Sunday 22 Dec 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
عبدالرحمن الصقير الزراعة العضوية  
أيار (مايو) 2006 / عدد 98
 ينقتد مناوئو الزراعة العضوية انخفاض انتاجيتها وما يستتبعه من ارتفاع أسعار المنتجات وتوسيع الرقعة الزراعية على حساب أراضي الغابات والبراري. لكن سخاء شركات عملاقة للكيماويات والتقنيات الحيوية في دعم هذه الانتقادات وأصحابها يرسم شكوكاً حول مصداقيتها ودوافعها
تبقى الزراعة إحدى أهم المهن التي مارسها الانسان، إن لم تكن أهمها على الاطلاق. وفي معظم الأقطار تشغل أكثر من ثلث المساحة، ويشتغل فيها وفي القطاعات المرتبطة بها ملايين البشر في أنحاء العالم. وتشكل الزراعة مصدراً مهماً ـ وربما المصدر الرئيسي ـ للدخل في كثير من الدول. ويعد التوسع في الانتاج الزراعي أمراً لا مناص منه لتوفير الغذاء وتلبية الاحتياجات الضرورية لسكان الأرض الذين يتزايدون باستمرار.
ما ينتج من الغذاء حالياً يكفي لسد احتياجات البشر لو وزع توزيعاً متساوياً، إلا أن الفائض في الدول المتقدمة غير متاح للفقراء في الدول النامية الذين يعيش 75 في المئة منهم في مناطق ريفية، حيث يعتمدون بشكل كبير على النشاط الزراعي لسد احتياجاتهم ويمارسون الزراعة في كثير من الأحيان بالطرق التقليدية، كما تعوزهم المعرفة بأهمية البيئة وضرورة المحافظة عليها والأخطار التي تلحقها بها بعض الممارسات. كما أن كثيراً من تلك الأرياف تجاور مناطق بيئية غنية بالتنوع الحيوي، مماي يشكل خطراً محتملاً عليها بسبب الحاجة المتزايدة إلى توسع الرقعة الزراعية. وليست الزراعة الحديثة بتطبيقاتها المختلفة أقل ضرراً، فالنهم الشديد لمزيد من الأرض الزراعية ومصادر الماء، والافراط في استخدام الكيماويات الزراعية كالأسمدة والمبيدات والأدوية البيطرية والهورمونات، وكذلك بعض التطبيقات الحديثة للهندسة الوراثية، أدت كلها الى تعريض البيئة لأضرار لا يمكن التنبؤ بحدودها.
الانتاج الزراعي والبيئة
بحسب منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو)، النشاطات الزراعية مسؤولة عن ثلث ما تتعرض له الكرة الأرضية من حرارة وتغير في المناخ. ذلك أن 25 في المئة من الغازات المنبعثة والمتسببة بظاهرة الاحتباس الحراري تأتي من المصادر الزراعية، خصوصاً عند إزالة الغابات للتوسع في إنتاج المحاصيل. وقد تم تحويل ما يقارب نصف غابات النباتات العريضة الأوراق في المناطق المعتدلة والاستوائية وتحت الاستوائية، وثلث مساحة الأعشاب والشجيرات في المناطق المعتدلة، التي تعد موطناً مهماً للأحياء الفطرية، إلى أراض زراعية منتجة. وتم تجفيف نصف مساحة المناطق الرطبة في العالم، وهي بيئات بالغة الأهمية للأحياء الفطرية، وحولت إلى مناطق زراعية.
وفي مشاريع الانتاج الحيواني، سواء للدواجن أو للمواشي، جرت العادة باستخدام منتجات كيماوية مختلفة، كالمضادات الحيوية والهورمونات وغيرها، لعلاج الحيوانات وتحصينها ضد بعض الأمراض أو لتحسين نموها وزيادة وزنها. ولا تخلو هذه المنتجات من تأثيرات ضارة على البيئة حيث أن بقاياها في مخلفات الحيوانات تلحق الضرر بالكائنات الحية الدقيقة في التربة، مما ينعكس على الأحياء الفطرية الأخرى التي تعتمد في غذائها على تلك الكائنات الدقيقة. ويعزى تلوث المياه أساساً الى النشاط الزراعي المكثف واستخدام الأسمدة والمبيدات وكذلك المخلفات الحيوانية.
