسطوح الخضراء في هولندا والسويد والدنمارك وهنغاريا، وتشجيع لها في مدن أميركا الشمالية من بورتلند الى أتلنتا. وقد شرعت مدينة كاواساكي اليابانية في تخضير مبانيها منذ زمن طويل لتخفيف تلوث الهواء وأثر الجزيرة الحرارية المدينية (urban heat island effect).
تخضير المباني
الاهتمام العصري بالسطوح الخضراء بدأ في ألمانيا في سبعينات القرن الماضي، ونشأ من ملاحظة نباتات تنمو تلقائياً على سطوح منازل تقليدية. وهي أصبحت الآن مطلباً قانونياً في مناطق كثيرة. فقانون التخطيط يستوجب تعويض المساحات الخضراء التي تزول عند اقامة مشاريع تنمية إعمارية جديدة، ويمنح حوافز مالية للسطوح الخضراء. وينظر الى هذه المساحات على أنها تقدم خدمة لمدن مثل كارلسروه وشتوتغارت، باحتجاز المياه وتركها تتبخر عائدة الى الغلاف الجوي، مما يخفف ضغط الأمطار الغزيرة على شبكات المجاري ويقلل من حدوث فيضانات مفاجئة.
وهذا أيضاً من الدوافع الرئيسية لاقامة سطوح خضراء في أميركا الشمالية، حيث أن تزايد مشاريع استخدامات الاراضي غير المراعية للبيئة في المدن وتحويل مجاري الأنهار جعلا الفيضانات مشكلة رئيسية. ففي مدينة بورتلند بولاية اوريغون، تدرس السلطات المحلية اعتماد خطة شاملة لاقامة سطوح خضراء، الهدف منها جزئياً المساعدة في الحفاظ على نوعية جيدة لمياه نهر ويلاميت، مما يحمي أسماك السلمون التي تعيش فيه.
فوائد متعددة
احتجاز مياه الأمطار ما هو الا احدى الفوائد المتعددة التي تجلبها السطوح الخضراء للمدن. فهي، على سبيل المثال، توفر عزلاً حرارياً. وقد تكون فعاليتها محدودة في فصل الشتاء الرطب، لكنها في الصيف تقلل من الحاجة الى تكييف الهواء. وقد قدرت مدينة شيكاغو أن باستطاعتها توفير 100 مليون دولار سنوياً بهذه الطريقة. ويعتقد خبراؤها أن الطلب الذروي على الكهرباء يمكن تخفيضه بمقدار 720 ميغاواط، مما يخفض انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون. كما يمكن خفض درجات الحرارة التي ترتفع صيفاً نتيجة أثر الجزيرة الحرارية المدينية وما يرتبط بها من تلوث هوائي. وتشجع مدينة أتلنتا أيضاً استغلال السطوح الخضراء، وهي تقوم بتخضير سطح مبنى مجلسها البلدي كنموذج للاقتداء، وقد بدأت بتخضير جزء من السطح مساحته 280 متراً مربعاً، وتتوقع أن تزيد هذه المساحة عشرة أضعاف خلال السنوات القليلة المقبلة.
حماية التنوع البيولوجي
في سويسرا، تم تطوير السطوح الخضراء بحيث تحمي التنوع البيولوجي. وقانون البناء في مدينة بازل يقضي بأن تتحول جميع المباني الجديدة ذات السطوح المنبسطة الى شكل من الحياة النباتية. وتشدد الخطوط التوجيهية الرسمية على أهمية حدائق السطوح لبقاء الخنافس والطيور المهددة بالاختفاء.
وهناك خمسة سطوح خضراء كبيرة في محطة "موس" لتصفية الماء في ضاحية مدينة زوريخ، أقيمت عام 1913، وهي الآن من آخر الأمثلة المتبقية على الاراضي العشبية الرطبة في وسط سويسرا. وهي هامة جداً للاوركيديا (السحلبيات) بحيث أن الحكومة الاتحادية تدرس امكان تصنيفها منتزهاً وطنياً. وتم تصميم سطوح منبسطة جديدة لأرصفة محطة السكك الحديد في المدينة لتماثل صحراء حصوية، بغية المساعدة في حماية احدى السحالي النادرة.
القلق على التنوع البيولوجي يتزايد أيضاً في بريطانيا، التي أظهرت اهتماماً قليلاً باستعمال السطوح الخضراء لتخفيف سيول الأمطار الغزيرة، رغم ضغوطها على شبكة المجاري المتقادمة في لندن والتي تصرف مياهها في نهر التايمز. وكان ينظر الى هذه السطوح على أنها لا تناسب الا مؤسسات "بديلة" أو بيئية، لكن استعمالها بدأ يشيع حالياً من خلال خطة وضعتها "شراكة التنوع البيولوجي في لندن" لحماية طائر نادر هو الحميراء السوداء (black redstart). ومن المقرر اقامة سطوح خضراء تزيد مساحتها الاجمالية على 250 ألف متر مربع لتوفر موئلاً لهذا الطائر، في مواقع تنموية وإعمارية هامة مثل محطة كينغزكروس للسكك الحديد ومحطة باتيرسي للطاقة وشبه جزيرة غرينيتش. وهناك مؤسسة رائدة لحماية الحشرات، تدعى Buglife، تشجع على استعمال السطوح الخضراء في مشروع اعماري جديد في شيلهافن على جزيرة كانفي، وهي منطقة هامة بنوع خاص للحشرات النادرة.
