كتاب الطبيعة

النص والصور: جورج طعمه

من تسنّت له زيارة مدينة انترلكن في وسط سويسرا، التي اشتهرت بحديقتها الطبيعية المعلقة بأعلى الجبال المشرفة عليها والمزينة بمجموعة من أجمل الأزهار الخاصة بجبال الآلب، تراه يحنّ دوماً إلى العودة الى هناك. لقد رُبطت هذه الحديقة بالمدينة بواسطة تلفريك (خط عربات كهربائية معلقة) لنقل الزوار. ويعلم السويسريون أنّ عدد السائحين الذين يقصدون هذه الحديقة كلّ صيف يفوق نصف عدد زوار بلدهم. وسبب هذه الحماسة لزيارة الحديقة وجود مجموعات من الأزهار تضم مئات الأنواع الخاصة بالمرتفعات الجبلية، التي لا يشاهدها الإنسان حية إلا هناك، تتألق زاهية في مسكنها الطبيعي.

زائر جبل المكمل اليوم في طريقه إلى القرنة السوداء، وهي أعلى قمة في لبنان (3083 متراً)، وتغطيها الثلوج على مدار السنة، يلفت انتباهه تجهيز مصعد جديد (تلسياج) سيستعمله هواة التزلج لممارسة رياضتهم في الشتاء المقبل. هذا المصعد يصل محطة الأرز بسهل جبلي منبسط تحت أقدام القرنة السوداء. ويمكن أن يستعمله اللبنانيون وضيوفهم أيضاً في نهاية فصل الربيع والصيف ومطلع الخريف.

ولكي يكون للزيارة الصيفية هدف إضافي فريد غير التمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة، التي لا مثيل لها في منطقتنا، يمكن الافادة من التجربة السويسرية لاقامة حديقة جبلية طبيعية فوق محطة أرز بشري للتزلج. ومن السهل تحضير المنبسط الجبلي الممتد من أعلى نقطة يصل إليها المصعد في اتجاه أسفل سفح القرنة السوداء. هذا المشروع الذي نقترحه يمكن تنفيذه كما يأتي:

في البداية، يتم اختيار المساحة التي ستغطيها الحديقة. ومن الأفضل أن تمتد في اتجاه الغرب، من نقطة وصول المصعد إلى حدود الطريق الترابية التي يسلكها المشاة أو السيارات. كما يستحسن أن تمتد شمالاً وجنوباً بمساحة كافية، شرط أن تضم خمسة موائل أساسية للنباتات، هي:

• موئل الصخور والكهوف الصغيرة والضيقة.

• موئل المسطحات الجبلية الجافة والمكوّنة من تراب وصخور.

• موئل "الدولين"، وهي آبار حفرتها الثلوج على شكل مخروطي كالقمع الكبير، الذي يجمع بعض الرطوبة التي خلفها ذوبان الثلوج، وتربة أسفل القمع خصبة جداً وعميقة.

• موئل المنحدرات الخضراء التي تسقيها مياه الثلوج حتى مطلع الخريف.

• موئل شظايا الصخور التي تفتتت على مرّ السنين بفعل التفاوت القاسي بين صقيع الليل وحر النهار.

ولا بد من وضع شريط عازل متين حول المساحة المخصصة للحديقة، لمنع دخول الماعز والغنم إليها ولحمايتها حماية تامة، لا سيما من الصيادين وسيارات المتنزهين.

بعد ذلك، تنقل أنواع من النباتات البرية الخاصة بالجبال اللبنانية العالية المحيطة بموقع الحديقة إلى الموائل الخمسة المذكورة. وتفضل الأنواع التي يتفرد بها لبنان عن سواه من دول العالم، والتي تمتاز بجمالها وبعبيرها الفوّاح. وثمة خبراء لبنانيون يعرفون هذه النباتات معرفة جيدة وهم على استعداد لمعاونة فريق عمل الحديقة المقترحة على انتقاء الشتول الملائمة والبذور اللازمة والبصل المتوفر بكثرة في أعلى الجبال.

وينبغي تحضير لائحة بالنباتات الخاصة بأعالي المكمل وقمم ضهر القضيب وفم الميزاب والقرنة السوداء، وربما في مرحلة لاحقة بجبال الضنية المتصلة بها وجبل صنين. قد يتجاوز عدد هذه النباتات المئة،ويتضاعف إذا أضيفتاليها أنواع من المنطقة وغيرها من المناطق الجبلية غير الخاصة حتماً بلبنان. وكدليل للزوار، يتم اعداد لوحات معدنية أو بلاستيكية يدوّن عليها اسم النبتة العلمي واسمها بالعربية والانكليزية والفرنسية، مع معلومات مختصرة عنها.

هذا موجز للمشروع المقترح وضع بتصرف المسؤولين عن محطة تزلج الأرز. ومن شأنه أن يجلب عدداً وافراً من الزوار محبي السياحة البيئية ومراقبة الطيور الجوارح التي تمر بكثرة من هناك، والتي يمعن قتلة الطيور بملاحقتها على رغم علمهم بتحريم صيدها وطنياً وعالمياً. والهدف الأساسي بيئي محض، وهو الحفاظ على مجموعة كبيرة وهامة من النباتات التي يتفرد بها لبنان من خلال لفت النظر اليها والتعريف بها. وتنفيذ المشروع من هذا المنطلق لا يمس طبيعة الأراضي التي تشملها الحديقة، بل يحميها ولا يغير معالمها.

ويجدر تشجيع الهيئات الأهلية على اقامة مشاريع مماثلة في أماكن أخرى من لبنان، خصوصاً في مناطق تختلف طبيعتها البيئية عن القرنة السوداء. ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، أعالي راشيا، وأعالي عرسال، ووادي تنية الراس الممتد من شمال شرق رأس بعلبك، وأراضي منجز البركانية في عكار، وأعالي عيون السيمان في جوار كفرذبيان.

الدكتور جورج طعمه باحث ايكولوجي ورئيس مجلس ادارة المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان.

كادر

ميزات الأزهار الجبلية اللبنانية

نباتات قمم الجبال العالية لا تعيش طويلاً. منها ما يزهر باكراً ويثمر في شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس)، ومنها ما يزهر في آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر)، ومنها ما يزهر في الخريف لمدة قصيرة. غالبية هذه النباتات صغيرة الحجم، تفترش الأرض أو تنبت في شقوق الصخور أو في قعر الدولين (البئر الثلجية المخروطية) حيث تتغذى من تربتها الخصبة والرطبة.

أهم النباتات التي يمكن ضمها الى الحديقة المقترحة على سفح القرنة السوداء:

كبابة لبنان (Acantholimon libanoticum)

اسبرولة متجمعة راسية (Asperula glomerata capitata)

اسطراغالوس القرنة السوداء (Astragalus kurnet-es-saudae)

قنطريون ترينفتي (Centaurea triumfettii)

سبانخ شبيه الفريز (Chenopodium foliosum)

فربيون مدفون (Euphorbia caudiculosa)

غرنوقي رمادي (Geranium cinereum)

متيستروم (Mattiastrum lithospermum)

ميوبوردون جميل (Myopordon pulchellum)

خشخاش لبنان (Papaver libanoticum)

قردب لبناني (Polygonum libani)