المبيدات الكيماوية تلوث الهواء أيضاً. فقد وجد بعض الدراسات أن 10 ـ 15 في المئة فقط من المبيدات التي ترش على الحقول والمزارع تصل الى هدفها المنشود، في حين تتطاير البقية في الهواء وقد تنتقل الى مسافة تبعد أكثر من 30 كيلومتراً عن المنطقة التي تم رشها، مما يوسع دائرة الضرر الذي تلحقه المبيدات بالكائنات الحية المختلفة. كما تؤدي بعض الممارسات الزراعية واستخدام الآليات الى نتائج مشابهة، الأمر الذي أحدث تحولاً كبيراً في العقود القليلة الماضية.
وتشكل بعض الأساليب والنظم الزراعية المتبعة خطـراً لا يستهان علـى البيئة والتنوع الحيوي. فقـد شهدت ستينات القـرن الماضي بزوغ مـا اصطلح علـى تسميته بالزراعة المركـزة أو المكثفة (intensive agriculture) التي تهدف الى جني أعلى كمية من الانتاج باستخدام نوع واحد أو أنواع محدودة من المحاصيل وزراعتها على مساحات شاسعة، مع استخدام مفرط للكيماويات وتجاهل كبير للبيئة. وهذا حقق إنتاجاً مرتفعاً، إلا أنه تسبب في تدهور حاد للبيئة بعناصرها المختلفة. وتقدر الأراضي المستغلة بنظام الزراعة المركزة بما يزيد عن ثلث المساحة الزراعية في العالم.
وعلى رغم ما ينسب الى الزراعة وأنشطتها من مسؤولية مباشرة عن الاضرار بالبيئة، تتزايد الحاجة يوماً بعد يوم الى زيادة الانتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني لتلبية حاجات البشر. فكان لزاماً البحث عن صيغة جديدة تحقق انتاج الغذاء بأقل أضرار ممكنة. وتعد الزراعة العضوية مثالاً واضحاً وجلياً على إمكان المواءمة بين الانتاج الزراعي وصيانة البيئة والتنوع الحيوي.
الزراعة العضوية هل هي الحل؟
الهدف الأساسي للزراعة العضوية (organic agriculture) هو انتاج الغذاء بطريقة لا تلحق الضرر بالبيئة، وذلك بتجنب الكيماويات الزراعية كالأسمدة والمبيدات والهورمونات والعقاقير البيطرية والمواد الحافظة وغيرها من المواد المصنعة. كذلك تتحاشى الزراعة العضوية بعض التطبيقات الحديثة للهندسة الوراثية كالمنتجات المعدلة وراثياً.
تضاعفت المساحة المزروعة بالطريقة العضوية ثلاث مرات في الفترة بين 1995 و2000 في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، نتيجة زيادة الطلب على المنتجات العضوية الذي تجاوزت قيمته 23 مليار دولار. هذه الزيادة في الطلب يغذيها، في أوروبا خصوصاً، قلق المستهلكين من الكيماويات الزراعية والأغذية المعدلة وراثياً ومرض جنون البقر. وتذهب  بعض التوقعات الى أن الزراعة العضوية في أوروبا ستشكل ربع مجمل الزراعة بحلول سنة 2030.
توصلت دراسة أجريت في بريطانيا لمقارنة الزراعة العضوية بالزراعة التقليدية، الى نتائج مفادها أن تلوث الماء والهواء كان أقل في الزراعة العضوية، كما تحسن التنوع الحيوي النباتي والحيواني عند انتهاجها. فقد وجدت، على سبيل المثال، أعداد أكبر من الفراشات في الحقول والمزارع العضوية مقارنة بمثيلاتها التقليدية، وعزي ذلك لأسباب أهمها عدم استخدام المبيدات الكيميائية وزيادة التنوع في الغطاء النباتي. كما كانت الحال كذلك مع بعض اللافقاريات، كالعناكب، وهي مفيدة  في الغالب حيث تتغذى على بعض الآفات الزراعية.