السطوح الخضراء الجيدة لا تخفف فقط فياضانات الأمطار الغزيرة وتلوث الهواء والضجيج واستهلاك الطاقة، وانما تحول المدن الى موائل لأنواع حية نادرة مهددة بالخطر من جراء الزراعة التصنيعية في الأرياف.
وهي تحول أعالي المباني من صحارى الى بريَّة فريدة تزخر بملاذات للطبيعة وتجعل المدن أماكن أوفر صحة وأفضل للعيش.
داستي غيدج أحد مؤسسي Livingroofs.org وهو موقع على الانترنت متخصص كمصدر معلومات حول السطوح الخضراء.
لندن تقتحم المستقبل
عمدة العاصمة البريطانية يشرح برنامجه لثورة خضراء في احدى أكبر مدن العالم وكيف يزداد قبول الناس لها ودعمهم اياها مع ظهور النتائج
كين ليفنغستون
لندن مكان رائع للعيش، لكن مع وجود 7,4 ملايين شخص يقيمون فيها ويعملون ويتنقلون ضمن مساحة جغرافية ضيقة، تتعرض بيئتنا لضغوط هائلة. أريد أن يفكر اللندنيون في هذا الأمر فيدركوا أن اجراء تغييرات صغيرة نحو اسلوب عيش أكثر استدامة هو أسهل مما قد يعتقدون.
لذلك، احتفالاً بيوم البيئة العالمي لهذه السنة، نظمتُ "معرض لندن لأساليب العيش الخضراء" الأول من نوعه. المعرض يوفر إطلالة على مدينة المستقبل، متضمناً ابتكارات ومنتجات جديدة ومثيرة تلهم حماة البيئة، وتجتذب شريحة أكبر من اللندنيين المهتمين بأحدث اتجاهات أساليب العيش وبما يمكن أن يفعلوه لاحداث تغيير ايجابي.
حتى الاعمال البسيطة، مثل فصل التيار عن جهاز التلفزيون عند إطفائه وتعبئة الغلاية فقط بكمية الماء المطلوبة وتدوير مزيد من النفايات، تساعد في الحفاظ على العاصمة الكبرى لبريطانيا وضمان استمتاع الأجيال المقبلة بها.
يصعب على كثير من الناس استيعاب مفهوم التنمية المستدامة، الذي يتعلق بتحسين نوعية حياتنا جميعاً في الحاضر والمستقبل. من المهم أن نزيد مساعينا لنعيش حياة أكثر استدامة، وعلينا جميعاً ان نجعل ذلك من مسؤوليتنا. لكني أريد أيضاً أن أُعرف كعمدة اتخذ قرارات سياسية جريئة لتحسين بيئة لندن وجعلها مكاناً رائعاً لمعيشة الأجيال المقبلة.
في شباط (فبراير) 2003، فرضتُ "رسم ازدحام" على المركبات التي تدخل وسط المدينة. تكهن دعاة الشؤم بحدوث اخفاقات تكنولوجية وازدحام خانق ومشاكل اخرى، لكن ثبت أنهم كانوا مخطئين. فقد نجح هذا الرسم في تخفيض التأخرات الناجمة عن زحمة السير، وخفّ الازدحام بنسبة 30 في المئة في المنطقة التي شملها، كما انخفض التلوث الناجم عن انبعاثات المركبات بنسبة 12 في المئة.
الرسم جعل وسط لندن مكاناً أنظف وآمن وأكثر متعة للعمل والزيارة والعيش. وتنامى دعم السكان عندما شهدوا الفوائد والتحسينات الملموسة التي أحدثها في بيئتهم. قبل فرض الرسم، أيد المشروع 39 في المئة من اللندنيين. وخلال العام الأول من تطبيقه ارتفعت النسبة الى 48 في المئة، وفي آخر احصاء بلغ الدعم 54 في المئة.
نوعية هواء لندن هي الآن أنظف بكثير مما كانت في شوارع المدينة الفيكتورية العابقة بالدخان حين كانت جميع المنازل تحرق الفحم الحجري. وقد انخفضت مستويات الدخان وثاني اوكسيد الكبريت في وسط لندن انخفاضاً حاداً بعد تطبيق "قانون المناطق الخالية من الدخان" في ستينات القرن العشرين.
