يسعدني في البداية أن أتقدم بالتهنئة لجميع القائمين على مجلة "البيئة والتنمية" بمناسبة الاحتفال بعيدها العاشر وصدور العدد الخاص من المجلة الذي سيحمل الرقم 100. أود أن أشيد بالدور الذي تقوم به المجلة في نشر الوعي البيئي وعلاقته بقضايا التنمية وتأثير كل منهما على الآخر، والتعريف بالتطورات البيئية العالمية.
كما أود بهذه المناسبة، وفي مقالي هذا، ان ألقي الضوء على البرامج البيئية التي ترعاها جامعة الدول العربية من خلال الامانة الفنية لمجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة وإدارة البيئة والاسكان والتنمية المستدامة في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
تشمل منظومة جامعة الدول العربية، إضافة إلى مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، ثلاثة عشر مجلساً وزارياً وخمس عشرة منظمة عربية متخصصة وخمس مؤسسات تمويل عربية، إلى جانب عدد كبير من الاتحادات العربية النوعية والمهنية.
ويعتبر مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة الآلية العربية الإقليمية المعتمدة داخل منظومة الجامعة للتنسيق والتعاون في مجالات البيئة والتنمية المستدامة كافة. وله طبيعته التي تميزه عن المجالس الوزارية العربية الأخرى. فقضايا البيئة، على عكس اهتمامات المجالس الوزارية الأخرى المحددة في قطاعات بعينها، تتقاطع مع كل مجالات النشاط الاقتصادي والاجتماعي، كما أن الأجهزة المسؤولة عن البيئة في الدول العربية حديثة وما زالت تتباين في كثير من الدول في الشكل والاختصاص، فضلاً عن أن هناك تفاوتاً كبيراً بين الدول العربية في عمق معالجة قضايا البيئة سواء من حيث التنظيمات أو الإجراءات أو التشريعات الخاصة بها. كما كان لما شهدته الساحة الدولية من تطورات سريعة ومتلاحقة في مجال إدارة البيئة العالمية، وتطوير المفهوم من الحفاظ على البيئة إلى تحقيق التنمية المستدامة، تأثير بالغ على تطور عمل المجلس.
ويعتبر مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة من أنجح المجالس الوزارية العربية المتخصصة، وله بصماته الواضحة على العمل العربي المشترك. وهو استطاع أن يطور أداءه بشكل مستمر ليواكب المستجدات العربية والعالمية. وقد مر المجلس منذ إنشائه بثلاث مراحل أساسية.
كيان وزاري عربي للتنمية المستدامة
بدأت المرحلة الأولى عام 1987 واستمرت حتى عام 1991، وسبقتها بدايات إنشاء المجلس الوزاري من خلال "المؤتمر الوزاري العربي الأول حول الاعتبارات البيئية في التنمية"، الذي عقد في تونس عام 1986، ويعتبر أول مؤتمر عربي وزاري يناقش الترابط والتداخل بين قضايا البيئة والتنمية وتأثير كل منهما على الآخر. وقد خلص المؤتمر إلى إقرار الإعلان العربي عن البيئة والتنمية، الذي تضمن المبادئ والتوجهات الأساسية للعمل القطري والتعاون العربي والدولي في مجال حماية البيئة وتحسينها. واعتمد المؤتمر يوم صدور قراراته في 14 تشرين الأول (أكتوبر) يوماً عربياً للبيئة، تحتفل به الدول العربية كل عام بصورة تحقق مزيداً من الوعي بقضايا البيئة وارتباطها الوثيق ببرامج التنمية. كما كان من أهم النتائج الإيجابية للمؤتمر إنشاء مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة بموجب قرار مجلس جامعة الدول العربية رقم 4738 بتاريخ 22/9/1987. ويعكس قرار إنشاء المجلس مدى الاهتمام في ذلك الوقت المبكر نسبياً بقضايا البيئة في الوطن العربي وحجم الآمال المعقودة على إقامة كيان وزاري عربي جديد.
اعتمد المجلس في اجتماعه التأسيسي عام 1987 عدداً من البرامج لترجمة الإعلان العربي عن البيئة والتنمية إلى مجالات تعاون مشتركة بين الدول العربية، ووضع أولويات لتنفيذها. وركز نشاطه في ثلاث قضايا أعطاها الأولوية، وهي مكافحة التصحر ومكافحة التلوث الصناعي ونشر الوعي البيئي، وذلك من منطلق أنها أكثر القضايا إلحاحاً. وتركز العمل في هذه المرحلة على جمع المعلومات المتاحة والمبعثرة في جهات عدة حول مختلف جوانب هذه القضايا ذات الطبيعة المتشعبة والمتداخلة مع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية وغيرها، فضلاً عن تبادل الرؤى والتشاور حول سبل التعامل معها.
