مشكلة تجر مشكلة أخرى، هذا هو واقع الحال في مجال العمل البيئي. فمشاكل التلوث تترتب عليها مشاكل جديدة، وحل مشكلة بيئية يصادف العديد من المشكلات أو تنجم عنه مشاكل أخرى.
هذا هو الانطباع الأول الذي أكدته ورشة العمل التي نظمها مشروع تحسين هواء القاهرة مؤخراً، حيث ناقش برنامج مكافحة التلوث بالرصاص اجراءات التخلص من مسابك الرصاص في شبرا الخيمة ونقلها الى مواقع جديدة في أبوزعبل. والمسابك المرصودة هذه المرة هي المسابك الشهيرة لعائلة عوض الله التي تم إيقافها العام الماضي، وكانت تقوم بتدوير ما يقرب من 10 آلاف طن من البطاريات المستعملة سنوياً لانتاج قوالب الرصاص. المشكلة الجديدة التي ناقشتها الورشة هي أسلوب معالجة الأراضي التي يحتلها المسبك، حيث اتضح انها مشبعة بالرصاص بشكل يهدد البيئة المحيطة والصحة العامة، والبحث عن حل بعيد المدى لمعالجة وتنظيف موقع المسبك لتخفيف حدة هذه المخاطر. وبهذا انتقلت المشكلة الى الارض بعد ان كانت تخص السماء.
تقدر مساحة المسبك بحوالى 1550 متراً مربعاً، واجمالي مساحة المنشآت بحوالى 550 متراً مربعاً. وبعد توقف عمليات الصهر، اقتصر استخدام المنشأة على انتاج الرصاص المكرر وتصنيع خامات الرصاص، وتم تزويد مكان العمل بوسائل محدودة للتحكم في التلوث بغرض منع الرصاص المنصهر وأتربة الرصاص من تغطية أرضيات المسبك وجدرانه.
تقول الدكتورة زينب صقر، مديرة برنامج مكافحة التلوث بالرصاص، ان تشبع الاراضي بهذا المعدن يحمل عدة مخاطر تهدد صحة وسلامة عمال التنظيف والسكان المجاورين والبيئة المحيطة. فالتعرض للعناصر السامة المصاحبة لتداول البطاريات، مثل الكادميوم والزرنيخ والانتيمون والسلينيوم، له تأثير خطير على صحة الانسان، لا سيما الأطفال والشباب الذين يلعبون بجوار موقع المسبك أو داخل أرضية الموقع ويستنشقون أو يبتلعون نسباً عالية من الأتربة الهاربة الملوثة بالرصاص. وتتراكم تلك الأتربة فوق المنتجات الزراعية وفي مياه ترعة الاسماعيلية.
وقد تم الكشف عن الرصاص ومعادن أخرى بنسب عالية في عينات الاتربة والمياه في الموقع. فاحتوت الاتربة على الرصاص بنسبة 33%، بينما كشفت عينات التربة عن وجود الرصاص في الطبقة التحتية حتى المنسوب العام للمياه. أما المياه نفسها فقد احتوت على نسبة وصلت الى 5 مليغرامات من الرصاص لكل ليتر، لتتجاوز معايير مياه الشرب المصرية والدولية. ومن المعروف أن التعرض للرصاص يؤثر بشكل خطير على العديد من أجهزة الجسم، ويؤدي الى إصابة الانسان بأمراض الدم والأوعية الدموية والكلى والجهاز العصبي وجهاز المناعة المركزي، خاصة لدى الأطفال.
نتائج الدراسة التي أجريت في موقع المسبك أكدت انتشار هذه الملوثات بشكل خطير، مما يستلزم عدة إجراءات، أهمها: إزالة الأتربة الملوثة من الأرضيات والجدران والأسقف في موضع المسبك، وتنظيف الخردة المطلوب إعادة تدويرها، وإزالة جميع المواد الملوثة ونقلها الى مدفن صحي آمن، وإزالة التربة الملوثة المكشوفة حتى مسافة متر واحد تحت سطح الأرض، ومجموعة من البدائل.
وقد أعد مشروع تحسين هواء القاهرة خطة منهجية لاصلاح هذه المشكلة، تقوم على الأسس التي وضعتها الوكالة الاميركية لحماية البيئة.
فوزي عبدالحليم
("الأهرام"، القاهرة)
|