Sunday 24 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
فيينا ـ ''البيئة والتنمية'' شمس اصطناعية في راتـنبرغ  
شباط (فبراير) 2007 / عدد 107
بلدة راتنبرغ في منطقة تيرول النمسوية تحمل ''سراً مظلماً''. فمن تشرين الثاني (نوفمبر) الى منتصف شباط (فبراير) من كل عام لا يرى سكانها ضوء الشمس، ذلك لأن الهضاب في جنوب البلدة تحجب عنها الشمس طوال النهار.
مختبرات بارتنباخ للأضواء في النمسا توصلت الى حل لتوصيل أشعة الشمس الى راتنبرغ، يتضمن مرايا عملاقة دوارة تتتبع الشمس وتعرف بالـ''هليوستات'' (heliostats)، ومرايا ثانوية توزع ضوء الشمس المنعكس.
الشمس لن تنوِّر جميع أنحاء البلدة، لكن السكان والزوار سوف يشعرون بها في كل مكان، وسيتكون لديهم انطباع بأنهم في بلدة مشمسة، ما يترك فيهم أثراً نفسياً مهماً جداً. وقد باشرت مختبرات بارتنباخ انشاء المرايا في آب (أغسطس) الماضي، على أن يستكمل المشروع خلال سنة 2007. وتقول المهندسة سيلفيا بيزانا: ''الفكرة ليست اضاءة القرية فحسب، وانما اعطاء سكانها الانطباع بأن لديهم شمساً''.
بلدة الظلال
منذ نحو 600 عام، استوطن سكان راتنبرغ الأوائل بين نهر إين وجبلي رات وستادبرغ اللذين يرتفعان نحو 900 متر. فلاذت القرية في ظلال الصخور محمية من اللصوص والغزاة في زمن الصراعات، خصوصاً خلال الحرب الأهلية التي نشبت في ذلك الزمان بين أنصار الدوق النمسوي فريدريك ''الوسيم'' والدوق البافاري لويس فيتلسباغ. وانتهت الغزوات وأعمال النهب، وبقيت الظلال. وحتى يومنا هذا، ومع بداية أشهر البرد، يبقى ضوء النهار تحت الأفق يحجبه الجبلان. وتقول غوندي شميت، وهي مرشدة اجتماعية ولدت وترعرعت في راتنبرغ: ''الشمس تودع بيتنا في مطلع كانون الأول (ديسمبر)''. لكنها محظوظة، فالظلال تزحف على أجزاء أخرى من البلدة ابتداء من تشرين الثاني (نوفمبر).
بلدة راتنبرغ التي تبعد 40 كيلومتراً الى الشرق من إنسبروك هي الأصغر في النمسا، وتزداد صغراً. وقد انخفض عدد سكانها 20 في المئة خلال العقدين الأخيرين ليبلغ 440 نسمة. ويعزو رئيس البلدية فرانز فورزنرينر ذلك، جزئياً على الأقل، الى انعدام ضوء الشمس. وهو يتذكر كيف أن السكان، الذين لم تكن لديهم سيارات في خمسينات القرن الماضي، كانوا يعبرون الجسر على نهر إين في عربات تجرها الثيران أيام الآحاد للاستمتاع بأشعة الشمس على الضفة المقابلة.
وفي استطلاع للرأي، تبين أن 50 في المئة من سكان راتنبرغ يعتبرون انعدام ضوء الشمس في الشتاء أكبر مشكلة بالنسبة اليهم. وترتأي غوندي شميت حلاً جذرياً، وإن بدا فيه شيء من المزاح، هو... هدم الجبلين. فالبلدة تخسر سكانها، ''المسنون يموتون والشبان الذين تتاح لهم فرصة بناء منزل أرخص في الشمس يغادرون''.
كريستين مارغريتيه تدير محلاً لبيع الأزهار في راتنبرغ، لكنها تعيش في بلدة مجاورة أكثر تعرضاً للشمس، حيث تعوِّض نهارات الأسبوع المظلمة بالمشي في الطبيعة والعناية بحديقة المنزل. تقول: ''أكره القدوم الى هنا، حيث الظلمة والبرد''.
شمس انطباعية
لتغيير هذا الواقع، يتم تركيب مرايا دوارة على أعمدة في حقل مشمس يبعد نحو 400 متر على الضفة المقابلة للنهر. عرض كل مرآة 180 سنتيمتراً، وهي تتعقب الشمس باستخدام برنامج كومبيوتر خاص يشغل عن بعد من راتنبرغ. خلال الأيام التي تحتجب فيها الشمس، يُعكس الضوء نحو برج تغطيه المرايا أيضاً ينتصب بجانب الحصن الحجري القديم الذي كان يحمي البلدة. وأوضحت المهندسة سيلفيا بيزانا: ''هذه المرايا الثانوية توجه الضوء الى مرايا صغيرة على أبنية في البلدة، وهذه بدورها تحول الضوء نزولاً الى الشوارع''. والمرايا الصغيرة تشتت الضوء أيضاً، ما يقلل من مخاطر شبوب حرائق ويحول دون سطوع يبهر النظر. وفي الشوارع، سيكون الأثر مثل شمس باهتة.
المقاسات والمعايرات الضرورية رفعت في الماضي كلفة مرايا الهليوستات مما جعلها حلاً غير مجدٍ. لكن مشروع راتنبرغ لن يكلف الا نحو مليوني دولار. فقد تقلصت الكلفة بفضل التحسينات الكبيرة التي أدخلتها مختبرات بارتنباخ على مقاسات المرايا الزجاجية وعملية تصنيعها، مما قلل من العيوب في استواء السطح وزاد من انعكاسيته. وساعد أيضاً تطوير مواد مقاومة للغبار وعوامل الطقس وتحسين أداء البرامج الكومبيوترية مما جعل توجيه المرايا أكثر دقة.
سكان البلدة يحلمون الآن بشتاء أخف وطأة يشجع السياح على المبيت ليلاً ويحسن الحركة التجارية نهاراً خلال أشهر الشتاء، عندما تتراجع السياحة في البلدة الشهيرة بنفخ الزجاج وتبقى أزهار راتنبرغ البلورية على الرفوف لا يشتريها أحد.
لم يتضح بعد ما اذا كان الضوء سيحدث هذا الفرق، لكن 60 بلدة أخرى في جبال الألب تواجه ظلاماً مماثلاً، وقد تصبح مرايا الهليوستات أكثر انتشاراً. واذا رخص ثمنها أكثر فقد تخفض كلفة الاضاءة في المكاتب، علماً أن مختبرات بارتنباخ تستخدم احداها لعكس الضوء الطبيعي الى مكاتبها في الطبقة السفلى ولاضاءة مصابيح شمسية خاصة. وهي استعملت المرايا في مشاريع إضاءة حول العالم، منها تسليط ضوء الشمس على طبقات سفلية في أبنية وفي محطات للسكك الحديد في أوروبا، واضاءة مساجد ليلاً في المملكة العربية السعودية وماليزيا.
أما بلدة راتنبرغ، فيكفيها أن تصبح ستة قرون من الاكتئاب الشتوي حكاية من الماضي. 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.