البحر يردم لاقامة جزر سكنية وسياحية وتجارية تهيئ لمرحلة ما بعد النفط. وعلى رغم تحذيرات الخبراء من دمار كبير للبيئة البحرية، انتقلت العدوى سريعاً من دبي الى دول أخرى في الخليج
يحاول أفراد ومنظمات وشركات كبرى في مختلف دول العالم بناء بيئة اصطناعية في البحر لضمان تكاثر الأسماك، ومن أجل ذلك يستخدمون كتلاً إسمنتية وحطام سيارات وهياكل أخرى يغرقونها فتصبح مع مرور الوقت أماكن لتكاثر الأسماك. بهذا الكلام حاول سلطان بن سليِّم، الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للموانئ والسلطة الحرة ورئيس مجلس إدارة شركة "نخيل"، طمأنة الخائفين على بيئة المواقع البحرية التي تنفذ فيها الشركة مشاريعها العقارية العملاقة على طول سواحل دبي، نافياً ما نشر عن تهديدات بيئية تواجه الحياة البحرية في تلك المناطق.
ونقلت صحيقة "الامارات اليوم" عن بن سليِّم قوله إن "ما رأيناه في الواقع أفضل بكثير مما كنا نتوقعه، وكلما أنجزنا الحفر في المشروعات نكتشف وجود حياة بحرية أفضل، كما أن نوعيات كثيرة من الأسماك بدأت تتكاثر". ولفت إلى أن فريقاً من الخبراء اليابانيين زار المنطقة بدعوة من جهة رسمية أخرى غير مرتبطة بشركة "نخيل" وأجرى فحوصات وتحاليل ميدانية بحرية "ظهر من خلالها تحسن كبير في الحياة البحرية وتكاثر الأحياء فيها". وأكد عدم وجود تقرير صادر عن منظمة دولية يثبت تعرض البيئة البحرية لأي ضرر، مشدداً على أن كل ما تردد هو "مجرد تقارير صحافية تنشر دون دليل مادي يثبت الضرر".
أما عن احتمال وجود مخاطر أو عوائق من نوع عدم ثبات الجزر أو بداية غرق أجزاء منها، ما أدى إلى تأخر انجاز المشاريع، فقال ان "بناء فيلا على اليابسة يستغرق أكثر من عامين"، متسائلاً: "هل تتخيلون حجم العمل في مشروعات ضخمة مثل الجزر التي نبنيها باستثمارات 300 مليار دولار على أقل تقدير؟" موضحاً أن الشركة "تبني حالياً 2000 فيلا و6000 شقة و40 فندقاً ضخماً في "نخلة جميرا"، وفي البحر حيث أرض لا وجود لها وعمليات ردم استمرت لمدة عامين". ووصف بن سليِّم الحديث عن غرق النخلة بالشائعات التي لا أساس لها من الصحة، وزاد أنها "سذاجة" لأن حكومة دبي لن تستثمر هذه المليارات ولديها أدنى شك في عدم القدرة على تنفيذ المشروع.
وأضاف أن "فكرة إنشاء المشروع بدأت عام 1996، وشرعنا في دراسته عام 1997، واستعنا بشركات عالمية متخصصة وأنهينا الدراسات الهندسية عام 2000، لتبدأ عمليات الردم في 2001 وتتضح المعالم في 2002". وأكد مجدداً أن "النخلة" لن تغرق "لأن مستوى ارتفاع الجزيرة عال جداً، وقد علت أمواج البحر أخيراً بفعل الأحوال الجوية ووصلت في مناطق عديدة إلى الشوارع الرئيسية وبعض المنازل في دبي، وكانت بيوت النخلة في معزل عن الأمواج ولم يتأثر أي منها بما حدث".
ماذا يقول البيئيون؟
تتولى شركة "نخيل" العقارية التي تملكها حكومة دبي بناء ثلاث جزر في شكل أشجار نخيل، ومجموعة رابعة من 300 جزيرة خاصة الملكيّة تنتظم في شكل خريطة العالم.
"انه المكان المثالي لتترك العالم وراءك"، يقول موقع الشركة على شبكة الانترنت، مبرزاً صور الجزر الصغيرة المخضوضرة وشواطئها البيضاء. المنتجعات والمنازل المترفة على الجزر اجتذبت مشاهير مثل نجم كرة القدم البريطاني ديفيد بيكهام الذي اشترى فيلا مقدماً. وتظهر خريطة "العالم" جزيرة لمزاولة لعبة الغولف وأخرى لرحلات السفاري.
إمارة دبي هي حالياً المركز التجاري الأول في منطقة الخليج، ولديها خطط طموحة لدعم صناعتها السياحية المزدهرة استعداداً لوقت تنضب فيه احتياطاتها النفطية القليلة. مدينة ناطحات السحاب تحاول أن تجتذب المال والاستثمار الأجنبيين الى اقتصاد يحاول أن يفطم نفسه عن احتياطات النفط الخام المتناقصة سريعاً. تريد أن تضمن متطلبات سكانها البالغ عددهم 1,4 مليون نسمة، فضلاً عن أكثر من 5 ملايين سائح. والارتفاع القياسي في أسعار النفط يذكي حالياً طفرة إعمارية في المدينة، التي باتت واحة من الطرقات السريعة التي تحفّ بها حدائق عامة وسط قيظ الصحراء ورطوبتها الخانقة.