واحتوت دراسة نشرت في مجلة Biological Conservation (العدد 122) واحتوت على ملخص لتجارب أجريت في أوروبا ونيوزيلندا وكندا والولايات المتحدة، تم التأكيد على الأهمية الشديدة والدور الايجابي للزراعة العضوية على التنوع الحيوي. ومما أوردته الدراسة أن نوعين من الخفاش وجدا بأعداد أكبر في الحقول المزروعة عضوياً، مقارنة بتلك المزروعة بطريقة تقليدية، مما يعد مؤشراً على أن كائنات حية أخرى تتواجد بأعداد أكبر في الحقول العضوية. كما أطلقت الدراسة تحذيراً من أن التوسع في الزراعة التقليدية خلال السنوات الخمسين المقبلة سيؤثر على التنوع الحيوي الطبيعي بمعدل غير مسبوق لا يقل أهمية وتأثيراً عن مشكلة التغير في مناخ الكرة الأرضية. كما نشر معهد روديل، وهو أحد المعاهد المختصة في الولايات المتحدة، نتائج أبحاث استمرت 23 سنة وجاء فيها أن الزراعة العضوية قد تقلل من ارتفاع درجة حرارة الأرض (ظاهرة الاحتباس الحراري) بنسبة كبيرة، وذلك لأنها تساهم في تقليل انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون من الحقول بنسبة تتراوح بين 15 و28 في المئة مقارنة بالزراعة التقليدية. ويرى بعض المتحمسين أن المنتجات العضوية صحية ومأمونة أكثر من نظيراتها المنتجة بالزراعة التقليدية، وأنها تحتوي على مركبات مضادة للسرطان بمعدل يزيد 50 في المئة عن المحاصيل التقليدية.
هناك جملة من الممارسات والأساليب المصاحبة عادة للزراعة العضوية، مثل اتباع الدورات الزراعية، وتأخير مواعيد الزراعة، وزرع المحاصيل المرافقة ومحاصيل التغطية، واستخدام الأسمدة العضوية. وهذه كلها تعزز التنوع الحيوي في التربة من حيث الكثافة والعدد، بما في ذلك بعض اللافقاريات وديدان الأرض والأحياء الدقيقة، كما يعتقد أنها تفيد بطريقة غير مباشرة في تحسين الخواص الكيميائية والفيزيائية للتربة وتقلل من انجرافها ومن أخطار الفيضانات. وفي المناطق المجاورة للحقول والبساتين الخاضعة لنظام الزراعة العضوية، من المألوف وجود تنوع نباتي واسع ربما يعزى الى بعض الممارسات المرتبطة بالزراعة العضوية، كالامتناع عن استخدام مبيدات الحشائش والأعشاب. هذا التنوع النباتي الطبيعي وفر مأوى وغذاء لطيف واسع من الكائنات الحية كالحشرات والطيور، كما سمح لبعض الأنواع النباتية البرية التي كادت تختفي بأن تنمو وتزدهر من جديد، الأمر الذي شكل بمجمله نظاماً بيئياً متنوعاً وجميلاً. وهو بمثابة عودة للطبيعة وتعديل للخلل الناجم عن عقود من الممارسات الزراعية الخاطئة التي أدت الى الحاق الضرر بالبيئة والكائنات الحية بدءاً بالانسان وانتهاء بأصغر الكائنات الحية الدقيقة في التربة. كما ساهم انتعاش التنوع الحيوي في الحقول والمناطق الزراعية بازدهار ما يسمى "السياحة البيئية"، حيث وجد المهتمون بالحياة الفطرية النباتية والحيوانية بغيتهم في أطراف الحقول والمزارع، مما أتاح للمزارعين مصادر أخرى للدخل وان بطريقة غير مباشرة.
الحرص على التربة
تشكل التربة أحد أهم المكونات غير الحية في البيئة بشكل عام، كما أنها عنصر رئيسي في البيئة الزراعية. فهي تحتوي على أعداد هائلة من الأحياء التي تشكل مجتمعات متنوعة ومتداخلة، تشمل الكائنات المجهرية كالبكتيريا والفطريات، وكائنات كثيرة أكبر حجماً كديدان الأرض والنمل الأبيض وغيرها. وتشكل هذه المجاميع علاقات وتفاعلات متنوعة ومعقدة، كما تشكل مع النباتات والكائنات الأخرى شبكة متداخلة من التفاعلات البيولوجية داخل النظام البيئي. الكائنات الحية في التربة تلعب أدواراً بالغة الأهمية في النظام البيئي. فهي، على سبيل المثال، تنظم وتتحكم في حركة المادة العضوية والعناصر المغذية في التربة، وتنظم دورة الكربون والغازات المنبعثة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وتؤثر على الصفات الفيزيائية للتربة وحركة المياه فيها، وبالتالي فهي شديدة التأثير على نمو النباتات والانتاج الزراعي بشكل عام.