وتنامى هذا الاتجاه التنازلي. لكن لندن ما زالت تعاني من أسوأ نوعية هواء في بريطانيا، ويقدر أن تلوث الهواء يسبب 1600 وفاة قبل الأوان بين اللندنيين كل سنة. وهذا غير مقبول.
مقاييس صارمة للانبعاثات
أنا ملتزم بفرض "منطقة انبعاثات منخفضة" لمنع الحافلات والشاحنات الأكثر تلويثاً من دخول لندن الكبرى، مما يجعلها المدينة الكبيرة الوحيدة في العالم التي اتخذت هذه الخطوة الأساسية لمكافحة تلوث الهواء. هذه الخطوة تبررها احصاءات أجرتها مؤخراً مؤسسة مسح الانبعاثات الجوية في لندن وتظهر أن مستويات أكاسيد النيتروجين والجزئيات الدقيقة في المدينة ما زالت مرتفعة، مما يضر بالصحة.
كخطوة أولى، يترتب على سيارات الاجرة في المدينة، التي يبلغ عددها 20,000 سيارة وتعتبر حالياً مسؤولة عن 24 في المئة من انبعاثات أكاسيد النيتروجين الصادرة عن وسائل النقل في وسط لندن، أن تراعي مقاييس صارمة للانبعاثات. وكلفة تحويل هذه السيارات لبلوغ المستويات الجديدة تستوفى من خلال زيادة موحدة في التعرفة بقيمة 20 بنساً (0,37 دولار) لكل رحلة منذ نيسان (ابريل) 2005. وسوف تجهز كل حافلات لندن بأدوات لاحتباس الجزئيات الدقيقة بحلول كانون الأول (ديسمبر) 2005، مما يخفض انبعاثاتها (وملوثات أخرى) بأكثر من 90 في المئة، ويجعل أسطولنا من أنظف الأساطيل في البلاد. هذه الاجراءات لا بد من أن تخفض الانبعاثات وتحسن الأوضاع الصحية وتقطع شوطاً بعيداً في اتجاه تحقيق الأهداف التي وضعتها الحكومة لنوعية هواء المدينة.
منذ إلغاء مجلس لندن الكبرى عام 1986، لم تعد هناك هيئة واحدة مسؤولة عن ادارة استراتيجية للنفايات في جميع أنحائها. وتواجه لندن تحديات عديدة في التعامل مع نفاياتها، بما في ذلك الوفاء بمتطلبات قانون المطامر والاكتفاء الذاتي وادارة النفايات قرب نقطة انتاجها.
يتم حالياً تصدير أكثر من ثلثي نفايات لندن البلدية الى المناطق المجاورة. وقد حدَّدتُ هدفاً يقضي بادارة 80 في المئة من هذه النفايات بحلول سنة 2020. انه هدف ضروري وطموح في مدينة تواجه طلبات متزايدة وتنافسية على استخدام الأراضي ويقدر أن يزداد عدد سكانها 800 ألف نسمة بحلول سنة 2016. ولتحقيق هذا المستوى من الاكتفاء الذاتي، يترتب على مدينة لندن أن تزيد الى حد كبير مستويات اعادة التدوير وأن تطور قدراتها التكنولوجية والاستردادية. لكن تقديم خطة استراتيجية لادارة النفايات تعوقها ترتيبات ادارة الحكم القائمة في لندن.
طاقة متجددة
مساهمة لندن ضخمة في تغير المناخ، الذي هو من أهم القضايا التي تواجه البشرية حالياً. وكمدينة عالمية، ينبغي أن تتقدم الجميع في التصدي له وأن تتصرف كمثال لبقية البلاد. انني أعمل على جمع أفضل الخبراء معاً لتنفيذ برنامج ثوري للطاقة المتجددة. وسوف تساعد "وكالة تغير المناخ" الجديدة في جعل المدينة أكثر اقتصاداً بالطاقة وزيادة كمية الطاقة التي نستهلكها من مصادر متجددة.
هدفنا تخفيض انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون بنسبة 23 في المئة بحلول سنة 2016. وسوف يتركز كثير من عملنا على تحسين كفاءة الطاقة في المباني السكنية والتجارية. من المهم أن يتم تصميم المباني الجديدة منذ البداية مع أخذ الاستدامة في الاعتبار. ولقد أنتجتُ مجموعة أدوات لتشجيع المخططين وأصحاب المشاريع الانشائية على تبني التكنولوجيا الحديثة.
أريد أن أرى لندن وقد ازدانت بمزيد من المساحات الخضراء المفتوحة للناس وسادها هواء أنظف، تعمل بفاعلية على التصدي لتغير المناخ. علينا أن نكون مستعدين لنمو لندن وازدياد سكانها خلال السنوات العشرين المقبلة. وهذا يجعل البحث عن حلول مستدامة أكثر الحاحاً.
كين ليفنغستون هو عمدة لندن.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.