منذ صادقت الجزائر على الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ عام 1993، تسعى للعمل بما ورد فيها بشأن الإحصاء الوطني الدوري لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وهي أيضاً مضطرة للتكيف مع التغيرات المناخية كي لا تؤثر على أهدافها الانمائية، خصوصاً بسبب مساحتها الكبيرة البالغة نحو 2,38 مليون كيلومتر مربع، وساحلها الممتد 1200 كيلومتر، ومناخها المتذبذب، وتضاريسها المعقدة.
مناخ الجزائر جاف وشبه جاف، وقد انخفض هطول الأمطار منذ السبعينات بنحو 10 في المئة، وارتفعت درجات الحرارة، واستمرت ظاهرة الجفاف مما زاد حدة التصحر. ويتمركز نحو 65 في المئة من مجموع السكان في المنطقة التليّة في الشمال التي تمثل 4 في المئة من التراب الوطني. ويعيش 25 في المئة في الهضاب العليا التي تشكل نحو 9 في المئة من المساحة الاجمالية، ويتواجد 10 في المئة في الصحراء التي تغطي 87 في المئة من المساحة. وتعتمد الجزائر أساساً على قطاع المحروقات، من بترول وغاز طبيعي، الذي يساهم بأكثر من 95 في المئة من مداخيلها. وتشكل احتياطات الغاز الطبيعي 4 في المئة من احتياط العالم.
وتهدف مشاريع الدولة الى رفع الضغط عن الساحل وتنمية السهوب وإعمار الجنوب. لكنها كلها تعتمد أساساً على مدى وفرة الموارد المائية وتنوع الأنظمة الإيكولوجية وسلامة الصحة البشرية. لذلك باتت قضية التكيف مع التغيرات المناخية تحدياً كبيراً يواجه هذه المشاريع الإنمائية. وتعتبر 1994 السنة المرجع لانطلاق عملية احصاء انبعاثات غازات الدفيئة. وقد كشفت الاحصاءات مدى مسؤولية القطاعات المختلفة عن انبعاث غازات الدفيئة كما يأتي: الطاقة 67 في المئة، فقدان الأراضي والغابات 13 في المئة، الزراعة 12 في المئة، النفايات 5 في المئة. ويتصدر ثاني أوكسيد الكربون قائمة غازات الدفيئة بنسبة 72,4 في المئة، يتبعه الميثان 18,3 في المئة، ثم أوكسيد النترات 9,3 في المئة، وغالبيتها من الأنشطة ذات الصلة بالبترول.
تدابير تخفيف الانبعاثات
في منتصف التسعينات، وضعت الجزائر مخطط العمل الوطني ضمن مسار التنمية المستدامة. وشملت تدابير تخفيف الانبعاثات قطاعات الطاقة والصناعة والنقل والنفايات.
وكانت الجزائر منذ أوائل الثمانينات تبنت سياسة طاقوية تتضمن اعتماد مصادر أنظف. من ذلك ترقية استعمال "سيرغاز" كوقود بديل، وتجديد مركبات تمييع الغاز الطبيعي، وربط 20 قرية في أقصى الجنوب بالطاقة الشمسية. وسعت الى تحرير نقل المنتجات المكررة وتوزيعها، مع إنشاء مؤسسات للمراقبة والضبط وإدماج القطاع الخاص.
وركز مخطط العمل الوطني على الصناعة البتروكيميائية والإسمنت وإنتاج الأسمدة والحديد والصلب، وإدخال تكنولوجيا إنتاج أنظف تقوم على تدوير استعمال النفايات الصناعية واستبدال بعض المواد الأولية في عملية التصنيع.
ولما كان النقل من القطاعات الرئيسية التي تساهم انبعاثاتها في الاحتباس الحراري، يشجع مخطط العمل على تجديد المركبات للحد من التلوث، وتعميم المراقبة التقنية، وترويج استعمال الغاز الطبيعي كوقود أنظف، وتنظيم حركة المرور في المدن وخارجها.
ويساهم قطاع النفايات في انتاج غاز الميثان المسبب للاحتباس الحراري والذي له قدرة تسخين 21 مرة اكثر من ثاني أوكسيد الكربون. ولهذا ينص مخطط العمل الوطني على إنشاء مطامر عمومية مراقبة ومتخصصة. ويتم تشجيع المشاريع الصناعية لاسترجاع النفايات وتدويرها وتحويلها، وكذلك إنشاء محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي.
سيناريوهات المستقبل
بحلول سنة 2020، إن لم يتم الإسراع في تنفيذ الخيارات المنصوص عليها في الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ وبروتوكول كيوتو، والالتزام بتنفيذ الخطط المتعلقة باستقرار تركيزات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، فان العالم سيعيش أزمات حياتية واقتصادية حادة، وستكون البلدان النامية الأكثر ضرراً بحسب تحذيرات الخبراء.
ولا تستثنى الجزائر من هذا السيناريو، لأنها بدأت فعلاً تعيش أزمة شح المياه وانعكاسات زحف التصحر على المناطق الشمالية بعد أن أضرّت بالجنوب والمناطق السهبية. ولا تملك إلا أن تثبت في التزامها بتنفيذ تدابير التكيف، وأهمها تلك التي لها علاقة مباشرة بقطاعي المياه والزراعة والواجهة البحرية والمناطق الهشة (خصوصاً السهبية) والصحة البشرية.
ويهتم مخطط العمل الوطني بتنفيذ جملة مقترحات، تم تفصيلها حسب كل قطاع في إطار استراتيجية وطنية شاملة. ففي قطاع المياه هناك إزالة التوحل من غالبية السدود وصيانتها، فمن بين السدود الـ 52 في البلاد هناك 15 سداً على الأقل متضررة بشكل كبير من جراء التوحل. كما يتم العمل على معالجة مشكلة صعود المياه المالحة في واحات الجنوب، خصوصاً ورقلة ووادي سوف، وتعميم الاستهلاك الرشيد للموارد المائية. اما قطاع الزراعة فيستدعي اهتماماً أكثر بأراضي الجنوب، وتحويل بعض الزراعات المتضررة الى زراعات أقل استهلاكاً للمياه.
وتفقد الجزائر نحو 4000 طن من التربة سنوياً بسبب الانجراف المائي والريحي. لهذا نص مخطط العمل الوطني على ضرورة الإسراع بحماية المناطق الهشة من الانجراف، وتجديد الإحصاء الوطني للغابات، وتنظيم الرعي لتجديد الغطاء النباتي خصوصاً في السهوب، والاهتمام بالحظائر الوطنية مثل القالة وشريعة.
ولأن الواجهة البحرية تعاني انعكاسات الضغط المتزايد عليها، فهي ضمن قائمة الأولويات من حيث تنمية الموارد البحرية وتهيئة الساحل وتخفيف الضغط وتثمين التراث السياحي.
وتبقى الصحة البشرية هي الاستثمار الدائم الذي يتوجب حمايته من مصادر التلوث التي تؤثر في نوعية المياه والهواء وسلامة الأغذية. وقد أدرك العالم أهمية ذلك، بحيث وضع قضية الحد من الفقر وتحسين مستوى معيشة الأفراد بين أبرز أهداف الألفية الثالثة.