ومن هنا يتبين مدى العمق وبعد النظر لفلسفة الزراعة العضوية في ما يتعلق بالتعامل مع التربة، حيث يمنع استخدام الأسمدة الكيميائية المصنعة، وتباح الأسمدة ذات الأصل العضوي كمخلفات الحيوانات والنباتات. كما يحرم استخدام المبيدات الكيميائية لما ينطوي عليه من أضرار على الكائنات الحية والتربة، ويستعاض عنها بالمكافحة الحيوية حيث تقوم المفترسات (وهي كائنات حية تتغذى على الآفات الزراعية) بحفظ التوازن في أعداد الكائنات الحية وفق النظام الطبيعي الدقيق.
ويذهب المتحمسون لنظام الزراعة العضوية الى الاعتقاد أن 99 في المئة من الآفات الزراعية يمكن السيطرة عليها عن طريق تلك المفترسات، وهذا من شأنه أن يلغي الحاجة لاستخدام المبيدات الكيميائية، وبالتالي يخلص البيئة من أحد المصادر المهمة للتلوث.
سلبيات الزراعة العضوية
مثل جميع الفلسفات والممارسات البشرية، لا تخلو الزراعة العضوية من قصور وسلبيات. وكما أن هناك الكثير من المتحمسين والمروجين للزراعة العضوية، فثمة من هم أقل حماسة واقتناعاً بها، بل إن هناك من يرى أن احلالها محل الزراعة التقليدية سيجلب المشاكل بدلاً من الحلول.
أهم السلبيات المصاحبة للزراعة العضوية انخفاض الانتاج بمعدل 10 ـ 30 في المئة مقارنة بالزراعة التقليدية، كما تقدر احدى الدراسات انخفاضاً حاداً في بعض المنتجات مثل لحوم الأبقار والدجاج البيّاض واللاحم يتجاوز 60 في المئة. وفي اوستراليا، قدر النقص في محصول القمح المزروع عضوياً بأكثر من 60 في المئة، كما سجل انخفاض تجاوز 40 في المئة لمحصول القمح في الولايات المتحدة، وانخفض محصول الشعير في نيوزيلندا بمقدار مماثل. ويعزو البعض هذا الانخفاض في الانتاج الزراعي الى عوامل متعددة، أهمها كثرة الآفات الحشرية والحشائش الضارة وانخفاض خصوبة التربة في الزراعة العضوية بسبب عدم استخدام الاسمدة والمبيدات الكيميائية.
هذا الانخفاض في الانتاج أدى بدوره الى بروز مشاكل أخرى، كارتفاع أسعار المنتجات العضوية اذ تتراوح الزيادة في أسعار محاصيل الحبوب والخضر المنتجة عضوياً، عند مقارنتها بمثيلاتها المنتجة تقليدياً، بين 75 و300 في الئمة، وهي زيادة غير مستغربة لتعويض الخسائر الناجمة عن انخفاض الانتاج. كما أن انخفاض انتاجية الزراعة العضوية يستدعي التوسع المستمر في الرقعة الزراعية على حساب أراضي الغابات والمحميات الطبيعية، وهذا مما يحتج به مناوئو الزراعة العضوية من أنها تلحق الضرر بالبيئة بدلاً من حمايتها. كما يأخذون على المنظمات الدولية المعنية أنها تضع شروطاً ومواصفات مشددة للانضمام الى عضويتها، مما يقلل الخيارات العملية المتاحة أمام المزارعين المنضوين في هذه المنظمات ويخفض الانتاج.
ولئن تكن بعض هذه الانتقادات وجيهة، إلا أن ثمة شركات عالمية عملاقة عاملة في مجالات التقنية الحيوية وصناعة الأسمدة والمبيدات الكيميائية تقف في طليعة النقّاد وتدعم الكثير من الكتّاب والباحثين المناوئين للزراعة العضوية. وهذا يضع الكثير من علامات الاستفهام حول مصداقية تلك الانتقادات ودوافعها. وعلى رغم أوجه النقص التي تم التطرق الى بعض منها، تظل الزراعة العضوية تجربة رائدة تستحق الاهتمام والتطوير بغية تحقيق المعادلة الصعبة المتمثلة في توفير الغذاء من دون الاضرار بالبيئة.
الدكتور عبدالرحمن الصقير أستاذ في جامعة القصيم، السعودية.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.