المرحلة الثانية من عمل المجلس استمرت لمدة عشر سنوات، وبدأت بالتحضير العربي لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية (ريو دي جانيرو،حزيران/ يونيو 1992) واكتساب المجلس معرفة أكثر بخصوصيات المنطقة العربية والعلاقات المتشابكة بين البيئة والتنمية. وصدر عن المجلس في أيلول (سبتمبر) 1991 البيان العربي عن البيئة والتنمية وآفاق المستقبل، الذي حدد الخطوط العريضة للعمل البيئي العربي، وأوضح الرؤى والتوجهات العربية حول القضايا البيئية الرئيسية، آخذاً بعين الاعتبار المصالح العربية السياسيــة والاقتصاديـة وحق الدول العربية في استغلال مواردها الطبيعية لتحقيق التنمية المستدامــة. وتم تعزيز البيان في أيار (مايو) 1992 بوثيقة تضمنت محاور وبرامج العمل العربي للتنمية المستدامة، التي تتسق برامجها مع جدول أعمال القرن الحادي والعشرين.
تعزيز القدرات العربية وتنسيق المواقف
خلال فترة العشر سنوات من 1992-2001، حرص المجلس على إيلاء الأهمية القصوى في برامج عمله لقضيتين أساسيتين. الأولى تعزيز وبناء القدرات العربية القادرة على التعامل مع المشكلات البيئية المختلفة وفق أسس الاستدامة. ووجه اهتمامه إلى فئتين رئيسيتين: فئة يمكن أن يكون لها دور فاعل في التعامل مع المشكلات البيئية المتصلة بترشيد استخدام الموارد والتحكم في التلوث، وفئة يمكن أن تكون مؤثرة في تطوير السلوكيات السليمة بيئياً. ولتحقيق هذا الهدف أعد الدراسات والتقارير والأدلة الإرشادية وعقد حلقات العمل والدورات التدريبية والمؤتمرات.
أما القضية الثانية التي أولاها المجلس اهتمامه خلال هذه المرحلة، من منطلق التزام الدول العربية بالقيام بمسؤولياتها في الحفاظ على البيئة في إطار المسؤولية المشتركة والمتباينة بين الدول المتقدمة والنامية، فكانت متابعة تنفيذ الاتفاقيات الدولية المعنية بالبيئة، وخاصة الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر، والاتفاقية الدولية للتنوع البيولوجي، والاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود. وأوجد المجلس الآليات الكفيلة بتحقيق التنسيق والتعاون اللازم لذلك، كما حرص دائماً ومن خلال آلياته على تنسيق المواقف العربية بشأن الموضوعات المطروحة على مؤتمرات الأطراف وتأكيد حق الدول العربية وسيادتها على مواردها الطبيعية لصالح الأجيال الحالية والقادمة. كذلك أولى المجلس اهتماماً بالغاً للتصدي لمحاولات بعض الدول استغلال الاتفاقيات الدولية المعنية بالبيئة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية. وقد أشاد تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بدور المجلس في تعزيز القدرات العربية وتنسيق المواقف في المحافل الدولية.
ويرجع نجاح المجلس في تنفيذ أولوياته خلال هذه المرحلة إلى ثلاثة عناصر أساسية، أولها التنسيق والتعاون الفعال مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمات العربية المتخصصة ذات الصلة، والثاني إيجاد الآليات المؤسساتية المناسبة. أما العنصر الثالث فكان حرص المجلس أن يتم تنفيذ برامجه وأنشطته بمشاركة الأطراف المعنية كافة، بما فيها المجتمع المدني. وهدفه من ذلك التكامل في التنفيذ والاستفادة التامة من الإمكانيات والقدرات المتاحة لدى كل طرف، وأيضاً التأكيد على مبدأ المسؤولية والواجب تجاه البيئة. ولم تكن الصورة بهذا الوضوح من البداية، لكنها اكتملت بالممارسة والرغبة الصادقة من جميع الأطراف في بذل كامل جهودها للحفاظ على البيئة وتغيير السلوكيات المرتبطة بها. فالمجلس يؤمن بالدور الحيوي والمحوري الذي يمكن أن تقوم به هذه المنظمات في الحفاظ على البيئة وترشيد استخدام الموارد، وفي توعية فئات المجتمع المختلفة بالسلوكيات البيئية السليمة. ولصعوبة إيجاد آليات اتصال مناسبة بين المجلس الوزاري والمنظمات غير الحكومية الوطنية، خاصة في غياب قيام اتحاد عام للمنظمات غير الحكومية المهتمة بالبيئة في غالبية الدول العربية، مد المجلس يد التعاون للمنظمات غير الحكومية الإقليمية المهتمة بالبيئة والتنمية في المنطقة العربية.