لكن خبراء بيئيين يقولون ان مشاريع الجزر المستقبلية أرخت بثقلها على النظام الايكولوجي الحالي. فالحيد المرجاني الوحيد المعروف قبالة شواطئ دبي دُمر أثناء أعمال التجريف القاعية، كما دُمرت مواقع تعشيش السلاحف، وتحولت التيارات الطبيعية عن مساراتها، وعكّر الطمي ما كانت مياهاً صافية كالبلور. وقال فريدريك لوناي، مدير مكتب الصندوق العالمي لحماية الطبيعة في الامارات: "المشروع أضرَّ بالبيئة الطبيعية لساحل دبي، خصوصاً في موقع جزيرة النخلة الأولى. وهذا مشين الى حد ما، لأنه كانت هناك مواطن طبيعية جيدة جداً. وكانت ثمة امكانيات لاعادة الموقع الى وضعه الأصلي وحمايته، وإمكانيات لاستغلال تلك الثروة الطبيعية. لكن الفرصة ضاعت، ونحن الآن لا نتكلم الا عن الاستصلاح وتخفيف الضرر".
وتفند شركة "نخيل" ادعاءات البيئيين بأن الجزر الاصطناعية أضرت بالنظام الايكولوجي، مؤكدة أن معظم المرجان كان ميتاً من قبل. وتقول الشركة، التي وقعت عقد شراكة مع مؤسسة ترومب لبناء فندق فخم بكلفة 400 مليون دولار على جزيرة "نخلة جميرا"، انها سوف تستعمل تقنيات ثورية لحفز نمو المرجان، عن طريق مدّ شباك مشحونة كهربائياً تحت المياه. وقال عماد حفار، رئيس الابحاث والتطوير في الشركة: "لا أرى أي مشكلة في ما يتعلق بهذه التكنولوجيا. وعلينا أن ننتظر ونرى متى نبدأ فعلاً القيام بذلك على نطاق أكبر بكثير، وعندما أتكلم عن نطاق أكبر أعني نطاقاً ضخماً". وقد تم إغراق حطام طائرتين مقاتلتين وطائرات "جامبو" وسبع بوارج الى القاع، لاجتذاب الحياة البحرية وخلق جنة للغواصين تحت المياه. وتقول "نخيل" ان الطمي والرمل سيركدان في النهاية.
فريدريك لوناي اعتبر أن جهود إعادة المرجان أمر جيد، "ولكن ليس هذا ما تعنيه حماية الطبيعة والحفاظ عليها واحترام البيئة"، مضيفاً أن السلطات في الامارات العربية المتحدة لم تدرس خطط "نخيل" مسبقاً، ولم تحصل مناقشة علنية عامة لدراسة الأثر البيئي.
من جهته، أكد سلطان بن سليّم أن مشاريع الجزر ستخلق نظاماً ايكولوجياً بحرياً من لا شيء، "فقاع البحر في دبي شبيه بصحراء، لقد اعتدت الغوص هناك، فلا وجود لكميات هامة من المرجان، وانما بعض الصخور. قاع البحر مسطح ورملي، ولا حياة تذكر، ولا مكان يعيش فيه السمك". وتابع متحدثاً في مكتبه في الطبقة العليا من مبنى مرتفع مشرف على البحر: "السلاحف لا ترتاح الا على جزر بعيدة، ونحن نخطط لبناء جزيرة تكون كموئل طبيعي يعيد السلاحف الى المنطقة".
ويعتبر بن سليّم أن المشاريع التي يقول كثير من سكان دبي انها استعراضية هي في الواقع ضرورية، لأن الامارة ليس لها الا امتداد قصير من الخط الساحلي على الخليج، وبفضل هذه المشاريع "سيكون لها شاطئ طوله 1200 كيلومتر بالمقارنة مع 60 كيلومتراً حالياً".
اشتملت أعمال الانشاء على نقل 1,65 مليار متر مكعب من الرمل و87 مليون طن من الصخور. ويقول بن سليّم ان مشروع "نخيل" لواجهة دبي البحرية يشمل نقل مليار طن من الصخور. والمشروع الأول الذي سيتم إنجازه هو "نخلة جميرا"، التي من المقرر أن ينتقل اليها أوائل السكان سنة 2006.
الفكرة انطلقت وعمَّت، فتم التخطيط لجزر مماثلة في إمارات أخرى وفي بلدان خليجية أخرى، حيث تزدهر الاقتصادات حالياً بفضل ارتفاع أسعار النفط. فهل يتم الاستفادة من التجربة لاجراء دراسات مسبقة للأثر البيئي ومناقشتها علناً مع جميع المعنيين، قبل تقرير مواقع الجزر وأساليب انشائها؟