الخبرة الهولندية في ادارة النفايات البلدية الصلبة، والتكنولوجيات والتشريعات والممارسات المعتمدة في هولندا الرائدة أوروبياً في معالجة نفاياتها، كانت محور حلقة عمل ونقاش ضمن ورشة التدريب الاقليمية للادارة البيئية في البلديات. وقد شارك في الندوة، التي رعتها السفارة الهولندية في بيروت، مسؤولو بلديات عربية وخبراء لبنانيون ودوليون ووزارة البيئة ومجلس الانماء والاعمار ورؤساء بلديات وممثلو شركات خاصة.
بعد كلمة ترحيبية لنجيب صعب، ناشر ورئيس تحرير مجلة "البيئة والتنمية" ركز فيها على مفهوم الادارة المتكاملة للنفايات، تحدث سفير هولندا جيرارد فان ايبن عارضاً لمحة تاريخية لادارة النفايات في بلاده. ولفت الى العلاقة بين الحضارة والنفايات "التي هي دليل مهم يعتمد عليه المؤرخون ليتعرفوا على طريقة حياة الناس في الماضي"، متسائلاً عما سيقوله المؤرخون بعد خمسة آلاف سنة عن الحضارة الحالية في لبنان. واعتبر أن النفايات يجب أن تعامل كمواد أولية لانتاج أشياء جديدة، وفي ذلك حل لمشاكل بيئية كبيرة، مشدداً على أهمية الجمع بين الحلول التكنولوجية والممارسات الفردية والتدابير الحكومية. وأشار الى حملة إعلامية توعوية قامت بها وزارة البيئة الهولندية قبل سنوات لفرز النفايات بدءاً من المنازل، تحت شعار "البيئة الأفضل تبدأ في البيت". وقد ركزت الحملة على تخفيف كمية النفايات البلاستيكية، وفرز النفايات المنزلية العضوية وغير العضوية، وتخزين النفايات القابلة لاعادة التدوير مثل الورق والقماش والزجاج والالكترونيات لجمعها بشكل دوري، وعدم رمي النفايات الكيميائية مثل الطلاء وزيوت السيارات والمنظفات بل حفظها جانباً لتجمع مرة كل شهر. وأوضح السفير الهولندي أن خطة العمل التي تنفذها وزارة البيئة حالياً في هولندا تقوم أولاً على التخفيف من إنتاج النفايات، ومن ثم تدويرها واعادة استعمالها أو تسميدها، وأخيراً التخلص مما يبقى، خاصة بالحرق.
وأعرب الدكتور حبيب الهبر، المدير والممثل الاقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، عن سعادته بالتعاون بين سفارة هولندا ومجلة "البيئة والتنمية"، الذي يصب في خانة بناء القدرات ونقل التكنولوجيا، "اذ جمعت الورشة التدريبية مسؤولين من دول المنطقة العربية للاستنارة بالتجربة الهولندية الناجحة والتعلم من الأخطاء التي حصلت".
الفرز في المصدر
التجربة الهولندية في ادارة النفايات البلدية الصلبة عرضها الخبير ديك هوغندورن، الذي كان مسؤولاً عن ادارة النفايات في وزارة البيئة الهولندية وهو حالياً مدير العقود الحكومية في مجموعة فان غانزوينكل، احدى كبرى شركات ادارة النفايات في أوروبا. قال ان التركيز في أوروبا بشكل عام كان يصبّ في الماضي على معالجة النفايات بعد إنتاجها. ومنذ منتصف الثمانينات بدأ التشديد على تخفيف إنتاج النفايات. وأشار الى طبيعة هولندا، حيث الأرض مسطحة وطبقة المياه الجوفية عالية، وأحياناً أعلى من مستوى الأراضي المنخفضة، ولذلك صدر قرار بوقف إنشاء مطامر جديدة. وباتت ادارة النفايات تعتمد الأولويات الآتية: التقليل، واعادة الاستعمال، وإعادة التدوير، والحرق لانتاج الطاقة، والحرق النهائي أو الطمر. وقد تم إقفال المحارق القديمة وإقامة محارق تعتمد فيها قيود صارمة للانبعاثات.
وشدد هوغندورن على أهمية الفرز في المصدر، مدعوماً ببرنامج توعية، وفق قوانين ترافقها تدابير رادعة لتطبيقها، وأن غياب أي من هذه العناصر الأربعة يفشل خطة ادارة النفايات. ولفت الى أهمية التدابير اللوجستية الصحيحة. فمستوعبات فرز النفايات يجب أن توضع حيث يحتاج اليها الناس ويصلون اليها بسهولة، في السوبرماركت مثلاً، لا أن يقتصر وضعها في بعض الساحات التجارية والشوارع الرئيسية والمطارات ومداخل الجامعات، فلن يحمل الناس نفاياتهم المفروزة الى هذه الأماكن. وفي حين أكد على أن القوانين والتدابير التنفيذية ضرورية، أضاف أنها لا تكفي من دون رقابة مستمرة، ويجب تطويرها على الدوام لتتكيف مع وضع النفايات المتغيرة. ولفت الى ضرورة فرز النفايات العضوية في المصدر اذا كانت الغاية إنتاج كومبوست أو سماد عضوي صالح للاستعمال، فبقاء زجاج ومواد أخرى في الكومبوست يضيع كل الجهود. ولفت الى ضرورة وضع مواصفات قياسية للسماد العضوي المنتج من النفايات، لأن النوعية السيئة للسماد غير المكتمل المعالجة قد تكون سامة ومضرة بالزراعة والصحة. كما رأى أن وضع رسوم على البيوت والصناعات بحسب كمية النفايات ووزنها قد يضر في بعض البلدان، اذ أنه قد يشجع الناس الى التخلص من نفاياتهم بطرق غير شرعية.
حالياً، يتم في هولندا تدوير 82 في المئة من النفايات. وقد انخفضت الكمية المرسلة الى المطامر من 17 مليون طن عام 1985 الى أربعة ملايين طن عام 2004، وانخفضت الكمية المرسلة الى المحارق من 20 مليون طن الى عشرة ملايين. كما تم تحميل الشركات المنتجة مسؤولية استعادة فضلات التعليب والتخلص من المنتجات المستعملة، فباتت هذه الكلفة ضمن سعر المنتجات الجديدة، أي أن المستهلك يدفع كلفة التخلص من السلعة القديمة حين يشتري الجديدة. وقد أدى هذا الى تخفيض النفايات الصناعية، لكن النفايات المنزلية زادت مع النمو الاقتصادي والاجتماعي. وتتوجه الخطة الحكومية حالياً الى خفض كمية النفايات المنزلية، ورفع نسبة التدوير الى 90 في المئة. وأشار هوغندورن الى أن الغاية هي الاقتراب من هدف "صفر نفايات"، لكن تحقيق هذا الهدف صعب جداً، بل ان من الأفضل طمر بعض النفايات أو حرقها لأن اعادة تصنيعها قد تضر بالبيئة أكثر.
وعقدت جلسة حوار حول التجربة الهولندية، وإمكانات تكييفها مع الأوضاع المحلية في لبنان والدول العربية المشاركة في ورشة العمل حول الادارة البيئية في البلديات، وهي لبنان وسوريا والأردن والعراق والسعودية والكويت والبحرين.