مبادرة التنمية المستدامة في المنطقة العربية
المرحلة الثالثة من عمل المجلس بدأت في منتصف عام 2001 وهي ممتدة حتى الآن. وظهرت أولى نتائجها مع بدء التحضير العربي لمؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة (جوهانسبورغ 2002) والتطور الإيجابي في اهتمام المنظمات العربية والإقليمية بقضايا البيئة وترشيد استخدام الموارد، وتخصيصها جزءاً كبيراً من برامجها وأنشطتها وإمكاناتها المادية وخبراتها الفنية لتناول هذه القضايا. وكان لزاماً على المجلس أن يعيد النظر في أولوياته، واضعاً نصب عينيه الاستفادة من النتائج الإيجابية التي حققها طوال عشر سنوات، وعلاقات التعاون الوثيق القائمة مع عدد كبير من المنظمات العربية المتخصصة ومنظمات الأمم المتحدة، وخاصة برنامج الأمم المتحدة للبيئة واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا. وكذلك بالتطور الذي حدث في نطاق عمله تدريجياً ليمتد ويشمل تعزيز التعاون العربي في جميع مجالات التنمية المستدامة (وهو الأمر الذي لم يتم توثيقه تشريعياً بتعديل النظام الأساسي للمجلس من قبل مجلس جامعة الدول العربية إلا في آذار/مارس 2003). وارتأى المجلس أن يركز نشاطه على رسم السياسات والاستراتيجيات في إطار خصوصيات أوضاع الدول العربية وأنماط السلوك والقيم السائدة والموارد المتاحة ونوعية المشاكل البيئية. وأكد على ذلك كل من إعلان أبوظبي عن مستقبل العمل البيئي العربي، والإعلان الوزاري العربي عن التنمية المستدامة 2001.
وهذا ما حدا المجلس على إطلاق مبادرة التنمية المستدامة في المنطقة العربية في مؤتمر جوهانسبورغ عام 2002. وهي تهدف إلى التصدي للتحديات الرئيسية التي تواجه الدول العربية من أجل تحقيق التنمية المستدامة، التي تتمثل بالأساس في النقص الحاد في الموارد المائية وتدهور نوعيتها، ومحدودية الأراضي الصالحة للاستخدام، والاستهلاك غير الرشيد لمصادر الثروة الطبيعية، وزيادة الرقعة الحضرية وما يترتب عليها من مشاكل، فضلاً عن تدهور المناطق البحرية والساحلية والرطبة. وتؤكد المبادرة التزام الدول العربية بتنفيذ جدول أعمال القرن الحادي والعشرين وأهداف التنمية التي تضمنها إعلان الألفية وخطة تنفيذ جوهانسبورغ. وغني عن البيان أن التحديات الاستثنائية التي تواجه المنطقة العربية، بسبب غياب السلام والأمن وعدم الالتزام بالشرعية الدولية والعدالة السياسية وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة في بؤر الصراع في المنطقة، تساهم في المزيد من تدهور الموارد الطبيعية والتلوث والمعاناة الإنسانية والفقر وسوء الأحوال المعيشية.
وقد اعتمدت القمة العربية في تونس عام 2004 المبادرة العربية، واعتمدت قمة الجزائر عام 2005 مخطط تنفيذها وفق توقيتات والتزامات محددة. وهناك خطوات مبشرة لبدء تنفيذ المخطط تتم حالياً بالتنسيق والتعاون مع الشركاء وأصحاب الشأن، بما في ذلك المنظمات العربية المتخصصة والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ومنظمات الأمم المتحدة وخاصة برنامج الأمم المتحدة للبيئة واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا ومؤسسات المجتمع المدني. وهنالك إشراف تام من مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة على تنفيذ المبادرة خصوصاً من خلال اللجنة المشتركة للبيئة والتنمية في الوطن العربي التي تعد بمثابة منتدى إقليمي عربي يتابع ليس فقط تنفيذ مخطط تنفيذ المبادرة العربية بل أيضاً تنفيذ مقررات مؤتمر جوهانسبورغ.
ماذا عن المستقبل؟
لا شك أن النجاحات التي حققها مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة على المستويات السياسية والمؤسساتية والتشريعية والتقنية عامل دافع ستكون له إيجابياته على تنفيذ المبادرة العربية للتنمية المستدامة. إلا أن هناك أموراً هامة تستوجب إيلاءها الأهمية القصوى وشحذ الهمم والتضافر لتحقيقها، أهمها:
أولاً، الالتزام بمبادرة التنمية المستدامة في المنطقة العربية، وأن تكون محوراً أساسياً في برامج عمل المنظمات العربية المتخصصة على نحو ما دعت إليه قمة الجزائر عام 2005.
ثانياً، تطوير تعاون أكثر فعالية مع منظمات الأمم المتحدة، بجانب برنامج الأمم المتحدة للبيئة واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، خصوصاً أن البعض منها أبدى اهتماماً بالمبادرة العربية.
ثالثاً، الانفتاح والتعاون مع المناطق الإقليمية الأخرى، خصوصاً الصين وأميركا اللاتينية.
رابعاً، إنشاء مرفق البيئة العربي واستقطاب موارده من داخل المنطقة، وبالأخص من مصادر غير تقليدية، ليكون حافزاً لاستقطاب الدعم من الجهات والمؤسسات المانحة الدولية وتوجيه موارده لمواجهة المشاكل البيئية ذات الخصوصية العربية.
خامساً، تأمين بيئة اقتصادية وتشريعية مؤاتية لتشجيع الاستثمار الخاص العربي والأجنبي في البيئة العربية وتقنياتها.
وختاماً، أنتهز هذه المناسبة لأتوجه مرة أخرى الى مجلة "البيئة والتنمية" بالتهنئة وتمنياتي بدوام التوفيق.