تعاني دول كثيرة من تدهور جودة مواردها المائية بسبب عدة عوامل، أهمها الأنشطة الزراعية المكثفة التي تزيد من مخاطر تلوث التربة والمياه الجوفية، فضلاً عن الآثار السلبية على صحة الإنسان وبيئته. والمصدر الرئيسي لهذا التلوث هو استخدام المبيدات الكيميائية والأسمدة الغنية بالنيترات، من دون التقيد بالقوانين المنظمة لهذا المجال.
والزراعة هي من الألويات التي يرتكز عليها الاقتصاد المغربي. ويعتبر سهل الغرب من أكبر المناطق الزراعية المروية في شمال غرب البلاد، حيث يتميز بتربة خصبة وغطاء نباتي متنوع. ويشتهر بمحاصيل عدة، من أهمها قصب السكر والبطاطا والبندورة (الطماطم) والحبوب والموز. غير أن تكثيف الزراعة في هذه المنطقة ترافق مع ظهور العديد من الأمراض ونمو الحشائش الضارة. ومن أجل حماية المحاصيل وتحسين جودتها يلجأ المزارعون إلى استخدام الأسمدة والمبيدات. غير أن الإفراط في استعمالها يمثل خطراً حقيقياً على نوعية المياه الجوفية، خاصة مع وجود تربة رملية نفّاذة. ولهذا لا بد من مراقبة جودة المياه وترشيد الموارد الطبيعية مع مواكبة التطور الزراعي.
تم حديثاً تقييم مستوى النيترات والمبيدات في التربة والمياه الجوفية في منطقة سهل الغرب، حيث جُمعت عينات من المياه والتربة، وتم تحليلها في المختبر من أجل تحديد تركيز النيترات والمبيدات. فبينت النتائج أن 90 في المئة من عينات المياه تتجاوز التركيز المعياري العالمي للنيترات المحدد من اللجنة العالمية للصحة وهو 50 مليغراماً في الليتر. فقد احتوى 51 في المئة من العينات على أكثر من 100 مليغرام في الليتر، وتراوح 39 في المئة من العينات بين 50 و100 مليغرام في الليتر، وكان 10 في المئة فقط دون العتبة المقبولة.
يمكن تفسير هذه النتائج بهيمنة التربة الرملية في المنطقة، وكثرة استخدام الأسمدة، بالإضافة إلى قرب طبقة المياه من سطح الأرض. كل هذه العوامل تساهم في ارتشاح النيترات من الحقول الزراعية إلى المياه الجوفية.
أما بالنسبة إلى المبيدات، فبينت تحاليل التربة والمياه أن التراكيز كانت أقل من الحد الكمي في جميع العينات. ويمكن تفسير هذه النتيجة بمحدودية استخدام المبيدات أو التحول الجزئي أو الكلي للجزيئات الخاضعة للدراسة.
يمكن اعتبار تلوُّث المياه الجوفية بالنيترات من الآفات البيئية الخطيرة في جهة الغرب، فالتراكيز المرتفعة قد تؤدي إلى ظاهرة «اختناق البحيرات». ومن جهة أخرى، قد يتسبب استعمال هذه المياه للشرب في أمراض أهمها ظاهرة «الطفل الأزرق»، حيث تأخذ النيترات مكان الأوكسيجين في الدم مسببة اختناق الطفل.
لهذا فإن تسرب النيترات إلى المياه الجوفية يجب أن يجذب المزيد من الاهتمام في الغرب المغربي، نظراً لسهولة تنقل النيترات في التربة الرملية. كما ينبغي خفض الاستخدام المفرط للأسمدة الكيميائية وتبني أنظمة مناسبة للتسميد. أما بالنسبة للمبيدات، فهناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لرصد آثارها في عينات المياه والتربة، بالإضافة إلى ترشيد استخدامها وجدولة عمليات المسح الميداني وتشجيع نشر التقارير السنوية بشأن استخدامها.
الدكتورة بشرى مروان باحثة في الكيمياء البيئية في جامعة محمد الخامس في الرباط.
|